Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عن الارتجال الموسيقي في الأغنية العربية المعاصرة

ينطوي على استخدام خلاق للموارد المتاحة في متناول اليد مثل مهارات الاستماع الخاصة لتأليف الأنغام وبشكل تلقائي

 الفنانة الفلسطينية كاميليا جبران (مواقع التواصل)

ملخص

يبقى #الارتجال_الموسيقي خاضعاً لعنصر #الموهبة التي تظهر مدى قدرة #الموسيقي على الارتجال داخل حفلة ما، وهو ما يعطي للموسيقى إمكانات هائلة للتعبير.

ثمة مفاهيم جمالية عاشها الفن الغربي منذ العصور الوسطى، لكن الغريب أنها لم تجد طريقها بعد إلى الساحة العربية، وكأن العرب يعيشون حداثة فنية مفرطة تجعلهم ينأون بتاريخهم الغنائي عن هذه المفاهيم التي ليسوا في حاجة إليها. 

بل إن النقد أساساً غير مشغول بها، وبما يمكن أن تسلطه من ضوء على قضايا وإشكالات مهمة داخل الموسيقى العربية. لهذا يروم الموسيقيون والمغنون في العالم العربي إلى إعادة إنتاج المكرر في جرار الزمن، غير مكترثين بالتحولات الأنطولوجية التي تعرفها الموسيقى المعاصرة. 
ذلك أن هذه المفاهيم أصبحت تفرض نفسها بقوة على الممارسات الغنائية العربية، وتجعلها تبدو في صورة هشاشة وموقف ضعف تجاه ما ينتج موسيقياً في كل من فرنسا وأميركا.
ولم يكن هذا الارتباك وليد اللحظة المعاصرة، وإنما بنيوياً له علاقة بتاريخ الممارسة الغنائية العربية. لكونها لم تعمل على القطع مع أفكار وصور وتجارب والعمل على اجتراح أفق فكري جديد في تعاملها مع التجربة الغنائية، بوصفها مختبراً تجديدياً قابلاً لتوليد رؤى وأحلام وأفكار وإحداث اختراقات جمالية داخل الصنعة الموسيقية العربية. 
وإنما بقيت أمينة لمختلف الممارسات التقليدية، حيث الغناء يعلو على صوت الموسيقى ويسمي كل شيء باسمه. فلا غرابة أن نعثر داخل التأليف الفني العربي على عبارة "الغناء العربي" بدل "الموسيقى العربية". وهو استخدام اصطلاحي لم يأت عبثاً، كونه يضمر بعضاً من مظاهر التقهقر والتبعية.
 
غياب النقد الموسيقي
 
وإذا كان النقد الموسيقي في مجمله غير خاضع لمفاهيم الفن والفكر وعلم الجمال، بما يجعله يفطن بقوة إلى مثل هذه التحولات العميقة التي تعرفها الموسيقى في العالم ككل، فإن الفنان نفسه لا يعمد إلى أسلوب يبتدع فيه أشكالاً غنائية أصيلة أو قوالب موسيقية جديدة، تحرر الأغنية العربية من طابعها الإنشادي، بحثاً عن هارمونية تصبح فيها الموسيقى سيد العمل الفني.
 
 
 
وهذا الأمر هو ما نعاينه داخل الساحة الإعلامية بعد أن يغدو فيها النقد مجرد مراجعات فنية خفيفة تقف عند حدود الشخص وشهرته، بدل الغوص في جسد الأغنية وتفكيكها من الداخل. 
بالتالي فكيف يمكن بناء نقد موسيقي عارف بالنظريات الفنية والاختراقات الجمالية مثل "النشاز" الموسيقي وغيره، ونحن لا نزال نعيد إحياء منظومة فنية لا علاقة لها بالإنتاج الموسيقي الذي ننتمي إليه واقعياً اليوم؟ كيف يمكن العبور إلى حداثة موسيقية ونحن لم نتخلص بعد من هذه التبعية العمياء لفن الغناء؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

 

يقول الباحث نبيل اللو "عرف أبونصر محمد الفارابي الموسيقى في مؤلفه كتاب الموسيقى الكبير انطلاقاً من اللحن، أو ما اصطلحنا على تسميته اليوم: الجملة اللحنية. وهذا اللحن يمكننا التعبير عنه بالآلة الموسيقية عزفاً، أو بالصوت البشري غناءً، ويفضله الفارابي مؤدى بالصوت البشري. وأغلب الظن أن تفضيل الفارابي للصوت البشري وترجيحه له على الآلة الموسيقية لم يكن سوى صدى للأفكار والآراء التي كانت رائجة في العصر الوسيط، والتي كانت ترجح الغناء وتفضله على العزف على الآلة الموسيقية".
لا غرابة أن نعثر على فيلسوف مثل الفارابي يعطي الأهمية للصوت على الموسيقى، بما يجعل الظاهرة قديمة وغير حديثة. مع أن هناك إمكانية اليوم لإحداث بعض من الارتجاج الجمالي في هذا الأمر، بخاصة في زمن المؤسسات الموسيقية الإنتاجية ومنصاتها. ويرى بعض المتخصصين أن السبب في سيطرة الصوت على الإيقاع يعود بالأساس إلى المكانة التي كان يحظى بها الشعر في الحياة العامة. 
كما لعب السلاطين والملوك العرب دوراً في ذلك، إذ كانوا يشجعون الفنانين على كتابة الأشعار والتغني بها. فكان تلقائياً أن يحتل الغناء مكانة مرموقة في تاريخ العرب وتنسحب معها الموسيقى إلى الوراء. والأمر نفسه بالنسبة إلى الفن الغربي وإن وفق وهج أقل، ذلك أن المرحلة الحديثة ستعرف تقدماً في الموسيقى الغربية بعد أن أصبحت لها مدارس وأنواع وفروع.
في هذا الصدد يقول المؤرخ الفرنسي فولني في كتابه "رحلة إلى مصر وسوريا" إن "موسيقاهم غنائية كلها، فهم لا يعرفون ولا يقدرون العزف على الآلات الموسيقية، وهم محقون في هذا لأن آلاتهم إذا ما استثنينا منها آلة الناي، كريهة سقيمة. وهم لا يعرفون أيضاً المصاحبة الموسيقية، فموسيقاهم أحادية السطر اللحني، ويصاحبون الغناء بنغمة مستمرة على آلة أحادية الوتر (الربابة). وهم يحبون الغناء بالصوت الطبيعي الظاهر جواباً، ويلزم لمثل هذا الغناء صدور واسعة عميقة النفس كصدورهم ليتمكنوا من تحمل عناء غناء ربع ساعة من الأداء".
 
الارتجال عند العرب
 
يعرف الباحثون الارتجال في كونه "فن التأليف والتسجيل في الوقت نفسه. أما الارتجال في الموسيقى فهو عمل إنشاء موسيقى جديدة وتشغيلها من دون تحضيرها مسبقاً، وينطوي على استخدام خلاق للموارد المتاحة في متناول اليد، مثل الآلات الموسيقية ومهارات الاستماع الخاصة لتأليف الموسيقى وبشكل تلقائي". 
ومهما يكن من أمر فإن الارتجال يبقى خاضعاً لعنصر الموهبة التي تظهر مدى قدرة الموسيقي على الارتجال داخل حفلة ما. وهو ما يعطي للموسيقي إمكانات هائلة للتعبير، بخاصة إذا كان عارفاً بالمقامات الموسيقية ومذاهبها النغمية، أي إنه من الضروري أن يكون على دراية وخبرة طويلة في مجال العزف، حتى يستطيع أن يتفرد في عزفه لحظة الارتجال الموسيقي.
 
 
في هذا السياق، يقول الباحث السوري سعد الله آغا القلعة "تقوم الموسيقى بمهمة تحريض المطرب على الارتجال، إضافة إلى العناصر الأخرى المؤثرة كاللقاء مع الجمهور ومكان الأداء، يكون عادة عبر تقاسيم ارتجالية على آلة موسيقية، يقوم بها العازف الرئيس في الفرقة المرافقة، فيهيئ الجو العام لدخول عالم المقام الموسيقي الذي تم اختياره. والموسيقي هنا والبادئ بالارتجال بحاجة أيضاً إلى التحريض الذي يتجسد عادة عبر مقطوعة موسيقية على المقام نفسه، تعزفها الفرقة الموسيقية، إن وجدت أو بحسب أسلوب أبي السماع البصير، إذ يلجأ في بداية ارتجاله إلى جمل موسيقية مطروقة في التقاسيم، حفظها عبر سماعه الطويل لغيره من العازفين إلى أن يدخل في جو المقام الموسيقي، وتبدأ لحظة الإبداع الآني في ارتجاله".
عرف العرب باستخدام فن الارتجال الذي كان يسمى داخل المصادر الأدبية بـ"البديهة" أو "السليقة" التي تجعل الشاعر ينظم الشعر ويتغنى به، انطلاقاً مما يستشعره في لحظة من حياته اليومية.
لكن الفرق الجمالي مع الموسيقى أن هذا الأخير ينبغي أن يكون عارفاً بالقواعد والنوتات ودلالاتها، حتى يستطيع ارتجال موسيقى "تحاكي" الأغنية، كما أن الجسد ينبغي أن يكون مهيئاً لمثل هذه الحالات الشعورية التي يشتبك فيها مع عوالم لا مرئية، لا يستشعرها إلا داخل جسده. هنا تصبح عملية الارتجال بمثابة سفر في سراديب الجسد بحثاً عن صورة ضائعة أو فكرة غائمة أو نغم شجي يستحضره لحظة الارتجال.
 
سيرة التجريب
 
إن الموسيقي يرتجل لكن ليس من الدرجة الصفر، وإنما من تراثه الموسيقي الشخصي ومن ذاكرته الفنية وما ترسب في بنية لا وعيها من أصوات وأنغام. بهذا المعنى يكون الموسيقي لحظة الارتجال في حضرة الإنتاج بدل الإبداع، لأنه يبدع انطلاقاً من لغة موسيقية مضمرة في ذاته، إذ نعثر في تاريخ الارتجال على نماذج لم تعمل سوى على حفظ قوالب موسيقية وأنماط لحنية وعملت على استخدامها حين تكون في حضرة الارتجال الموسيقي. وهي عملية لا علاقة لها بالارتجال، لكونها تتنافى مع منطلقات وخصائص فن الارتجال، لدرجة تجعلها مجرد تدريب وتصريف وتوليف لإيقاعات وأنغام وأصوات.
يقول الدكتور نبيل رفيق اللو "يرتجل الموسيقي معتمداً على إيقاع مخيلته اللحنية السريع، وتكون عموماً ناصعة مطواعة بقدر شحذ صاحبها إياها بالتمرين المتواصل الطويل والاستماع المتأني المحلل العارف. هي عملية في غاية التعقيد إن تفحصناها، وغاية في البساطة عندما نستمع إلى صاحبها".
اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة