Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا غادر صدام حسين المطعم مسرعا قبل دقائق من قصفه؟

أمر بتعيين مدير جديد لجهاز الاستخبارات هو خالد سلطان التكريتي وإلقاء القبض على الحبوش "الخائن"

انقسم الجمهور العراقي حول وقائع ما حدث في الذكرى العشرين لسقوط النظام السابق  (أ ف ب)

ملخص

20 عاماً على سقوط #النظام_العراقي السابق... هل أخطأ #صدام_حسين باختيار جهازه الأمني؟

كعادتهم، لا يتفق العراقيون على رأي حتى في "شروق الشمس وغروبها"، كما يقول مثل عراقي. فالاختلاف حالة تتحكم في المزاج العراقي وتصنع تاريخه وأزماته أيضاً، فكيف يتفق الإخوة الأعداء في زمن التعددية والدستور والمحاصصة التي صيغت لهم بعيد سقوط التمثال في ساحة الفردوس، حيث كنت أشهد تلك اللحظات من الميدان الذي تجمعنا به بعد القصف في 20 مار س (آذار) من عام 2003.

انقسم الجمهور العراقي وهو يستقبل الذكرى العشرين لسقوط النظام السابق، بين "محتف بالتحرير" ومردد "لم تسقط بغداد بل سقط الساقطون". ويعيش المجتمع في حالة فوضى لتقييم ما حدث ووصف حينها بـ"الطوفان" الذي لم تهدأ وقائعه حتى اليوم. استذكار مؤلم حين تستعيد وقائع ما حدث، تلك الوقائع التي كنت شاهداً على كل ما فيها من متغيرات ولحظات بدأت من أيام الحصار لحين حلول الصدمة والترويع الذي اعتمد لإسقاط النظام.

كانت الدقائق تمر ثقيلة علينا نحن المراسلين الموجودين في بغداد، لنعرف ما الذي سيحدث للجميع، لكن الواضح أن كل شيء يتغير أمامك خلال تلك اللحظات الفارقة في تاريخ البلاد والعباد معاً، حين تحولت بغداد إلى كرة نار تتطاير أشلاء مبانيها الحكومية.

لكنك حين تنظر خلفك مستذكراً 20 سنة خلت، قد يتراءى لك أنك تشم رائحة البارود وأنك تلمح الوجوه المتقافزة عن سفينة غارقة، وكيف هرع الناس للانزواء بعيداً من مشهد السلطة ومظاهرها وهي تختفي عن الشوارع وتلوذ بالفرار، ويرمي "حماتها" البدلات العسكرية بأخرى مدنية. مشهد تلتقطه عدسات المصورين والشبكات المنتشرة في عموم العراق سيما العاصمة، إذ يفرض عليك عملك أن تكون في قلب المشهد وأمام ما يحدث بشجاعة ومن دون اكتراث للعواقب، لأن كل المفاجآت واردة، لا سيما أنه قد يصادف يوم لا تعرف فيه صديقك من عدوك، ولا تعرف ماذا يدور في كواليس الأجهزة الأمنية التي بدت يائسة حينها، لكن الوجوه تكشفت حين بدأت السلطة بالانحلال والتواري في مشهد بدا مكفهراً حزيناً.

علوج الصحاف في بغداد

كان محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام العراقي، آخر مسؤول حكومي يغادر مقره الحكومي ويخرج إلى الشارع، بعد أن لاذ موظفوه بالفرار خشية قصف المربع الرئاسي، قرب مبنى وزارة الإعلام العراقية في بغداد. لكنه أصر أن يستخدم مفردات بدت أسطورية كـ "العلوج" و"الطراطير"، وكأنه بذلك يحاول إيصال رسالة آمن بها كوزير للإعلام بأن "الإعلام خط الهجوم الأول وخط الدفاع الأخير". عبارة كان يرددها في اجتماعات مجلس الوزراء العراقي زمن الرئيس صدام حسين، أو مع إداراته الإعلامية الضخمة، التي حاول أن يرفع معنوياتها بعبارات قد لا تصمد أمام مشهد القتل والصواريخ من نوع "توما هوك" وطائرات الـ"أف 16" و"الشبح" و"قاتلة الدبابات" البريطانية، ومئات الأنواع من الأسلحة التي غطت سماء العراق، وأطبقت على بغداد، التي هربت قياداتها وظل الرئيس يدور (كما رأيته صدفة في حي المنصور) في ذلك الفجر الموحش، يبحث عن مهرب متخفياً بسيارة "بيجو" بيضاء وأخرى مثيلتها، تتسابقان لإدخاله في كراج مطعم في شارع 14 رمضان في المنصور، وتلك كانت لحظة اختفائه.

