Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الدماغ يعطي مكانة خاصة للغة الأم

لا يهتز تميزها حتى لو تعلمت عشرات اللغات الأخرى

أنت مرسوم على القشرة الدماغية للدماغ. تحتل اليد المساحة الأكبر في الرسم، ويليها اللسان والشفتان وكل ما يتعلق باللغة (برين مايند.نت)

يعطي #الدماغ مكانة خاصة #للغة الأم لا تنازعها عليها #اللغات الأخرى التي يتعلمها الإنسان ويتمرس بها. وظهرت النظرة العلمية الحديثة إلى علاقة #المخ لدى البشر مع اللغة في أواخر القرن الـ19 على يد عالمين فرنسي وألماني. وتراكمت بحوث عن ذلك الأمر، لكن متخصصتان أميركيتان وجدتا الشيء الجديد.

يبدو أن دماغ الإنسان يتعامل مع اللغة مردداً بيتي الشعر الشهيرين لأبي تمام ونصهما، مع كل الاعتذار عن تعديل وتكسير للشعر وبحوره وقوافيه، "نقّل لسانك حيث شئت من اللغة/ ما الحب إلا للحروف الأوّل. كم ألفباء في الأرض يتقنها الفتى/ وحنينه أبداً لأول أبجد"!

في الأقل، ذلك ما يفهم من الدراسة المبتكرة التي أنجزها فريق علمي أنثوي صغير ضمت صفوفه المتخصصة في علم الأعصاب المعرفي إيف فدورينكو، من "معهد ماساشوستس للتقنية"، وسامية مالك موراليدا، الطالبة الحديثة التخرج في "جامعة هارفارد". وبحسب ما ورد في الموقع الإلكتروني لـ"الجمعية الأميركية لتقدم العلوم"، جمع بين الاثنتين اهتمامهما بالإجابة عن سؤال علمي يتعلق بكيفية عمل مناطق اللغة في الدماغ عند من يجيدون لغات كثيرة. ولاحظت فدورينكو أن معظم الدراسات التي تناولت مراكز اللغة في الدماغ، أجريت على أشخاص يعانون اضطرابات تتعلق باللغة كأن تكون عدم قدرة على فهم الكلام أو اضطراب في التعبير والنطق، لكن حفنة ضئيلة تماماً منها جربت دراسة المسارات اللغوية في الدماغ لدى من يملكون قدرات متفوقة في اللغة على غرار تملك القدرة على الحديث بلغتين أو أكثر.

نصوص التوراة و"أليس في بلاد العجائب"

استناداً إلى تلك المعطيات، شرعت الباحثتان في دراسة أدمغة الأشخاص "المتعددي الألسن" Polyglot، بمعنى من يتقنون لغة أو أكثر إلى جانب لغتهم الأم، وصولاً إلى متمرسين بـ20 لغة معاً. واستخدمتا تقنية "التصوير الوظيفي بالرنين المغناطيسي" functional Magnetic Resonance Imaging [اختصاراً "أف إم آر آي"  fMRI] كي تحصلا على شريط مصور عما يحصل في الدورة الدموية للدماغ ومناطقه، تحديداً تلك المتعلقة باللغة، أثناء تجربتهما عن اللغات الأم والمكتسبة.

 

ووضع الأشخاص المتعددي الألسن على تلك الأداة التقنية، وأصغوا إلى مقاطع صوتية من 16 ثانية، قرأت عليهم بثماني لغات مختلفة، إضافة إلى قراءة باللغة الأم. وجرى انتقاء تلك المقاطع من التوراة أو حكاية "أليس في بلاد العجائب" التي سبق ترجمتها إلى ما يتراوح بين 26 و46 لغة على التوالي. وشملت التجربة تجميع المقاطع في مجموعات من ثماني لغات، ضمت اللغة الأم للشخص مع ثلاث لغات أخرى تعلمها ذلك الشخص، وأربع لغات غير مألوفة لديه. واستطراداً، جرى اختيار لغتين قريبتين من اللغة الأم، كمثل قرب اللغتين الإسبانية والإيطالية مثلاً، ضمن اللغات الأربع غير المألوفة لدى الشخص موضع التجربة. وبقول آخر، استمع كل شخص أثناء وضعه تحت التصوير بتقنية "أف إم آر آي"، إلى المقاطع نفسها، بالمحتوى والمدة، بتسع لغات تتفاوت معرفته بها، لكن إحداها هي اللغة الأم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ماذا كانت النتيجة؟ بكل بساطة، استعملت أدمغة الأشخاص المتعددي الألسن الشبكات العصبية نفسها أثناء الاستماع إلى المقاطع الصوتية في اللغات التسع كلها. لم تتغير البنية العصبية التي استعملتها أدمغة أولئك الأشخاص، بغض النظر عن اللغة التي "دخلت" إلى أمخاخهم. في ذلك المنحى، "تساوت الخيل في الميدان حمحمة"، ولم تتميز اللغة الأم عن سواها. ويعتبر ذلك تأكيداً لمعطى أن تلك البنية العصبية هي فعلاً الشبكة التي يستعملها الدماغ البشري في التعامل مع اللغة.

كيف تميزت اللغة الأم؟

في الدراسة التي وضعها الثنائي إيف فدورينكو وسامية مالك موراليدا، بدت الشبكة العصبية للغة في الدماغ أشد هدوءاً بكثير حينما أصغى المتعددي الألسن إلى مقاطع بلغتهم الأم، فيما بدت أكثر توتراً وأشد اضطراباً أثناء الإصغاء إلى اللغات الأخرى. ويعني ذلك أن الدماغ تعامل مع اللغة الأم بشكل مختلف وأكثر انسجاماً مع مجمل وظائفه، مقارنة مع اللغات الأخرى.

لكن ما المقصود بالضبط بالشبكة العصبية للغة في الدماغ؟ الأرجح أن الإجابة العلمية الصحيحة تستعصي على هذه المقالة. في المقابل، من المستطاع الإشارة، بتبسيط مخل تماماً، إلى أنها تتألف بشكل أساسي من منطقتين رئيستين مترابطتين اكتشفتا بين سبعينيات القرن الـ19 وثمانينياته. ففي عقد السبعينيات من ذلك القرن، اكتشف طبيب الأعصاب الفرنسي بول بروكا، منطقة في الدماغ متخصصة في نطق اللغة. وسميت على اسمه "منطقة بروكا". وبعد بروكا بـ10 سنوات تقريباً، جاء الاختصاصي الألماني في الأعصاب كارل فيرنكه، واكتشف المنطقة التي اعتقد بأنها تتولى الربط بين إشارات اللغة، سواء المنطوقة أو المسموعة، وبين معانيها. وكذلك سميت تلك المنطقة باسم مكتشفها "منطقة فيرنكه". بالتالي، تحيل "منطقة فيرنكه" إشاراتها إلى شريكتها "بروكا" التي تتولى ترجمتها إلى سلسلة من الأوامر الحركية المتعلقة بتحريك الشفتين واللسان وعضلات أخرى، كي يحصل النطق المفهوم لكلمات اللغة. بديهي تكرار الإشارة إلى أن ذلك ليس سوى تبسيط شديد الاختلال، إذ ترتبط المنطقتان كلتاهما عبر شبكات عصبية مع مناطق أخرى في الدماغ كتلك المتعلقة بالذاكرة والذاكرة العاطفية وردود الأفعال الانفعالية والشم والذوق والتفكير المجرد والتمثيل الحسابي وغيرها. وإذا أضفنا إلى ذلك أن تلك التشابكات كلها ليست سوى جزء من التفسير العلمي الممكن لعلاقة اللغة مع الدماغ التي تبقى فيها مساحات واسعة أخرى، وبالتالي نحصل على فكرة عن مدى تعقيد تلك المسألة التي نختزلها بكلمة لغة.  

يشار أخيراً إلى أن "الجمعية الأميركية لتقدم العلوم" تمثل الجهة التي تصدر مجلة "ساينس" [علوم   Science] الشهيرة التي وضعت على موقعها الإلكتروني دراسة إيف فدورينكو وسامية مالك موراليدا. ونشرت تلك الدراسة في الموقع الإلكتروني المتخصص في البحوث البيولوجية "بيو ركسيف" bioRxiv، مع الإشارة إلى أن هذه الدراسة لم تجر مراجعتها بعد من قبل خبراء يعملون في المجال العلمي نفسه، أي علم الأعصاب المعرفي Cognitive Neuroscience.

المزيد من صحة