السرطان

ينهك "الجسد العربي" وفجوة الرعاية تتسع

في عام 2018، اكتشف العالم أقدم إصابات معروفة بالسرطان. المرضى الأقدم في العالم هم من الفراعنة.

الباحثون في جامعتي غرناطة الإسبانية وأسوان المصرية اكتشفوا هذه الإصابات عبر الأشعة المقطعية لعظام مومياوتين في مقبرة فرعونية بصعيد مصر. الأولى لأنثى توفيت متأثرة بسرطان الثدي قبل الميلاد بنحو ألفي عام. أما الثانية فلصبي توفي بعدها بنحو 200 عام متأثراً بسرطان النخاع الشوكي المتعدد، وهو ما يعني، بحسب فريق الباحثين، أن السرطان كان موجوداً في هذا الزمن، أي أنه متأصل في جسم الإنسان بصورة أو بأخرى.

يبدو أنه مرض متجذر منذ القدم في المنطقة، فالتوقعات تشير إلى أن العبء الأكبر الناجم عن زيادة الإصابة بالسرطان بحلول عام 2030 سيكون من نصيب منطقة شرق المتوسط التي تقع فيها غالبية الدول العربية.

السرطان في شرق المتوسط

نحو 1.6 مليون حالة  تشخيص نحو 734 ألف شخص سنوياً وفاة نحو 459 ألف شخص سنوياً

حسب تقديرات مكتب شرق المتوسط في منظمة الصحة العالمية "إمرو"

سرطان واحد وعوامل متفاوتة

إذا كان مرض السرطان لا يفرّق بين سكان الكوكب في الاستهداف، فإن العوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تؤدي إلى تفاوتات في جهود وقدرات الوقاية والإصابة والعلاج والبقاء على قيد الحياة بأفضل شكل ممكن تفرّق كثيراً بينهم. كذلك المعايير الثقافية والمساواة بين الجنسين ومستويات التعليم، وغيرها من عوامل التمييز القائمة على العمر والجنس والعرق والإعاقة وأسلوب الحياة جميعها يؤثر سلباً في البعض، وجزء كبير من هذا "البعض" يسكن المنطقة العربية.

في غالبية الدول العربية يجري تشخيص معظم حالات السرطان في مرحلة متأخرة، وتكون العلاجات حينئذ أقل فعالية، وهو ما يعني نتائج سيئة للمرضى. وبحسب "إمرو"، فإنه وعلى الرغم من التطورات الإيجابية التي جرت في بعض دول الإقليم، تظل الوقاية من السرطان ومكافحته في مرحلة "مبكرة جداً" بحاجة إلى مزيد من الجهد والمخصصات المالية الكبيرة والماسة.

الحقيقة العلمية المفزعة تشير إلى أن "السرطان بين العرب ينمو بوتيرة تنذر بالخطر"، حسبما أشارت دراسة منشورة على موقع "إمرو" عنوانها "ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في العالم العربي: حان وقت العمل" (2021).

6 مجالات للوقاية والسيطرة على السرطان

- الحوكمة - الوقاية - الكشف المبكر والعلاج - الرعاية التلطيفية في المراحل المتقدمة - الرصد - البحث

أنواع السرطان الأكثر انتشاراً عربياً

- الثدي - الرئة  - عنق الرحم  - القولون والمستقيم  - البروستاتا

مسببات السرطان الأكثر شيوعاً عربياً

- التدخين - التنقل بالآليات بدلاً عن المشي - قلة ممارسة الرياضة - تناول الأطعمة غير الصحية والسمنة - طريقة استهلاك الكحول - تلوث الهواء والبيئة المحيطة

مصر: قصة في كل بيت

يكاد لا يخلو بيت في مصر من قصة مريض تعافى أو متعايش أو قضى بسبب السرطان. قسوة القصص والحكايات لا تقتصر على رحلة التشخيص والعلاج، وربما العجز عن الحصول على الدواء، لكنها تمتد إلى قسوة التعامل مع المرض نفسه الذي يفتقد الأرقام والإحصاءات ومعدلات الإصابة التي تمكن البحوث والجهود العلمية من إحداث الفرق في حياة مريض السرطان وأسرته من جهة، وكذلك في الوقاية والرصد والمتابعة.

على الرغم من الطفرة الكبيرة والواضحة على صعيد الجهود الرسمية والأهلية لتأسيس مستشفيات متكاملة ومزودة بأحدث الوسائل والأجهزة التشخيصية والعلاجية في العقدين الماضيين، وعلى الرغم أيضاً من تزايد الوعي الشعبي تجاه هذا المرض والتعامل معه، فإن افتقار الأرقام الدقيقة للإصابة على المستوى الوطني ما زالت عقبة رئيسة.

ويشير واقع السرطان في مصر إلى كلفة فادحة لعلاج أي من أنواع المرض الكثيرة. متوسط الكلفة السنوية للعلاج التي تختلف صعوداً أو هبوطاً بحسب نوع المرض ومرحلته، تبلغ ما يعادل 42 ألف دولار سنوياً، وقد تصل إلى مليون دولار سنوياً في بعض الحالات (متوسط عالمي). وبحسب أحدث إحصاء رسمي في مصر، فقد بلغ عدد مرضى السرطان الذين يتلقون العلاج على نفقة الدولة 324 ألفاً و949 مريضاً.

الأمراض غير السارية تتسبب في 85 في المئة من الوفيات في مصر. وبحسب دراسة عنوانها "السيطرة على السرطان في مصر: الاستثمار في الصحة" (2021)، فإن أمراض السرطان المختلفة تتسبب في 14 في المئة من الوفيات في البلاد محتلة بذلك المرتبة الثانية في مسببات الوفاة بعد أمراض القلب والأوعية الدموية (46 في المئة).

السرطان في مصر

* حسب دراسة لفريق طبي مصري منشورة في "دورية علم الأوبئة السرطانية" عام 2014

جهود حكومية وعمل أهلي

وزارة الصحة والسكان المصرية اعتمدت شبكة قومية للأورام عبر "البرنامج القومي لمواجهة السرطان"، التي تضم 49 فرعاً في شتى المحافظات، منها ثمانية مراكز لعلاج الأورام و15 مستشفى كبرى. ويعد هذا البرنامج نقطة انطلاق بناء قاعدة بيانات للاكتشاف المبكر للسرطان وإعداد أطلس جغرافي له.

وكانت الجغرافيا من أبرز العراقيل في طريق حصول مريض السرطان على الخدمات التشخيصية والعلاجية اللازمة. فمريض السرطان في الصعيد كان أقل حظاً من قرينه في القاهرة أو الإسكندرية في الحصول على الرعاية اللازمة، وذلك لتركز الخدمات في العاصمة والمدن الكبرى. وفي الأعوام القليلة الماضية، نشطت الجهود الأهلية، بمساعدة الدولة ودعمها، في توسيع قاعدة تقديم الخدمات لمرضى السرطان في الأماكن المحرومة.

ومن أبرز الجهود التي خرجت فعلياً إلى النور وتقدم خدماتها لفئة عريضة من مرضى السرطان وتساندهم في رحلة العلاج، "مؤسسة مستشفى سرطان الأطفال مصر" التي باتت تعرف بـ"مستشفى 57357"، وهو رقم الحساب البنكي الذي يتلقى التبرعات، و"مستشفى شفاء الأورمان" في صعيد مصر. لكن هذه المستشفيات كغيرها من تلك القائمة على التبرعات تعاني كثيراً بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة وانعكاساتها المتمثلة في انخفاض الهبات وزيادة أسعار الأدوية والمعدات اللازمة لعلاج مرضى السرطان.

 

واقع السرطان في مصر يشير إلى كلفة فادحة للعلاج يعجز عنها كثيرون (أ ف ب)

واقع السرطان في مصر يشير إلى كلفة فادحة للعلاج يعجز عنها كثيرون (أ ف ب)

تتصدر مدينة عسير السعودية قائمة المصابين بالسرطان (جمعية السرطان السعودية)

تتصدر مدينة عسير السعودية قائمة المصابين بالسرطان (جمعية السرطان السعودية)

السعودية: المنطقة الجنوبية تتصدر

  • المنطقة الجنوبية في السعودية هي المنطقة الأكثر إصابة بالسرطان على مدى عقدين من الزمن، إذ شكلت ما يقارب 13 في المئة بشكل شبه ثابت من معدل الإصابات.
  • مدينة عسير تتصدر قائمة المصابين بالسرطان تليها مدن جنوبية أخرى منها جازان والباحة ونجران.
  • أكثر أنواع السرطان انتشاراً في المنطقة الجنوبية هي:
سرطان الثدي، يليه القولون وسرطان الغدد والدم.
  • أبرز عوامل الإصابة بالسرطان هي تقدم العمر والسمنة والتعرض للإشعاعات والتدخين والالتهابات المزمنة.
  • الأكثر تعرضاً للإصابة بالسرطان هم كبار السن والأشخاص أصحاب التاريخ العائلي الوراثي.

* حسب ورقة بحثية أعدها أكثر من 120 مختصاً وأعلن عنها في ملتقى الأبحاث الصحية بجامعة الملك خالد عام 2022

يقول استشاري الأورام الباطنية في جامعة الملك خالد، عبد الرحمن اللغبي، إنه من المتوقع أن يكون هناك نحو 151719 حالة سرطان جديدة و30718 حالة وفاة بسبب السرطان في السعودية بحلول 2025،

وإن الأنواع الأكثر شيوعاً هي:

هي سرطان الثدي والأمعاء والغدة الدرقية.

أما السرطانات الأكثر انتشاراً بين الإناث السعوديات فهي سرطان الثدي والغدة الدرقية وسرطان القولون،فيما تلك المنتشرة بين الذكور هي سرطان المستقيم والقولون واللمفوما والبروستاتا.

ويشير المتخصص بأمراض السمنة والجراحة العامة عبدالله البراك، إلى السمنة كـ"مرض العصر" موضحاً أن مضاعفاتها المتعددة تشمل رفع احتمالية الإصابة بأورام عدة في الجسم، مثل أورام القولون والمستقيم وأورام الرحم والمبايض وأورام الثدي عند كبار السن والمرارة وأعلى المعدة والكلى وغيرها، وذلك بسبب تأثيرها في الهرمونات إضافة إلى حالة الالتهاب المزمن التي تسببها.

تعمل وزارة الصحة السعودية على مبادرات اجتماعية وصحية عدة للتصدي للسرطان، بما في ذلك مبادرة "الرشاقة" لخفض معدلات السمنة في أوساط طلاب المدارس، وإطلاق النموذج الأولي لبرنامج الكشف المبكر عن سرطان الثدي باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي، والذي يستهدف تحسين جودة التشخيص وزيادة كفاءة الأطباء وفرص اكتشاف المرض في مراحل مبكرة.

ويعمل عدد من الجمعيات الخيرية في السعودية للتوعية بالسرطان والعلاج والعناية بذوي المصابين، منها جمعية مكافحة السرطان التي أعلنت في تقريرها الأخير عن تقديم 24059 خدمة لمرضى السرطان في عام 2022.

الأردن... العلاج للأغنياء فقط

الحرب ضد السرطان في الأردن منهكة. وتجد السلطات نفسها في صراع دائم مع الوقت والمخصصات المالية أمام تزايد الحالات بوتيرة مقلقة تتراوح بين خمسة وعشرة في المئة سنوياً، فيما يعتبر هذا المرض السبب الثاني للوفيات في البلاد.

ويعيش معظم مرضى السرطان في الأردن واقعاً مؤلماً إذ يقبع المئات منهم شهرياً على قوائم الانتظار للحصول على علاج، وهو أحد أكبر التحديات في الأردن الذي يشهد تشخيص 20 ألف حالة سنوياً.

من بين أكثر أنواع السرطان شيوعاً في البلاد تلك التي تصيب

الثدي والقولون والمستقيم والرئة والبروستاتا والدماغ.

وتسهم عوامل عدة بين وراثية وبيئية ونمط حياة غير صحي في زيادة معدلات الإصابة، ويقول مراقبون ومختصون إن التلوث البيئي واحد من بين هذه العوامل، إضافة إلى تعرض الأفراد للأشعة الشمسية بشكل مفرط، وكذلك للمواد الكيميائية الضارة، وتناول المواد الغذائية ذات السعرات الحرارية العالية والدهون والمواد الحافظة، فضلاً عن التدخين وعدم ممارسة النشاط البدني بشكل منتظم.

ووفقاً لمركز الحسين للسرطان فإن الزيادة في حالات السرطان في الأردن تتماشى مع السياق الموضوعي للتغيرات المجتمعية من حيث زيادة عدد السكان ومتوسط الأعمار والتغيير بنمط الحياة وشيوع الاعتماد على الأطعمة السريعة وزيادة نسب السمنة.

السرطان في الأردن

- تسبب بوفاة 3084 شخصاً في 2021 أي 7.15 في المئة من إجمالي الوفيات - تشخيص نحو 8-9 حالات لكل 100 ألف شخص - سرطان الثدي الأكثر انتشاراً بين النساء بنسبة 39 في المئة - سرطان القولون والمستقيم الأكثر انتشاراً بين الرجال بنسبة 13 في المئة - سرطان الدم الأكثر شيوعاً بين الأطفال

*وفقاً لوزارة الصحة الأردنية

علاج ووقاية

تحاول الحكومة الأردنية الحد من انتشار السرطان عبر تنفيذ عدد من البرامج والمبادرات التوعوية والوقائية، إضافة إلى توفير حد أدنى من الرعاية الصحية اللازمة للمرضى، لكن يبدو أن وتيرة المرض أسرع من كل الجهود المبذولة، وهو ما دفع السلطات للتوجه إلى تحسين بيئة العمل والحد من التلوث البيئي، بموازاة توفير العلاج الكيميائي والإشعاعي والجراحة، وتوفير الأدوية والمستلزمات الطبية اللازمة. كما تولي الحكومة أهمية لدعم البحث العلمي في مجال السرطان والأمراض المرتبطة به، وتشجع الابتكار وتقنيات العلاج الجديدة، وتعقد شراكات مع منظمات دولية في هذا المجال.

على الصعيد الأهلي، تنشط عديد من المنظمات الخيرية والجمعيات التي تعمل على دعم مرضى السرطان وتوفير المساعدات اللازمة لهم، فتقدم خدمات العلاج والرعاية التلطيفية للمرضى عبر عدة مراكز علاجية متخصصة أبرزها وأكثرها شهرة "مركز الحسين للسرطان" الذي يعتمد على التبرعات ومستشفى الجامعة الأردنية، وهما مزودان بالتجهيزات الحديثة والأجهزة الطبية عالية التقنية التي تتيح تشخيص المرض في مراحله المبكرة.

لكن لا يشمل علاج السرطان في الأردن الجميع، وهو ما دفع مراقبين في السنوات الأخيرة إلى توجيه نقد للحكومة، واعتبار أن علاج هذا المرض أصبح للمقتدرين والأغنياء فقط، إذ يرزح قسم كبير من المرضى تحت المعاناة وعدم القدرة على تحمل التكلفة الباهظة لمواجهة المرض، على الرغم من التغطية التي يوفرها الديوان الملكي وعدد من الجمعيات الخيرية لهؤلاء.

(مركز الحسين للسرطان)

(مركز الحسين للسرطان)

مستشفى البيروني في دمشق (سانا)

مستشفى البيروني في دمشق (سانا)

سوريا... مستشفى وحيد لكل المرضى

يوجد في سوريا كلها مستشفى وحيد متخصص في علاج الأورام السرطانية يتجمع فيه معظم أطباء الأورام، وهو مستشفى البيروني في دمشق الذي يستقبل نحو ألف إصابة جديدة بالسرطان شهرياً، بينما بلغ عدد المرضى الجدد خلال 2022، 10300 مريض. وهذا ينعكس على عدم قدرة البلاد على استيعاب المرضى، بالتالي فإن التشخيص والعلاج يدخل في خانة الانتظار والروتين في حين أن خطورة المرض تستدعي العلاج السريع باعتبار أن التريث عدو أساسي في هذه الحالات.

ويقدم المستشفى الخدمات التشخيصية والعلاجية والمتابعة للحالات الورمية بشكل شبه مجاني لجميع السوريين، إضافة إلى الخدمات التعليمية في تدريب الكوادر الطبية والتمريضية. كما يستقبل نحو 70 في المئة من مرضى الأورام في سوريا، بما يعادل نحو 13 ألف حالة جديدة في العام، وتزداد هذه النسبة بين 15 و20 في المئة كل عام. إضافة إلى ذلك، ينفرد المستشفى بوجود مركز بحثي علمي يُعنى بدراسة الأورام في سوريا، ويجري كل عام عدداً من البحوث العلمية بتخصصات مختلفة يقدمها أطباء الدراسات العليا والأطباء الاختصاصيين في المستشفى عن طريق قسم الأورام التابع لجامعة دمشق.

سوريا

- تحتل المركز الخامس بين دول غرب آسيا في إصابات السرطان نسبة إلى عدد السكان - 196 شخصاً من بين كل 100 ألف سوري يصابون بالمرض - وفيات السرطان تصل إلى 105 من أصل 100 ألف شخص - سرطان الرئة والبروستات الأكثر انتشاراً عند الرجال وسرطان الثدي عند النساء

* وفق إحصائيات من الوكالة الدولية لبحوث السرطان وتقارير لوزارة الصحة السورية

رحلة شاقة

فور تشخيص إصابة أحدهم بمرض السرطان، فإن أول فكرة تتبادر إلى الأذهان رحلة العلاج الطويلة والمؤلمة إذ لا خيار أمام العائلات إلا مستشفى البيروني ذات القدرات المحدودة لوجيستياً وبشرياً. وإن حالف المريض الحظ واستطاع الحصول على علاج في هذا المستشفى أو غيره مما ندر، فإن المرضى سيصطدمون بواقعٍ جديد، فما كان قبل سنوات الحرب مجانياً أصبح اليوم مكلفاً، إذ يثقل هذا المرض كاهل الدولة مع تدني سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، إضافة للعقوبات التي فرضت على سوريا، التي على رغم استثناء الشق الطبي منها، وقفت حائلاً في وجه المعاملات المصرفية التي عرقلت عمليات التبادل.

وما يفاقم الأزمة حالة الفساد المستشري، إذ قد تصل الحال ببعض المتنفذين لمنع العلاج عن كثيرين والإشاعة بانقطاعه لبيعه في مكان آخر بأسعار مرتفعة جداً، مستغلين بذلك حاجة المرضى لخيط أمل. كما أن هناك بعض المسؤولين الرسميين يقولون إن معظم الأدوية السرطانية قد تتوفر بنسبة معينة، ولكن وزارة الصحة تؤكد تدوير الأدوية بين الجهات والمحافظات الأخرى حرصاً منها على أن تصل إلى أكبر عدد من المرضى وعدم فقدانها.

وفي حالات كثيرة يطلب الأطباء من المرضى أو ذويهم تأمين الدواء من أي مكان بخاصة الأجنبي، فهناك صيدليات قادرة على تأمينه من دول الجوار لاسيما لبنان، وعلى رغم ارتفاع سعره يبقى أفضل من الأدوية المنتجة محلياً، إذ يوجد معمل واحد في سوريا ينتج أدوية خاصة بالسرطان، لكنه بحسب شهادة بعض المرضى، غير فعال ولا ينصح به الأطباء. أما في ما يخص الاستيراد، فهناك جهة واحدة مسؤولة عن شحن الأدوية لمرضى السرطان وهي تستورد 30 في المئة من مصدر عالمي، والباقي تحصل عليه من إيران وروسيا. وحتى في الاستيراد يراعى معيار التكلفة، لذلك قد يدخل إلى البلاد دواء بسعر أقل وبفائدة أقل.

 

العراق... ضريبة الحرب تزيد وطأة المرض

في العراق، يحتل السرطان المركز الثاني في الأمراض المسببة للوفاة، بنسبة 11 في المئة. وتمثل الأمراض غير السارية مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطانات والسكري وأمراض الرئة المزمنة 55 في المئة من أسباب الوفاة.

يحتل السرطان المركز الثاني في الأمراض المسببة للوفاة، بنسبة 11 في المئة. وتمثل الأمراض غير السارية مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطانات والسكري وأمراض الرئة المزمنة 55 في المئة من أسباب الوفاة.

تقول مديرة شعبة الوقاية والكشف المبكر عن السرطان ومديرة شعبة التسجيل السرطاني في مجلس السرطان في وزارة الصحة سرى ياسين عبد، إن في العراق 34 مركزاً لمعالجة الأورام السرطانية تقدم مختلف الخدمات التشخيصية والعلاجية. وتشير إلى أن سرطان الثدي يشكل النسبة الأعلى بمعدل ثلث الحالات المسجلة بنسبة 35 في المئة، يليه سرطان الرئة وتتبعها أنواع السرطان التي تصيب القولون والبروستات والدم والجهاز العصبي والغدة الدرقية.

وتقول عبد إنه لا توجد دراسات وافية عن أسباب السرطان في أنحاء العراق تغطي كل المناطق والفئات والطبقات، كما لا توجد بحوث تتعلق بالوضع في كل محافظة. ورغم ذلك، فيمكن استخلاص مؤشرات عامة، "لا يمكن إغفال ما تعرض له العراق من حروب شهدت استخدام أنواع مختلفة من الأسلحة المسببة للتلوث. كما يجب أخذ في الاعتبار عامل الانبعاثات الغازية، وأسلوب الحياة الجديد حيث الاعتماد المفرط على التكنولوجيا، وقلة ساعات النوم والأكل غير الصحي والتأثير النفسي، بسبب الأجواء المشحونة سياسياً وأمنياً، وجميعها عوامل قد تكون من مسببات الإصابة".

وعلى الرغم من رصد زيادة الحالات، فإن هذه المعدلات متوافقة مع المعدلات العالمية التي هي في زيادة مستمرة، حيث لم يتجاوز العراق بعد الخطوط الحمراء. ووزارة الصحة هي الجهة الوحيدة في العراق الداعمة لمريض السرطان، وهي المسؤول الوحيد عن توفير العلاج بكل أنواعه، وهو ما يثقل كاهل الوزارة، لا سيما مع قلة المخصصات المالية التي تعاني منها.

فسحة أمل رغم الصعوبات

ومن العقبات التي تواجه هذا القطاع في العراق، انعدام الاستقرار السياسي وهروب المنظمات الدولية التي تمد يد العون، استنزاف ميزانية وزارة الصحة المحدودة أصلاً والتي تغطي تكاليف القطاع الطبي، وبطء آلية الحصول على العلاج بعد التشخيص. وتقول عبد، "يعتمد الحصول على الأدوية المعالجة للسرطان على الهيئة العليا لانتقاء الأدوية الوطنية، وتعمل تحت مظلة وزارة الصحة ومهمتها تقييم العلاجات الأكثر نفعاً للمريض، ثم يجري التعاقد مع الشركات المختصة لتوريد الأدوية، وهو أسلوب تعاقد بطيء، ويؤدي ذلك إلى تأخر وصول العلاج للمريض".

ويحمل رئيس "جمعية رعاية مرضى اللوكيميا" في العراق محمد كاظم جعفر كثيراً من الذكريات المؤلمة لمعاناته مع مرض اللوكيميا النخاعية المزمنة المصاب بها منذ 2007. يتحدث عن انتكاسات صحية عديدة بسبب ما يصفه بـ"السياسات الصحية الخاطئة لوزارة الصحة، من ضمنها تبديل العلاجات من الجيدة إلى الرديئة". ويشير إلى علاجات مستوردة أدى بعضها إلى تدهور في حالات مرضية في عام 2008.

"جمعية رعاية مرضى اللوكيميا" في العراق، التي تأسست عام 2011، تهدف إلى الضغط على وزارة الصحة لتوفير العلاج من مصادر عالمية رصينة وليس من صناعات محلية فعاليتها غير مؤكدة، وهو ما قامت به من خلال سلسلة من التظاهرات للضغط على الحكومة لتحسين الخدمات الصحية المقدمة لمرضى السرطان.

ويؤكد مدير مستشفى الأورام التعليمي في مدينة الطب وئام عبد الفتاح صالح، أن هناك تطوراً كبيراً على صعيد التعامل مع السرطان وإن كان دون مستوى الطموح. ويشير إلى أهمية الفحوص المبكرة للكشف المبكر عن المرض، مضيفاً أن المستشفيات بدأت تستدعي الفئات المستهدفة لهذا الغرض. فمثلاً تتم دعوة النساء المتراوحة أعمارهن بين 40 و60 عاماً للخضوع للكشف المبكر عن سرطان الثدي. كما تتم دعوة العاملين في حقول النقل المعرضين للمواد الكيمائية للكشف المبكر عن سرطان الرئة.

 

إجراء الفحوص في العراق يسبقه تسجيل وتوثيق للمريض يستغرق وقتاً طويلاً (وزارة الصحة العراقية)

إجراء الفحوص في العراق يسبقه تسجيل وتوثيق للمريض يستغرق وقتاً طويلاً (وزارة الصحة العراقية)

يشهد لبنان حالياً ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات انتشار السرطان (أ ف ب)

يشهد لبنان حالياً ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات انتشار السرطان (أ ف ب)

لبنان: قبل الأزمة ليس كبعدها

بين هجرة الأطباء والممرضين، وانقطاع الدواء، والوضع المعيشي المتردي، وارتفاع تكاليف المعاينات الطبية والفحوص، والضغوط المتزايدة على قطاع الاستشفاء، يبدو المشهد في لبنان اليوم مختلفاً، وكأنه أيضاً يشهد ارتفاعاً ملحوظاً في معدلات انتشار السرطان، وإن كانت الأرقام غير متوافرة. غير أن معدلات الإصابة بهذا المرض ارتفعت على المستوى العالمي، وليس في لبنان بشكل خاص.

على رأس قائمة الأسباب التي أسهمت في هذا الارتفاع، يضع الطبيب الاختصاصي في أمراض الدم والأورام مروان غصن، الزيادة في متوسط العمر كسبب رئيس لا يُستهان بأهميته، فمع التقدم بالسن يزيد خطر الإصابة بالسرطان عامة. أما نمط الحياة والتلوث والتوتر والتدخين والسمنة، وغيرها من العوامل فتزيد أيضاً خطر الإصابة بالمرض.

السرطان في لبنان

250 حالة جديدة لكل 100 ألف نسمة نحو 14 ألف حالة جديدة سنوياً السرطانات الأكثر انتشاراً:  الرئة والبروستات والثدي والقولون والمعدة

لأسباب لم تتضح بعد، ترتفع معدلات الإصابة بسرطان المثانة بشكل ملحوظ في لبنان بالمقارنة مع الدول الأخرى كافة. واعتبرت دراسات أن هذه الزيادة قد تكون ناتجة عن استخدام المبيدات الكيماوية، فيما اعتبرتها أخرى ناتجة عن العامل الجيني وأخرى رجّحت أن السبب قد يكون في الماء.

ويشير غصن إلى وجود ارتفاع ملحوظ في معدلات التدخين في البلاد حالياً، ما يهدد بارتفاع أكبر بمعدلات الإصابة بسرطان الرئة، خصوصاً أن الزيادة الملحوظة في التدخين عامة، وفي تدخين النرجيلة بشكل خاص، سُجّلت في الأزمة. ويبقى الخطر الأكبر في ما كشفته دراسات في المدارس عن زيادة في معدلات التدخين وفي السلوكيات الخاطئة كالنمط الغذائي بين الأطفال، لكن تداعيات الوضع الحالي قد تظهر خلال 15 أو 20 سنة، فتسهم في ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان أكثر بعد عندها.

ويشكل سرطان الثدي 25 في المئة من مجمل حالات السرطان في البلاد، كذلك بالنسبة لسرطان الرئة، مع نسبة أدنى لسرطان القولون، ويليه سرطان المثانة.

وعلى الرغم من وجود عوامل عديدة تسهم في ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان، هناك عوامل أسهمت في الحد من خطر إصابة المواطن اللبناني، كالنظام الغذائي المتوسطي، لغناه بالفاكهة والخضراوات وزيت الزيتون والحبوب والسمك في مقابل انخفاض معدلات اللحوم. فساهم النظام المتوسطي المعتمد في لبنان في حماية المواطنين من السرطان في الأعوام التي سبقت الأزمة. أما حالياً فلا يمكن أن نعوّل عليه، لعدم قدرة المواطن على تأمين معظم مكوناته بسبب تراجع القدرة الشرائية وارتفاع كلفتها.

من جهة أخرى، تنخفض معدلات البدانة في لبنان بالمقارنة مع الولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج. ويوضح غصن أن البدانة تلعب دوراً مباشراً في زيادة خطر الإصابة بأنواع عديدة من السرطان، وأهمها سرطانات الثدي والبروستات والبنكرياس. أيضاً، للنشاط الجسدي دور إيجابي في الوقاية من السرطان كما أصبح معروفاً. ومعدلات ممارسة الرياضة ترتفع عامةً في لبنان، بسبب مناخه وطبيعته، بالمقارنة مع غيره من دول المنطقة.

 

برنامج غير كاف في ليبيا

في ليبيا، أعلنت الحكومة عن مبادرة "شفاء" التي تهدف لتوطين علاج مرضى السرطان في الداخل، واستحدثت الهيئة الوطنية لمكافحة السرطان، التي تهدف إلى وضع السياسات والخطط والبرامج اللازمة لمكافحة المرض ومتابعة تنفيذها. واعتمدت الحكومة الوثيقة الوطنية للوقاية والكشف المبكر، التي ستبدأ بمراحل التوعية والوقاية حتى فبراير (شباط) 2024 لتنطلق بعدها مرحلة الفحص الإلزامي لكل النساء الليبيات فوق سن الـ35 عاماً.

تصف طبيبة باطنة الأورام بمركز سرت لعلاج الأورام سعاد القعود، هذه الجهود الحكومية بـ"غير الكافية"، مؤكدة أن "البرنامج الحكومي لدعم مرض السرطان يشوبه قصور في خدماته" وأن "علاج السرطان في ليبيا كان ولا يزال يعتمد على الجهود الذاتية المبذولة من قبل الأطباء فقط"، وفق تعبيرها.

وبخصوص إمكانية الذهاب نحو توطين العلاج بالداخل، أكدت المختصة بباطنة الأورام أن "الوقت متأخر جداً للحديث الآن عن هذه الاستراتيجية الصحية". وللتسريع في توطين العلاج بالداخل، اقترحت القعود ضرورة الاهتمام بمراكز علاج الأورام وتوفير التقنيات اللازمة لتشخيص المرض وإنشاء مراكز البحوث التقنية الحيوية والهندسة الوراثية. وأشارت القعود إلى أن "وجود 6 مراكز لعلاج الأورام في ليبيا قليل جداً مقارنة بعدد مرضى السرطان الذي يصل إلى 7671 مريضاً يضاف كل عام إلى سجل مرضى السرطان" في البلاد، موضحة أن "هناك مرضى بالقرى والمناطق النائية لا يمكنهم الوصول إلى هذه المراكز الصحية المتركزة بالمدن".

ودعت القعود الدولة الليبية للعمل على توفير العلاجات الإشعاعية الخارجية والداخلية والدقيقة منها والاهتمام بالكوادر الطبية وشبه الطبية عبر التكثيف من الدورات التدريبية وتوفير الأرضية الملائمة للتشجيع على التخصص في هذا المجال وتوأمة المراكز الأم في ليبيا مع مراكز متطورة في علاج السرطان في العالم العربي والعالم الغربي، وتوفير أنواع العلاج الكيماوي واليود المشع (مرضى السرطان في ليبيا يتجهون إلى تونس للحصول عليه) وإدراج جميع الأدوية ضمن القائمة النمطية (المسؤولة عن توفيرها الدولة فقط) وتوفير العلاج المناعي لأنه باهظ الثمن.

ورشحت العقود المنطقة الوسطى (سرت ومصراتة) للترتيب الأول في الإصابة بالسرطانات واصفة النسبة فيها بالمخيفة، إذ وصلت إلى تسجيل حالة سرطان كل يوم في سجل مرضى السرطان في ليبيا على مدى عدة شهور.

السرطانات الأكثر انتشاراً في ليبيا:

الثدي, القولون,الرئة,البروستاتا، االلوكيميا،الرحم

* دراسة لسجل السرطان في ليبيا عام 2020

وعن أسباب انتشار السرطان تشير العقود إلى أن هناك من يربط بينها وبين إشعاعات الحروب، غير أن هذا الأمر يحتاج إلى قياس نسبة الانبعاثات الإشعاعية التي تمت فعلاً عن طريق لجان أممية في ليبيا لمرة واحدة منذ 2011 (فترة اندلعت فيها عدة حروب واستعملت فيها مختلف أنواع الأسلحة). غير أن طرابلس لم تتحصل حتى الآن على نتائج هذه الدراسة، الأمر الذي جعل الشكوك تتجه إلى وجود علاقة تلازمية بين كثرة الإصابات السرطانية والانبعاثات الإشعاعية، بخاصة بعد ازدياد أعداد السرطانات بجميع أنواعها في مختلف أنحاء البلاد.

ويقول طبيب الأشعة التشخيصية وعضو مجلس إدارة الاتحاد الليبي لمكافحة السرطان أيوب البوري، إن "نسبة الإصابة بالسرطان لدى الأطفال في ليبيا تحت سن 15 سنة، تصل إلى 30.1 في المئة من مجموعة السرطانات كاملة". واستبعد البوري أن "تكون الانبعاثات الإشعاعية هي السبب وراء ارتفاع نسبة السرطان في ليبيا"، مؤكداً أن "زيادة الوعي بالكشف المبكر وانتشار التقنية التشخصية لمرض السرطان في ليبيا هي العامل الأساسي وراء هذا الارتفاع". 

يشوب برنامج الحكومة الليبية لدعم مرضى السرطان قصور في خدماته (مركز علاج الأورام في مصراتة)

يشوب برنامج الحكومة الليبية لدعم مرضى السرطان قصور في خدماته (مركز علاج الأورام في مصراتة)

تشتكي وزيرة الصحة الفلسطينية من النقص الحاد في المراكز الخاصة بعلاج السرطان (اندبندنت عربية)

تشتكي وزيرة الصحة الفلسطينية من النقص الحاد في المراكز الخاصة بعلاج السرطان (اندبندنت عربية)

فلسطين... "تعامل مشرذم"

"التعامل المشرذم" مع مرض السرطان في فلسطين دفع وزارة الصحة إلى السعي لوضع استراتيجية وطنية موحدة بهدف الكشف المبكر عن الإصابات وعلاج المرض المسبب الثالث لحالات الوفاة في ظل ارتفاع الإصابات به.

وبزيادة تجاوزت الخمسة في المئة عن سنة 2020، سجلت وزارة الصحة الفلسطينية 5320 إصابة جديدة بمرض السرطان بمعدل 108 لكل 100 ألف من الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة في عام 2021. وقد أدى المرض الذي كان لوقت قريب يتجنب الفلسطينيون ذكر اسمه، إلى وفاة أكثر من ألفي فلسطيني في عام 2021 بمعدل 41.6 وفاة لكل مئة ألف من الفلسطينيين.

وعلى رغم أن التعامل مع المرض يحتاج إلى الدمج بين العلاج الكيمائي والإشعاعي والجراحي، فإن ذلك غير متوفر في المستشفيات الفلسطينية إلا نادراً. ويُعتبر مستشفى "الأوغستا فكتوريا" (المُطلع) في القدس الوحيد في الضفة الغربية وقطاع غزة الذي يوفر خدمة علاج شاملة للسرطان من الكيميائي إلى الإشعاعي والجراحي. ومع أن مستشفى "المُطلع" غير حكومي، فإن السلطة الفلسطينية تحول إليه كل المرضى حيث تُغطى كافة تكاليف علاجهم.

وتشجع المؤسسات الصحية الرسمية والأهلية على إجراء الفحوص اللازمة للكشف المبكر عن المرض، كما تُشجع وزارة الصحة النساء على إجراء الفحوص الخاصة باكتشاف سرطان الثدي مجاناً في العيادات، لا سيما أنه السرطان الأكثر انتشاراً في فلسطين.

وأدت "وساوس الفلسطينيين وزيادة وعيهم إلى ارتفاع نسبة توجههم إلى المختبرات الطبية لإجراء فحوص مخبرية للتأكد من عدم إصابتهم بالسرطان"، وفق فني الأشعة عيسى رواشدة.

وقالت وزيرة الصحة الفلسطينية مي كيلة، إن دولة فلسطين تعمل على إنهاء ما وصفتها "حالة الشرذمة" في التعامل الوطني مع مرض السرطان عبر وضع خطة وطنية تعمل لجنة شكلتها من مؤسسات رسمية وأهلية بإشراف منظمة الصحة العالمية على ذلك. وستُشكل تلك الخطة، بحسب كيلة، علامة فارقة في التعامل مع السرطان، والكشف المُبكر عنه، وتحسين جودة الخدمة العلاجية، ورفع نسبة التعافي منه.

واشتكت كيلة خلال حديثها إلى "اندبندنت عربية" بمكتبها في رام الله من النقص الحاد في المراكز الخاصة بعلاج السرطان حيث لا يوجد سوى مستشفى "المطلع" في القدس. وبحسب المعايير العالمية يجب أن يكون ستة مراكز متخصصة في السرطان في الضفة الغربية وثلاثة في قطاع غزة.

لكن كيلة أشارت إلى أن العلاج الجراحي والكيميائي للسرطان متوفر في مستشفيات حكومية في شمال ووسط وجنوب الضفة الغربية، مشيرة إلى أن الوزارة وفّرت أدوية كيميائية في تلك المستشفيات بدل تحويلها إلى المستشفيات الخاصة. وأضافت أن تكلفة علاج حالة واحدة من مرضى السرطان في المستشفيات الخاصة تكفي لعلاج ست حالات في المستشفيات الحكومية. وأشارت كذلك إلى أن الفحص الشامل لمرض السرطان غير متوفر بالكامل، عدا فحص سرطان الثدي الذي يُسهم الكشف المبكر عنه في التعافي منه بنسبة 98 في المئة.

وأرجعت وزيرة الصحة الإصابة بالسرطان إلى العوامل الوراثية والبيئية، وضغوط الحياة وأساليبها، وزواج الأقارب. ولم تستبعد أن تكون النفايات النووية التي تدفنها إسرائيل قرب الخط الأخضر مسؤولة عن ارتفاع نسبة السرطان، مشيرة إلى إصابة عائلات بأكملها بالمرض في مناطق توجد فيها تلك النفايات، إلا أنها شددت على أنها لا تمتلك معلومات قطعية بشأن ذلك.

ويعتبر سرطان الثدي أكثر الأنواع شيوعاً في فلسطين، ويأتي بالمرتبة الثانية القولون ثم الرئة. وترتفع نسبة الوفيات بين الذكور مقارنة بالإناث لأن السبب الأول للوفاة بين مرضى السرطان هو سرطان الرئة، وهو نوع أكثر شيوعاً بين الذكور.

 

المشوار ما زال طويلاً في تونس

مشوار طويل آخر يخوضه مرضى السرطان في تونس حيث تشهد البلاد كغيرها من دول العالم ارتفاعاً في نسب الإصابة. الإحصاءات الرسمية الصادرة عن إدارة الرعاية الصحية الأساسية تشير إلى أن أكثر أنواع السرطان انتشاراً بين النساء في تونس سرطان الثدي يليه القولون. أما الرجال، فيأتي سرطان الرئة في المقدمة.

أسباب انتشار السرطان في تونس

التغذية غير السليمة,السمنة,الركود البدني,التدخين,استهلاك مفرط للكحول

* ورقة بحثية صادرة عن وزارة الصحة

أفاد الأستاذ بكلية الطب ورئيس قسم العلاج بالأشعة لطفي كشباطي أن عدد الوفيات في تونس بسبب مرض السرطان فاق 11 ألف حالة وفاة سنة 2021، وأضاف أن نحو 45 ألف حالة إصابة بمرض السرطان في تونس حالياً في طور الاكتشاف والعلاج. وأشار إلى زيادة عدد حالات سرطان الثدي من 600 حالة مكتشفة في عام 1974 إلى نحو ثلاثة آلاف حالياً.

وتمثل الوقاية السبيل الوحيد لتفادى ارتفاع معدلات الإصابة والوفيات الناجمة عن السرطان، لا سيما بالنسبة إلى السرطانات القابلة للتقصي مثل القولون وعنق الرحم والرئة والثدي. ويتطلب تقصي سرطان الثدي القيام بفحص سريري للثدي مرة في السنة، فيما تتطلب الوقاية من سرطان الرئة الإقلاع نهائياً عن التدخين. أما بالنسبة لسرطان عنق الرحم فيجب القيام بمسحة عنق الرحم بداية من سن 35 سنة، في حين يتعين للكشف المبكر عن سرطان القولون بعد سن الـ 50 عاماً.

العلاج في الخارج للمقتدرين

ووضعت وزارة الصحة التونسية برنامجاً خاصاً بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة السرطان في فبراير 2022 يتضمن فعاليات توعوية وكشف عن سرطان الثدي وعنق الرحم والقولون، فضلاً عن تنظيم حملة إعلامية توعوية في الغرض، وورشتي عمل للجنة الفرعية للوقاية وتقصي سرطان عنق الرحم واللجنة الفرعية لتقصي سرطان الثدي. لكن رغم مجهودات الدولة، وبسبب الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعيشها تونس، أصبح نقص أدوية الأمراض المزمنة والسرطان عقبة كبيرة تهدد أرواح المرضى.

في هذا السياق تقول رئيسة "جمعية مرضى السرطان" روضة زروق إن الجمعية أطلقت نداء عبر حساباتها على منصات التواصل الاجتماعي للتبرع لشراء أدوية لمرضى السرطان، إذ إن نحو 80 في المئة من المرضى لا يحصلون على الأدوية من المستشفيات العمومية، نظراً إلى ارتفاع أسعارها.

وتلجأ العائلات الميسورة في تونس إلى إرسال أقاربهم المرضى إلى الخارج للتداوي، في حين تكافح العائلات الفقيرة وحتى متوسطة الدخل من أجل مواجهة كل الصعوبات وتدبير أمرها في إيجاد الدواء وتحمل مصاريف العلاج في وضع اقتصادي صعب تعيشه البلاد وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن.

ويمثل مستشفى "صالح عزيز" بالعاصمة تونس، وهو مستشفى عمومي، الوجهة الرئيسة للمرضى من كل أنحاء البلاد باعتباره المركز الوحيد المتخصص في مقاومة الأمراض السرطانية، وتسعى تونس إلى إنشاء مركز آخر في محافظة قابس جنوب البلاد. كما يوجد في تونس عدة مراكز خاصة تعتبر متطورة ومجهزة مقارنة بالمراكز العمومية تستقطب غير التونسيين من جنسيات أفريقية متعددة، إضافة إلى الليبيين والجزائريين.

عدد الوفيات بسبب السرطان فاق 11 ألف حالة وفاة في تونس كل عام (أ ف ب)

عدد الوفيات بسبب السرطان فاق 11 ألف حالة وفاة في تونس كل عام (أ ف ب)

الاكتشاف المتأخر مشكلة في الجزائر

في الجزائر، يواصل داء السرطان حصد أرواح الكثيرين، وذلك في ظل الاكتشاف المتأخر الذي يأتي مفاجئاً. وأغلب الحالات يجري اكتشافها لدى إجراء تحاليل للخضوع لعمليات جراحية أو في أثناء فحوص طبية.

ولا يزال مستوى الوعي بداء السرطان أقل من التطلعات المأمولة، بخاصة في ما يتعلق بمراحل اكتشاف المرض، التي غالباً تكون في المرحلتين الثالثة أو الرابعة. كما يشكل نقص الأدوية العلاجية وسعرها الباهظ مشكلة كبيرة بالنسبة إلى مرضى السرطان وذويهم، ما يفاقم من معاناتهم مع تداعيات المرض الخبيث.

وتشير الإحصاءات الرسمية الصادرة عن وزارة الصحة الجزائرية، إلى تسجيل 47050 حالة جديدة للسرطان في 2022، بينما تقول جمعيات مساعدة المرضى المصابين بمرض السرطان إن هذا العدد يتجاوز 50 ألف حالة جديدة سنوياً، وأن سرطان الثدي يعد الأكثر انتشاراً، حيث جرى إحصاء أكثر من 15 ألف حالة سنوياً، وأكثر من 4250 حالة وفاة.

السرطانات الأكثر انتشاراً في الجزائر

الرجال:

القولون، الرئة، البروستاتا، المثانة، الجهاز الهضمي

النساء:

الثدي، القولون والمستقيم، الغدة الدرقية، الجهاز الهضمي، عنق الرحم

يقول وزير الصحة الجزائري عبد الحق سايحي، إن المخطط الوطني لمكافحة مرض السرطان 2023 - 2030، يرتكز أساساً على الوقاية باعتبارها عامل محوري في مكافحة هذا الداء ومسبباته، مشيراً إلى أن الوقاية تتمحور حول "ضرورة التوعية بأهمية التغذية السليمة وممارسة النشاط البدني ومحاربة التدخين". وأشار سايحي، في تصريحات صحافية، إلى أن سياسة القطاع تتمحور حول "التوعية بأهمية الكشف المبكر عن هذا المرض من خلال التعريف بوسائل الفحص المتاحة وإشراك المواطنين ضمن استراتيجية الفحص".

واقع مؤسف

وقال المتخصص في الصحة العمومية أمحمد كواش، إن "واقع مرض السرطان في الجزائر للأسف يتذبذب بين غياب وسائل الوقاية وكذلك الوعي بخصوص أسباب هذا الداء بمختلف أنواعه وكذلك نقص وندرة بعض الأدوية الخاصة بالعلاج من المرض". وأوضح كواش لـ"اندبندنت عربية" أن العمليات التوعوية بخصوص مرض السرطان في الجزائر "قليلة ولا ترقى إلى المستوى المطلوب، فضلاً عن عدم وجود دراسات استباقية لمواجهة المرض. إضافة إلى أن النمط الغذائي لمعظم الجزائريين غير صحي، إذ يتكون من الوجبات السريعة والأغذية المحفوظة والمشروبات التي تحتوي على ملونات وحافظات أغلبها مواد مسرطنة".

وأضاف كواش أن أغلب المستشفيات "أصبح فيها مراكز خاصة بعلاج مرض السرطان، حيث يستقبل ويتابع المصابون بالمرض ويعالجون، وهو ما يخفف من معاناة التنقل إلى المحافظات الكبرى لتلقي العلاج". كما أشار إلى دور الجمعيات الناشطة في مجال متابعة المصابين بمرض السرطان ومساعدتهم في الحصول على الأدوية والتكفل بالمرضى القادمين من مناطق نائية وتوفير الإقامة لهم في المدن الكبرى.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) 2022، أعادت الحكومة تفعيل "الصندوق الوطني لمكافحة السرطان" الذي أنشئ سنة 2012، بهدف التكفل الأمثل بالمصابين من خلال تجهيز مصالح العلاج بالأشعة، واقتناء مسرعات خطية جديدة وتوفير أدوية إضافية وصيانة الأجهزة والعتاد الموجه للعلاج بالأشعة في المستشفيات. كما قررت فتح 41 مصلحة لعلاج مرضى السرطان و77 وحدة خاصة بالعلاج الكيميائي إلى جانب 20 مركزاً لمكافحة السرطان، ستة منها تابعة للقطاع الخاص، كما تعهدت الحكومة بتخصيص اعتمادات مالية لاقتناء الأدوية والمستهلكات الطبية التي تدخل في علاج السرطان، وإنشاء سجل للسرطان على مستوى كل محافظة يسمح بتدوين معلومات دقيقة عن المرض لإجراء دراسات تحليلية حول أسباب الانتشار.

 

المغرب... شيخوخة تضاعف المشكلة

أسباب الانتشار في المغرب لا تختلف عن غيرها من الدول، سواء في القائمة المعروفة أو تلك التي تبقى سراً يحير العلماء. ووفق ورقة بحثية أعدها الطيب حمضي، طبيب وباحث في السياسات والنظم الصحية، فإنه في كل يوم يتم تشخيص نحو 140 إصابة بالسرطان في المغرب، كما جرى تسجيل 30 ألف حالة في عام 2004. و48 ألف حالة سنة 2019، و50 ألف حالة 2022، ويتوقع أن تتجاوز الحالات 60 ألفاً في 2030.

وعزا حمضي، في تصريحات إلى "اندبندنت عربية"، ارتفاع عدد الإصابات بالسرطان إلى كون وسائل وآليات التشخيص كانت ضعيفة، والولوج إلى العلاج كان باهظاً، وبالتالي لا يتم اكتشاف كثير من الحالات. وقال إن تشخيص الإصابة بالسرطان صار متاحاً وأكثر يسراً مقارنة مع الماضي، بفضل خطط العلاج ومجهودات المؤسسات المعنية، من قبيل وزارة الصحة أو مؤسسة "لالة سلمى" لمحاربة السرطان، علاوة على حملات التوعية والكشف المجاني عن سرطان الثدي على سبيل المثال. وأشار حمضي إلى عامل آخر يفسر ارتفاع عدد الإصابات، وهو تحول المجتمع المغربي تدريجاً نحو الشيخوخة وما ترافق هذه المرحلة العمرية من أمراض السرطانات، إضافة إلى نمط الحياة المعاصرة التي تتسم بعدم الحركة، وأيضاً آثار التدخين، والأمراض التعفنية.

السرطان في المغرب

50 ألف
حالة جديدة سنوياً

السرطان الأكثر انتشاراً بين النساء:

الثدي 35.8% - عنق الرحم 11.2%

السرطان الأكثر انتساراً بين الرجال:

 الرئة 22% – البروستات 12.6% – الغدد اللموفاوية 6.7%

* بيانات وزارة الصحة المغربية 2023

معاناة مشتركة

وإذا كان المريض بالسرطان في المغرب يعاني هذا المرض فإن أهل وأسرة المريض أكثر من يعاني ويكابد تداعيات المرض، سواء من حيث التكلف به، أو اقتناء الأدوية الباهظة، أو متابعة مراحل استشراء الداء بسرعة في جسد المريض.

يقول أحمد دساي، نجل مصاب بسرطان البروستات والمثانة، إن هذا المرض رغم كل الجهود المبذولة من أجل التوعية به لمواجهته، مخيف خصوصاً إذا لم يحصل التشخيص والكشف مبكراً. وتابع أن والده أهمل في البداية شعوره بالآلام التي كانت تعتريه واستهان بها، حيث ظن أن ما يعاني منه مجرد تضخم حميد في البروستات، قبل أن تكتشف الأسرة متأخرة أن داء السرطان سيطر على البروستات وامتد إلى مثانته، لتبدأ معاناة جسدية ونفسية عظيمة طالت جميع أفراد الأسرة. وأضاف أن والده كان يعاني طيلة أشهر بسبب تفشي المرض داخل جسده، حتى بات مصاباً بأمراض وأعراض مرافقة، من قبيل الأرق و"الحازوقة" والبواسير، الشيء الذي عقد وضعيته الصحية قبل أن يسلم روحه لبارئها.

وفي وقت لا توجد فيه معطيات رسمية حول التوزيع الجغرافي للسرطانات في المغرب، فإن هناك أبحاثاً وهيئات تربط انتشار السرطان في منطقة الريف (أقصى شمال البلاد) بمرحلة تعود إلى عشرينيات القرن الماضي، عندما كانت ترزح تحت الاحتلال الإسباني الذي كان يقذفها بالغازات السامة. من هذه الكتابات والأبحاث كتاب لمؤلفه مصطفى بن شريف بعنوان "الجرائم الدولية وحق الضحايا في جبر الضرر: حالة حرب الريف"، والذي أثبت من خلاله العلاقة بين الغازات السامة وما نجم عنها من إصابات بالسرطان. ووفق هذا المصدر، عقب إلقاء الغازات السامة على أهالي الريف، تنامت الإصابات بالسرطان وسط السكان بنسبة تتراوح بين 60 و80 في المئة من مجموع الحالات بالبلاد.

وترى هيئات حقوقية عديدة أن هناك بالفعل رابطاً بين الغازات السامة الإسبانية وارتفاع نسبة السرطان في منطقة الريف مقارنة مع باقي مناطق المغرب، مفيدةً بأن 80 في المئة من الإصابات التي تتم معالجتها في مستشفى الرباط تأتي أساساً من منطقة الريف.

 

يتم تشخيص نحو 140 حالة إصابة بالسرطان في المغرب يومياً (أ ف ب)

يتم تشخيص نحو 140 حالة إصابة بالسرطان في المغرب يومياً (أ ف ب)

بعد الموريتانيين من المراكز الحضرية يُصعب عليهم تلقي علاج السرطان (اندبندنت عربية)

بعد الموريتانيين من المراكز الحضرية يُصعب عليهم تلقي علاج السرطان (اندبندنت عربية)

موريتانيا... أمية وإنكار 

في ريف موريتانيا، ما زال المواطنون يتخوفون من مجرد نطق اسم "السرطان". تضافرت جهود جمعيات المجتمع المدني العاملة في مجال التوعية والتكفل بمرضى السرطان مع نداءات أطباء وأخصائيين في الأورام من أجل الكشف المبكر، لا سيما سرطان الثدي الذي يُعد أكثر أنواع السرطانات انتشاراً في موريتانيا، فيما تزداد المخاوف من كثرة انتشار حالات الأورام في مجتمع ظلت قوائم أمراضه حتى وقت قريب مضى خالية من اسم هذا المرض.

وحسب وزير الصحة الموريتاني المختار داهي، فقد أظهرت سجلات المركز الوطني للأنكولوجيا (الأورام) أن 1487 مريضاً يتابعون علاجهم، 53 في المئة منهم إناث. ونسبة الأطفال دون سن الـ 15 عاماً تمثل أربعة في المئة. لكن 90 في المئة من المرضى لا يشملهم نظام التأمين الصحي.

أكثر السرطانات انتشاراً في موريتانيا:

الثدي - الأنف - الحنجرة - الرئة - عنق الرحم - القولون

الأرقام المتداولة مقلقة إلا أن مديرة المركز الوطني للأنكلولوجيا في نواكشوط أخت البنين زين قالت في فعالية إن من ضمن عوامل الإصابة بالسرطان أسباب جينية، وأن العالم كله ما زال في طور البحث عن علاج جذري، لكن في إمكان موريتانيا أن تحقق تقدماً في المجال العلاجي إذا زادت نسب التشخيص المبكر.

وذكرت أخت البنين أن المركز "بدأ العمل عام 2009، واستقبل في حينها 400 حالة. وبلغ عدد الحالات المسجلة والتي تلقت العلاج نحو 15 ألف مريض. واستقبل المركز العام الماضي وحده 1450 حالة". إلا أن الزين أشارت إلى أن المركز لا يستقبل أكثر من نحو 60 في المئة من حالات الأورام في موريتانيا، أما النسبة الباقية فإما تسافر للخارج من أجل العلاج أو لا تتلقى العلاج من الأصل.

ويقول الناشط في مجال التوعية بالسرطان محمد الحافظ إن الأمية وضعف الوعي الصحي يزيدان من احتمال إنكار المريض للمرض أو عدم التشخيص إلى أن تتقدم الحالة، ويستحيل علاجها. كما أن البعد من المراكز الحضرية يُصعب على المواطنين التحرك في الوقت المناسب.

وتقول أخت البنين زين إن من أكبر المشكلات ضعف وعي المواطنين، إذ أن أغلب الحالات التي تتعالج في المركز تم اكتشاف إصابتها وهي في حالة متقدمة من المرض. وتروي زينب الفلاني (23 سنة) إن "كشفاً خضعت له في أكتوبر الماضي عقب استماعي لتقرير بثته إحدى الإذاعات أنقذ حياتي حيث أظهرت الفحوص وجود ورم صغير تم استئصاله لاحقاً. وأخبرني الطبيب أنني محظوظة بقيامي بهذه الخطوة".

وتطلب الجمعيات العاملة في مجال محاربة السرطان من نجوم المجتمع والمؤثرين مساعدتهم في إيصال رسالتهم لأكبر عدد ممكن من المستهدفين. وشيئاً فشيئاً أصبح الحديث عن السرطان أمراً عادياً في وسائل الإعلام العمومية، وبدأ الناس يتقبلون النقاش حول المرض.

وخلال السنوات الماضية، ومع تنامي عدد الإصابات، طالب العديد من مرضى السرطان والجمعيات الحكومة بالتكفل بعلاجهم، وهو ما تحقق جانب منه، إذ أن الدولة تتكفل بعلاج المرضى غير المقتدرين. كما أن وزارة الشؤون الاجتماعية تمنح بطاقات تُساعد هؤلاء على تلقي العلاج، إضافة إلى مساعدات وحالات تكفل تقوم بها جمعيات مدنية.

ويقول إبراهيم أبو بكر الحسن، الأمين العام لملتقي العمل الخيري، "المرضى الفقراء ضحايا يعانون الأمرين بسبب عدم قدرتهم على التنقل من مكان إلى آخر لتلقي العلاج، إذ إن أغلبهم يسكن ضواحي العاصمة. كما لا يملكون القدرة على شراء الأدوية ودفع كلفة الفحوص باهظة الثمن".

 

السودان... غياب حكومي والجهود فردية

جاءت الحرب في السودان لتزيد العبء على كاهل المرضى، لاسيما مرضى السرطان الذين يعانون أصلاً من كلفة الأدوية والفحوص وصعوبة التنقل وضيق الأحوال. وتشير الإحصاءات الحديثة إلى إصابة نحو 21 ألف سوداني سنوياً بهذا المرض، ثمانية في المئة منهم أطفال، وهو ما يمثل ارتفاعاً كبيراً في الأعداد. وللنساء النصيب الأكبر من الإصابات، مع انتشار لافت لسرطان الثدي والرحم، بينما يعاني الرجال سرطان البروستاتا.

وبحسب مدير مستشفى علاج الأورام (الذرة) في الخرطوم محمد أحمد عبد الله، فإن المستشفى تشخص شهرياً ما يزيد على ألف حالة جديدة لأنواع مختلفة من المرض. هذه الأعداد اللافتة تشير إلى تغيرات طرأت على المجتمع السوداني، تلخصها اختصاصية علاج الأورام ساجدة محمد بقولها، "أسلوب الحياة وطريقة الأكل غير الصحية وتدخين السجائر وغيرها من أنواع التبغ عوامل جعلت الإصابة بالسرطان ترتفع في السودان، إضافة إلى العوامل الوراثية التي تلعب دوراً ملحوظاً، لا سيما في سرطان الثدي لدى السيدات". كما أشارت إلى خطر النفايات الطبية والمعدنية التي يتم التخلص منها بشكل غير آمن في شمال البلاد، والتي يعتقد أنها أدت إلى زيادة الإصابات بالمرض في تلك المناطق.

وترى محمد أن الجهود الفردية والوعي يلعبان دوراً مهماً في تقليص الإصابات، "لا سيما أن إمكانات التشخيص والعلاج في السودان محدودة، ويتم علاج أمراض السرطان بجهود فردية مع شح أدويته بصورة تامة".

وعلى رغم زيادة الحالات، فإن الجهود المبذولة من قبل الحكومة تكاد تكون غير ملحوظة، أو على الأقل لا تتناسب وحجم الإصابات. ويشكو المرضى وأسرهم من اقتصار أماكن تلقي العلاج على مركز واحد فقط في الخرطوم، وآخر في مدينة ود مدني. ويضطر المريض إلى قطع مسافات طويلة لتلقي جرعات العلاج الكيماوي، ناهيك بعدم وجود أدوية الجرعات في أغلب الأحيان.

وكانت وزارة الصحة السودانية قد أطلقت في يناير (كانون الثاني) عدداً من البرامج لمحاربة مرض السرطان. وناقشت مع عدد من الأطراف على رأسها منظمة الصحة العالمية سبل النهوض بجهود الخدمات المقدمة لمرضى السرطان وتوفير الأدوية اللازمة. وقال وزير الصحة المكلف هيثم محمد إبراهيم إن الورشة ناقشت البدء في توثيق حالات السرطان، وسبل توفير العلاج والتوسع في خدمات توفير الأدوية الأساسية.

وعلى رغم أن شح أدوية علاج السرطان هي المشكلة الأكبر التي تواجه مرضى السرطان، وإتاحة بعضها في السوق السوداء بأسعار فلكية، لدرجة أن عدداً من الأطفال المرضى توفوا قبل فترة بسبب عدم تلقيهم العلاج، إلا أن مصدراً في وزارة الصحة، فضل عدم ذكر اسمه، قال إن "مسألة انعدام الدواء من السوق غير صحيحة ويجب مراجعة كل الجهات المسؤولة للتأكد من توفر الدواء. وفي حال عدم توافر نوع معين من الدواء، فإنه يكون أمراً خارج القدرة، لا سيما وإننا مقيدون بميزانية محدودة".

في المقابل تلعب المؤسسات الخيرية والأهلية أدواراً مهمة في علاج مرض السرطان، وتقدم لهم الأدوية وتتابع معهم رحلة العلاج كاملة، خصوصاً الأطفال الذين يتم علاجهم بمبادرات أهلية. وجرى تخصيص مبنى لهم يقيمون فيه طوال فترة العلاج.

يصاب نحو 21 ألف سوداني سنوياً بمرض السرطان (اندبندنت عربية - حسن حامد)​​​​​​​

يصاب نحو 21 ألف سوداني سنوياً بمرض السرطان (اندبندنت عربية - حسن حامد)​​​​​​​

صناعة الفرق

يظل السرطان مجرد مرض، فهو لا يميز كثيراً في الإصابة، لكن التفاوتات الناجمة عن الدخل والتعليم والجنس والعرق، من بين عوامل أخرى كثيرة، تخلق حواجز كبيرة أمام تقديم الخدمات وتزيد من عبء المرض. لذلك يضاف السرطان إلى قائمة "الظلم" الواقع على الأكثر احتياجاً أو الأقل حظاً، حيث الفروق شاسعة في دول المنطقة العربية بين دول ذات دخل متوسط وأخرى مرتفع وخدمات رعاية صحية وتشخيصية جيدة وأخرى تعاني نقصاً حاداً في الميزانيات المخصصة للصحة، وأخرى تشهد انهياراً تاماً في أنظمتها الصحية بين دول واقعة في قبضة أزمات اقتصادية طاحنة أو حروب أهلية ظالمة للمرضى وذويهم.

عالمياً، العلاج الشامل للسرطان متاح في 90 في المئة من دول الدخل المرتفع، لكنه متاح في أقل من 15 في المئة في دول الدخل المنخفض، التي تتوقع منظمة الصحة العالمية أن تحدث فيها 70 في المئة من الوفيات الناجمة عن السرطان بحلول 2040. ويمكن تطبيق النسبة نفسها على دول المنطقة العربية.

وإذا كانت المطالبة في كل عام هي سد فجوة الرعاية المقدمة في مجال تشخيص وعلاج السرطان، فإن الأوضاع على رغم اختلافها في الدول العربية تشير إلى أن الفجوة ستبقى طويلاً، لا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بكثير من دول العالم.

عربياً، زاد الوعي بالمرض، وسقط جدار خوف النطق باسم المرض بديلاً عن تلقيبه بـ"اللعين" أو "الخبيث" أو "البطال". ويتزايد سعي المرضى وذويهم للحصول على الكشف المبكر والعلاج، لكن تبقى الميزانيات قاصرة، ومواقع التشخيص والعلاج محدودة ونائية، وفرص النجاة غير متاحة للجميع. صارت التوعية والمعرفة بصيرة، لكن نقص الميزانيات وشح الموارد تبقي يد التشخيص والعلاج وعدالة فرص البقاء على الحياة قصيرة.

الحكومات ووزارات الصحة وحدها لن تصنع الفرق المرجو، والجمعيات الأهلية والخيرية لن تتمكن وحدها من التخفيف عن كاهل المرضى وأسرهم سواء مادياً أو توعوياً أو نفسياً.

كتابة
أمينة خيري
طارق ديلواني
غفران يونس
كارين اليان ضاهر
خليل موسى
هدى الطرابلسي
محمد لهوازي
حسن الأشرف
أقريني أمينوه
إسراء الشاهر
سنا الشامي
كريمة ناجي
مي الشريف

إعداد وتحرير
إيليانا داغر

التنفيذ والغرافيك
عمر المصري

الإشراف على التنفيذ
نوف الحربي

رئيس التحرير
عضوان الأحمري