دقائق عن الموت

بعد هروبه من مطعم الساعة في الشارع المقابل، الذي قصف بعيد خروجه ببضع دقائق، وتناثر الطين في حي المنصور البغدادي الأنيق بفعل ذلك الصاروخ الذي حفر عميقاً في الأرض، وقتلت العوائل التي تعيش فيه وحوله، وتناثرت أجزاء من بقاياها على الطرقات، ولعل البعض كان يعاين أشلاء القتلى لمعرفة ما إذا كان صدام من بينهم؟

حكاية خروج صدام المفاجئ من "بيت الساعة" في حي الداودي، أثارت كثيراً من القصص والروايات تصلح لتغطي مجلدات، كيف عرف صدام أنه مستهدف بصاروخ بينه وبين الصاروخ دقائق معدودة؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مصدري الذي التقيته أخيراً، وهو من الخط الأول في جهاز الاستخبارات، وكان في الإدارة الأمنية المتقدمة وموضع ثقتها يقول، "حين كنت أمسك قاطعاً مهماً لتأمين العاصمة وسط بغداد، وردني من طريق البريد السري وبتوقيع الرئيس الشخصي، أمر بتعيين مدير جديد لجهاز الاستخبارات، هو خالد سلطان التكريتي، أحد مرافقي الرئيس، وأحد المسؤولين في الجهاز، وتضمين الكتاب فقرة تحث على إلقاء القبض على الخائن مدير الجهاز الحالي، وقتله إن لزم الأمر في أي مكان تلقونه!".

ويتابع "كان هذا أول اهتزاز للسلطة والحكم في نظري، في النظام الذي اعتاد ألا يمسك مسؤولية جهاز الاستخبارات إلا من هم أهل ثقة في السلطة وعند الرئيس صدام".

يضيف، "ولدى التدقيق الذي أجريته وقتها، بعد الحادثة، فإن مدير الجهاز طاهر الحبوش تخلف عن حضور اجتماع مصغر ملزم الحضور مع الرئيس صدام في غرفة لصيقة بمطعم الساعة في حي المنصور، وبعد السؤال عن عدم حضوره، طلب الرئيس صدام مغادرة المكان فوراً، بعدها قُصف المركز بطائرة كانت تحوم حول المكان، أطلقت صاروخاً ذا قدرة تدميرية هائلة، كان يستهدف حياة الرئيس ومن معه في ذلك المكان".

ولم يستبعد المسؤول الأمني الكبير أن يكون مدير الجهاز قد سلم وتعاون مع القوات الأميركية مقابل ضمان حياته وأمنه الشخصي.

فهو كان مشغولاً بالسؤال مع ضباط الجهاز عن اندلاع الحرب وحصول الضربة من عدمها، وكان يحاول أن يعرف إمكانية اندلاع حرب، كما ذكر لي أحد المسؤولين القدامى في الجهاز، الذي كان يستغرب أسئلة مديره عن الحرب واحتمال وقوعها.

ويؤكد ذلك المسؤول الأمني الذي يمتلك وثائق دامغة، أن مديره الهارب قد "أخذ 50 مليون دولار ليؤمن حياته وهروبه وتخفيه، وترتيب ما يلزم لنفي التهمة التي ثبتها عليه الرئيس نفسه بكتاب تم تعميمه على الأجهزة الأمنية"، على حد قوله.

هذه واحدة من عشرات القصص التي أحاطت اللحظات الأخيرة من دقائق وأيام سقوط النظام السابق.

لحظات التخفي

ثمة قصص متواصلة رافقت هروب القيادات الأمنية قبل السياسية والحزبية عشية حرب عام 2003 وبعدها، تفتح ملفات لم تكتمل بعد، ستكون مادة خصبة للبحث التاريخي للعراق الحديث، لكن هروب عزة الدوري نائب الرئيس، وعبد الباقي السعدون ومحمد يونس الأحمد وأبو زكي العبودي، وسواهم من مجموعة الـ55 التي وضعها الجيش الأميركي على ورق اللعب، يفتح صفحات من البحث عن قدرة التخفي والعمل بين أوساط تتحدث عن تعاملهم و"قلوبهم الميتة"، وهم يواصلون رفض الاحتلال أثناء وجوده العسكري لثماني سنوات (2003-2011)، والعمل في محيط جديد معاد.

هي قصص لم تعلن بعد إلا في حالة عبد الباقي السعدون عضو القيادة القطرية، وإسدال الستار عن أسرار اختفاء عزة الدوري الذي تولى زعامة حزب البعث بعد محاكمة صدام حسين وإعدامه.

وعلى ما يبدو، فإن الزعامة العراقية التي أدارت ملفات الحروب السابقة والحصار الذي أنهكها، واعتماد الرئيس على العائلة وليس القيادات المهنية المدربة والمتمرسة والمتدرجة في الإدارات، وهي تاريخ طويل استمر 35 سنة من عمر البعث في العراق ووضعها على الرف، وصلت إلى قناعة أنها غير مسؤولة عن القرار السياسي والأمني في البلاد، لأن الثقافة التي سادت من دروس مع زملائهم الذين سحقتهم ماكنة السلطة، أنهم مستلمو قرار وليسوا صناعه، ولم يفد النصح الذي قدموه لها، كما أكد لي ضابط في الأمن العام برتبة لواء، هو مؤيد الونداوي الذي حذرهم من مغبة الاستمرار في تجاهل الكفاءات في الحزب والسلطة الحكومية، التي وقعت ضحية اختيارات خاطئة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير