Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل من انفراجة في تجسيد الشخصيات الدينية على الشاشات العربية؟

ترحيب رسمي بتجسيد شخصية السيدة نفيسة في "رسالة الإمام" ونيقولا معوض يحتفل بعرض فيلمه عن النبي إبراهيم

الممثل اللبناني نيقولا معوض يحتفي بعرض فيلمه العالمي "ابنه الوحيد" الذي يجسد فيه شخصية النبي إبراهيم (حساب الممثل على إنستغرام)

ملخص

حتى لو قللت بعض #المرجعيات_الدينية من التشديد وسمحت بتجسيد شخصيات_دينية، يظل قسم من الجمهور أكثر تشدداً

أعاد تجسيد شخصية السيدة نفيسة حفيدة النبي محمد في مسلسل "رسالة الإمام"، سجالاً قديماً جديداً لطالما كان محل شد وجذب بين المرجعيات الدينية، والجمهور، والمثقفين وصناع الدراما، حيث أن تجسيد أدوار الأنبياء وآل البيت والصحابة يقابَل دوماً بتوجس وتربص وبالتالي فإن أطرافاً عدة تعبر عن رأيها، واللافت أن المؤسسات الدينية بين حين وآخر تظهر مرونة ما في هذا الملف، إلا أن الغضب الجامح يأتي عادةً من تعليقات الجمهور العادي، حيث لم يوفر جهداً في صب اللعنات على القائمين على مسلسل يروي سيرة الإمام الشافعي لمجرد ظهور شخصية السيدة نفيسة، التي قدمتها الممثلة الأردنية- الفلسطينية فرح بسيسو، في مشاهد قليلة بالعمل الذي قام ببطولته خالد النبوي وأخرجه الليث حجو وكتبه محمد هشام عبية.
عربياً، يواجَه الأمر دوماً باعتراضات حتى لو أبدت كبرى الهيئات المعنية موافقتها، لكن الجانب الأغلب من المشاهدين يعلن عن تحفظه، بل وعن ما هو أكثر من مجرد التحفظ ويبدو أكثر تشدداً، على رغم أن جانباً كبيراً من هذا الجمهور المعترض نفسه تابع بإعجاب أعمال غير عربية جسدت شخصيات شكلت مثار جدل أكبر من هذا بكثير، وبينها مسلسلان إيرانيان حققا شعبية في العالم العربي إبان عرضهما وهما "يوسف الصديق" الذي تناول سيرة حياة النبي يوسف على مدى ثلاثة أجزاء بدأت في عام 2005، و"مريم المقدسة" في عام 2000 حول سيرة السيدة مريم العذراء، وذلك على رغم اعتراضات مجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء حينها على هذا التجسيد، بل وكان هناك تصعيد ضد القنوات المصرية الخاصة التي عرضت العمل الأول.

شخصية السيدة نفيسة تعيد فتح الملف
وأقرت دار الإفتاء بشكل حاسم بعدم جواز تجسيد أنبياء الله وكذلك العشرة المبشرون بالجنة، وأيضاً أمهات المؤمنين، وبنات النبي محمد، وهي تنبيهات لا تتعارض مع تجسيد شخصية السيدة نفيسة أكثر من مرة على الشاشة، حيث سبق وقدمت دورها أيضاً الفنانة فايزة كمال في عام 1997 في مسلسل "عصر الأئمة"، حيث عُرض العمل في زمن ما قبل السوشيال ميديا وقبل أن تتسع مساحة الاعتراض بهذا الحجم. وتصدى الإعلامي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، الشيخ خالد الجندي للرد على هذا اللغط بالقول إنه "لا ضير من تجسيد دور السيدة نفيسة على الشاشة لأنها ليست من الأنبياء ولكنها من أولياء الله الصالحين وآل البيت الذين تجوز محاكاتهم لتقريب أخلاقهم من الناس، فيما الجوانب التشريعية والفقهية في العمل تشرف عليها مؤسسة الأزهر الشريف".
وعلى رغم إجماع المرجعيات الدينية في مصر على عدم جواز تجسيد شخصيات "العشرة المبشرين بالجنة" في أعمال فنية، لكن سبق وظهرت شخصية الصحابي سعد بن أبي وقاص الذي قدم دوره الممثل عزت العلايلي في فيلم "القادسية" الذي قامت ببطولته سعاد حسني مطلع الثمانينيات وكان من إنتاج عراقي. كما ظهرت شخصية الصحابي أبو عبيدة بن الجراح في فيلم "الرسالة" الشهير الذي أخرجه السوري مصطفى العقاد منتصف السبعينيات وسُمح بعرضه على الشاشات المصرية بعدها بسنوات طويلة، حيث تناول العمل البعثة النبوية، وظهرت فيه ناقة النبي محمد وعصاه أيضاً، وبالتالي لم يكن عرضه سهلاً.

هل تغيرت النظرة؟

ويرى السيناريست محمد هشام عبية الذي أشرف على كتابة مسلسل "رسالة الإمام" المعروض حالياً، أن "هناك تطوراً ونظرة أكثر تسامحاً من قبل علماء الدين في الوقت الحالي في ما يتعلق بالتجسيد"، مشيراً على سبيل المثال، إلى أن "الأزهر الشريف يدعم العمل ولم يعترض على تجسيد شخصية السيدة نفيسة، ولم يضع شروطاً سوى تقديم الدور بشكل يليق بقيمتها". وتابع "أظن أن هناك تغييراً ما في النظرة، وربما يدفع ذلك إلى هامش أكبر يسمح بتجسيد شخصيات دينية تاريخية أخرى كان يواجَه الحديث عن تناول سيرتها على الشاشة برفض تام لا يقبل النقاش". لكن على مستوى دول عربية أخرى سنجد إنتاجات عدة تظهر فيها شخصيات دينية كثيرة لا تزال محل جدل في مصر بل وبعضها مرفوض تجسيده تماماً حتى الآن، فمثلاً مسلسل "عمر" الذي سرد سيرة حياة الخليفة عمر بن الخطاب وأنتجته "أم بي سي" في عام 2012، يحفل بقائمة طويلة من الشخصيات التي تندرج ضمن محظورات الأزهر الشريف وممنوع تجسيدها في مصر. وبخلاف الدور الرئيس الذي هو ضمن الخلفاء الراشدين الأربعة ومن المبشرين بالجنة، ظهر أيضاً في العمل نفسه، أدوار على الشاكلة نفسها، لكل من الخليفة علي بن أبي طالب والخليفة أبو بكر الصديق. ويُعتبر مسلسل "عمر" الذي أخرجه حاتم علي وكتبه وليد سيف، أحد أبرز وأهم المسلسلات التاريخية التي عُرضت في السنوات العشر الأخيرة. كذلك كان مقرراً أن يُعرض خلال شهر رمضان الجاري عبر الشبكة ذاتها، مسلسل "معاوية"، وبالطبع كانت ستظهر فيه شخصيتا الحسن والحسين، حفيدا النبي محمد، وفقاً للسرد التاريخي، لكن العمل تعطل بسبب عمليات إنتاجية. وكانت حدثت انتفاضة من قبل "مجمع البحوث الإسلامية" التابع للأزهر في عام 2011 بسبب تجسيد "الحسن والحسين" في مسلسل سوري أخرجه عبد الباري أبو الخير وحمل عنوان "معاوية والحسن والحسين" تم منع عرضه عبر الشاشات المصرية. والمفارقة هي أن التبرير هو عدم جواز تجسيد شخصيات آل بيت رسول الله، في حين أن السيدة نفيسة هي أيضاً من الأحفاد وظهر دورها على الشاشة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


سجل حافل بالصراعات

لكن تاريخياً بدت شخصيتا الحسن والحسين على وجه التحديد من الشخصيات المحظورة والتي تثير أزمات دوماً حين يتم تمثيل دورهما على الشاشة. ومن أبرز الأمثلة، مسرحية "ثأر الله" لعبد الرحمن الشرقاوي التي قدمها المخرج كرم مطاوع في سبعينيات القرن الماضي حيث قام الفنان عبدالله غيث حينها بدور الحسن وأمينة رزق بدور السيدة زينب حفيدة النبي محمد أيضاً، ولكنها عرضت كبروفة لمدة ثلاث سنوات ولم تفتح للجمهور بشكل مباشر، وذلك في محاولة للتحايل على قرار الأزهر بمنعها.
الأمر نفسه طاول مشروعات عدة تم وأدها في المهد وبينها فيلم عن السيد المسيح، بعنوان "المسيح والآخرون" الذي ظل معلقاً منذ عام 2008 حتى وفاة مؤلفه السيناريست فايز غالي في عام 2014 ولم يخرج إلى النور بسبب رفض الأزهر تجسيد الأنبياء بأي صورة على الشاشات. ويتناول السيناريو رحلة العائلة المقدسة إلى مصر. وفي ما يتعلق بتجسيد صور الأنبياء، لا يزال الأمر عربياً بشكل عام محل ارتباك، فإذا كان هناك تساهل في تقديم شخصيات تاريخية دينية كثيرة، ولكن على سبيل المثال فالفيلم الإيراني الضخم "محمد رسول الله" الذي أُنتج عام 2015، وهوجم وقتها بشدة من قبل الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية. وقال شيخ الأزهر أحمد الطيب وقتها إنه عمل من شأنه أن ينزل مكانة الأنبياء من صفة الكمال الأخلاقي، على رغم أن مخرجه مجيد مجيدي حرص على عدم إظهار ملامح النبي وإنما فقط ظله، فعلى رغم أن تاريخ السينما والمسلسلات في العالم العربي مليء بالأعمال الدينية ولكن هناك شخصيات بعينها لا تمر بسهولة، فمثلاً خاض المخرج يوسف شاهين صراعات قضائية طويلة بعد طرح فيلمه "المهاجر" في عام 1994، لمجرد أنه مستوحى من قصة حياة النبي يوسف على رغم أن الأمر لم يقدَم بشكل مباشر، كما أن البطل كان يُسمى رام وجسد دوره خالد النبوي. وظلت القضية قائمة لسنوات حيث منع الفيلم من العرض ولكن صدر حكم قضائي لمصلحة صنّاعه بعد ثلاث سنوات من الجدل.
أما في العقيدة اليهودية فمن غير المحرم تجسيد النبي موسى، وإنما ما تم تحريمه هو عمل الصور والمنحوتات بغرض عبادتها. والأمر هنا لا ينطبق على الأعمال الفنية التي تروي سير رجال الدين التاريخيين بشكل عام، وهو ما يتضح في الوصية الثانية من الوصايا العشر "لا تنحت لك تمثالاً، ولا تصنع صورة ما مما في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من أسفل الأرض. لا تسجد لهن ولا تعبدهن، لأني أنا الرب إلهك، إله غيور".

أرشيف هوليوودي ضخم يغضب كافة الطوائف

وفي المسيحية هناك بالفعل أيقونات وصور متداولة للسيد المسيح والسيدة مريم بين أبناء الديانة وأيضاً في دور العبادة، بالتالي عادةً ما يكون الاعتراض على التجسيد إذا تم تناول الشخصية فقط بصورة مسيئة. وهذا يقود إلى الحديث عن صولات وجولات السينما العالمية في تقديم أعمال متنوعة عن حياة الأنبياء وبخاصة السيد المسيح حيث أن بعضها هوجم بشدة واتُهم بأنه يهدف إلى الإساءة فقط من دون الالتزام بالسند التاريخي السليم. ومنذ فجر السينما العالمية كانت حياة السيد المسيح جاذبة لصناع الفن السابع، حيث قدم الأخوان لوميير فيلماً قصيراً عنه في عام 1898، ثم قدم المخرج سيدني أولكوت فيلمه "من المهد إلى الصلب" عام 1912 حول السيرة الكاملة للسيد المسيح، وتعددت الأعمال التي تتناول مراحل مختلفة من حياة المسيح وبينها The Robe  "الرداء"، الذي سرد رواية واقعة الصلب. وحاز العمل على جائزتي أوسكار، لكن الانتقادات من قبل الكنسية والمتدينين بدأت تشتعل مع تجارب أكثر خوضاً في المحظورات وبينها فيلم "ملك الملوك" King of kings الذي اتُهم بترويج مغالطات تاريخية وأبرزها تصويره لملامح المسيح نفسها، ولكن في عام 1988 نزع المخرج مارتن سكورسيزي القداسة تماماً عن السيد المسيح من خلال فيلمه الشهير The Last Temptation of Christ  "الإغراء الأخير للسيد المسيح"، حيث ظهر البطل كشاب حكيم ومفكر ولكنه يستسلم لشهوات الجسد. والعمل مأخوذ عن رواية تحمل الاسم نفسه للكاتب اليوناني نيكوس كازانتزاكيس. وتعرض المخرج لهجوم واسع، وتم الاعتداء على كثير من دور العرض التي عرضت الفيلم في دول مختلفة. وواجهت صناعه دعاوى قضائية وظل ممنوعاً من التداول في بلدان عدة، حيث أغضبت الرؤية الدرامية القطاع العريض من المسيحيين وكذلك الكنائس بطوائفها المختلفة.

سيرة النبي إبراهيم يقدمها ممثل لبناني

وحرصت السينما العالمية على تقديم أعمال متنوعة وصلت إلى المئات عن حياة الأنبياء بشكل عام، ولكنها كانت تبتعد في أكثريتها عن فكرة الوعظ في الطرح، وتفضل تناولها بطريقة درامية بها كثير من الخيال المؤسَس على وقائع بعينها بالطبع. والأمر وصل أيضاً إلى تجسيد الذات الإلهية في أعمال عدة، وفي كل مرة لا تقف الاعتراضات الدينية سواء من أشخاص أو مؤسسات دينية مرموقة عائقاً أمام أي من تلك المشروعات، ومن أبرزها" The Passion of the Christ آلام المسيح" في عام 2004 من تأليف وإخراج وإنتاج ميل جيبسون، الذي عُرض في صالات محدودة للغاية في مصر ودول عربية أخرى على رغم الاعتراضات، والأمر لم يختلف كثيراً مع فيلم Exodus: gods and kings  "الخروج: آلهة وملوك" في عام 2014 حول قصة النبي موسى. وفي عام 2014 أيضاً قدم راسل كرو فيلماً مثيراً للجدل أيضاً عن حياة النبي نوح بعنوان "Noah". وهناك قائمة طويلة من الأعمال التي تناولت سير أنبياء مثل يوسف ويعقوب وإبراهيم، والأخير تقدَم سيرته حالياً في فيلم عالمي جديد من بطولة الممثل اللبناني نيقولا معوض، ويحمل عنوان His Only Son "ابنه الوحيد"، من إخراج ديفيد هيلينغ، حيث تجاوزت إيراداته الخمسة ملايين دولار أميركي خلال أسبوع عرضه الأول. واحتفى بطل العمل الذي تم اختياره من بين 1700 ممثل لتجسيد الدور بالصدى الذي استُقبل به الفيلم عالمياً من خلال تغريدات عدة له في حساباته الرسمية على مواقع التواصل الاجتماعي.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة