في"زواج القاصرات"

البطلة هي الضحية

في عمر الثامنة فقط، غادرت الطفلة وداد اليمن إلى غير رجعة. وداد التي كان يفترض أن تدرس وتلعب وتكبر، دفعت حياتها ثمناً لزواجها من رجل في عمر جدها تسبب في إزهاق روحها

وداد ليست الضحية الأولى ولا الأخيرة، إن في اليمن أو العالم العربي أو العالم. وداد ضحية ظاهرة خطيرة ومؤلمة مسماة "زواج القاصرات".

"القاصرات" بحسب العرف، هن الإناث اللواتي لم يبلغن بعد، أما بحسب أكثر القوانين المعمول بها فهن اللواتي قلت أعمارهن عن 16 عاماً.

هؤلاء القاصرات هن "بطلات" مرغمات على مأساة تراجيدية لم يخترن الانخراط فيها، لكنهن سرعان ما يتركن دور "البطولة" الافتراضي، ليصبحن ـ مرغمات أيضاً ـ ضحايا منتهكات، صاغرات لظروف عيش لم يخترنها هي نفسها "شروط موت".

تلك الشروط التي تعتبر نتيجة طبيعية للعادات والتقاليد، وللجهل الصحي، ولغيبة القوانين، ولغلبة الفقر، ولانحلال النواظم الاجتماعية... كلها أو بعضها تجتمع، لكي تصنع الظاهرة/ الصاعقة "زواج القاصرات".

في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

نحو40000000

نحو 40 مليون فتاة تزوجت وهي طفلة

نحو 700000

فتاة تزوج سنوياً وهي طفلة

1 من كل 5 فتيات تزوجت قبل بلوغ 18 عاماً

1 من كل 25 تزوجت قبل بلوغ 15 عاماً

تقديرات "يونيسف"

ظاهرة متأصلة في المجتمع اليمني

فيما فتيات العالم يتجهن كل صبيحة إلى فصول الدراسة، تغادر قريناتهن اليمنيات أعشاشهن كعصافير مخذولة، إلى فصول من المعاناة في بيوت زواجهن المبكر الذي لا تقوى عليه أجسادهن الذاوية، هرباً من رمضاء الحرب إلى نار المسؤولية المبكرة.

كما هي حال الطفلة وداد، تؤكد مؤسسات حقوقية عدة، محلية ودولية، أن تزويج الطفلات في اليمن تسبب في إزهاق أرواح العشرات منهن.

طفلة أخرى لا يتجاوز عمرها ثماني سنوات، كانت ستلقى على الأرجح المصير نفسه بعدما أبرم والدها عقداً رسمياً لتزويجها مقابل 200 ألف ريال يمني (نحو 350 دولاراً). لكن الغضب العارم في أوساط اليمنيين أنقذ الفتاة، إذ سارع أهلها وبعض المنظمات الحقوقية إلى إلغاء مراسم الزواج.

وعلى رغم أن زواج القاصرات ظاهرة متأصلة في المجتمع اليمني، إذ حلت هذه الدولة في المرتبة 13 من بين أسوأ 20 دولة في زواج القاصرات بحسب تقرير للمركز الدولي للدراسات، فإن سعير الحرب التي طالت مناحي الحياة كافة ضاعفت من تفشيها على نطاق واسع من دون أن تنجح المؤسسات الحقوقية في كبح رواجها.

الطفلة اليمنية نجود محمد علي برفقة محاميتها شذى محمد ناصر ووالدها محمد علي الأهدل (إلى اليمين) وزوجها فايز علي ثامر (إلى اليسار) خلال جلسة في المحكمة في صنعاء في 15 أبريل 2008. منحت المحكمة الطلاق لنجود البالغة 8 سنوات بعدما أجبرها والدها العاطل عن العمل على الزواج قائلاً إنه يخشى احتمال اختطافها. (أ ف ب)

الطفلة اليمنية نجود محمد علي برفقة محاميتها شذى محمد ناصر ووالدها محمد علي الأهدل (إلى اليمين) وزوجها فايز علي ثامر (إلى اليسار) خلال جلسة في المحكمة في صنعاء في 15 أبريل 2008. منحت المحكمة الطلاق لنجود البالغة 8 سنوات بعدما أجبرها والدها العاطل عن العمل على الزواج قائلاً إنه يخشى احتمال اختطافها. (أ ف ب)

الطفلة اليمنية نجود محمد علي (أ ف ب)

الطفلة اليمنية نجود محمد علي (أ ف ب)

الفتيات اليمنيات

أكثر من
4 ملايين فتاة أرغمن على الزواج عام 2020

حسب تقديرات "يونيسف"

نسب تزويج الطفلات دون 18 سنة

حسب دراسة لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية صادرة في سبتمبر 2021

ضحايا وقلة حيلة

للوقوف على العوامل المؤثرة في اتساع رقعة الظاهرة، يشير أحمد القرشي، رئيس منظمة "سياج" لحماية الطفولة في اليمن، إلى تضافر جملة من الأسباب التي أنتجتها الحرب، مثل النزوح والفقر وحاجة الأسرة إلى المال. ويتطرق إلى عوامل أخرى منها عدم وجود نظام يحمي حقوق الأطفال وتوقف المحاكم والنيابات والشرطة عن أداء مهامها في غالبية المناطق اليمنية، بخاصة الريفية منها، إضافة إلى ارتفاع معدلات البطالة وتوقف دفع مرتبات الموظفين.

وفي كل مرة يحشد فيها القطاع الحقوقي والإنساني جهوده لوضع حد للظاهرة وحماية الضحايا ممن هربن من أهاليهن، يشهد اليمن سجالاً مع رجال الدين الذين لا يرون حرجاً في زواج القاصرات. كما يعتبرون كل من يطالب بتحديد سن للزواج وحماية الطفولة متعدياً على حقوق الآخرين الشخصية، على الرغم من تحديد قانون الأحوال الشخصية في جنوب اليمن قبل الوحدة سن الزواج بـ16 عاماً، وفي شمال البلاد بـ15 عاماً.

عقب ضغوط إعلامية مارستها جهات حقوقية وإنسانية فاعلة، حدد اليمن سناً أدنى لزواج الفتيات. ففي يناير (كانون الثاني) 2015، أقرت الحكومة ألا يقل عمر الفتاة عن 18 عاماً في دستور جديد وضعته البلاد. غير أن اشتعال الحرب منع فرض تطبيق هذا التشريع مع تعطيل الدستور.

ارتفاع النسبة في سوريا

في سوريا، يتردد وصف "السترة" عند الحديث عن زواج القاصرات من دون النظر لعواقب تزويج اليافعات وهن في عمر الزهور، بل إن هذه الزيجات تندرج في عادات وتقاليد مجتمعات ريفية حتى وإن لم تبلغ الفتاة سن الرشد. أحياناً أيضاً، تبدأ الأحاديث بالسريان عن الفتيات اللواتي تخطين عتبة الـ 18 عاماً ولم ترتبطن بعد، فيجد البعض أن العنوسة تداهمهن وتهدد حياتهن.

مع الحرب في سوريا، أخذ تزويج القاصرات من عمر 13 إلى 16 سنة بالازدياد لدوافع متعددة نفسية واجتماعية ومادية. وفي بعض المناطق التي شهدت توترات ونزاعات، خصوصاً مناطق سيطرة تنظيمات متشددة كـ"داعش"، لجأ آباء لتزويج بناتهن مبكراً سعياً لحمايتهن من الخطف. وساد حينها في تلك المناطق زواج الأطفال بشكل غير مسبوق، مع فرض التنظيم عاداته وتقاليده الصارمة.

وفيما لا توجد إحصائيات دقيقة بشأن زواج القاصرات، تقدّر وزارة العدل في النظام السوري ارتفاع نسبة هذه الزيجات من 7 في المئة قبل الحرب إلى 13 في المئة، لاسيما في مخيمات النزوح داخل البلاد وخارجها حيث أن 70 في المئة من ساكنيها هم من الأطفال والنساء، حسب منظمة "يونيسف".

فتيات سوريات يلتقطن صورة قرب منزلهن في ضاحية الشلال بمنطقة الهول شمال شرقي محافظة الحسكة الحدودية مع العراق، في 19 نوفمبر 2015 (أ ف ب)

فتيات سوريات يلتقطن صورة قرب منزلهن في ضاحية الشلال بمنطقة الهول شمال شرقي محافظة الحسكة الحدودية مع العراق، في 19 نوفمبر 2015 (أ ف ب)

في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

* تقديرايت "يونيسف"

حيلة قانونية في ليبيا

تنامت خلال العقد الماضي في ليبيا ظاهرة زواج القاصرات نتيجة كثير من العوامل، لعل أبرزها الظروف الاقتصادية الطاحنة وتراخي الدولة عن التطبيق الصارم للقوانين الخاصة بتحديد سن الزواج.

تطال أكثر حالات زواج القصر البنات، وتصف الباحثة الاجتماعية أسماء بن حريز هذه الظاهرة بقولها، "قبل كل شيء زواج القاصرات جريمة بكل المقاييس، إنسانية وحقوقية واجتماعية". وتعدد الأسباب التي أسهمت في تفشي هذه الظاهرة في المجتمع الليبي، قائلة إنها اجتماعية واقتصادية، "فمن الناحية الاجتماعية نظرة المجتمع للأنثى غير المتزوجة، وشبح العنوسة الذي يرهب به بناته، يجعل الأسر تتسابق إلى تزويج بناتها لأول العرسان الذين يطرقون أبوابها".

لكن العوامل الاقتصادية هي السبب الأبرز، إذ هناك حسب بن حريز "أسر كثيرة تعيش تحت خط الفقر في ليبيا، والزواج يخفف حجم الأسرة على الأقل والأعباء الاقتصادية عليها، وأحياناً يشكل رافداً اقتصادياً جديداً للأسرة بمصاهرة أسر في وضع اقتصادي أفضل".

من الناحية القانونية، يعتقد المحامي والناشط الحقوقي عبد الحميد بن صريتي، أن تراخي الدولة في فرض القوانين لعب دوراً رئيساً في تفشي زواج القاصرات". ويشير إلى أن تحديد سن الزواج في القانون الليبي خضع لتعديلات أكثر من مرة، ففيما "نص القانون رقم 10 لسنة 1984 على اكتمال أهلية الزواج ببلوغ سن الـ20"، نص "القانون رقم 14 الصادر عن المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق) عام 2015، على أن السن القانونية للزواج هي 18 عاماً".

ويكشف بن صريتي عن ثغرة قانونية استغلت لتزويج من هم أقل حتى من سن الـ18، وهي "الإذن القضائي، وهو أن تعرض الفتاة القاصر دون السن القانونية على قاض لمعرفة أهليتها وملابسات زواجها، ويحق للقاضي بحسب القوانين السارية إجازة زواج القاصر إن رأى أهليتها". ويؤكد بن صريتي أن "إلغاء إذن القاضي في مسألة زواج القاصرات، سيكون حلاً حاسماً" لمنع المخالفات في هذه القضية.

لا توجد إحصاءات رسمية متكاملة وموثقة على مستوى ليبيا لحالات زواج القاصرات، لكن تقارير سابقة تشير إلى تسجيل 186 زواجاً لقصر وثقها مجمع المحاكم ما بين عامي 2011 و2017 في العاصمة طرابلس وحدها. في المقابل، سجلت محاكم بنغازي، ثاني أكبر مدن البلاد، عامي 2019 - 2020 وحدهما 26 حالة زواج لفتاة قاصر، 11 حالة منها وقعت عام 2019 لفتيات تتراوح أعمارهن بين 16 و18 عاماً، في حين سجلت إحصائية عام 2020 زيادة طفيفة وصلت إلى 15 حالة، بحسب الإحصاءات التي أمدنا بها بن صريتي.

فتاة نازحة تسير بالقرب من مباني غير مكتملة في طرابلس في 16 يناير 2020 (رويترز)

فتاة نازحة تسير بالقرب من مباني غير مكتملة في طرابلس في 16 يناير 2020 (رويترز)

لبنان والنظام الطائفي

لطالما كان نظام لبنان السياسي أسير التوازنات الطائفية لذلك هو يفتقد لقانون مدني ينظم الأحوال الشخصية. لذا نرى أن تفشي ظاهرة زواج القاصرات ليس بالغريب، خصوصاً أن الطوائف تسمح بتزويج الفتيات الصغيرات.

سن الزواج حسب الطوائف في لبنان

يؤكد عضو مركز الدعم في جمعية "كفى" المحامي عامر بدر الدين، أن "الطوائف تسيطر على قوانين الأحوال الشخصية"، معتبراً أن ذلك "خرق للدستور، إذ يصبح كل استثناء قاعدة مع الوقت". ويقول بدر الدين إن "جمعية ’كفى‘ كانت قد قدمت اقتراح قانون لتحديد السن القانونية للزواج عند 18 عاماً على أن تلتزم به كل الطوائف، إلا أنه يواجه معارضة شرسة".

أزمة النازحين

مما لا شك فيه، أن نسبة زواج القاصرات ارتفعت مع موجة النزوح السوري إلى لبنان. وقد دفع الانكماش الاقتصادي والتضخم الحاد وتفشي وباء "كوفيد-19" وانفجار مرفأ بيروت، المجتمعات الضعيفة في لبنان بما في ذلك النازحين السوريين إلى حافة الهاوية، مع استفحال حالة الفقر والعوز التي تعيشها آلاف العائلات. وفي ظل مواجهة الظروف المعيشية الصعبة، ازدادت ظاهرة زواج القاصرات في مخيمات النازحين السوريين.

وأشار عمر النعيم، مسؤول التواصل في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في بيروت، في حديث لـ"اندبندنت عربية"، إلى أن حالات زواج الأطفال ازدادت منذ أواخر 2020، لافتاً إلى أنه "بناءً على المناقشات الجماعية المركزة مع النازحين في جميع المناطق، بعض الآباء يلجؤون إلى زواج الأطفال كاستراتيجية للعيش بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية القاسية، وإغلاق المدارس، وتعرض العديد من الفتيات المراهقات للعنف المنزلي". وقال النعيم إنه تم الإبلاغ عن زواج قاصرات في جميع أنحاء المناطق، لكن في بعضها أفاد مقدمو الخدمات بأن الفئة العمرية للفتيات اللاتي يتزوجن مبكراً قد تغيرت، بحيث بات الآباء يلجؤون إلى تزويج بناتهم في سن أصغر، أي ما بين 13-14 عاماً مقارنة بما بين 16-17 عاماً سابقاً.

أطفال سوريون يلعبون في مخيم للنازحين في سعدنايل بالبقاع في لبنان، في 13 يونيو 2023 (أ ف ب)

أطفال سوريون يلعبون في مخيم للنازحين في سعدنايل بالبقاع في لبنان، في 13 يونيو 2023 (أ ف ب)

أمهات أردنيات في سن الطفولة 

في عام 2019، عدل البرلمان الأردني سن الزواج إلى 16 عاماً، بشروط منها موافقة قاضي القضاة وأن يكون الزواج "ضرورة" تقتضيها المصلحة، لكن هذا الملف ظل يشغل مؤسسات حقوقية محلية ودولية خصوصاً بعد ارتفاع حالات زواج القاصرات في عام كورونا الأول 2020.

وبمجرد الحديث عن زواج القاصرات في الأردن، يعزو البعض السبب إلى اللجوء السوري حيث ترتفع نسب هذه الزيجات في أوساط اللاجئين إلى 40 في المئة قياساً بالأردنيات.

وتقول إحصاءات غير رسمية، إن نحو 29 فتاة قاصراً تتزوج يومياً في الأردن بسبب تلاعب في الأعمار وتساهل بعض الجهات التي تشرف على عقود الزواج. وتعاني القاصرات اللاتي يتزوجن في مخيمات اللجوء من ظاهرة الطلاق المبكر، الذي يكون في العام الأول بعد الزواج بشكل عام.

وتتعدد الأسباب التي تجبر اللاجئات السوريات على الزواج المبكر من الانقطاع عن التعليم والظروف الاقتصادية إلى التقاليد الموروثة. ويشير مراقبون إلى أن محافظة المفرق، التي تضم على أراضيها مخيم الزعتري للاجئين، جاءت في المرتبة الأولى من حيث نسبة زواج القاصرات.

زواج القصر في الأردن

المصدر: إحصائيات دائرة قاضي القضاة في الأردن

شروط قانونية

يستند مؤيدو زواج القاصرات في الأردن إلى الشريعة الإسلامية والعرف الدارج في المجتمع، ومن بين هؤلاء النائب في البرلمان ونقيب المحامين الأسبق صالح العرموطي الذي رأى أن ثمة هجمة من مؤسسات المجتمع المدني للعبث بقيم المجتمع الأردني وأعرافه، مشيراً إلى وجود 25 ولاية أميركية تسمح لمن هم دون سن الـ18 بالزواج.

لكن معارضين آخرين، لا سيما جمعية "تضامن"، ترى أن تبعات الزواج المبكر خطيرة وكبيرة ليس أقلها تبرير العنف، وهو من التداعيات السلبية لتزويج الأطفال، ما يرسخ المعايير الاجتماعية المسيئة للنساء والمؤيدة لضرب الزوجات وتعنيفهن، فضلاً عن تفاقم ظاهرة الأمهات الطفلات. وتشير الأرقام الرسمية إلى أن 62 في المئة من الزوجات القاصرات في الأردن يبررن صفع أو ضرب أزواجهن لهن.

وعلى الرغم الشروط القانونية لزواج القاصرات، ترتفع موافقة السلطات على طلبات منح الإذن للزيجات دون سن 18 عاماً. وتشمل شروط منح الإذن بالزواج للفئة العمرية 15-18 عاماً، أن يكون الخاطب كفؤاً للمخطوبة، وأن يتحقق القاضي من الرضا والاختيار التامين، وأن تتحقق المحكمة من الضرورة التي تقتضيها المصلحة وما تتضمنه من تحقيق منفعة أو درء مفسدة وبما تراه مناسباً من وسائل التحقق، وألا يتجاوز فارق السن بين الطرفين 15 عاماً، وألا يكون الخاطب متزوجاً، وألا يكون الزواج سبباً في الانقطاع عن التعليم المدرسي، وإثبات مقدرة الخاطب على الإنفاق ودفع المهر وتهيئة بيت الزوجية.

اللاجئة السورية أميمة الحوشان البالغة 14 عاماً والتي أطلقت مبادرة ضد زواج الأطفال بين اللاجئين السوريين، تقف مع لعبتها المفضلة في مقر إقامتها في مخيم الزعتري للاجئين بالأردن، في 21 أبريل 2016 (رويترز)

اللاجئة السورية أميمة الحوشان البالغة 14 عاماً والتي أطلقت مبادرة ضد زواج الأطفال بين اللاجئين السوريين، تقف مع لعبتها المفضلة في مقر إقامتها في مخيم الزعتري للاجئين بالأردن، في 21 أبريل 2016 (رويترز)

أميمة الحوشان تلعب مع صديقتها في مخيم الزعتري للاجئين بالأردن في 21 أبريل 2016 (رويترز)

أميمة الحوشان تلعب مع صديقتها في مخيم الزعتري للاجئين بالأردن في 21 أبريل 2016 (رويترز)

"الفصل" و"الهبة" في العراق

يعتقد كثيرون أن بعض التقاليد الاجتماعية انطوت مع التطور الذي نعيشه حالياً، لكننا نكتشف أنها لا تزال حاضرة وبقوة في المجتمع العراقي، ومن هذه العادات زواج القاصرات.

اتسعت هذه الظاهرة وأصبحت تشمل المدن والأرياف على حد سواء، فما زلنا نسمع بـ"زواج الفصل". و"الفصل" مصطلح يطلق على طريقة حسم القضايا بين العشائر مثل الاعتداءات والتجاوزات التي تحدث بينهم، وغالباً ما يكون فصل الخصومات من خلال تسديد مبلغ مالي أو الأسوأ، وهو تزويج فتاة من العشيرة المعتدية لعشيرة المعتدى عليه، وغالباً ما تكون هذه الفتاة قاصراً.

وفضلاً عن زواج الفصل، ما زلنا نسمع أيضاً بـ"زواج الهبة"، إذ قد يهب أحدهم بنتاً من بناته أو ابنته الوحيدة لرجل دين، هادفاً من عمله هذا "رضا الله ومغفرته"، وفي الغالب فإن ضحايا هذا الزواج هن من القاصرات أيضاً.

ثقافة المجتمع

ضاعفت آثار الحروب نسبة تزويج القاصرات في العراق، فالمدن التي شهدت نزاعات وانتقال عائلات إلى المخيمات، شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في هذه الظاهرة، فضلاً عن عوامل الفقر والتقاليد التي ساهمت في اتساعها.

لا توجد إحصائيات حديثة عن زواج القاصرات في العراق كون هذه الزيجات تتم خارج إطار المحاكم عن طريق عقد الشيخ، والطلاق أيضاً يكون من خلال الشيخ. وتروي لنا الناشطة في مجال حقوق المرأة زهراء عبد الحسين عبد الزهرة، قصصاً عدة لزواج قاصرات، وترى أن هذه الظاهرة "موروث اجتماعي، فالمجتمع من باب حماية البنت والخوف عليها من الانحراف، يتجه لتزويجها". وتضيف عبد الزهرة أنه "غالباً ما تكون الفتاة ضحية لزواج يقرره الأهل بدلاً عنها. هناك فتاة تبلغ من العمر 16 عاماً عندما توفيت أختها تاركة طفلين، اقترح الأهل تزويجها لزوج الأخت المتوفاة لتربي الطفلين، وتم ذلك بضغط من العائلة". وتوضح عبد الزهرة أن "تزويج القاصرات هو ثقافة مجتمعية، فعلى الرغم من أن بعض عائلات الفتيات تنتمي إلى الطبقات المتعلمة، فإنها تؤمن بضرورة تزويج بناتها في عمر مبكر".

حسين يونس علي، 14 عاماً، يسير مع عروسه ندى علي حسين، 17 عاماً، خلال حفل زفافهما في تكريت شمال بغداد في 8 أكتوبر 2013 (رويترز)

حسين يونس علي، 14 عاماً، يسير مع عروسه ندى علي حسين، 17 عاماً، خلال حفل زفافهما في تكريت شمال بغداد في 8 أكتوبر 2013 (رويترز)

تسليع المرأة

وترى الباحثة الاجتماعية خلود الشمري، أن "ظاهرة زواج القاصرات اتسعت لأسباب عدة، منها الفقر وعدم وجود فرصة عمل لرب البيت، لذلك تقرر العائلة منح ابنتها لرجل ميسور كأي سلعة تهدى من دون أن يكون لها حق الاعتراض أو حتى إبداء الرأي". وتضيف الشمري أن "التقاليد الاجتماعية لا سيما في المحافظات الجنوبية، تفرض غالباً على الفتاة تزويجها من ابن عمها، وإن كانت بعمر صغير، كما أن فتيات كثيرات يقعن ضحية زواج الفصل فيصبحن دية لشاب من عشيرة معينة بسبب خلاف بين عشيرتين".

وتقول الشمري إن الزيجات خارج المحكمة عن طريق عقد الشيخ تتسبب بوجود "أعداد من الأطفال من دون مستمسكات أصولية بسبب عدم وجود عقد زواج بحسب الأصول"، وبالتالي يحرم هؤلاء من حقوقهم في التعليم والصحة. 

محاذير صحية لتزويج القاصيرات

ثغرة قانونية

يشترط قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لعام 1959 المعدل، إكمال عمر 18 عاماً للزواج، إلا أن المادة 8 من القانون ذاته في الفقرتين 1 و2، تركت ثغرة واضحة لإمكان الزواج تحت هذه السن، إذ نصت على أنه "إذا طلب من أكمل الخامسة عشرة من العمر الزواج، فللقاضي أن يأذن بذلك، إذا ثبتت له أهليته وقابليته البدنية، بعد موافقة وليه الشرعي".

ويوضح القانوني علي التميمي أنه على الرغم من وجود هذه الثغرة القانونية فإنه "في المقابل هناك مواد قانونية، وتحديداً في الفقرة 5 من المادة 9 من قانون الأحوال الشخصية نصت على منع الإكراه على الزواج من قبل الأهل وعاقبت من يمارس ذلك، بالسجن لمدة ثلاث سنوات".

كما طالبت المادة 10 من قانون الأحوال الشخصية بتسجيل عقد الزواج لكي يكون دليلاً على الزواج، ولكي لا يتنصل الزوج من الالتزامات التي يفرضها. كما عاقب القانون العراقي بالسجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر، ولا تزيد على عام لمن لم يوثق ويسجل عقد الزواج في المحكمة.

وأوضح التميمي أن "حالات تزويج القاصرات تتم في الغالب خارج المحاكم ولا تسجل في المحكمة، فالعوائل تتهرب من الآثار القانونية للزواج تحت عمر 18 عاماً، وتلجأ إلى تسجيل عقد الزواج خارج المحكمة. وعندما تبلغ الفتاة سن الزواج يتم التسجيل في المحكمة، وهذا في حد ذاته عملية تحايل على القانون".

نساء يتظاهرن بالقرب من محكمة الكاظمية في بغداد في 21 نوفمبر 2021، احتجاجاً على تشريع عقد زواج لفتاة تبلغ من العمر 12 عاماً (أ ف ب)

نساء يتظاهرن بالقرب من محكمة الكاظمية في بغداد في 21 نوفمبر 2021، احتجاجاً على تشريع عقد زواج لفتاة تبلغ من العمر 12 عاماً (أ ف ب)

خمس شروط في السعودية

على رغم الوعي المجتمعي وحصول النساء السعوديات على كثير من الحقوق القانونية والاجتماعية والسياسية، إلا أن زواج القاصرات لا يزال موجوداً.

يعتقد الباحثون الاجتماعيون بأن هذه الزيجات تنتشر خارج المدن وفي القرى البعيدة التي لا تزال تسيطر عليها العادات والتقاليد القبلية، وغالباً ما تكون خيارات الفتاة محصورة بين الزواج من أحد أقاربها أو رجل صاحب جاه ومال وإن كان أكبر منها بعقود، بهدف تحسين أوضاع عائلتها المادية.

ويذكر المتخصص في مجال التنمية البشرية عبدالعزيز المبارك أن "هذا النوع من الزواج لا يزال موجوداً لكنه لم يعد ظاهرة منتشرة في المجتمع كما في السابق". ويشير إلى أن "الانخفاض كان نتيجة وعي المجتمع خلال الأعوام الأخيرة بأخطار هذا الزواج، ما عدا بعض المجتمعات القبلية المغرقة بالتقاليد والأعراف الشرقية والتي تحرص على الإسراع في تزويج بناتها".

تقرير "المرأة السعودية 2022" الصادر عن الهيئة العامة للإحصاء السعودية

وعن رضوخ بعض الفتيات القاصرات وقبولهن بهذا الزواج، جاءت الأسباب ما بين اجتماعية واقتصادية. وتوضح الاختصاصية الاجتماعية حنان الشبة أن "البيئة الموجودة فيها الفتاة التي تسمح بهذا الزواج هي من الدوافع الأولى للرضا به، كما أن المستوى التعليمي والمادي للأسرة يؤدي دوراً مهماً في زواج القاصرات، فإذا كان تعليم الوالدين متدنياً مع ضعف الظروف المادية، وبالتالي فالفتاة ترضخ لهذا الزواج للخروج من بيئتها ولذلك يتم القبول بالزواج في عمر صغير جداً". وتواصل الاختصاصية الاجتماعية حديثها بأن "رغبة الفتاة في إكمال ما ينقصها من حاجات جراء عدم إشباعها من جانب محيطها الأسري، وتعد من أهم الأسباب فهي تبحث عن الشعور بالأمان والاحتواء والاهتمام، وبعضهن تتزوج لتتخلص من ضغوط أسرية قاهرة تعوق استمتاعها بحياتها، وكل هذه العوامل تسهم في موافقتها على الزواج الباكر".

وتسمح السعودية بزواج القاصرات وفق شروط محددة تنص عليها القوانين، وتشمل عدم عقده من قبل مأذون الأنكحة، بل يرجع الأمر إلى المحكمة بعد إحضار ثلاثة تقارير طبية تثبت الاكتمال الجسماني، وتقريرين آخرين من متخصص نفسي وآخر اجتماعي، تثبت التكافؤ بين الزوجين القاصرين، أحدهما أو كلاهما.

كتابة
توفيق الشنواح
زايد هدية
مصطفى رستم
فدى مكداشي
طارق ديلواني
غفران يونس
نجود سجدي

تحرير وإعداد
إيليانا داغر

التنفيذ والغرافيك
عمر المصري

الإشراف على التنفيذ
نوف الحربي

رئيس التحرير
عضوان الأحمري