تواجه الصين بالفعل تباطؤاً اقتصادياً متوقعاً في عام 2022، لكن الاقتصاد الصيني بدأ بمواجهة مشاكل جديدة ربما أكثر حدة من تداعيات جائحة كورونا، إذ يواجه القطاع العقاري أزمة عنيفة بعد تعثر شركة "إيفرغراند"، إضافة إلى تداعيات عمليات الإغلاق المتفرقة بسبب الجائحة، ما يؤشر إلى تباطؤ حاد وخسائر عنيفة خلال عام 2022.
وأظهرت بيانات حكومية صينية حديثة، وجود بؤر اضطراب في ثاني أكبر اقتصاد في العالم خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. حيث انخفضت أسعار المساكن للشهر الثالث على التوالي، في إشارة إلى استمرار تفاقم أزمة العقارات. كما عانت مبيعات التجزئة أيضاً، ما يشير إلى أن تفشي فيروس كورونا ونهج "صفر كوفيد" الذي تعتمده الحكومة الصينية لإغلاق المناطق التي يتفشى فيها الفيروس يؤثران على الاقتصاد.
وفي ظل هذه المعطيات، يقول باحثون، إن هذه المشاكل لن تختفي، حيث تجبر المتغيرات الجديدة لفيروس كورونا، الشركات على إغلاق المصانع في مناطق التصنيع الرئيسة. وكتب باحثون في "كابيتال إيكونوميكس"، إن "تفشي فيروس كوفيد الجديد في تشجيانغ مرة أخرى تسبب في فرض قيود محلية وإغلاق المصانع، بينما يُرجح أن تعيق المشاكل في قطاع العقارات عمليات البناء لبعض الوقت". وأضافوا أن جهود الحكومة للتخفيف من صرامة السياسات ومساعدة الاقتصاد، "لن تؤدي إلا إلى تخفيف التباطؤ الناتج".
مهمة أكثر من صعبة في 2022
وبعد الخروج من عام 2020 كالاقتصاد الرئيس الوحيد الذي سجل نمواً، كانت الصين تتعامل مع تهديدات كثيرة تواجه التوسع المستمر. إذ أدى نقص الطاقة إلى إعاقة الإنتاج الصناعي خلال معظم العام الحالي، فيما تكافح البلاد لتحقيق التوازن بين حاجتها إلى الكهرباء والجهود المبذولة لمعالجة أزمة المناخ.
وأعرب كبار قادة الصين بالفعل عن مخاوفهم بشأن آفاق النمو. وفي اجتماع سياسي مهم الأسبوع الماضي، أقر مسؤولون، بأن الاقتصاد يواجه "ضغوطاً ثلاثية: تقلص الطلب، وصدمات العرض، وضعف التوقعات".
في ذات الوقت، لا يزال متوقعاً أن ينمو ثاني أكبر اقتصاد في العالم بنسبة 7.8 في المئة خلال 2021، وفق مذكرة "كابيتال أيكونوميكس"، لكن لاري هو، كبير الاقتصاديين الصينيين في "ماكواري"، حذر من أن "الاتجاه الهبوطي الواسع يُتوقع أن يستمر خلال العام الجديد". وأضاف أنه "بينما كان الهدف الرسمي للناتج المحلي الإجمالي أن ينمو بأكثر من 6 في المئة في 2021، فإن المعطيات القائمة تشير إلى أن تحقيق معدل نمو في حدود 5 في المئة خلال العام المقبل، يُعد مهمة أكثر من صعبة".
مخاوف بشأن النمو
وفي حين لم تقدم البيانات الصادرة حديثاً عن المكتب الوطني للإحصاء أي مؤشرات مطمئنة، فإنه إلى جانب انخفاض أرقام العقارات والتجزئة في الصين، تلاشى زخم الاستثمار في الأصول الثابتة مثل المصانع والمعدات، حيث توسع المقياس بنسبة 5.2 في المئة خلال الأشهر الـ11 الأولى من العام، مقارنة بنحو 6.1 في المئة في الأشهر العشرة الأولى. ويُعزا هذا التراجع بشكل رئيس إلى تباطؤ الإنفاق على العقارات والبنية التحتية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في ذات الوقت، تسببت هذه المؤشرات السلبية في ارتفاع البطالة إلى مستوى 5 في المئة، بينما كانت هناك نقطة مضيئة واحدة، إذ ارتفع الناتج الصناعي خلال نوفمبر (تشرين الثاني)، بنسبة 3.8 في المئة عن العام الماضي، بزيادة طفيفة عن بيانات أكتوبر (تشرين الأول) 2021. وكتب "هو"، إن "النبأ السار هو أن جانب الإنتاج من الاقتصاد يُظهر بعض علامات الاستقرار، بفضل سهولة تعويض نقص الطاقة والطلب الخارجي المرن". لكن نشر البيانات تزامن مع أنباء مقلقة من مقاطعة تشجيانغ، التي تضم أحد أكبر مراكز التصنيع والتصدير، حيث أوقفت مصانع عدة عملياتها بعدما شددت السلطات المحلية القيود على الحركة لمنع تفشي الإصابات بفيروس كورونا ومتحوراته.
أيضاً، لا تزال هناك أيضاً تساؤلات حول فعالية نهج الصين "صفر كوفيد"، والذي يتضمن إغلاق الأحياء والمدن والمناطق بأكملها بقوة استجابة لحالة واحدة أو حالتين فقط. وأدت عمليات الإغلاق السابقة في المراكز الاقتصادية الرئيسة إلى تعطل موانئ الشحن وإعاقة سلاسل التوريد العالمية.
ولم يتضح بعد مدى تأثير تفشي المرض في مقاطعة تشجيانغ على التصنيع، لكن مدينة نينغبو، موطن أحد أكبر موانئ الحاويات في العالم، شددت الدخول، ما أثار مخاوف بشأن الاضطرابات. وكتب باحثون في "كابيتال إيكونوميكس"، أن "مزيداً من الاضطراب في سلسلة التوريد هو احتمال كبير".
كما تلوح في الأفق مخاوف بشأن متحورة "أوميكرون"، حيث أبلغت الصين عن حالتين، واحدة في مدينة تيانجين الساحلية الشمالية والأخرى في مقاطعة قوانغدونغ الجنوبية. وفي مؤتمر صحافي في بكين، لمحت السلطات إلى الانتشار العالمي للمتحورة، وارتفاع أسعار السلع، وانهيار سلاسل التوريد العالمية، واصفة "البيئة الدولية" بالشيء الذي أصبح "أكثر تعقيداً وخطورة". وحذر باحثو "كابيتال إيكونوميكس" من أن تفشي فيروس كورونا الأخير في الصين يشير إلى أن "القيود المتجددة وحذر المستهلك موجودان ليبقيا في المستقبل المنظور".
أزمة العقارات تتفاقم
ويضاف إلى الأزمات السابقة، الأزمة الأشد عنفاً والتي تتعلق بقطاع العقارات، حيث تخلفت شركة "إيفر غراند" عن سداد ديونها الأسبوع الماضي، ما دفع بكين إلى التدخل في محاولة لمنع الانهيار غير المنضبط الذي قد يتسبب بانهيار الاقتصاد ويؤدي إلى مخاطر أوسع لأصحاب المنازل والنظام المالي الصينب.
وتسلل التباطؤ إلى هيكل العقارات، فحاولت الحكومة كبح جماح مخاطر الديون وكبح قطاع الاستدانة المفرط. وأدت الحملة التنظيمية التي بدأت العام الماضي، بهدف ترويض الاقتراض المفرط في العقارات، إلى استنفاد السيولة في القطاع ودفعت بعض اللاعبين الضعفاء إلى حافة الانهيار.
وإلى جانب المشاكل الافتراضية الأخيرة لشركة "إيفرغراند"، يواجه المطورون الآخرون مشكلة أيضاً. فقد تراجعت أسهم مجموعة "شيموا" ومقرها شنغهاي في هونغ كونغ هذا الأسبوع، بعدما أثار بيع الأصول المخطَط له مخاوف بشأن الوضع المالي للشركة.
ووصف فو لينجهوي، المتحدث باسم المكتب الوطني للإحصاء، سوق العقارات بأنه "مستقر بشكل عام". لكنه اعترف بأن بعض المدن تواجه ضغوطاً نزولية "متزايدة" في العقارات بسبب فقدان السكان والصعوبات الاقتصادية. وأضاف "مخاطر الديون آخذة في الارتفاع بالنسبة إلى بعض الشركات العقارية التي اعتمدت في السابق على نفوذ كبير للتوسع بشكل أعمى".
وفي وقت سابق، أشارت الحكومة الصينية إلى استعدادها للتدخل وتقديم مساعدة محدودة. حيث أعلن بنك الصين الشعبي، أخيراً، أنه سيضخ 188 مليار دولار من السيولة للنظام المصرفي، وهي خطوة تم تفسيرها على نطاق واسع على أنها محاولة لمواجهة الركود العقاري.
ويتوقع باحثون أن تمضي بكين قدماً بمزيد من الدعم السياسي القوي. وكتب لاري هو من مجموعة "ماكواري"، "خلال العام الماضي، شهدنا سباقاً بين التعافي الاقتصادي وتشديد السياسة... خلال العام المقبل، سنرى سباقاً جديداً بين التباطؤ الاقتصادي وتخفيف السياسة... بينما تتزايد ضغوط النمو، لا يريد المرء أن يقلل من أهمية تصميم بكين على تحقيق الاستقرار".