Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ست حكواتيات يسردن تحديات المرأة في "وصفولنا الصبر"

مسرحية نسائية إخراجاً وتمثيلاً تتميز بالحنكة والمهارة

الممثلات الست في مسرحية "وصفولنا الصبر" (خدمة الفرقة)

تبدو مسرحية "وصفولنا الصبر" للمخرجة اللبنانية دارين شمس الدين وبطولة ست ممثلات هن لينا أبيض ولمى مرعشلي وجوزيان بولس وسلمى شبلي ومايا حبلي ودارين شمس الدين، وكأنها من بطولة المرأة بشكل عام، المرأة الأم والمرأة الزوجة والمرأة الطموح والمرأة التي يتقدم بها العمر، وباختصار فالمرأة التي أنهكها المجتمع بعاداته وتقاليده وقيوده وطريقة تعاطيه معها. "وصفولنا الصبر" هي فعلاً مسرحية المرأة التي تضطر إلى التزام التجلد وطول البال والاحتمال، وهي مسرحية المرأة الصامدة المثابرة التي تتحمل مشاق الحياة لتقوم بواجباتها أو بما يفرضه عليها المجتمع ويسميه واجبات.

ست نساء وست قصص وست حالات صبر وتجلد واحتمال ومثابرة يتلقاها الجمهور في نوع من مشاهد متتالية أو ما يمكن تسميته بتسلسل اسكتشات "ستاند أب كوميديز" تنقلها على التوالي كل من الممثلة والكاتبة لمى مرعشلي، تليها الممثلة ومديرة مسرح مونو جوزيان بولس ثم المخرجة والممثلة لينا أبيض فالممثلة سلمى شبلي والممثلة مايا حبلي وأخيراً المخرجة والممثلة دارين شمس الدين التي أخرجت هذا العمل.

 

يتميز هذا العرض بأنه يقوم على ستة عروض أو ست مسرحيات قصيرة يبدأ كل منها بفيديو قصير يقدم المرأة الحكواتية وتجيب فيه عن أسئلة ظريفة تطرح عليها قبل أن تظهر على خشبة المسرح وتبدأ حكايتها، وبينما النظام واحد للنساء الست تختلف كل واحدة منهن بقصتها وأسلوبها ولهجتها وطريقتها في السرد والإخبار، ست قصص وستة هموم وحل واحد دائماً وهو الصبر.

ست حكواتيات للمرأة

يكتب الفيلسوف الفرنسي بول ريكور (1913-2005) في كتابه "الوجود والزمان والسرد" أن الحياة لا تفهم إلا بالسرد، فالحياة تروى في فعل سرد منسوج قائم على مجموعة أحداث وأفعال وأقوال ومشاعر، وهذا المبدأ تحديداً هو الذي تعتمده نساء "وصفولنا الصبر" فالسرد هو سلاحهن، ومنهن من تسرد أمومتها وهي قابعة في "جنينتها السرية"، ومنهن من تسرد أول أيام زواجها وهي في مئزر المطبخ، ومنهن من تنسى ما تريد أن تسرد وتسرد النسيان نفسه، ومنهن من تروي صراعها مع أمها التي تمثل المجتمع بأسره، ومنهن من تسرد يوم زفافها والمصائب التي حلت عليها فيه، ومنهن من تسرد الأنوثة التي تخشى أحكام المجتمع عندما يتقدم بها العمر.

 

ست نساء وست حالات من الصمود الواقعي، فالحكايات المسرودة هي كما يرد في بداية العمل، "حكايات منعاشة ومسموعة" تلتقي حولها النساء ويجتمعن، ومن اللافت أن المقدمة تطال قضية بالغة الأهمية في الفن لا يزال النقاد يطرقونها ويتنازعون حولها وهي أهمية الفن وغاياته، فهل يخلق الفنان تحفته ليعالج قضية أم يخلق الفن للفن؟ وتطرق مقدمة هذه المسرحية هذه القضية بسلاسة وحنكة خفية فتعترف منذ البداية ومنذ الدقائق الأولى أن هذا العمل لا يريد معالجة المجتمع ولا يرمي إلى تغييره أو تحسينه ولا يملك غايات نبيلة أو دوافع إصلاحية، ويتم افتتاح هذه المسرحية بجملة واضحة وهي أن هذا العرض إنما هو للتسلية فقط ولا يرمي إلى أي أمر آخر، لكن الأمور ليست كذلك تماماً، فالسخرية والظرف والخفة في التمثيل والتقديم لا يمكن أن تترك المتفرج غافلاً عن هموم المرأة كما لا يمكن أن تتركه حيادياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إن هذا العمل كأي عمل فني ماكر قدم المرأة بهمومها وصراعاتها والتحديات التي تواجهها من دون أن يعترف أنه يقدمها لغايات اجتماعية، وقدمها بسلاسة وحنكة وترك للجمهور مهمة رؤية ما يجب رؤيته واستنتاج ما يجب استنتاجه،

 

ومن دون أن تتعرض أي من الحكواتيات الست إلى الرجل نجدهن يلقين باللوم على المجتمع وقيوده ويشكون عموماً الأم بما تمثله من رصانة ورزانة وقيم وعادات وأُطر وآفاق مغلقة لينتهي النص على حين غفلة ويترك المتفرج على جوعه إلى مزيد من القصص والأزمات التي تتخطاها المرأة "بالصبر" وحده.

حنكة وخفة

يتجلى هذا العمل على خشبة مسرح مونو في إطار ديكور بسيط يكاد ينعدم وإضاءة خفيفة خافتة ترافق الممثلات اللواتي يبرعن في جذب اهتمام المتفرج وانتباهه، ويذكر أن ممثلات "وصفولنا الصبر" يتنقلن بخفة ومهارة واضحتين هن اللواتي يتمتعن بخبرة طويلة في هذا المجال بفضل سنواتهن على خشبات المسارح وطول باعهن في التمثيل، فيقدمن بمهارة وحرفية قصصاً مختلفة متنوعة من حيث الحبكة والموضوعة والانتماء الاجتماعي والديني والبيئي،  وإضافة إلى ذلك تتجلى قدرات نساء "وصفولنا الصبر" التمثيلية الهائلة بوضوح عبر خفتهن الطبيعية في التمثيل والتجسيد والتحفيز فيدخلن في حميميات المرأة من دون كبير عناء وينقلن الجمهور معهن إلى قصصهن وأخبارهن وحكاياتهن على رغم أن القصة الواحدة أو المرأة الواحدة لا تبقى على خشبة المسرح لأكثر من ربع ساعة متواصلة.

بين أزمات البلد وتحديات المرأة وهموم العائلة وأعباء المسؤوليات الكثيرة، يجد المتفرج نفسه عالقاً في دوامات القصص ومأخوذاً بها متتبعاً لتفاصيلها من دون ملل، فسرعة الانتقال من قصة إلى أخرى والاختلاف الشاسع بين القصص وطباع النساء يجعل عامل المفاجأة من أكثر العوامل الموظفة في هذا العمل ليبقى الجمهور منقطع الأنفاس مترقباً عاجزاً عن توقع أو تصور أو تخيل ما سيتبع من أحداث وقصص.

"وصفولنا الصبر" مسرحية ماكرة ظريفة تكسر كليشيهات كثيرة من دون أن تصدم الجمهور، ومسرحية تنقد وتنقض من دون أن تعترف بذلك ومن دون أن تشعر الجمهور بأنه يتعرض لحملة إيقاظ من سبات اجتماعي عتيق طال وترك المرأة منهكة متعبة لا تجد مخرجاً لأزماتها سوى "الصبر"، فهل ينفع الصبر بعد؟

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة