Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اللاجئون بين تعهدات أردوغان وغموض المستقبل

بين راغب في بقائهم ومرشح قامت حملته الانتخابية على ترحيلهم هل تحدد الانتخابات التركية مصير النازحين؟

يزداد منسوب القلق لدى اللاجئين السوريين في تركيا مع اقتراب موعد الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية (أ ف ب)

ملخص

أظهرت دراسة نشرها "البارومتر السوري" في عام 2019 أن 78 في المئة من اللاجئين السوريين لا يريدون العودة إلى ديارهم 

بعد مرور 12 سنة على بدء الحراك السوري واختلال التوازن الداخلي في البلاد الأمر الذي دفع بالملايين الى ترك وطنهم والخروج منها بحثاً عن ملاذ آمن وسعياً لتأمين مستقبل بعيد من آفة الحرب التي ازدادت حدتها يوماً تلو الآخر. وعلى الطرف الشرقي من العالم جاء تولي "حركة طالبان" للسلطة في أفغانستان في عام 2021 زارعاً الغموض والخوف من مستقبل لا يشع له نور في الوقت الحاضر على الأقل في قلوب الداخل الأفغاني، ما دفع بالعديد من الأفغان إلى ترك العيش تحت رحمة زعماء الحرب في بلد عاثت فيه الحرب فساداً، ففتحت الحكومة التركية أبواب بلادها معلنة بذلك احتضانها لجميع من وجد نفسه تائهاً بين الجبال الوعرة والسهول الممتدة في سبيل العثور على ملجأ من الخوف والفزع.

بلد منهك

ازداد عدد اللاجئين والمتجاوزين حدود البلاد بطريقة غير شرعية "نتيجة التساهل التام" من قبل حكومة الرئيس المنتهية ولايته رجب طيب أردوغان حيث وصل عدد اللاجئين تحت ملحق قانون الحماية الموقت إلى 3 ملايين و 411 ألفاً و 29 شخصاً حتى أبريل (نيسان) الماضي، بحسب البيانات الصادرة عن وقف اللاجئين التركي، إضافة إلى العدد الكبير الذي لم يتم احصاؤه حتى اللحظة من الداخلين إلى البلاد بطرق غير شرعية. وبحسب دائرة الهجرة التركية، بلغ عدد الموقوفين من قبل مديرية الأمن بتهمة الدخول بطريقة غير نظامية إلى البلاد مليوناً و821  ألف مهاجر غير شرعي خلال السنوات العشر المنقضية. ولكن بدءاً بجائحة كورونا مروراً بالأزمة الاقتصادية وتبعاتها من تضخم وركود اقتصادي ضرب تركيا، انتهاءً بزلزال فبراير (شباط) المدمر الذي ضرب البلاد وخلف عشرات الآلاف من الضحايا، تسبب ملف اللاجئين بانقسام شعبي وسياسي واضح، فبات اللاجئون يعيشون أطول أسبوعين خلال مدة بقائهم داخل الأراضي التركية، وهي الفترة الفاصلة ما بين الجولة الأولى والثانية من الانتخابات الرئاسية التركية.

خوف وترقب

مع اقتراب الجولة الثانية من الانتخابات وارتفاع نبرة الخطاب القومي الشعبوي الذي يلقى دعماً واسعاً من أطياف عريضة في الداخل التركي، والقائم على ضرورة ترحيل اللاجئين إلى بلدانهم، أصبح هاجس اللاجئين في تركيا يدور حول ما إذا كانت رحمة أردوغان هي من ستحميهم من لهيب مستقبل قد يضطرون فيه للعودة؟ ولكن دعونا نرجع إلى الوراء قليلاً لنتعرف سوياً إلى الخطأ الذي حمّل الجمهورية التركية الكثير.

مع تصاعد الأحداث في الداخل السوري في مارس (آذار) 2011 فتحت تركيا أبوابها للاجئين في مخيمات خُصصت لاستقبالهم، ولكن لم يكن هذا الوضع في تلك المرحلة مؤثراً ذلك التأثير الحالي، فكانت نسبة كبيرة من الشعب التركي ترى أنه وضع موقت قد يستمر لأشهر ومن ثم يسمح لطالبي اللجوء بالعودة إلى ديارهم بعد انتهاء الأزمة، ولكن هذا لم يحدث، إضافة إلى غياب أي نوع من التخطيط المدروس والمعد جيداً لاستقبال عدد هائل من طالبي اللجوء.
إلى أن أعلن أحمد داود أوغلو الذي كان على رأس وزارة الخارجية آنذاك في أغسطس (آب) 2012 أن عدد اللاجئين ارتفع إلى 67 ألفاً، وقال إنه في حال تجاوز عدد اللاجئين المئة ألف فإنه يجب توفير منطقة آمنة داخل الأراضي السورية، لكن طلب تركيا لم يلق تفاعلاً من قبل الأطراف الدولية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي نوفمبر (تشرين الأول) من العام نفسه كان عدد اللاجئين قد وصل إلى سقف المئة ألف لاجئ. ومع دخول "داعش" إلى الأراضي السورية ازداد عدد الهاربين من بؤس الحروب والدمار فبلغ عددهم المليون لاجئ بحلول الأول من أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2014.
وبعد الوصول إلى مليون لاجئ داخل الأراضي التركية وامتلاء المخيمات وبدل أن تقوم بعملية توزيع مقننة ومنظمة ضمن أساليب حديثة، اعتمدت الحكومة التركية في ذاك الوقت نهج "ليذهب كل منكم إلى حيث يريد" فذهب كل لاجئ إلى حيث يريد.
ولم يصدر أي قانون يخص اللاجئين حتى الرابع من أبريل (نيسان) من عام 2013 أي بعد مرور عامين على بدء توافد اللاجئين إلى الأراضي التركية، حيث صدر قانون الأجانب والحماية الدولية، ودخل ملحق الحماية الموقتة المنبثق من القانون المذكور حيّز التنفيذ في عام 2014، والذي جاء في مادته الثالثة أنه موقت وليس دائماً.

في الأثناء، كانت الأحداث في الداخل السوري تزداد مع مرور الأيام، فاللاجئون الذين ارتأوا أن الحرب لن تنتهي في زمن قريب بدأوا بالزحف نحو دول الاتحاد الأوروبي في عام 2015 فأعلنت المستشارة الألمانية آنذاك أنغيلا ميركل عن استقبال ألمانيا للاجئين، وفي غضون بضعة أشهر استقبلت نحو 850 ألف لاجئ، والسويد التي اتخذت قراراً مماثلاً استقبلت خلال العام نفسه حوالى 160 ألف لاجئ. ولكن ألمانيا وبناءً على الدرس الذي تعلمته من خطأها السابق الذي وقعت فيه في عام 1971 عندما وصل عدد العمال الأتراك الذين استقدمتهم تحت عنوان "العمال الموقتين" إلى نحو المليون عامل. وفي عام 1983 أرادت ألمانيا إعادة العمال إلى تركيا فأصدرت قانوناً خاصاً يشجعهم على ذلك، ولكن مع وصول أعدادهم مع عائلاتهم الى أربعة ملايين نسمة، قرر هؤلاء البقاء على الأراضي الألمانية، وهنا كان الخطأ الألماني، فعندما قبلت ألمانيا العمال تحت سقف "العمل الموقت" لم تخط الخطوات التي تضمن للأتراك الاندماج في الداخل الألماني، بدءاً بتعليمهم اللغة الألمانية وغير ذلك. فألمانيا عندما قررت استقبال العدد المذكور آنفاً من اللاجئين السوريين استقبلتهم بعد دراسة كيفية دمجهم داخل الثقافة والمجتمع الألماني.

تركيا تكرر الخطأ الألماني

وتركيا التي لم تقم بإجراءات دمج اللاجئين في ثقافتها تذكرنا بنفس الخطأ الذي وقعت فيه ألمانيا قبل عدة سنوات، لا سيما أن عدداً لا يستهان به من اللاجئين لا يريدون العودة إلى ديارهم. فالدراسة التي نشرها "البارومتر السوري" في عام 2019 أظهرت أن 78 في المئة منهم لا يريدون العودة أبداً إلى سوريا. ومع اقتراب انتخابات عام 2018 في تركيا ومع تصاعد الخطاب القومي، زادت حدة التوتر في البلاد بين اللاجئين والقوميين الذين لا يريدون بقاءهم مطالبين الحكومة بترحيلهم فوراً، فيما تقول الحكومة إنها لن ترحل اللاجئين مطلقاً. وازداد هذا التوتر مع ارتفاع نسبة البطالة في البلاد وزيادة التضخم وغلاء أسعار السلع الأساسية وتدهور العملة المحلية، ومن هنا انقسمت الأوساط السياسية مرة أخرى إلى فريقين في الانتخابات التركية هذا العام، فريق تقوم حملته الانتخابية الحالية على ضرورة ترحيل اللاجئين كما يقول كمال كليتشدار أوغلو المرشح عن الطاولة السداسية وفريق يقول إنه لن يتم ترحيل "إخواننا" من اللاجئين عن طريق الترحيل الجماعي.

وفي ظل التقارب السياسي بين سوريا والدول العربية ورجوعها إلى الحضن العربي بل وحضور رئيسها بشار الأسد قمة جدة العربية وبعد تصريح وزير الخارجية السوري فيصل المقداد حول الرغبة في إعادة اللاجئين إلى البلاد، نجد أن سياسة الرجوع الطوعي إلى سوريا وهي سياسة الحزب الحاكم الحالي قد تكون الحل الأمثل خصوصاً أن تركيا ارتبطت بعدة اتفاقيات دولية تجعل من الصعب إرسال جميع اللاجئين إلى بلدانهم عن طريق الترحيل الجماعي.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير