Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سئمت من أصحاب المليارات الذكور الذين يملون علينا كيف نعمل

إن الهاجس الذي يتملك أرباب العمل بحجز الموظفين من الـ 9 صباحاً حتى الـ 5 مساء هو غير صحي

 (رويترز) العمل الهجين يدعم أيضاً تنوع الشركات والجهود التي تبذل لتحقيقه والمساواة

يوم آخر ورجل ملياردير آخر متذمر، يحاول فيه يائساً الإبقاء على شروط التوظيف في غياهب العصور المظلمة.

السير جيمس دايسون (وهو مخترع بريطاني ومصمم صناعي ورجل أعمال من أصحاب المليارات أسس شركة لإحدى أبرز المكانس والأدوات الكهربائية تحمل اسمه) ينضم إلى مجموعة من الأثرياء - في رأيي، هي تشكيلة مختلفة أخلاقياً - تشمل إيلون ماسك (مؤسس ورئيس تنفيذي وكبير المهندسين في شركتي "سبايس إكس" و"تيسلا") واللورد آلن شوغار (قطب أعمال بريطاني وشخصية إعلامية ومؤلف وسياسي) وجيكوب ريس موغ (السياسي البريطاني المعروف رسمياً بأنه مليونير)، لا يزال متمسكاً بنموذج دوام العمل التقليدي من الساعة الـ 9 صباحاً إلى الـ 5 مساء، الذي يعود إلى حقبة الثورة الصناعية، عندما كان الذكور يعملون لتأمين قوتهم من شرائح لحم الخنزير المقدد (بيكون)، فيما تقوم النساء بطهيه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ما أستطيع قوله، هو أن هؤلاء الأثرياء لديهم ثلاثة أمور مشتركة هي: الدولار، الذهنية القديمة، وغياب الأدلة التي تدعم حجتهم القائلة بأن المرونة في العمل تضر فعلاً بالإنتاجية. وفي الواقع ليست هناك أدلة على الإطلاق، باستثناء بعض الشعارات الطنانة والعناوين الفارغة التي لا تفضي إلى أي نتيجة.

ويبدو أن القضية تتمثل في أن العالم يمضي قدماً من دون أخذ ضوءٍ أخضر أو مباركة من هؤلاء الأثرياء. فقد كان عليهم قبل نحو عقدٍ من الزمن أو نحو ذلك، أن يشقوا طريقهم مستخدمين ببراعة حفنةً من عشرات الجنيهات ومشاداتهم الكلامية الهادرة. أما الآن، فإن التحول الجذري الذي طرأ على طريقة عملنا في فترة ما بعد الوباء، بات أهم من جميع تلك المفاهيم المتقادمة مجتمعة.

فأثناء تفشي جائحة كورونا كان على الشركات، التي لم تعتمد التعاملات الإلكترونية والإنترنت وتطبيق "زوم"، ببساطة أن تغلق أبوابها. والآن يتم تعديل القوانين لترسيخ هذا التحول أكثر فأكثر.

وقد تم في الخامس من ديسمبر (كانون الأول)، إجراء تعديل تشريعي في شأن اعتماد المرونة في العمل بالنسبة إلى الموظفين - على نحو يمنحهم الحق في المطالبة به من اليوم الأول، وليس بعد الأسبوع الثاني. إنه لتغيير هائل - وهو تطور أزعج كثيرين من أصحاب المليارات ذوي النفوذ والسيطرة.

ويعتبر جيمس دايسون أن العمل المرن في المملكة المتحدة يفضي إلى "نتائج عكسية"، وتوقع لهذا الأسلوب أن "يتسبب بحدوث مشكلات بين أرباب العمل والموظفين". وقال إن اعتماد المرونة في العمل من شأنه أن يدفع بعجلة الاقتصاد في بريطانيا إلى "مزيد من التخلف".

من جانبي، أرى أن هذا الادعاء إنما يعكس مدى محدودية وجهة النظر تلك، التي تنطوي على تفكير ثنائي لا يرى سوى لونين للأمور، ونبرة ضمنية تطغى عليها روح المتمول المستعلي والمتحكم بالقيادة. فالأفراد الذين يحتاجون للعمل المرن هم الذين لا يستطيعون تدبير أمورهم من دونه. ومن بين هؤلاء المعيلون لأسرهم ولا سيما منهم الأمهات اللواتي يواجهن معاناةً في تحصيل أجورهن غير المدفوعة خلال فترة ما بعد الولادة (وفي التعامل في الوقت عينه مع ضغوط رعاية أطفالهن). هؤلاء هم الذين يجب منحهم المرونة في العمل خارج نطاق الجدول الزمني المحدد ما بين التاسعة صباحاً والخامسة مساء.

وتضاف إلى القائمة، النساء اللواتي يواجهن انقطاع الطمث، والأشخاص ذوي الإعاقة، والأفراد الذين يعانون من أمراض مزمنة، والذين لديهم تحديات في صحتهم العقلية (وأي شخص يريد تحقيق مزيدٍ من التوازن ما بين حياته الشخصية وساعات العمل)، واللائحة تطول.

في الوقت الراهن، هناك 9 من كل 10 أشخاص يؤيدون مفهوم العمل المرن، إلا أن واحداً فقط من كل 4 أصحاب عمل، يذكرون ذلك في إعلاناتهم الوظيفية. وإذا كان من الصعب احتساب ذلك بين أرباب العمل والموظفين، إلا أن البيانات التي تظهر التأثير الإيجابي للمرونة على بيئة العمل تفعل فعلها.

