بين ضغوطات ذوي الضحايا وانتقادات مؤسسات حقوق الإنسان، والالتزام بانضمام فلسطين إلى البروتوكول الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، تدور مواجهة عنيفة حول أحكام الإعدام في قطاع غزّة، اشتدت بعد إصدار محكمة بداية غزّة التابعة للسلطة القضائية التي تسيطر عليها حركة "حماس" في 14 يونيو (حزيران) الحالي، حكماً بالإعدام شنقاً حتى الموت على مواطن مدان بتهمة القتل.
ويعد الحكم الذي أصدرته السلطة القضائية، السادس منذ بداية عام 2021، والـ150 منذ سيطرة "حماس" على سدة الحكم في قطاع غزّة، الأمر الذي اعتبرته المؤسسات الحقوقية إسرافاً في استخدام هذه العقوبة الممنوعة وفق التزامات فلسطين أمام المجتمع الدولي.
يتنافى مع التزامات فلسطين الدولية
يقول المستشار القانوني لمؤسسة الحق عصام عابدين، إن استمرار إصدار أحكام الإعدام في قطاع غزّة يخالف المادة 109من القانون الأساسي الفلسطيني المنفذ في جميع الأراضي الفلسطينية، التي تنص في محتواها على ضرورة المحاكمة العادلة وتجنب إصدار أحكام الإعدام، ويتنافى مع الالتزامات الدولية لفلسطين بموجب الاتفاقيات الموقعة عليها.
وفي عام 2018، انضمت فلسطين إلى البروتوكول الثاني الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والمعنون بإلغاء عقوبة الإعدام، ويشير عابدين إلى أنه بمجرد توقيع الرئيس محمود عباس فإنه على السلطات في الضفة الغربية وقطاع غزّة الالتزام، وتعديل القوانين بما يتناسب والمعاهدة الدولية.
لكن ذلك لم يحدث في الضفة الغربية ولا غزّة، وبقيت القوانين على حالها واستمرت السلطات القضائية في القطاع بالتحديد بإصدار أحكام بالإعدام، بعضها يكون مع وقف التنفيذ، وجزء منها يجري تنفيذه من دون مصادقة من رئيس السلطة الفلسطينية.
ويقول جميل سرحان، نائب المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان (أعلى مؤسسة حقوقية في فلسطين)، إن "عقوبة الإعدام ليست هي الوسيلة الناجعة للتعامل مع الجرائم الكبرى، ولا يعني ذلك أبداً التساهل مع الجرائم أو إنكار واجب السلطات في حفظ الأمن والسلم المجتمعي، لذلك على السلطات استبدال هذه العقوبة اللا إنسانية، التي لا تسهم في خفض معدلات الجرائم الكبرى".
تنفيذ الإعدام جريمة
ومن جهته، يوضح عابدين، أن تنفيذ حكم الإعدام يعد جريمة متكاملة الأركان، ويحاسب مصدرو القرار والمنفذون له، أمام القضاء الفلسطيني والجنائية الدولية (أقرت ولايتها على الأراضي الفلسطينية)، بخاصة أن السلطة انضمت لنظام روما المؤسس لمحكمة الجنايات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويشير إلى أن إصدار أحكام بالإعدام في غزّة يدلل على عدم المحاكمة العادلة للمدانين، ومن المفترض أن تستبدل السلطات في القطاع الإعدام بعقوبات أخرى تناسب الجرائم المنفذة، لافتاً إلى أن عرض المواطنين على القضاء العسكري يعد جرماً قانونياً وقضائياً أياً كانت التهم المرتكبة، وهو انتهاك للمعايير الدولية والمادتين 30 و101 من القانون الفلسطيني اللتين تحصران اختصاص المحاكم العسكرية بالشأن العسكري فقط.
وفور صدور حكم الإعدام الأخير في غزّة، اعتبرته مؤسسات حقوق الإنسان تجاوزاً للقانون، ومجرد تنفيذه يعد جريمة قتل خارج القانون. ويقول الباحث القانوني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان محمد أبو هاشم، إنهم يصنفون عقوبات الإعدام بالقتل خارج إطار القانون، وليس حكماً بالإعدام، بخاصة أن هذه القرارات مخالفة للقانون الأساسي الفلسطيني وقانون العقوبات، وقانون الإجراءات الجزائية.
سلطات غزّة فقيرة لإمكانيات تشريع الإعدام
وبحسب أبو هاشم، فإنه لا يحق للسلطات في غزّة إصدار عقوبة الإعدام، إذ لا يوجد سلطة تشريعية حقيقية في القطاع، والمجلس التشريعي معطل وتم حله بموجب قرار من المحكمة الدستورية، كما لا توجد إمكانات تحقيق كافية، ولا كادر تحقيق مؤهل، ولا مختبرات جنائية لإثبات الجريمة على مرتكبها. لذا على الجهات القضائية استبداله بعقوبات أخرى مثل الأعمال الشاقة المؤبدة مدى الحياة.
ويؤكد أبو هاشم أن المؤسسات الحقوقية ما زالت تحاول مع السلطات في غزّة من أجل توقيف إصدار عقوبة الإعدام، إلا أنها تتذرع بأن قرارتها تنسجم مع القانون الفلسطيني الذي يسري تنفيذه في القطاع.
لكن المستشار إيهاب عرفات، الناطق الإعلامي باسم السلطة القضائية في قطاع غزّة، يقول إن النظام القانوني لا يحظر تطبيق عقوبة الإعدام بحق مرتكبي جرائم القتل، وهذه العقوبة منصوص عليها في قانون العقوبات الفلسطيني رقم 74 لسنة 1936، المطبقة أحكام نصوصه في غزة، وفي العادة تصدر هذه الأحكام وفق الضمانات المنصوص عليها.
ويوضح عرفات أن عقوبة الإعدام لم تلغ، ولا اعتماد قوانين جديدة يلغيها، سواء في قطاع غزة أو الضفة الغربية، بسبب تعطيل المجلس التشريعي، لافتاً إلى ضرورة عقده لإقرار مثل هذه القوانين وتطبيق انضمام فلسطين لبروتوكول إلغاء الإعدام وحظر تطبيقه.
والغريب، أنه منذ عام 2005، توقف تنفيذ أحكام الإعدام في الضفة الغربية، ومنذ عام 2015 توقف إصدارها هناك، من دون إجراء أي تعديل على القانون الأساسي الفلسطيني.
وتستند المحاكم في قطاع غزة، لدى إصدارها أحكام الإعدام، إلى قانون العقوبات لسنة 1936، أو إلى قانون العقوبات الثوري لسنة 1979، وهما غير دستوريين، بعدما وقعت السلطة الفلسطينية عام 2018، على البروتوكول الثاني الملحق بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، القاضي بإلغاء عقوبة الإعدام وحظر تطبيقها.