Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العروس الأميركية أسرها سجن كابول وراعها جبن زوجها

فيليس تشيسلر تروي في مذكّراتها الافغانية القسوة والحرمان والعزلة داخل برقع

الكاتبة الأميركية فيليس تشيسلر وحبيبها الأفغاني عبد الكريم أيام الدراسة والحب في أميركا (من الكتاب)

ملخص

فيليس تشيسلر تروي في مذكّراتها الافغانية القسوة والحرمان والعزلة داخل برقع  

تروي الكاتبة والمعالجة النفسيّة الأميركيّة فيليس تشيسلر في "عروس أميركيّة في كابول" (دار المدى، ترجمة علي عبد الامير صالح)، وكما يدلّ عليه العنوان، مغامرة زواجها من رجل أفغانيّ ورحيلها معه إلى كابول ولقاءها عائلته هناك، وتعرّفها إلى ثقافته وبيئته وأرضه. لقاء مفاجئ ومخيّب للآمال يتحوّل إلى إقامة جبريّة وسجن قاسٍ نظراً إلى الفرق الضخم بين عادات أميركا وعادات أفغانستان، وبين دور المرأة وثقافتها في الغرب والقوانين التي تتحكّم بتنقّلاتها وملابسها وتصرّفاتها في أفغانستان. 340 صفحة تكتبها تشيسلر لتقول فيها: "أريد حرّيتي".

كابول السجن الكبير

تقسم الكاتبة الأميركيّة نصّها إلى مقدّمة وقسمين كبيرين يتكوّن كلّ منهما من سبعة فصول. يروي القسم الأوّل وعنوانه "في أفغانستان" قصّة حبّ الكاتبة وزواجها من عبد الكريم الشاب الأفغانيّ الذي التقته في الكلّيّة، واجتمعت معه حول حبّ الكتب والموسيقى والمعرفة. لكنّ الأمور تتغيّر ما إن يصل الزوجان إلى كابول، فتقول الكاتبة عن أيّامها الأولى المفاجئة هناك: "لم يكن عمري سوى عشرين سنة، وأنا الآن أحد أفراد هذه الأسرة، التي تتألّف من أب واحد، ثلاث زوجات، وواحد وعشرين ابناً" (ص: 46). لكنّ العائلة ليست وحدها ما فاجأ الكاتبة الشابّة بل نمط الحياة الذي اكتشفته مع وصولها إلى هذه المدينة الغريبة عنها، فتكتب: "كنتُ مغفّلة حين ظننتُ أنّ بالمستطاع أن تكون لي حياة ثقافيّة أو فكريّة هنا.

ربّما عبد الكريم، إذا ما سُمِح له بالسفر، بمستطاعه أن يمتلك حياة كهذه. ولستُ أنا. أنا زوجة أفغانيّة الآن" (ص: 69). وتتضاعف مأساة الزوجة الشابّة التي تتحوّل إلى سجينة، عندما تكتشف أنّها لا تستطيع أن تخرج من دون برقع، ولا يمكن أن تكلّم الرجال، ولا يمكنها أن تخرج متى تشاء وبمفردها، ولا يمكن أن تعمل ولا أن تقرأ. حتّى جواز سفرها يؤخذ منها مع دخولها إلى البلد، فتكتب: "أنا يقيناً تحت رحمة ثقافة من نوع آخر" (ص: 129).

لكنّ المأساة الكبرى والمفجعة تكمن في عبد الكريم، هذا الزوج الحبيب الذي تحوّل إلى سجّان في سجن المدينة الكبير. تحوّل السند والدعم لجلاّد وشريك في الجريمة والمأساة. تحوّل إلى عدوّ الفتاة الشابّة التي كانتها الكاتبة آنذاك، فتكتب عنه قائلة: "ما إن وصلنا إلى كابول، حتّى أصبح زوجي ذو الثقافة "الغربيّة" شخصاً آخر- شخصاً لم يسبق لي أن قابلته قطّ. [...] عاملني حصراً كزوجة أفغانيّة، وليس كطالبة كلّيّة أميركيّة ذات تطلّعات فكريّة وفنّيّة جادّة" (ص: 321).

أمّا القسم الثاني من المذكّرات فعنوانه "في أميركا" ويروي تطوّر علاقة الكاتبة بزوجها بعد رحيلها عن كابول ومحاولاته اليائسة لاسترجاعها واستعطافها، وحثّها على العودة إليه وإلى المدينة مع اعتماد القوّة والتهديد في أحيان كثيرة. يرفض الزوج الأفغانيّ إرجاع جواز سفر عروسه الأميركيّة ويرفض منحها الطلاق ويرفض حتّى الاعتراف بأنّ رحيلها لا عود من بعده. لكنّ تشيسلر لم تكن لترضخ ولم تكن لتنهار، فقد عادت إلى نيويورك وإلى عائلتها وإلى حرّيّتها ولم تكن لتعود إليه وإلى سجنها وموتها الحتميّ، هي التي استطاعت الخروج من كابول وهي مريضة ضعيفة جائعة مهمّشة وعلى شفير الموت، فتكتب من نيويورك: "كنتُ سجينة جسديًّا وخرجتُ. كنتُ سجينة قانونيّة وخرجتُ، أيضًا" (ص: 205).

مذكّرات شاملة

لا ينكر قارئ هذه المذكّرات صعوبة الموقف وخطورته لفتاة أميركيّة عشرينيّة طموح، تجد نفسها سجينة مجتمع وعادات وتقاليد لا تفهمها ولا تقبلها وتكاد تودي بحياتها. إنّ نمط حياة المرأة في أفغانستان صعب وقاسٍ ومجحف، وهو أمر تصفه الكاتبة في مواضع عدّة من نصّها، فتقول مثلاً عن البرقع: "التشودري، أو البرقع [...] هو غرفة عزل وحرمان حسّيّ. إنّها شيء يتّسم بالخوف المرضيّ من الأمكنة المغلقة أو الضيّقة، وربّما تفضي إلى القلق والاكتئاب، وتقوّي قلّة احترام الذات لدى المرأة الموجود أصلاً" (ص: 81). كما أنّها لا تتوانى عن وصف الأمور كما هي، فتقول عن نفسها وعن نساء المدينة: "كنّا في الجانب الضعيف" (ص: 110). فالمرأة في كابول في الجانب الضعيف من المجتمع، ومن ميزان القوّة في ظلّ العادات والتقاليد الذكوريّة القاسية المنغلقة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يلاحظ القارئ أنّ مذكّرات فيليس تشيسلر مليئة بالمصادر والمراجع والأخبار السياسيّة والتاريخيّة والأدبيّة التي قد لا تمتّ إلى الموضوع دائمًا بكبير صلة. فهناك حديث عن تاريخ اليهود في البلاد الإسلاميّة وعن تاريخ الرحّالة الذين نزلوا أفغانستان في غابر الأزمنة، وعن التاريخ السياسيّ للمنطقة وعن قصّة بن لادن وعن 11 سبتمبر / أيلول في أميركا. يمتلئ النصّ بمعلومات مستلّة من دراسات حول مواضيع كثيرة وغير مترابطة، كجرائم الشرف وغيرها من الظواهر الإجتماعيّة. وكأنّ الكاتبة التي تملك آراءها الخاصّة وظّفت مذكّراتها كحجّة لنقل معتقداتها إلى القارئ. طبعًا يحقّ للكاتبة أن تبدي رأيها في قضايا تتعلّق بالمرأة والمجتمع والتاريخ وغيرها من الأمور، إنّما تبدو الآراء مُلصقة بطريقة غريبة لا تتماهى مع النصّ، وتُظهر رغبة الكاتبة بإظهار وسع اطّلاعها ومواقفها السياسيّة والاجتماعيّة والتاريخيّة بغضّ النصّ عن ضروريّات النصّ والمذكّرات. أخبار عن رحّالة زاروا أفغانستان، أخبار عن إسلاميّين جاءوا بعد تجربة الكاتبة بنصف قرن على الأقلّ. أخبار كثيرة وأرقام فيها إطالة وتطويل. يُضاف إلى ذلك أنّ الكاتبة استعانت بـ 163 من المصادر والمراجع لكتابة هذه المذكّرات، وكأنّ هذا النصّ وثيقة تاريخيّة أو بحث جامعيّ وليس مذكّرات حميمة أدبيّة إستيطيقيّة.

والجدير بالذكر أنّ الكاتبة لم تبقَ خمسين سنة في أفغانستان كما قد يتهيّأ للقارئ من صفحة الغلاف الاخير، لقد أمضت الكاتبة في كابول أشهرًا كانت بمثابة سنوات طويلة. ونحن لسنا بوارد التقليل من شأن تجربتها ولا معاناتها، فالحرّيّة أمر غالٍ وثمين ولا يمكن التفريط فيه ولو ليوم واحد. إنّما كمّيّة الآراء المستفزّة التي يزخر فيها النصّ حرمت القارئ في أحيان كثيرة متعة اكتشاف حقيقة تجربة الكاتبة وحرمته القدرة على تلمّس حقيقة تعقيدات الحياة المعاصرة في أفغانستان وعمق الطبيعة البشريّة لأهلها، هؤلاء الذين يقبعون خلف أسوار ثقافيّة واجتماعيّة ودينيّة، عالية ومخيفة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة