ملخص
تشهد أسعار السلع في مصر ارتفاعاً غير مسبوق تواجهه الحكومة بأسواق مدعومة لكن غالبية الأسر أصبحت مضطرة إلى ترشيد نفقاتها
بينما تشتد الأزمة الاقتصادية وتتسارع وتيرة الغلاء في مصر لتطاول كل شيء، تسعى أسماء محمود (38 سنة)، ربة منزل، إلى البحث عن وسائل فعالة لضبط نفقات أسرتها الصغيرة وترشيد استهلاكها.
الفتاة المصرية التي بدأت خطتها في مواجهة الغلاء بالتخلي عن السلع الترفيهية، ومن بينها "سائل غسل الأيدي" بالعودة لاستخدام "الصابون" وصلت بها خطة الترشيد لوجبة لحوم أو دجاج مرتين أسبوعياً بدلاً من خمسة أيام كما كان معتاداً في السابق.
تقول أسماء لـ"اندبندنت عربية"، "توشك محاولاتي في ترشيد الإنفاق في الوصول إلى طريق مسدود، في ظل غلاء غير طبيعي يتزايد يومياً"، مستنكرة "مفيش (لا يوجد) مكان في العالم الأسعار بتزيد (ترتفع) فيه على مدار الساعة".
ووجه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بإنشاء أسواق "نصف جملة" لخفض كلفة السلع وتنظيم وضبط الأسعار، بينما أظهر تقرير تناول أوضاع الأمن الغذائي في العالم والصادر عن البنك الدولي ارتفاعاً في معدلات التضخم للسلع الغذائية عالمياً، وأن مصر سادس أعلى دولة في العالم تأثراً بموجة التضخم في أسعار السلع الغذائية، مع تحقيقها معدل 37.3 في المئة خلال 2022.
خطط بديلة
وتحت تأثير الأزمة الاقتصادية يقول محمد علي (65 سنة)، صاحب مطبعة، "الغلاء غير مبرر في ظل غياب شبه تام للرقابة على الأسواق"، مشيراً إلى أن المشكلة هي "عدم قدرة الأسر على الاستغناء عن الطعام والشراب بعدما استغنت عن شراء الملابس الجديدة وتوقفت عن وجبات الطعام السريعة".
وتابع علي "الغلاء اكتوى الجميع بنيرانه، والناس لا حديث لهم سوى تدبير نفقات الحياة في حدها الأدنى"، مضيفاً "الصيف الماضي لم نذهب كما هي عادة كل عام إلى أحد المصايف بسبب الظروف المالية، وهذا العام الوضع أكثر صعوبة، إذ أصبحنا نبحث عن سبل التوفير من الطعام والشراب. أسرتي التي كانت ترافقني مطلع كل شهر لشراء حاجات المنزل من أحد سلاسل السوبر ماركت المعروفة في القاهرة، أصبحت ظروفي لا تتحمل هذه الزيارة فأكتب حاجات المنزل في ورقة وأتوجه لشرائها في حدود إمكاناتي المادية أو البحث عن بدائل للسلع التي أصبحت غير قادر عليها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وحول قدرته على شراء اللحوم والدواجن التي ارتفعت أسعارها أشار إلى أن أسعار اللحوم قاربت على 400 جنيه (13 دولاراً أميركياً) وقبيل أيام من حلول عيد الأضحى، وأنه بسبب الغلاء الشديد في أسعارها "لم يجد بديلاً عن خفض الكمية".
وأقرت الحكومة المصرية منذ أشهر قليلة حزمة من المساعدات كلفت الموازنة 130 مليار جنيه (4.3 مليار دولار) شملت صرف مساعدات استثنائية لـ9.1 مليون أسرة من الفئات الأولى بالرعاية لمدة ستة أشهر، إلى جانب تحسين هيكل الأجور والمعاشات.
وتوصي المتخصصة في الاقتصاد المنزلي دعاء عبدالسلام بـ"التخطيط الجيد للمصروفات الأساسية، ومنها الطعام والتعليم والكساء في حدود الموارد المالية المتاحة"، كما نصحت الأسر بالتجديد في أنواع الأطعمة، لكن من ذات الخامات المتوافرة في المنازل من المعجنات وغيرها، والحرص على عدم إرهاق الموازنة الشهرية بتناول الوجبات السريعة، وضرورة ترشيد استهلاك الكهرباء والغاز والمياه.
في عام 2021 أكد جهاز الإحصاء المصري انخفاض نسبة الفقر في مصر إلى 29.7 في المئة عام 2019 - 2020، في مقابل 32.5 في المئة عام 2017 - 2018 بنسبة انخفاض 2.8 في المئة للمرة الأولى منذ 20 عاماً.
الألبان والمنظفات ليست أولوية
تقول زينب أحمد (45 سنة) إن أسعار السلع قفزت بشكل جنوني، وأنها وأسرتها المكونة من أربعة أبناء استغنوا بشكل كامل عن منتجات الألبان (الجبن – اللبن – البيض) بعد الارتفاع الكبير في أسعارها، مؤكدة أن البروتينات ومنها اللحوم نتناولها مرة واحدة أسبوعياً وكذلك الدواجن.
وتشير زينب إلى أن منتجات مثل مصنعات اللحوم (اللانشون) تنتجها الأسر في المنزل بدلاً من شرائها باستخدام مكونات بسيطة تتنوع بين الجبن وملاعق بسيطة من اللحم المفروم ومكونات أخرى متوفرة في المنازل كافة.
أما عن مواد التنظيف فكان لها نصيب الأسد من التوفير، إذ انصرفت غالبية الأسر عن شراء عديد من المنظفات ومساحيق الغسيل ذات الماركات المعروفة، واتجهت أغلبها لبدائلها المحلية رخيص الثمن والجودة.
وفي يناير (كانون الثاني) الماضي أعلن البنك المركزي المصري ارتفاع نسب التضخم الأساسي في مصر ليسجل 24.4 في المئة على أساس سنوي في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وأرجع الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر الزيادة إلى أسعار مجموعة الفاكهة التي قفزت بنسبة 7.6 في المئة، والألبان والجبن والبيض 6.4 في المئة، والحبوب والخبز 5.0 في المئة، والأسماك والمأكولات البحرية 3.1 في المئة، واللحوم والدواجن 2.8 في المئة، والسكر والأغذية السكرية 2.5 في المئة، بينما قفزت أسعار مجموعة الزيوت والدهون 2.3 في المئة، إلى جانب الخضراوات 2.3 في المئة.
وخسر الجنيه المصري في مقابل الدولار الأميركي منذ تحركات البنك المركزي المصري في مارس (آذار) من العام الماضي نحو 50 في المئة من قيمته في مقابل نظيره الأميركي، وقفز سعر صرف الدولار في السوق المصرية من مستوى 15.74 جنيه في مارس 2022 إلى نحو 30.95 جنيه في الوقت الحالي.
الأضاحي في مرمى الغلاء
من جانبه قال هيثم عبدالباسط نائب رئيس شعبة القصابين بغرفة القاهرة التجارية، إن حجم إقبال المصريين على شراء الأضاحي تراجع 80 في المئة بسبب ارتفاع الأسعار.
وأوضح عبدالباسط في تصريحات تلفزيونية مطلع الشهر الجاري أن أسعار اللحوم زادت 60 في المئة، ومتوسط سعر العجل المناسب للذبح من 50 إلى 80 ألف جنيه (2550 دولاراً أميركياً).
ويرى المحلل الاقتصادي أحمد معطي أن أزمة الغلاء ستشهد انخفاضاً بحلول عام 2024، وبدء البنك المركزي الفيدرالي في خفض الفائدة، وهو ما سيعيد الأموال الساخنة للاقتصادات الناشئة ومنها مصر، مرجعاً ما يحدث الآن إلى الحرب الروسية - الأوكرانية.
وأضاف معطي في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن ارتفاع أسعار السلع الغذائية وهو أحد وجوه الأزمة سببه تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وهو ما دفعهم إلى وضع قائمة أولويات للإنفاق والتخلي عن السلع التي يمكن الاستغناء عنها أو استبدالها بمنتج مثيل بسعر أقل.
وتطرح وزارة التموين المصرية كميات كبيرة من السلع الغذائية ومنتجات اللحوم (الطازجة والمجمدة) بمنافذ المجمعات الاستهلاكية وفروع الشركات التابعة لوزارة التموين في مختلف محافظات الجمهورية بأسعار مخفضة، كما توفر الوزارة ما يقرب من 31 سلعة على بطاقة التموين ضمن المقررات التموينية التي تصرف للمستفيدين من بطاقات التموين، فضلاً عن المبادرات الدائمة طوال العام للسلع المخفضة، ومنها مبادرة "كلنا واحد" التي تجري بالتعاون مع سلاسل السوبر ماركت الكبرى، ومنافذ البيع التابعة للشرطة والقوات المسلحة والمنتشرة في غالبية المحافظات.