Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بنايات غريبة وحسرات... أين وجه بغداد الأول؟

معماريون يناشدون الحكومة وقف تشويه المدينة القديمة ويؤكدون: "خسرت 80 في المئة من تراثها"

يحذر المتخصصون مما يحدث من تخريب منهجي للتراث العراقي عموماً وتراث بغداد على وجه الخصوص (أ ف ب)

ملخص

معماريو بغداد يصرخون جراء ما يحدث من تخريب لطبيعة المدينة التي تخطت 1600 سنة من عمرها منذ بناها أبو جعفر المنصور عاصمة مدورة بأبوابها الشهيرة الأربعة، فما الذي يجري هناك؟

باتت مهمة إحياء المدن والمباني التاريخية في العراق تقتصر حالياً على ترميم واجهات المباني وطلائها بهدف استخدامها تجارياً، إلى حد العبث بوظيفتها التي قامت تاريخياً من أجلها قبل عهود من الزمن.

معماريو العراق ومخططو المدن الذين درسوا في بغداد يصرخون جراء ما يحدث من تخريب لطبيعة المدينة التي تخطت 1600 سنة من عمرها منذ بناها أبو جعفر المنصور عاصمة مدورة بأبوابها الشهيرة الأربعة.

بغداد المهمة الصعبة

يقول تغلب الوائلي وهو مخطط مدن ومتخصص بالأبنية التراثية إن إحياء المدن التاريخية والمناطق التراثية يعني العمل للحفاظ على العناصر التاريخية والثقافية في هذه المناطق عن طريق المحافظة على الأنشطة الثقافية والتقاليد القديمة وإعادة الذاكرة المدينية، كما يشمل ذلك ترميم المباني القديمة والتشجيع على السياحة الثقافية، حفاظاً على الهوية الثقافية للمجتمع وتعزيز الاقتصاد المحلي.

تتضمن عمليات إحياء المدن التاريخية والمناطق التراثية، بحسب الوائلي، التخطيط الحضري والترميم العمراني والحفاظ على البيئة، علاوة على التوعية المجتمعية والثقافية والاستدامة، إذ تهدف هذه العمليات جميعاً إلى الحفاظ على القيمة التاريخية والثقافية للمدينة أو المنطقة، مع تحسين ظروف العمل والحياة لسكانها وزوارها وضمان مستقبل الأجيال المقبلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحول المؤهلين للقيام بهذه المهمة المعقدة والتخصصية، يقول "من خلال بحوثي واطلاعي على المشاريع المماثلة في المنطقة والعالم لا توجد جهة واحدة تستطيع القيام بمثل هذا المشروع مهما كانت إمكاناتها، فمشروع إعادة الحياة لمدينة تاريخية مثل بغداد يتطلب تعاوناً واسعاً من عديد من الجهات والأطراف المعنية، لكن ذلك يتطلب أولاً وضع خطة محددة توضح أهداف واستراتيجيات ووسائل تنفيذ المشروع ومراحله المختلفة من قبل مؤسسات استشارية عالمية متخصصة ذات خبرة في إحياء المدن التاريخية، وبعد ذلك يمكن طرح هذه الرؤى من قبل الحكومة على الجهات الدولية للمساعدة في عملية التنظيم وتوفير التمويل والخبرات، وأهمها منظمات الحفاظ على التراث العالمي مثل اليونيسكو، التي يمكن أن تقدم التمويل والخبرة والدعم التقني، وكذلك المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حيث يمكن أن يقدما قروضاً أو منحاً لتمويل مثل هذه المشاريع، وكذلك الجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي قد تشارك في العمليات على أرض الواقع وتقدم الخبرة والدعم للمجتمعات المحلية، علاوة على المكاتب الاستشارية والمؤسسات التعليمية والبحثية مثل الجامعات والمعاهد التي تتمتع بالخبرة في تاريخ بغداد وتراثها الثقافي، وهنالك أيضاً دور مهم للقطاع الخاص مثل شركات التطوير العقاري والبناء، وكذلك المستثمرون المحليون والعالميون الذين يمكن أن يلعبوا دوراً في تمويل وتنفيذ المشاريع. كما لا ننسى مشاركة المجتمع المحلي وأصحاب المصلحة من القطاعات المختلفة من أهالي بغداد، وهم الأكثر تأثراً بالمشروع وتطوراته".

تخريب منهجي

وفق القانون العراقي فإن وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية هي الجهة المسؤولة الرئيسة عن عمليات حفظ التراث، وتشمل هذه الجهود إحياء المدن التاريخية والمواقع الأثرية، بالتعاون مع جهات أخرى.

لكن الوائلي الذي طالما دافع عن خصوصية بغداد ومبانيها التاريخية والتراثية، ينبه إلى أن إنجاح مشروع إحياء بغداد يجب أن تشمل الأدوات والاستراتيجيات التخطيط الحضري المستدام، ومن ثم يأتي توفير مصادر التمويل، وإشراك التعليم واستخدام التكنولوجيا والبحث العلمي، وأخيراً فان التطبيق الصارم للقوانين والسياسات الحكومية هو الضامن الأساس لحماية التراث الحضري".

ويضيف الوائلي "ركزت في رؤيتي لإحياء المدينة التاريخية على ضرورة إنشاء هيئة خاصة باسم (هيئة إدارة المدينة التاريخية) تتولى تنفيذ مخطط الإحياء وإدارة الشؤون البلدية والأمور كافة المتعلقة بالمنطقة وبناها التحتية، وتحول إليها جميع الصلاحيات لإدارة شؤون المدينة والمحافظة عليها وتطويرها".

 

 

المعماري إحسان فتحي ذهب إلى أبعد من ذلك في تحذيره مما يحدث من تخريب منهجي للتراث العراقي عموماً وتراث بغداد على وجه الخصوص، ويقول "نحن في خطر حقيقي إزاء ما نشهده من تداعيات في التعامل مع التراث، وأستطيع الإعلان أن تراثنا مهدد، إذا استمر الوضع بهذه الطريقة فسنفقد كل تراثنا بعد سنوات قليلة، حيث يخسر العراق خاصية كونه أقدم بلد في العالم في عمقه الزمني الفريد، وهو ما يستدعي أن يدرك العراقيون ضرورة الحفاظ على تراثهم واحترام تاريخهم، وقد بدأ التخريب من هدم أسوار المدن العراقية مثل سور بغداد الذي هدمه مدحت باشا عام 1870، لكنه أبقى على أربعة أبواب هدمت على يد العراقيين أنفسهم خلال القرن الـ20 ما عدا الباب الوسطاني، وبذلك مكنا العمران الحديث من الهجوم هجمة هائلة على المباني التراثية لهدمها، حتى إنني أقدر نسبة المباني العظيمة التي خسرتها بغداد والمدن الكبرى الأخرى بـ80 في المئة حتى الآن، وما تبقى هو النزر اليسير الذي يفرض الاستماتة في سبيل الحفاظ عليه، لأنها الفرصة الأخيرة للبقاء على تاريخية مدننا".

ويعزو فتحي هذه النتائج إلى "الجهل الذي يتحكم في البلديات، وعدم معرفة قيمة التراث الوطني على رغم كونه من أروع الأعمال الإنسانية، نحن نفرط بالتراث على رغم عظمته وقيمته الحضارية، فالبيوت القديمة هي تحف معمارية ملك البشرية بأسرها وليس العراق وحده، على سبيل المثال ففي منطقة القشلة تسمح أمانة بغداد ببناء عمارات بـ20 طابقاً مجاورة للمدرسة المستنصرية التي يعود تاريخها لـ1000 عام، أليس هذا تشويهاً للمدينة وإرثها؟".

ويوضح أن "التخريب يتخذ أوجهاً متعددة جراء عدم تسجيل الأبنية التراثية بما فيها البيوت الخاصة التي يعد كثير منها تحفاً معمارية، لكن البلديات المختلفة تعاملت معها على مر الأزمنة بعقلية تخريبية".

هجمة مستمرة

لكن على رغم دعوات أهم المعماريين العراقيين ولجان "اليونسكو" للحفاظ على هوية المدن العراقية، سيما العاصمة بغداد التي تتعرض لهجمة مساكن جديدة تتعدى تصميمها الأساس الذي وضع لاستيعاب 5 ملايين نسمة، لكنها العدد حالياً يقرب من 10 ملايين.

 

 

يؤكد الوائلي أن "هناك مشروعاً في بغداد تقوم به جهات لا علاقة لها بالتراث، حيث خرجت أنباء عن تولي رابطة المصارف مسؤولية التخطيط والتنفيذ لما سمي بـ(مشروع إحياء مدينة بغداد القديمة) عن طريق إعلانها تنفيذ المرحلة الثانية منه، في وقت لا أحد يعلم شيئاً عن مرحلته الأولى، ناهيك عن بقية المراحل، وبخاصة أنني أتابع منذ مدة مشروعاً باسم (مشروع إحياء مدينة بغداد التاريخية)، الذي أعلن بالتزامن مع صدور كتاب يتضمن تفاصيل هذا المشروع باستراتيجياته وأدوات تنفيذه في نحو 600 صفحة، وأطلق من خلال مبادرة (إحياء)، كما أتابع أيضاً الندوات وورش العمل والدعم الكبير الذي لاقته المبادرة ومشروعها، وفوجئت بأن هناك مشروعاً آخر يتم طبخه من أجل تهشيم وتهميش هذا المشروع الكبير وتحت المسمى نفسه، وتحويله إلى عدد من المقاولات والمشاريع الاستثمارية عن طريق الاستيلاء على المباني التراثية المملوكة للدولة".

هنا يتساءل كثير من المهتمين بتراث بغداد والمعنيين بالحفاظ على ما تبقى منه، "ما دخل منظمة غير حكومية (يفترض أنها غير ربحية) بتخطيط المدينة وتنفيذ مقاولات أو استثمار مباني الدولة والتربح منها؟ ولماذا تحاط مشاريع تتعلق بالمدينة، مهما كانت مصادر أموالها، بالسرية وهي مشاريع تتعلق بمستقبل المواطن؟ وهل خضعت للنقاش والنقد والمشاركات الدولية وبخاصة أنها تتعلق بمناطق تاريخية لمدينة موغلة في القدم؟".

وهؤلاء المهتمون بالتراث الحضاري الباهر لبغداد القديمة يدعون وزارة الثقافة إلى الاضطلاع بمسؤولياتها للحفاظ على مدينتهم من التشويه، كذلك يطالبون أمانة بغداد بممارسة دورها الهندسي والرقابي.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي