طرق التجارة

ممرات ربطت قارات العالم وخطت تاريخ البشرية

لم يكن ممكناً لشعوب الأرض، سواء تلك القريبة أو البعيدة من الصين والهند، الحصول على الحرير والبهارات، إلا من خلال القوافل التجارية التي شقت طريقها في عباب البحر ورمال الصحراء منذ قرون مضت.

وكانت رغبة الحصول على هذه البضائع وغيرها من السلع التي تنتجها الدول البعيدة، الدافع وراء انطلاق الرحلات التجارية وتطور شبكات التجارة الدولية المعقدة التي تركت بصمة دائمة يمكننا رؤية أثرها في الثقافات والأسواق في جميع أنحاء العالم حتى اليوم.

سنمضي في رحلة الإنسان الشاقة، التي تعود بدايتها إلى آلاف السنين، لنتعرف إلى أهم الطرق التجارية المساهمة في تشكيل تاريخ العالم. لكن قبل ذلك، دعونا نطلع على أحد أبرز الممرات التجارية وأكثرها طموحاً في عالمنا المعاصر... مشروع "الممرات الخضراء". طريق غير موجود على أرض الواقع بعد، لكنه أصبح مادة دسمة اكتسبت أهمية كبيرة نظراً لضخامة المشروع.

"الممرات الخضراء" 

مشروع بمثابة جسر أخضر وممر رقمي يربط الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط

أعلن عنه على هامش قمة "مجموعة العشرين"في نيودلهي في سبتمبر (أيلول) 2023

وقعت بشأنه السعودية والولايات المتحدة مذكرة تفاهم لوضع بروتوكول لتأسيس ممرات خضراء عابرة للقارات

انضم للمشروع كل من الهند والإمارات والأردن وإسرائيل والاتحاد الأوروبي

يهدف المشروع إلى:

تعزيز التبادل التجاري من خلال ربط السكك الحديدية والموانئ

إنشاء خطوط للسكك الحديدية

تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب

تعزيز أمن الطاقة وجهود تطوير الطاقة النظيفة

جسر بين القارات والحضارات

يربط مشروع "الممرات الخضراء" بين آسيا وأوروبا انطلاقاً من الهند ومروراً بالخليج العربي وصولاً إلى أوروبا، ويضم ممرين: الأول شرقي يربط الهند بمنطقة الخليج العربي بحرياً، والثاني شمالي يربط الخليج العربي بالأردن وإسرائيل برياً، ومن إسرائيل يتم الربط بحراً باليونان ومنها إلى بقية الدول الأوروبية عن طريق السكك الحديدية.

ووفقاً للتقارير الأولية، سينقل الجزء الشرقي للممر الحاويات من الهند إلى الإمارات عبر طريق الشحن البحري الذي يعمل حالياً انطلاقاً من الساحل الغربي للهند. ثم بعد ذلك، ستنقل البضائع عن طريق السكك الحديدية من الإمارات إلى ميناء حيفا الإسرائيلي على ساحل البحر الأبيض المتوسط.

ومن المرجح أن يتجه قطار الشحن من الإمارات إلى مدينة الغويفات على الحدود السعودية، وهو امتداد لسكة حديدية في الخدمة حالياً يبلغ طولها 605 كيلومترات. فقد تم بالفعل إنشاء أطول خط سكة حديد بطول 1392 كيلومتراً من حرض جنوب شرقي الرياض إلى الحديثة عند الحدود الأردنية، بالتالي فإن جزءاً كبيراً من البنية التحتية للسكك الحديدية موجود بالفعل.

أما الجزء الغربي من الممر، فسينقل الحاويات عبر السفن من حيفا باتجاه بيرايوس في اليونان، لنقلها عبر شبكات السكك الحديدية الأوروبية إلى وجهاتها النهائية.

كما ستمر عبر "الممرات الخضراء" الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف والبيانات الرقمية، بواسطة خطين أساسيين: النقل السككي عبر السكك الحديدية، والنقل البحري عبر كابلات وأنابيب.

المسار الشرقي

المسار الشرقي

المسار الغربي

المسار الغربي

يتضمن المشروع الطموح بناء موانئ ومنشآت للطاقة، وشبكات للسكك الحديدية والمطارات أو المجمعات الصناعية والمراكز التجارية.

وتقول الدول القائمة على المشروع الجديد إنه سيهدف إلى تحسين العلاقات الاقتصادية بين آسيا وأوروبا، وتعزيز أمن الطاقة النظيفة وتطويرها وتصديرها، إضافة إلى تنمية الاقتصاد الرقمي. لذلك فهو سيقوم على تأمين سلاسل التوريد الإقليمية، وزيادة الكفاءة، وخفض التكاليف، وتسريع التجارة البينية، وخفض انبعاثات الغازات الدفيئة.

تصريح بايدن هو ربما إشارة إلى إمكانية أن يعطل الممر الاقتصادي الجديد مشروع "الحزام والطريق" الصيني، أو يؤثر عليه، بحسب ما فسرت بعض الأوساط الدولية.

ولم تقدم مذكرة التفاهم بين البلدان المشاركة في المشروع تفاصيل عن كيفية تطوير الممر وتمويله، ومتى سيرى النور، لذلك لا نعرف إلا القليل عن مشروع "الممرات الخضراء". لكننا نعرف الكثير عن مشروع "طريق الحرير الجديد"، أو ما يعرف بمبادرة "الحزام والطريق".

"الحزام والطريق" من الصين إلى العالم

لا بد أنك تتساءل متعجباً كلما تجد عبارة "صنع في الصين" على معظم، إن لم يكن، جميع المنتجات التي تقتنيها أو الملابس التي ترتديها. لست أنت الوحيد، فالأمر نفسه يحدث مع غيرك من ملايين البشر. وليس في الأمر غرابة طالما أصبحت الصين مصنع العالم بأسره، واستثماراتها ماثلة أمام أعيننا في أرجاء المعمورة.

ونظراً لما حققه المارد الصيني من نجاحات اقتصادية، لا سيما خلال العقدين الماضيين، تريد بكين تعزيز هيمنتها على العالم وتسعى لوصول منتجاتها إلى الأسواق العالمية. وانطلاقاً من ذلك، أعلن الرئيس شي جينبينغ عام 2013 مبادرة "الحزام والطريق"، التي كثيراً ما توصف بأنها "طريق حرير القرن الحادي والعشرين".

يمكن وصفها بأنها حملة تسويقية ضخمة لشيء كان ولا يزال يحدث بالفعل: الاستثمار الصيني في جميع أنحاء العالم.

كان الهدف من المشروع في بدايته ربط شرق آسيا بأوروبا، ولكن بعد سنوات عدة توسع ليشمل أفريقيا وأوقيانوسيا وأميركا اللاتينية. ويتكون المشروع من ممرين: "الحزام" وهو عبارة عن ستة ممرات برية، تربط الصين بأوروبا الغربية عبر آسيا الوسطى وروسيا، و"الطريق" الممر البحري الذي يصل الصين بأفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمحيط الهندي.

"الحزام والطريق" وممراته السبعة

يتضمن مشروع "الحزام والطريق" إنشاء شبكة واسعة من السكك الحديدية، وخطوط أنابيب الطاقة، والطرق السريعة، والمعابر الحدودية، عبر جمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً في الغرب، وجنوباً إلى باكستان والهند وبقية دول جنوب شرقي آسيا.

وموّلت الصين منذ انطلاق المشروع مئات المناطق الاقتصادية الخاصة، وقدمت قروضاً تقدر بنحو 1000 مليار دولار لأكثر من 100 دولة، لتصبح أكبر دائن رسمي في العالم. كما تستثمر الصين في تطوير الموانئ على طول المحيط الهندي، من جنوب شرقي آسيا إلى شرق أفريقيا وأجزاء من أوروبا.

"الحزام والطريق"

ما الذي يسعى إليه المارد الصيني

تهدف مبادرة "الحزام والطريق"، من خلال ربط الصين بآسيا وأفريقيا وأوروبا، إلى توسيع التجارة العالمية، وتحفيز النمو الاقتصادي، وخلق روابط جديدة، وتحسين التكامل الاقتصادي، إضافة إلى توفير تعاون اقتصادي دولي.

قد تبدو تلك شعارات براقة ترفعها بكين للتسويق لمشروعها، ولكن يقبع وراءها هدف ذات أبعاد سياسية عبّرت بعض الدول عن مخاوف بشأنه، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية. إذ تنظر بعض الدول للمشروع الصيني بعين الريبة والحذر، وتعتقد أن الهدف منه هو فرض هيمنة الصين السياسية على الدول المشاركة في المبادرة، من خلال دبلوماسية ناعمة تقوم بالأساس على تقديم قروض طويلة الأجل يصفها المتشائمون والمشككون بـ "فخ الديون". من خلال هذا "الفخ"، ستتمكن الصين من التحكم باقتصادات الدول، وبالتالي فرض هيمنتها السياسية عليها.

وبالفعل، بدأت بعض الدول تلمس الوقوع بورطة المديونية، ومنها باكستان مثلاً. كما أن إيطاليا قالتها بالفم الملآن "لم تحقق (المبادرة) النتائج التي كنا نأملها"، لتبلغ روما بكين رغبتها بالانسحاب منها.

وتشاطر أميركا مخاوف بعض الدول من أن تكون مبادرة "الحزام والطريق" بمثابة حصان طروادة للتنمية الإقليمية والتوسع العسكري بقيادة الصين.

أما من المنظور الاقتصادي البحت، فتسعى الصين إلى تصدير القدرة الإنتاجية الفائضة لديها، وتعزيز دخلها، وخلق خطوط إمداد للطاقة عبر شبكة أنابيب النفط والغاز لتلبية حاجاتها، ومواصلة عملية تدويل عملتها المحلية "الليوان" وجعلها العملة الرئيسة للتداول التجاري، والأهم من ذلك إحداث تغيير في شكل النظام الدولي الحالي، على الأقل في شقه الاقتصادي، من نظام تفرض أميركا سطوتها عليه إلى نظام متعدد الأقطاب تلعب فيه بكين دوراً قيادياً.

وحققت الصين، كما يعتقد البعض، قدراً لا بأس به من النجاح في إعادة رسم الخرائط التجارية حول العالم بطريقة تضعها في المقدمة، قبل الولايات المتحدة وأوروبا. ولا غرابة في ذلك، فمبادرة "الحزام والطريق" جاءت لوصل العلاقات التي قُطعت بين الصين والعالم، وبث الروح في "طريق الحرير" الذي دخل مرحلة  الموت السريري قبل مئات السنين.

طريق الحرير... تبادل للتجارة والثقافات والأديان

هو أقدم ممر تجاري في العالم، كان عبارة عن ممرات برية ومائية تنقل البضائع بين الحضارتين العظيمتين، روما والصين.

كان طريق الحرير يربط الشرق بالغرب، منطلقاً من مدينة شيان الصينية، ليمر بجانب سور الصين العظيم، قبل عبور جبال بامير إلى أفغانستان ثم بلاد الشام. ومن هناك، تُنقل البضائع إلى السفن المتجهة إلى موانئ البحر المتوسط.أقيم طريق الحرير في القرن الثاني قبل الميلاد، ويعود الفضل في ذلك إلى الجنرال زانغ كيان الذي أرسله الإمبراطور ودي عام 139 ق. م. في بعثة لزيارة عدد من الشعوب المجاورة للصين.

وبعد 20 عاماً، أي عام 119 ق. م.، شق كيان أولى الطرق الممتدة من الصين حتى آسيا الوسطى، وبعد ذلك امتدت إلى بلاد فارس وسوريا، وصولاً إلى روما في أوروبا، لتصبح  التجارة بذلك للمرة الأولى عالمية بامتياز، وليست محلية أو إقليمية.

لم تحمل هذه الطرق اسماً بعينه طول تاريخها، فمصطلح "طريق الحرير" يعد تسمية حديثة العهد نسبياً أطلقها العالم الجيولوجي الألماني، البارون فرديناند فون ريشتهوفن في أواسط القرن التاسع عشر.

أبرز السلع

مثلت تجارة الحرير أحد الدوافع الأولى لإقامة الطرق التجارية عبر آسيا الوسطى. وانفردت الإمبراطورية الصينية في حيازة هذه السلعة التي حرس الصينيون القدماء سر إنتاجها لعدة قرون، كما دارت حولها حروب بين الأتراك العثمانيين والفرس، وتنافس الإنجليز والفرنسيون على تقييد أسواقها.

إلا أن صناعة الحرير وجدت طريقها في ما بعد إلى العالم كله. وتعتبر زراعة الحرير وإنتاجه عملية غير عادية، وكانت وقتها اختراعاً أسطورياً إذ استعصى اكتشافها على الكثيرين. وغالباً ما يُنسب إنتاج الحرير في الصين إلى الإمبراطور فو شي، الذي بدأ في تربية دودة القز وزراعة أشجار التوت لإطعامها. ويتكون الحرير من ألياف بروتينية تنتجها دودة القز عندما تقوم بغزل شرنقتها.

وعلى رغم أهمية سلعة الحرير النفيسة، التي أعجب بها العالم كله، لا سيما الرومان، إلا أن منتوجات عدة كانت تنقل بين الشرق والغرب، إذ حملت طرق الحرير الزجاج من مصر، والزعفران من بلاد فارس، وخشب الصندل من الهند، إضافة إلى منتجات أخرى مثل القطن والصوف والزجاج واليشم واللازورد والذهب والفضة والملح والتوابل بأنواعها والشاي والأدوية العشبية والأطعمة والفواكة والزهور، والقائمة تطول.

 

تلاقح ثقافي وحضاري

لعب طريق الحرير دوراً حيوياً في تطور المجتمعات البشرية، ولم يقتصر على تبادل السلع والبضائع، وإنما كان وسيلة للتبادل الفكري والثقافي بين الشعوب المختلفة، إذ كان طلب العلم والمعرفة من الدوافع الأخرى للسفر عبر هذا الطريق.

وأسهم الطريق أيضاً في انتشار الأديان، إذ حمل المسيحيون الآشوريون عقيدتهم إلى آسيا الوسطى والصين، كما عرفت الصين البوذية من خلال التجار القادمين من شبه القارة الهندية.

وانتقلت الأمراض على طول الطريق، فيعتقد على نطاق واسع أن مرض الطاعون انتشر في أوروبا بسبب التجار الذين جاؤوا من آسيا، مما تسبب في جائحة الموت الأسود في منتصف القرن الرابع عشر.

كان على المسافرين عبر طريق الحرير مواجهة الصحاري القاتمة والجبال العالية والحرارة والبرد الشديدين، واضطروا لمواجهة قطاع الطرق والمغيرين والسجن والمجاعة. أما الذين ذهبوا عن طريق البحر، فواجهوا حالة عدم اليقين المتعلقة بالطقس، والسفن سيئة البناء، والقراصنة.

لكن السلع والأفكار التي كانت مطلوبة بشكل كبير وقتها كانت تستحق عناء السفر لمسافات طويلة. ولم يكن من السهل أن يسافر التجار مسافة الطريق بالكامل، لذلك كان معظمهم يكتفون بإجراء المعاملات التجارية في أجزاء من الطريق البالغ طوله 4000 ميل (6437 كيلومتراً).

زوال الطريق

ربط طريق الحرير مناطق العالم القديم تجارياً منذ عام 130 ق. م. وحتى عام 1453 ميلادي. لم يكن من الممكن أن يصمد الطريق طوال هذه الفترة لولا الحماية التي وفرتها له الإمبراطوريات، لكنه انهار مع انهيارها.

فزوال الإمبراطورية الرومانية في القرن الرابع الميلادي، وقيام الإمبراطوريات الإسلامية كالإمبراطورية العثمانية، أدى إلى إغلاق طريق التجارة إثر وقف التبادل التجاري مع الغرب.

لكن طريق الحرير ولد من جديد في القرنين الثالث عشر والرابع عشر مع ظهور إمبراطورية المغول. وأدى التورط الاستعماري لدول أوروبا الغربية، بدءاً من القرن السادس عشر، إلى خلق تدفقات تجارية جديدة، فسيطرت دول أوروبا على طرق التجارة وأحكمت إسبانيا والبرتغال، أولى القوى البحرية الأوروبية، سيطرتها على الكثير من التدفقات العالمية وتم إنشاء أول شبكات تجارية لمسافات طويلة عبر المحيطات في التاريخ.

وتغيرت التجارة العالمية بشكل كبير في القرن التاسع عشر عندما تم دمج الهند في الإمبراطورية البريطانية وعندما أنهت حرب الاستقلال المكسيكية عام 1815 تجارة مانيلا عبر المكسيك.

وسقطت التجارة الصينية المربحة في أيدي القوى الاستعمارية الغربية الناشئة (إنجلترا وفرنسا والولايات المتحدة) من خلال إنشاء موانئ المعاهدة مثل شنغهاي.

طريق التوابل... شاهد على صراعات وحروب

هل تعلم أن التوابل،  في مرحلة ما في تاريخ البشرية، كانت تتمتع بمنزلة كبيرة ولا تقل أهمية عن المجوهرات والمعادن الثمينة، بل تجاوزتها في بعض الأحيان. فجوزة الطيب، مثلاً، كانت ذات يوم أغلى من الذهب. وفي القرن السادس عشر، كان عمال الموانئ في العاصمة البريطانية لندن يحصلون على القرنفل كمكافأة عوضاً عن النقود. كما كان الجنود الرومان يتقاضون رواتبهم في كثير من الأحيان بالملح.

كانت للتوابل أيضاً قيمة دينية وأخرى طبية. فمند العصور القديمة، كان يتم حرقها كبخور في الاحتفالات الدينية، مما ينقي الهواء ويحمل صلوات الشعب إلى آلهتهم في السماء. ولإخفاء الروائح المنزلية، كان الناس يحرقونها يومياً في بيوتهم. اعتُقد حينها أن العديد من التوابل ذات الرائحة القوية قادرة على محاربة الروائح الفاسدة التي ساد الظن بأنها تسبب الأمراض. ولهذا السبب كان الناس يحرقون العنبر للقضاء على وباء الموت الأسود "الطاعون" الذي اكتسح أوروبا.

كما أضيفت بعض التوابل إلى المراهم العلاجية والجرعات التي يتم شربها كترياق للسموم، وكان الناس يتناولون التوابل كعقاقير سُحقت وصنعت على شكل حبوب وكريمات وشرابات. الفلفل مثلاً، كان يُعتبر علاجاً للسعال والربو. ساد الاعتقاد أن القرفة تعالج الحمى، وأن جوزة الطيب كان نافعاً لنفخة البطن، وأن الزنجبيل الساخن مثيراً للشهوة.

ونظراً لهذه الأهمية الكبيرة، لهث العالم وراء البهارات. ولم يكن من المستغرب وقتها أن يقطع التجار مسافات طويلة جداً كرمى عيون التوابل التي أشعلت شهية العالم، وأشعلت معها منافسة محتدمة كان مسرحها طرق التجارة الممتدة عبر القارات.

طريق التوابل، المعروف أيضاً بـ"طريق الحرير البحري"، هو الاسم الذي يطلق على شبكة الطرق البحرية التي ربطت الشرق بالغرب، وامتدت من الساحل الغربي لليابان عبر جزر إندونيسيا، وحول الهند إلى الشرق الأوسط، ومن هناك عبر البحر الأبيض المتوسط إلى أوروبا. تقدر هذه المسافة بأكثر من 15 ألف كيلومتر، وهي رحلة ليست سهلة، حتى في يومنا هذا.

إندونيسيا... جزر التوابل

كان يطلق على إندونيسيا التي نعرفها اليوم اسم "جزر الملوك" أو "جزر التوابل" بوصفها سلة توابل العالم. استحق هذا البلد اللقب بجدارة لإنتاجه الحصري لعدد من التوابل النادرة مثل جوزة الطيب والقرنفل التي لم تنمُ في أي مكان آخر في العالم.

كانت التوابل سلعة نادرة، لا يمكن أن تنمو إلا في منطقة الشرق الاستوائي، من جنوب الصين إلى إندونيسيا وكذلك جنوب الهند وسريلانكا.

لذلك أثارت رغبة الحصول عليها الحاجة لتطوير بنية تحتية واسعة النطاق لنقلها من ذلك المكان البعيد لآلاف الكيلومترات عبر البحار. يمكن القول إن تجارة التوابل رسمت خريطة العالم، وأدت إلى تطوير التنقلات البحرية. بدأ ذلك في العصر الروماني وامتد إلى العصور الوسطى.

حكايات العرب الأسطورية

بدأت تجارة التوابل في الشرق الأوسط منذ أكثر من 4000 عام، عندما كان التجار العرب يبحرون إلى الأراضي المنتجة للبهارات قبل العصر الميلادي.

لقد حجب هؤلاء بمهارة المصادر الحقيقة للتوابل التي يبيعونها. ولإرضاء الفضوليين، وحماية أسواقهم، وتثبيط منافسيهم، نشروا حكايات خرافية مفادها أن القرفة الصينية تنمو في بحيرات ضحلة تحرسها حيوانات مجنحة، وأن القرفة التي اشتهرت بها سريلانكا كانت تنمو في وديان عميقة مليئة بالثعابين السامة.

كما روى التجار العرب قصصاً عن طائر القرفة الشرس، المعروف باسم "سينامولوجوس". وتروي إحدى القصص:

"كان الطائر الكبير يصنع عشه من أعواد القرفة الرقيقة. كنا نعلق عليها قطع لحم كبيرة. وكانت الطيور تغادر أعشاشها وتختطف اللحم، وعند عودتها مثقلة بصيدها، كانت أعشاش القرفة غير المستقرة تنهار. وكنا نجمعها ونأخذها إلى السوق".

على رغم أن الحكاية مغرية وخرافية بالفعل، إلا أن "القرفة الأسطورية" لم تكن موجودة على الإطلاق. بهذه الطريقة، درأ العرب منافسيهم الفضوليين عن محاولة البحث عن مصادر التوابل، وتمكنوا لسنوات عدة، من خداع التجار اليونانيين والرومان القدماء الذين كانوا يلهثون وراءها.

وبما أن تجارة التوابل كانت أكبر صناعة في العالم، فقد أسست ودمرت إمبراطوريات، وأدت إلى اكتشاف قارات جديدة.

الصراع على التوابل... ثروة ودماء وفتوحات استعمارية

في القرن الأول قبل الميلاد، أنشأت الإمبراطورية الرومانية مركزاً تجارياً قوياً في الإسكندرية بمصر، وكانت تسيطر على جميع التوابل التي تدخل العالم اليوناني الروماني لقرون عدة. أضعف ذلك السيطرة العربية على تجارة التوابل لكنها لم تكسرها لتصمد طوال فترة العصور الوسطى.

وعلى مدى القرون التالية، تقاتلت مجموعات لا حصر لها من أجل السيطرة على تجارة التوابل. ففي القرن العاشر، ازدهرت كل من البندقية وجنوة من خلال التجارة في بلاد الشام، ثم نشأ تنافس مرير بينهما بلغ ذروته في حرب كيودجا البحرية بين عامي 1378 -1381. بعد فوزها بالحرب، ظهرت البندقية كميناء تجاري رئيسي للتوابل المتجهة إلى غرب أوروبا وشمالها، وواصلت رحلة الازدهار من خلال فرض تعريفات جمركية ضخمة.

لم يكن بإمكان الأوروبيين فعل الكثير سوى دفع الأسعار الباهظة مقابل الحصول على التوابل. وحتى أثرياء أوروبا واجهوا صعوبة في دفع ثمنها، فضاقوا ذرعاً وقرروا في النهاية أن يفعلوا شيئاً.

وبالفعل، تغيرت تجارة التوابل مع انطلاق عصر الاكتشاف الأوروبي في القرن الخامس عشر. بحلول هذا الوقت، أصبحت المعدات الملاحية أفضل وأصبح الإبحار لمسافات طويلة ممكناً.

بدأ المستكشفون في بناء السفن والمغامرة في الخارج بحثاً عن طرق جديدة للوصول إلى مناطق إنتاج التوابل. وهكذا بدأت الرحلات الاستكشافية الشهيرة.

في عام 1492، أبحر كريستوفر كولومبوس تحت علم إسبانيا، وفي عام 1497، أبحر جون كابوت نيابة عن إنجلترا، لكن كلاهما فشل في العثور على أراضي التوابل المشهورة، على رغم أن كولومبوس عاد من رحلته بالعديد من الفواكه والخضروات الجديدة، بما في ذلك الفلفل الحار.

وفي عام 1498، قام المستكشف البرتغالي فاسكو دا غاما بأول رحلة بحرية من أوروبا إلى الهند عبر أفريقيا، وهي الأولى من نوعها في العالم. كانت المهمة مدفوعة بالرغبة في إيجاد طريق مباشر إلى مصادر التوابل، مع الاستغناء عن الوسطاء.

وصل دا غاما إلى ساحل مالابار في الهند، قلب تجارة التوابل، مدشناً بذلك بداية التجارة المباشرة بين أوروبا وجنوب شرقي آسيا. كانت رحلته بمثابة ضربة قوية أطاحت بالتجار العرب، تبعها هجوم دموي في البحر من أجل إنشاء طريق التوابل الجديد من الهند إلى أوروبا وحمايته.

وتحت قيادة بيدرو ألفاريس كابرال، كانت البعثة البرتغالية أول من جلب التوابل من الهند إلى أوروبا عن طريق رأس الرجاء الصالح في عام 1501. واستمرت البرتغال في الهيمنة على طرق التجارة البحرية خلال معظم القرن السادس عشر.

تحولت الرحلات الأوروبية إلى فتوحات استعمارية، وامتدت أراضي الإمبراطورية البرتغالية إلى مناطق بعيدة في العالم، بأميركا الشمالية والجنوبية وأفريقيا ومناطق عدة في آسيا.

وأثارت المنافسة المتزايدة صراعات دامية حول السيطرة على تجارة التوابل، واندلعت الحروب حول جزر التوابل الإندونيسية بين الدول الأوروبية المتوسعة، هولندا والبرتغال وإنجلترا، واستمرت لنحو 200 عام، بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر.

تراجعت البرتغال في نهاية المطاف. وبحلول القرن التاسع عشر، كانت المصالح البريطانية متجذرة بقوة في الهند وسيلان، بينما سيطر الهولنديون على الجزء الأكبر من جزر الهند الشرقية.

ومع انتشار التوابل، بدأت قيمتها في الانخفاض.وكانت طرق التجارة مفتوحة على مصراعيها، وعندما شرع الناس بنقل نباتات التوابل إلى أجزاء أخرى من العالم، بدأت الاحتكارات الغنية في الانهيار.

طريق الملح... الذهب الأبيض الثمين

يعود تاريخ طريق الملحإلى العصر الحجري الحديث، أي حوالى 6000 سنة قبل الميلاد. حينها بدأت المجتمعات البشرية في الاستقرار وتطوير الزراعة، مما ولّد الحاجة إلى الملح الغذائي.

كان القلط، وهم مجموعة من الشعوب الهندية الأوروبية التي عاشت في مناطق واسعة من أوروبا والأناضول، أول من استخرج الملح على نطاق واسع في وسط أوروبا.

وسهل الفينيقيون، المعروفون ببراعتهم البحرية، انتشار الملح في البحر الأبيض المتوسط. وفي شمال أفريقيا، أصبح التجار البربر فاعلين في هذه التجارة، ونشروا تجارة الملح عبر الصحراء الكبرى.

شهد العصر البرونزي توسع المستوطنات البشرية حول المناطق الغنية بالملح وتكثيف تجارته، وبحلول العصر الحديدي، انتشر إنشاء الملاحات وعمليات تعدين الملح على نطاق واسع.

سفن الفينيقيين

سفن الفينيقيين

أما ذروة نشاط طريق الملح تعزى عموماً إلى العصور الوسطى، حين ازدهرت المدن المبنية حول مناجم الملح والمراكز التجارية، وتم إنشاء طرق الملح المخصصة، مثل طريق سالاريا في الإمبراطورية الرومانية لتسهيل التجارة.

كان أكثر الطرق شهرة "طريق الملح الروماني" الذي يمتد من أوستيا، بالقرب من روما، عبر إيطاليا، إلى ساحل البحر الأدرياتيكي.

ومن بين طرق الملح المهمة الأخرى في أوروبا كان هناك طريق الملح القديم. ويمتد مسافة 100 كليومتر من مدينة لونبورغ شمال ألمانيا، التي كانت أكثر مصادر الملح وفرة في شمال أوروبا، إلى مدينة لوبيك على الساحل الشمالي الألماني.

لعبت هذه الشبكة دوراً حاسماً في تقدم الحضارة، فإضافة إلى كون الملح مكوناً غذائياً حيوياً، تعددت استخدامته لحفظ الطعام وصناعة الفخار، على سبيل المثال لا الحصر. 

كان طريق الملح أكثر عمقاً بكثير من مجرد كونه طريقاً تجارياً، فقد أسهم في تشكيل الروابط الاقتصادية والثقافية والسياسية. فتجارة الملح أدت إلى ظهور ترابطات معقدة دفعت النمو الاقتصادي.

والأهم من ذلك، أن الملح لم يكن مجرد منتج وحسب، بل كان في كثير من الأحيان عملة في حد ذاته. فعلى سبيل المثال، كان الجنود الرومان يتقاضون أجورهم في بعض الأحيان بالملح، كما سبق أن ذكرنا. والأمر المدهش حقاً أن هذه الممارسة أدت إلى ظهور مصطلح "الراتب" وعبارة "يستحق ملحه".

علاوةً على ذلك، فإن الثروة المتراكمة من تجارة الملح غذت الاستثمارات في البنية التحتية. فغالباً ما انتشرت الطرق والجسور والمستوطنات على طول الطرق الملحية، لتصبح مراكز مهمة للنشاط الاقتصادي. وكانت لهذه التطورات آثار اقتصادية شاملة، بما في ذلك تحسين مستويات المعيشة وتسهيل شبكات التجارة الأكثر تطوراً.

مدينة سالتزبورغ

مدينة سالتزبورغ

تظهر الأدلة تأثير طرق تجارة الملح على البنية التحتية في "طريق الحديد المملح" في الصين. وبالمثل، نمت مدينة سالتزبورغ في النمسا، والتي سميت على اسم الملح (salz)، ويرجع ذلك أساساً إلى تجارة الملح المزدهرة هناك.

أما التأثير الثقافي لتجارة الملح فتجلى من خلال تبادل الأفكار والتقاليد والمعرفة عبر المجتمعات بتنوعها. ولم يحمل التجار معهم، طوال رحلاتهم، الملح فحسب، بل حملوا معهم جوهر ثقافاتهم الفنية والدينية والاجتماعية، وهو ما أسهم في تعزيز الروابط الثقافية.

وكانت طبيعة التبادلات الثقافية على طول طريق الملح قوية للغاية لأن التجار لم يكونوا عابرين فحسب، بل كانوا يستريحون في كثير من الأحيان لعدة أسابيع أو أشهر، في انتظار المواسم المواتية أو التعافي من تعب السفر. وقد سهلت هذه الإقامة الطويلة الاستيعاب الثقافي.

فالتبادل الثقافي، مثلاً، أدى إلى انتشار البوذية على طول طرق الملح من الهند إلى آسيا الوسطى والصين خلال القرن الأول الميلادي. أما سياسياً، أدت ندرة الملح أو القيود المفروضة عليه إلى استياء عام وثورات، مثل ثورة الملح "ساتياغراها" في الهند بقيادة المهاتما غاندي عام 1930. 

طريق الكهرمان وتجارة "الذهب الشمالي "

منذ 3500 عام، كان الكهرمان واحداً من أكثر السلع التجارية المرغوبة في أوروبا. والكهرمان، أو ما يطلق عليه العنبر، هو عبارة عن مواد عضوية تفرزها الأشجار الراتنجية كأشجار الصنوبر. وعندما تسقط هذه المواد الصمغية من الأشجار وتدفن تحت الأرض، تتحجر على مدى ملايين السنين، لتصل إلى حالتها الصلبة المعروفة.

تم اكتشاف الكهرمان أول مرة في جزيرة غوتلاند في السويد وساحل البلطيق حيث تجرفه الأمواج بكميات هائلة نحو الشاطئ. وعثر على رواسب كبيرة منه في قاع بحر البلطيق تشكلت على مدى ملايين السنين عندما كانت الغابات تغطي المنطقة.

كان الكهرمان ينقل من المناطق الساحلية لبحر الشمال وبحر البلطيق إلى البحر الأبيض المتوسط، ثم انتشر بعد ذلك في أوروبا. ومن البحر الأسود إلى سوريا ومصر، ومنها إلى آسيا عن طريق الحرير.

خلال فترة حكم الإمبراطورية الرومانية، لقي العنبر رواجاً كبيراً وكان يحظى بأهمية كبيرة، لدرجة أنه كان يطلق عليه اسم "الذهب الشمالي". لذلك عمل الرومان على تطوير طريق الكهرمان.

هيرمان فون سالزا منصب السيد الأكبر الرابع للفرسان التوتونيين

هيرمان فون سالزا منصب السيد الأكبر الرابع للفرسان التوتونيين

واجه طريق العنبر تحديات كبيرة في القرن الثالث عشر، خلال الحملات الصليبية، إذ غزا فرسان التيوتون الألمان جزءاً من شاطئ بحر البلطيق، وتمكنوا من الوصول إلى الشواطئ المليئة بالعنبر والسيطرة على إنتاج الكهرمان. وفرض الفرسان عقوبة الإعدام على أي شخص يجمع أو يبيع الكهرمان، وهو ما يبرز أهمية هذه السلعة في ذلك الوقت.

طريق الشاي والخيول... "تشاماداو"

طريق الشاي والخيول ينقسم إلى شبكتين من الطرق التجارية: الأولى تمتد من مقاطعة سيتسوان الصينية إلى لاسا عاصمة التبت لربط مناطق إنتاج الشاي مع المناطق التي تستهلكه في جميع أنحاء الصين حيث يعتقد أن سيتسوان ويونان هما أول منطقتين لإنتاج الشاي في العالم.

على هذا الطريق، البالغ طوله 4000 كيلومتر، كان يتم تبادل الشاي الصيني والخيول التبتية، ومن هنا استمد اسمه. نشأ في أواخر القرن السادس ويعتبر من أكثر الطرق القديمة ارتفاعاً وأشدها انحداراً، نظراً لمروره عبر التلال والأنهار الخطيرة.

أما شبكة الطرق الثانية فتمر عبر بوتان وسيكيم ونيبال والهند، ليشكل طريق الشاي والخيول بالإجمال امتداداً يبلغ 10000 كيلومتر، مما يجعله إحدى أطول الطرق التجارية في العالم.

ازدهرت التجارة على الطريق في بداية عهد أسرة سونغ بين عامي 960 و1297 ميلادي. وفي منتصف الحرب العالمية الثانية، اكتسب أهمية كبيرة لا سيما بعد إغلاق اليابان العديد من المؤانئ البحرية، ليصبح الممر الرئيس لنقل البضائع بين الصين والهند.

لا يقل الطريق، الذي يعرف أيضاً باسم "تشاماداو"، أهمية عن طريق الحرير، إلا أنه بدأ بالانحسار في أواخر القرن العشرين مع التطور السريع للطرق الحديثة البرية والبحرية

طريق التجارة عبر الصحراء الكبرى... ابحث عن الذهب

يعبر طريق التجارة عبر الصحراء أكثر من 600 ميل من شمال أفريقيا إلى غربها، وهو عبارة عن شبكة من الطرق أقيمت بين القرنين الثامن والسابع عشر.

مع بداية العصر الميلادي، كان ساحل شمال أفريقيا تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية، وكان البربر والعرب وقتها يستخدمون الطرق لنقل العبيد والحيوانات والتوابل والذهب والأطعمة إلى غرب أفريقيا، إلا أن هذه التجارة بدأت بالتقلص نتيجة تغير المناخ مما زاد من صعوبة السفر.

على رغم ذلك، عادت التجارة عبر الصحراء إلى الحياة وبدأ "عصرها الذهبي" حوالى عام 700 ميلادي. بحلول ذلك الوقت، كان الإسلام منتشراً في جميع أنحاء شمال أفريقيا.

وتعتبر الفترة من 1200 إلى 1450 ميلادي ذروة التجارة على طول الطريق الذي ربط غرب أفريقيا بالبحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي.

تطورت المدن التجارية على جانبي الصحراء، وسيطرت الإمبراطورية الغانية عليه لمدة 200 عام قبل سقوطها، ثم نشأت إمبراطورية مالي بعدها.

وساعدت مجموعة من العوامل بتطور هذه التجارة المنظمة، مثل انتشار الخانات التي كان يرتاح بها التجار، إضافة إلى استخدام الجمال والقوافل التي سهلت عبور الصحراء الكبرى، ما أحدث ثورة تجارية كبيرة على الطريق.

كما كان للسراج دور كبير في نمو التجارة، مما سمح للتجار بحمل كميات كبيرة من البضائع لمسافات طويلة، الأمر الذي أدى إلى زيادة الأرباح وخفض التكاليف. 

الذهب أهم البضائع

"ساعد الوصول إلى الذهب على صعود الإمبراطوريات القوية، إذا شتهرت إمبراطورية غانا بوفرة الذهب من القرن السادس عشر حتى القرن الثالث عشر. كما كانت مالي وسونغاي من أهم الإمبراطوريات التجارية الغنية بالذهب أيضاً.

ظل ذهب غرب أفريقيا مصدراً شائعاً ومهماً، مما أتاح لهذه الإمبراطوريات إمكانية الوصول إلى سلع لم يكن من الممكن أن تحصل عليها.

كما تم تداول الملح والقواقع البحرية التي كانت تستخدم كعملة أيضاً في ذلك الوقت.

وشملت التجارة عبر الصحراء الكبرى أيضاً تجارة العبيد الذين كانوا في أغلب الأحيان أسرى حرب، ويتم بيعهم من قبل سكان غرب أفريقيا إلى التجار المسلمين في الشمال.

لم تكن التجارة الثقافية أقل أهمية، إذ سمح التبادل الثقافي بانتشار الأفكار واللغات والأديان على طول الطريق، لا سيما الدين الإسلامي بين القرنين السابع والتاسع.

طريق البخور... تجارة اللبان والمر

للرائحة الطيبة القدرة  على تغيير المزاج وجعلنا نشعر بالانتعاش والاسترخاء والنشاط، فمن منا لا يحبها.

والروائح الطيبة التي تعزز هذه المشاعر كانت موجودة منذ آلاف السنين، فالبعض كان يستخدمها للتطهير الروحي، كالمصريين القدماء الذين استخدموا اللبان في طقوس الدفن، أما الرومان فاستخدموه في حفلات الزفاف والاحتفالات.

قد لا يكون اللبان والمر موجودين في قائمة التسوق اليوم، ولكنهما كانا من السلع المهمة والرائجة من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني ميلادي، وهي الفترة التي ازدهرت فيها تجارة البخور، وتحديداً في عمان واليمن.

واللبان والمر مادتان مشتقتان من صمغ الأشجار، وهي كتل صلبة من الصمغ يمكن حرقها لاستخدامها بشكل بخور أو عطر.

كانت عمان تعرف بـ"أرض اللبان" وظلت مدينة ظفار مركزاً لتصدير النبتة العطرية إلى الحضارات الكبرى التي توالت على العالم، كما كانت لليمن مكانة بارزة في تجارة البخور، مما شجع الكثير من الناس من منطقة الهلال الخصيب على الهجرة إليه، علماً أن البخور كان عنصراً حاسماً لاقتصاد اليمن ومصدر ثروة لحكامه.

طريق البخور كان عبارة عن شبكة طرق تجارية جلبت البخور، على وجه التحديد اللبان والمر، وسلع أخرى، من جنوب شبه الجزيرة العربية إلى البحر الأبيض المتوسط. وربطت طرق البخور الهند وشبه الجزيرة العربية وشمال شرقي أفريقيا والبحر الأبيض المتوسط عبر طرق التجارة البحرية والبرية.

دام طريق البخور لمدة 2000 عام، لكنه تراجع بحلول القرن الأول ميلادي، بسبب عدة عوامل منها سقوط الموانئ التجارية الأساسية مثل الإسكندرية، وتطوير طريق تجاري أكثر كفاءة عن طريق البحر.

طريق البخور البري

كتابة وإعداد
فراس بارودي

تحرير
إيليانا داغر

التنفيذ والغرافيك
مريم الرويغ

الإشراف على التنفيذ
نوف الحربي

رئيس التحرير
عضوان الأحمري