الرتب العسكرية

ما وراء الشارات والنجوم

على مر التاريخ تضخمت الجيوش وارتفع عديدها من جنود وضباط وأصبحت العمليات العسكرية أكبر وأكثر تعقيداً، وبالتوازي مع ذلك ارتفع عدد الرتب العسكرية وأنواعها ودلالاتها وأصبح تصنيفها أكثر تشعباً، ومع كل رتبة أرفع فالمسؤوليات كذلك أكبر، فكيف ظهرت الرتب العسكرية وما الدور الذي تؤديه؟

النشأة

تشكل الرتب العسكرية نظاماً هرمياً للعلاقات بين أعضاء الجيوش أو المؤسسات العسكرية، وتشير إلى مستوى السلطة والمسؤولية التي يتحلى بها الفرد وموقعه في تسلسل القيادة العسكرية التي تصدر عنها الأوامر.

وهرم الرتب العسكرية الذي نعرفه اليوم والذي يتشابه إلى حد كبير في مختلف دول العالم تطور على مر العصور ليصل إلى ما هو عليه، وقد تكون أول ديمقراطية في العالم هي من وضعت أيضاً واحداً من أوائل أنظمة الرتب العسكرية، فقد شهدت أثينا اعتباراً من عام 501 قبل الميلاد انتخابات سنوية لـ10 قادة عسركيين برتبة "إستراتيغوس" التي تعني "قائد الجيش"، ويمثلون القبائل الـ10 المؤلفة للديمقراطية الناشئة، وكانوا متساوين في الأصوات ولا هرمية بينهم، لكنهم كانوا يتناوبون يومياً على منصب "أمير الحرب" (بوليماركوس) الذي يكون صوته مرجحاً في حال تعادل الأصوات.

تسلسل الرتب العسكرية في أثينا القديمة

ولم تقتصر الهرمية العسكرية وأنظمة الرتب في العصور القديمة على اليونان فقد عرفها أيضاً الفرس والرومان، وخلال العصور الوسطى  راحت هيكلية الرتب تتطور في ظل حاجة الملوك إلى تنظيم جيوشهم وقيادتها، ووقتها كان الملك يعين شخصاً من الطبقة الأرستقراطية لقيادة سريّة تضم ما بين 100 و250 جندياً عبر تفويض ملكي يمنحه رتبة "كابتن" (رتبة نقيب اليوم)، وهي الرتبة العسكرية الأعلى في تلك الأزمنة.

لكن مع توسّع الجيش برزت الحاجة إلى رتبة أعلى، فكان الملك يختار أحد النقباء ويمنحه رتبة "كابتن إن جنرال" (النقيب العام) لتكون له سلطة على جميع المفوضين العسكريين وعلى الجيش ككل، والـ "كابتن إن جنرال" احتاج بدوره إلى مساعد يسانده في مهماته أو يتولاها في غيابه، وكان ذلك الـ "ليوتينانت جنرال" (رتبة فريق اليوم) الذي منح بدوره سلطة على النقباء،وهذا الأخير احتاج أيضاً إلى مساعد فظهرت رتبة "مايجور جنرال" (رتبة لواء اليوم).

وعلى النسق نفسه راحت الرتب العسكرية تزداد والهرمية العسكرية تتشعّب مع توسع الجيوش حتى باتت لدينا اليوم رتب موحدة ومتشابهة إلى حد كبير لدى مختلف دول العالم.

في الجيوش العربية تتشابه معظم الرتب العسكرية من جنود إلى ضباط مساعدين حتى الضباط الأعلى، وتتقارب في أسمائها إلا باختلافات بسيطة، كأن تصير رتبة العميد والعقيد في الجيش اللبناني والأردني والتونسي وغيرها، فريق وفريق أول في الجيش المصري والسوداني وغيرها، وكذلك تصبح رتبة اللواء والعماد أي قائد الجيش "مشير ومشير أول"، وكذلك تتشابه الرتب في الجيوش العربية بشكلها أيضاً، فهي شارات من خطوط للجنود ونجوم للضباط.

وبناء على توجيهات اللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية لتوحيد تسميات الرتب العسكرية عام 1966 فقد قسّمت الجيوش العربية الرتب إلى ثلاث فئات رئيسة

وفي كل فئة من هؤلاء مجموعة رتب عسكرية، لكنها قد لا تكون جميعها معتمدة في كل الجيوش العربية، ففي لبنان مثلاً توجد في فئة الأفراد رتبتا "مؤهل ومؤهل أول"، وهما رتبتان غير موجودتين لدى دول أخرى. أما الترقي من رتبة إلى أخرى فيخضع لقوانين كل دولة على حدة، وغالباً ما يستلزم قضاء مدة زمينة محددة في كل رتبة وإتمام الدراسة في الكلية العسكرية للدخول إلى فئة الضباط. 

هناك كثير من الرموز والشارات والمزايا الخاصة بالرتب العسكرية ذات أصول تاريخية خاصة بكل جيش، وعلى سبيل المثال ففي الجيش الأميركي يمثل شريط فضي واحد الرتبة الفرعية للملازم الثاني، في حين يرمز إلى العميد بنجمة فضية، وتستخدم النجوم عادة للإشارة إلى رتب الضباط في الجيش والقوات الجوية والفضاء.

ويختلف عدد النجوم بحسب الرتبة، إذ يملك الجنرال أربع نجوم والعميد نجمة واحدة، أما الجيش الروسي فيستخدم زينة الكتف مع مزيج من النجوم والأشرطة والرموز الأخرى للإشارة إلى الرتبة،  وفي الدول العربية ذات الأنظمة الملكية مثلاً يستعمل التاج في شارة الضباط، فيما تستعمل دول أخرى رموزاً خاصة بها مثل الأرزة في لبنان والنسر في مصر.

وفي الجيش البريطاني يرتدي الضباط غالباً شارات أو نجوماً صغيرة للإشارة إلى رتبهم، وتستخدم بعض البلدان إكليل الغار كجزء من شارات الرتب للإشارة إلى ضباط ذوي رتب عالية، ويمكن أن يحيط الإكليل بالنجوم أو الرموز الأخرى، وعلى سبيل المثال في الجيش الفرنسي يرتدي الجنرالات النجوم داخل إكليل من أغصان الغار، وقد أخذ الجيش اللبناني هذا الشكل للرتب في النجوم المكللة.

وفي بعض الجيوش يمكن أن يشير لون الزي أو القبعة العسكرية "البريه" إلى الفوج أو القسم الذي ينتمي إليه العنصر، أي فوج هندسة أو تفكيك الألغام أو الشرطة العسكرية أو المظليين، ويمكن للزي أن يميز لواء عن آخر في نوعية مهماته، وعلى سبيل المثال فالأخضر قد يرتبط بوحدات القوات الخاصة، بينما يرمز الأحمر إلى القوات الجوية والأزرق الداكن إلى القوات البحرية.

والشارات مهمة أيضاً لتعزيز الشعور بالتقاليد والشرف والاحتراف داخل الجيش، ويمكن أن تتفاوت التصاميم والقصص وراء هذه الرموز بصورة واسعة بين البلدان وفروع الجيش المختلفة.

وفي الولايات المتحدة كانت النجوم الخمس هي أعلى رتبة يمكن الحصول عليها بانتظام، أما رتبة ست نجوم فقد حصل عليها ضابط واحد هو جون جيه بيرشينغ، وكانت قد تمت ترقية جورج واشنطن إلى هذا المنصب بعد وفاته عام 1976.

وهناك ألقاب ورتب شرفية في جميع الجيوش تمنح لضباط مميزين قاموا بأعمال مهمة خلال خدمتهم أو تمنح لضباط متقاعدين أو تمنح كأوسمة لأشخاص عاديين أدوا خدمات جليلة للدولة، مثل وسام من رتبة ضابط أو فارس وغيرها.

 

الولايات المتحدة الأميركية

الولايات المتحدة الأمريكية

فرنسا

فرنسا

بريطانيا

بريطانيا

روسيا

روسيا

الصين

الصين

الوحدات العسكرية

وفي معظم الدول تنقسم القوات المسلحة بشكل أساس إلى ثلاثة فروع عسكرية، القوات البرية والقوات البحرية والقوات الجوية، ويقوم الجيش بتنفيذ مهماته عبر مجموعات تتألف من بضعة جنود وصولاً إلى آلاف الجنود الخاضعين لهيكلية تنظيمية هرمية دقيقة، إذ يعلو كل مجموعة مسؤول.

z

ماذا لو اختفت الرتب؟

قد يسأل بعضهم ماذا لو تخلت الجيوش عن نظام الرتب العسكرية، فماذا سيحصل؟

في الحقيقة أن العالم شهد تجارب مماثلة مع الأنظمة الشيوعية في روسيا والصين وألبانيا لكنها أفضت إلى نتائج مخيبة،  فبين عامي 1918 و1935 تخلى الجيش الأحمر، الذي أنشأه البلاشفة وأصبح لاحقاً الجيش السوفياتي، عن نظام الرتب العسكرية التقليدي، فألغى تسميات الضباط وحتى شارات الرتب، واستعاض عنها بلقب قائد لتحديد المهمات الوظيفية، فأصبح هناك "قائد قسم" و"قائد فيلق" وتسميات مشابهة. وفي عام 1924 عزز الجيش الأحمر هذه الألقاب بنظام رتب مواز قائم على 14 قسماً من الخدمات بدءاً من "كاي1" إلى "كاي14"، وتمنح بحسب الخبرة ومؤهلات القادة العسكريين.

وفي عام 1935 تخلى الجيش الأحمر مجدداً عن نظام أقسام الخدمات واستبدله بنظام هجين يجمع بين المسميات الوظيفية والرتب التقليدية، وفيه مثلاً رتبة "ليوتنانت" (ملازم)، واستمرت التغييرات في نظام الرتب العسكرية حتى عام 1943 حين أعاد الجيش اعتماد نظام الرتب العسكرية التقليدي، معيداً استخدام ألقاب الضباط وشارات الكتف.

وخاض جيش التحرير الصيني تجربة مماثلة بين عامي 1965 و1988، وكذلك الجيش الألباني من عام 1966 إلى 1991، قبل أن يعودا أيضاً لنظام الرتب العسكرية التقليدي بسبب ما واجهاه من صعوبات تشغيلية في القيادة والسيطرة.

وشكلت هذه التجارب دليلاً على أهمية نظام الرتب العسكرية الهرمي بغض النظر عن التسميات التي يعتمدها، إذ يوفر فعالية وتنسيقاً في آلية اتخاذ القرار، عدا عن أن التسلسل يدفع الجنود إلى العمل بأقصى إمكاناتهم من أجل التقدم داخل السلسلة الوظيفية، ويسهم في الحفاظ على انضباط الجنود.

كتابة
فيديل سبيتي

تحرير وإعداد
إيليانا داغر

التنفيذ والغرافيك
مريم الرويغ

رئيس التحرير
عضوان الأحمري