إن الهاجس الذي يتملك أرباب العمل بحجز الموظفين في دوام يتعين عليهم أن يكونوا خلاله موجودين شخصياً في مقر العمل ما بين التاسعة صباحاً والخامسة مساء، ليس بالأمر السليم والصحي. كما أنه ليست هناك من أبحاثٍ على الإطلاق تشير إلى أن ربط الموظفين بمكاتبهم المبنية من نوع من أنواع الألواح الخشب متوسطة الصلابة تحت إنارة مكتبية خافتة لمدة 8 ساعات يومياً (في حد أدنى) - يمكن أن يزيد الإنتاجية ويحسن أداء العمل. لا بل على العكس من ذلك، فإن أبحاثاً لا حصر لها تظهر الفوائد الإيجابية لاعتماد سياسة المرونة في العمل.

البروفيسور في جامعة ستانفورد نيك بلوم يقدم شهادةً حية على ذلك، من خلال أبحاثه المتعلقة بالتأثير الإيجابي للعمل الهجين على الأشخاص. فقد وجد أنه إذا كنتَ تعمل يومين من المنزل في الأسبوع، فإن أيام المرض تنخفض، وتتراجع في المقابل حالات الغياب عن العمل، ويقل احتمال استقالتك من وظيفتك.

لكن هناك المزيد من المزايا، فالعمل الهجين يدعم أيضاً تنوع الشركات والجهود التي تبذل لتحقيقه، والمساواة. ويشير بلوم إلى أن الأقليات في مكان العمل يمكن أن تكون "أقل راحة" في المكتب، ويمكن لأفرادها تالياً أن يكونوا في مقدم المستقيلين إذا ما تم الضغط عليهم.

كما تبين أيضاً من بحثٍ أجراه "المعهد القانوني للأفراد والتنمية" أن العمل المرن يمكن أن يقلل من معدلات تغيب الموظفين ويتيح لهم إدارة إعاقتهم وحالاتهم الصحية طويلة الأمد، إضافةً إلى تحسين صحتهم العقلية والتوتر لديهم. ولا يعد ذلك أمراً مسبباً للاحتكاكات، بل يعزز مبدأ الشمولية وتحقيق الإدماج الشامل.

ويبدو أن أحد المخاوف الرئيسية الأخرى التي تنتاب دايسون، يتمثل في أن العمل المرن هو مجرد "مسابقة لاكتساب الشعبية"، وممارسة لن تسهم في تحسين الأداء الاقتصادي. لكن مرةً أخرى، واستناداً إلى ما رأيته، فإن هناك نقصاً غامضاً في البيانات التي تدعم هذا الادعاء.

فالتقرير الوحيد من نوعه الذي يربط ما بين نظام العمل المرن والاقتصاد، هو الذي قمت بإعداده أنا والسير روبرت ماك ألباين، وعنوانه "المرونة والاقتصاد". فقد تبين لنا أن المساهمة الراهنة للعمل المرن في الدورة الاقتصادية في المملكة المتحدة، تبلغ نحو 37 مليار جنيه استرليني (46 مليار دولار أميركي)، كما أن زيادةً بنسبة 50 في المئة في معدلات العمل المرن ستجعل هذه المساهمة في حدود 55 مليار جنيه استرليني (68 مليار دولار). وستستحدث نحو51200  فرصة عمل جديدة.

ويكفي في الوقت الراهن أن ترفض الشركات طلبات العمل المرن، كي يكلفها ذلك فعلياً ما يصل إلى ملياري جنيه استرليني (مليارين و500 ألف دولار) في السنة. وفي نهاية المطاف، إننا نخسر أموالاً لا تصب في مصلحة اقتصادنا، لأننا نرفض طلبات التوظيف المرن.

يمكن للسير جيمس دايسون الادعاء ما يشاء بأن العمل المرن يعيق الإنتاجية. لكن في رأيي لا يعدو ذلك كونه لغواً كلامياً محفوفاً بالقلق، مصدره نمط مهني عفا عليه الزمن. ويبدو أن الهم الوحيد الذي يشغله هو وغيره من الرافضين لنظام العمل المرن، هو كيفية ملء المساحات المكتبية الفارغة التي تضغط على أنفاسهم المشحونة بالرأسمالية.

إذا ما تبنينا نظام العمل المرن، فستكون أمامنا فرصة حقيقية لمعالجة مسألة سد الفجوة في الأجور على أساس نوع الجنس، من خلال "إفساح المجال" أمام مزيد من النساء لدخول سوق العمل. إلا أنه لتحقيق ذلك، نحتاج إلى تعزيز استخدامه في مختلف مناصب ومواقع السلم الوظيفي، من أعلاه إلى أسفله.

هذا هو السبب الذي يجعل تعليقات السير دايسون تبدو مسيئة. فهو بذلك يعزز الممارسات التي ستعزز رغبة الناس في نهاية المطاف في النأي بأنفسهم عن الالتزام بدوام في أماكن العمل، نتيجة حفنةٍ من المخاوف الخرافية من ضرب أحد مقومات الاقتصاد. غير أن قرار الاستثمار في العمل المرن، من شأنه أن يأتي بثمار مجدية بالنسبة إلى اقتصادنا، وإلى كل فرد يواجه معركته اليومية من أجل الحصول على فرصة عمل وتحقيق النمو والازدهار - لقد حان الوقت للنهوض بشروط العمل وظروفه.

أخيراً، أعتقد أنه لن تمر فترة طويلة قبل أن يفرض نظام العمل المرن نفسه ولا يعود خياراً متاحاً أمام شخص من أمثال دايسون. وسيأتي اليوم الذي يتوجب فيه عليه أن يتعامل مع هذا الواقع ويتقبله بلا امتعاض.

آنا وايتهاوس هي صحافية ومؤسسة الموقع الإلكتروني "ماذر بوكا" Mother Pukka (يعنى بأخبار النساء اللواتي أصبحن أمهات ويقدم لهن معلومات ونصائح)

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء