Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التضخم يضعف شغف قراءة الصحف لدى المصريين

متخصصون يرون أن تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار بدل أولويات إنفاق المواطنين

أشار جهاز الإحصاء إلى ارتفاع عدد الصحف المصرية المطبوعة من 59 صحيفة عام 2020 إلى 61 في 2021 (أ ف ب)

ملخص

بلغ توزيع الصحف في مصر الذروة في عام 2010، وبدأ التراجع منذ ذلك الحين مع انتشار الهواتف الذكية ومطالعة المواقع الإخبارية عبر الإنترنت

كشف إحصاء رسمي حديث، أفصح عنه "الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء" في مصر، الإثنين الماضي، بمناسبة "اليوم العالمي لحرية الصحافة"، أن صحف البلاد وزعت خلال عام 2021 محلياً وخارجياً نحو 252.1 مليون نسخة، في بلد يتجاوز سكانه في الداخل الـ104 ملايين نسمة، لكن نظرة أدق إلى الوراء، كانت كفيلة برصد فارق شاسع في التوزيع مقارنة بما كان عليه في عام 2009، حيث بلغ عدد النسخ الموزعة محلياً آنذاك 892.1 مليون نسخة، إضافة إلى 93.6 مليون نسخة خارج البلاد.

عادة يومية أصبحت مكلفة

وأشار "جهاز الإحصاء" في بيان، إلى ارتفاع عدد الصحف المصرية المطبوعة من 59 صحيفة عام 2020 إلى 61 في العام التالي، بزيادة 3.4 في المئة، بإجمالي عدد نسخ موزعة بلغ 252.1 مليون نسخة في 2021، من 199.1 مليون في 2020، إلا أن الارتفاع في عدد الإصدارات لا يعبر بالضرورة عن ارتفاع مماثل في أعداد القراء، ومن بينهم الموظف المتقاعد في محافظة دمياط (شمال مصر)سعد خليل، الذي فارق عادته اليومية "المكلفة" لصالح وسائل أسرع في النقل والتوثيق، ومنها القنوات الفضائية.
تبدلت أولويات إنفاق سعد كبقية أقرانه أمام ارتفاع معدلات التضخم وتراجع القيمة الشرائية للعملة المحلية، وصار إجمالي ما كان يمكن إنفاقه شهرياً على عادة قراءة الصحيفة اليومية، أولى تخصيصه لشراء "دجاجة" تكفيه وأفراد أسرته كمثال، كما يروي.
يحكي الرجل الستيني كيف كانت مطالعة الصحف في الماضي ديدناً له عن أبيه، قبل أن يتوقف إصدار "المساء"، إحدى إصدارات دار التحرير في مصر منتصف عام 2021 مع صحيفتي "الأهرام المسائي" و"الأخبار المسائي"، إضافة إلى ارتفاع كلفة الشراء إلى متوسط أربعة جنيهات (0.13 دولار أميركي) للصحف الورقية، لأسباب تتعلق بارتفاع سعر خامات الورق والطباعة.

التحول الإلكتروني

وأوقفت مصر طباعة ثلاث من مطبوعاتها الورقية اليومية، في يوليو (تموز) 2021، هي "المساء"، "الأهرام المسائي" و"الأخبار المسائي" مكتفية بإصدارها إلكترونياً، ووقف طباعة مجلة "الكواكب" التابعة لمؤسسة "دار الهلال" القومية المملوكة للدولة، والاكتفاء بإنشاء موقع إلكتروني خاص بها.
ويضيف خليل أن القنوات الفضائية المصرية والعربية تكفل له عنصري السرعة في بث وإذاعة الأخبار لحظة وقوعها، وأيضاً تقديم وجبة دسمة من التفسيرات والتحليلات ذات الصلة بالخبر، إضافة إلى عامل مهم آخر هو "المجانية"، خصوصاً مع ارتفاع غلاء المعيشة.
وفقد الجنيه المصري قرابة نصف قيمته الشرائية منذ مارس (آذار) من العام الماضي، فيما كشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الأخيرة، ارتفاع التضخم في البلاد على أساس شهري لإجمالي الجمهورية بنسبة 3.2 في المئة خلال مارس الماضي مقارنة بفبراير (شباط) السابق له، وزاد معدل التضخم السنوي إلى 33.9 في المئة خلال الشهر محل الرصد، مقارنة بالشهر المماثل من العام الماضي.

أولويات الإنفاق

وأقر "جهاز الإحصاء" في مصر، نهاية العام الماضي، باختلاف أنماط الإنفاق لدى المصريين جراء الأزمة الروسية - الأوكرانية، حيث تأثر قرابة 65.8 في المئة من المصريين بتداعيات الحرب المندلعة منذ فبراير 2022. وكشف الجهاز أن نحو 19.8 في المئة من الأسر عانت تراجع الدخل، وأن إنفاق 90 في المئة من المصريين على شراء البروتين بأنواعه تراجع أيضاً.
من جانبه، لم يبد رئيس شعبة الطباعة والورق بالغرفة التجارية بالقاهرة عمرو خضر، أي دهشة حيال تراجع أعداد الصحف الموزعة محلياً وخارجياً. ويرى أن مرد الأمر إلى بضعة عوامل رئيسة أسهمت في إعادة تشكيل المشهد في سوق توزيع الصحف المصرية، أبرزها ارتفاع كلفة الإنتاج والخامات التي تستوردها مصر، وتغير عادات جمهور الصحف، في ظل اتساع رقعة الإعلام الجديد، ممثلاً في وسائل التواصل الاجتماعي والفضائيات.
وبحسب المجلس التصديري للورق والطباعة والتغليف، فإن ارتفاع أسعار الورق عالمياً وقلة المعروض في السوق المحلية، إلى جانب فرض وزارة المالية رسوم 14 في المئة على "نولون الشحن" (قيمة أجور وعمولة شركة الشحن القائمة بأعمال تخليص الشحنة) لكل حاوية مستوردة، أدى إلى ارتفاع السعر محلياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الإعلام الجديد

وتحدث خضر عن هذا النوع من الإعلام الجديد، وقدرته على نقل الخبر صوتاً وصورة فور حدوثه ببضع ثوان، وأن الأمر كان كفيلاً بدفع قسم كبير من جمهور الصحف الورقية إلى التخلي عن عادة شرائها يومياً، علاوة على اتسام هذا النوع من الإعلام بـ"المجانية" تقريباً مقارنة بالصحف التقليدية التي تأتي متأخرة عن الحدث بما لا يقل عن 12 ساعة.
وقال خضر، إن ذروة توزيع الصحف في مصر كانت في عام 2010، وأن الأمر أخذ في التراجع منذ ذلك الحين، مع انتشار الهواتف الذكية ومطالعة المواقع الإخبارية جميع عبر الإنترنت، مشيراً إلى أنه لا يزال يتذكر يوم كانت الصحيفة تباع في مصر بثلاثة قروش قبل عقود، قبل أن يتضاعف الرقم وصولاً إلى أربعة جنيهات (0.12 دولار) في المتوسط.
وأوضح رئيس شعبة الطباعة والورق بالغرفة التجارية بالقاهرة، أن "انتشار القنوات الفضائية المصرية الخاصة واتساع تعدادها إلى ما يصل 30 قناة أسهم أيضاً في تراجع حظوظ الصحف الورقية، بخاصة في ظل تداعيات اقتصادية تجعل من استيراد ورق الطباعة بالكامل من خارج البلد الذي لا ينتجه عبئاً على الموازنة". ولفت المتحدث ذاته في هذا الصدد إلى مقترح سابق له، بتأسيس شركة مساهمة تجمع المؤسسات القومية لإنتاج الورق محلياً، بالتالي خفض فاتورة الاستيراد، وتخفيف الطلب على العملة الصعبة.

خسائر مليارية

وتجاوزت خسائر المؤسسات الصحافية القومية في مصر حاجز التسعة مليارات جنيه (291.2 مليون دولار) حتى بداية العام الماضي، بحسب تقديرات رئيس الهيئة الوطنية للصحافة عبدالصادق الشوربجي، في اجتماع سابق أمام لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشيوخ، وذلك لأسباب تتعلق بارتفاع كلفة الصناعة وتراجع إيراداتها.
في المقابل، يذهب مدير عام الطباعة والتوزيع السابق في مؤسسة "المصري اليوم" مجدي الحفناوي، إلى أسباب جوهرية أخرى مفسرة لتراجع الطلب على الصحف في مصر، فيقول إن المحتوى الصحافي لم يحظَ بما ينبغي من التطوير الكاف طوال العقد الأخير، وإن معدلات التوزيع آخذة في التراجع على نحو ملحوظ منذ عام 2011. ويضيف الحفناوي أن "الفترة من عام 2011 وحتى عام 2015 شهدت تراجع معدلات التوزيع بنحو النصف تقريباً وصولاً إلى فقدان أكثر من ثلثي السوق بحلول عام 2019. ويشير إلى أن الأسباب وراء ذلك ليست بعيدة عن العامل الاقتصادي وارتفاع مستوى المعيشة وتبدل الأولويات، بخاصة مع ارتفاع أسعار شراء الصحف وتراجع عدد الأوراق.

غياب منطق الشراء

وتساءل الحفناوي قائلاً "هل من المنطقي أن أدفع أربعة أو خمسة جنيهات في شراء صحافية تضم أوراقاً أقل، ولا تقدم خدمة مطورة للقارئ في المقابل؟ قائلاً "الصحف الورقية انتهت".
وينظر الحفناوي إلى القيمة التي كانت تمثلها الصحف الورقية باعتبارها "وثيقة مادية جرى تحريرها بعناية وتدقيق فائقين، بعد التحقق من صدقية الأخبار، على النقيض من الأخبار التي تقدمها الآن وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، اعتماداً على عامل السرعة، الذي قد يسقط المحرر في فخ الخطأ". ويلفت الحفناوي الانتباه حيال "واقع الصحف الورقية الأميركية التي لا تواجه التحديات ذاتها"، فيوضح أن "الصحف هناك حريصة كل الحرص على تطوير أداء المحررين على المستوى اللغوي وعبر تمكينهم من الأدوات اللازمة لتقديم المحتوى على نحو إبداعي".
وبحسب تصريحات سابقة لنقيب الصحافيين الأسبق ممدوح الولي، فإن "المؤسسات الصحافية القومية في مصر لا تفصح عن أرقام التوزيع الخاصة بها، على رغم مما نص عليه قانون تنظيم الصحافة الصادر عام 1996 في مادته 23، في شأن وجوب قيام هذه المؤسسات بنشر قوائمها المالية كل ستة أشهر، وأن يوافى الجهاز المركزي للمحاسبات في مصر كل ثلاثة أشهر بالحسابات الختامية الخاصة بها".

اقرأ المزيد