Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتضرر أميركا من محاكمة ترمب فيدراليا؟

تزيد خطر العنف السياسي وتعزز ازدواجية المعايير

خطاب عنيف لمؤيدي ترمب وحلفائه الذين وصفوا لائحة الاتهام الموجهة إليه بأنها عمل من أعمال الحرب ودعوا إلى الانتقام (أ ب)

ملخص

نشر ترمب مقطع فيديو مزج صورة لنفسه وهو يتأرجح بمضرب غولف على الملعب وصوراً متحركة لكرة تضرب بايدن في رأسه

مع مثول الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب أمام المحكمة، غداً الثلاثاء، حذر البعض من أوجه الضرر الكثيرة التي يمكن أن تصيب الولايات المتحدة ليس أقلها دعوة حلفائه إلى الانتقام ووصفهم لائحة الاتهام بأنها عمل من أعمال الحرب، ما أزعج المراقبين وأثار مخاوف من مناخ خطر، بخاصة أن غالبية قاعدته الشعبية مسلحة، لكن هناك جوانب أخرى للضرر تتعلق بصورة أميركا على الساحة العالمية، فما هي هذه الجوانب؟

أخطار محدقة

على رغم أن لائحة الاتهام التي وجهها المدعي الخاص في وزارة العدل إلى ترمب، مليئة بتفاصيل كثيرة عن إخفائه المزعوم وثائق سرية للغاية، تتضمن معلومات حول أسرار الجيش ووزارة الدفاع الأميركية، والأسلحة النووية، ونقاط الضعف العسكرية، بما يعرض الأمن القومي للخطر، مما جعل غالبية الديمقراطيين وبعض الجمهوريين مثل السيناتور ميت رومني يوجهون انتقادات عنيفة لترمب على اعتبار أنه جلب التهم لنفسه بأخذ وثائق سرية، ورفض إعادتها، وأنه لا أحد فوق القانون، إلا أن آخرين حذروا من الأخطار التي يمكن أن تصاحب محاكمته بناءً على هذه الاتهامات.

يتمثل أول هذه الأخطار في الخطاب العنيف لمؤيدي ترمب وحلفائه الذين وصفوا لائحة الاتهام الموجهة إليه في منشوراتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي وفي تصريحاتهم العامة بأنها عمل من أعمال الحرب ودعوا إلى الانتقام، وسلطوا الضوء على حقيقة أن معظم قاعدة الرئيس السابق تحمل أسلحة، معتبرين أن الرئيس السابق ضحية لوزارة العدل التي يسيطر عليها الرئيس جو بايدن، خصمه المحتمل في انتخابات عام 2024.

العين بالعين

ومن بين الشخصيات البارزة الداعمة لترمب، كتب عضو مجلس النواب الجمهوري أندي بيغز، في منشور على "تويتر" "العين بالعين"، كما نشرت خطيبة الابن الأكبر لترمب، كيمبرلي غيلفويل، صورة للرئيس السابق مع عبارة "القصاص قادم"، بأحرف كبيرة، فيما حذرت كاري ليك التي رفضت الاعتراف بهزيمتها في الانتخابات لمنصب حاكم ولاية أريزونا، من المساس بترمب الذي تناصره بقوة ووجهت رسالة إلى وزير العدل ميريك غارلاند والمدعي الخاص جاك سميث والرئيس جو بايدن، قائلة إنه إذا رغبوا في الوصول إلى ترمب فسيتعين عليهم المرور عبرها وعبر 75 مليون أميركي صوتوا له ومعظمهم أعضاء في رابطة البندقية الوطنية "أن آر أي" في إشارة إلى أنهم مسلحون.

ومع تضخيم الدعوات إلى العمل والتهديدات على مواقع وسائل الإعلام اليمينية والتي قوبلت بردود داعمة من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وهتافات من الحشود، الذين أصبحوا مرتبطين على مدى سنوات عدة بالرئيس ترمب وحلفائه، يحذر الخبراء في مجال العنف السياسي من أن الهجمات على الأشخاص أو المؤسسات تصبح أكثر احتمالاً عندما يكون المسؤولون المنتخبون أو الشخصيات الإعلامية البارزة قادرين على إصدار تهديدات أو دعوات إلى العنف مع الإفلات من العقاب، مثلما حدث مع مؤيدي ترمب الذين هاجموا مبنى "الكابيتول" في السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 في واشنطن بعد أن نشر ترمب على "تويتر" كلمات غاضبة، متوعداً بأن حشد مناصريه سيكون جامحاً.

تحذير من العنف السياسي

والسبت الماضي، نشر ترمب نفسه على "إنستغرام" مقطع فيديو مزج صورة لنفسه وهو يتأرجح بمضرب غولف على الملعب وصوراً متحركة لكرة غولف تضرب الرئيس بايدن في رأسه، تتبعها لقطات للرئيس الأميركي وهو يسقط على الأرض في حدث عام خلال الأيام الأخيرة بعد أن تعثر في شيء ما على خشبة المسرح.

ويقول خبراء العنف السياسي إنه حتى لو لم تنتهِ اللغة العدوانية من أفراد رفيعي المستوى إلى الأذى الجسدي، فإنها تخلق جواً خطراً تصبح فيه فكرة العنف أكثر قبولاً، بخاصة إذا تركت مثل هذه الخطابات من دون رادع، وتشير ماري ماكورد المسؤولة السابقة في وزارة العدل والتي درست العلاقات بين الخطاب المتطرف والعنف، إلى أنه لم تتم محاسبة السياسيين الذين استخدموا هذا الخطاب حتى الآن لتحريض الناس على العنف، وأوضحت صحيفة "نيويورك تايمز" أن ردود الفعل من أنصار ترمب كانت أكثر حدة وصراحة من تلك التي تم التعبير عنها بعد توجيه الاتهام إلى الرئيس السابق في قضية منفصلة من قبل المدعي العام لمنطقة مانهاتن ألفين براغ في أواخر مارس (آذار) الماضي.

أسباب أخرى للخطر

غير أن توجيه لائحة اتهام فيدرالية إلى ترمب بتهمة تخزين وإخفاء وثائق سرية بشكل غير قانوني، والتي وصفها المذيع المحافظ ستيف غروبر بأنها تأكيد أن "جمهوريات الموز" ستكون أكثر شيوعاً في الولايات المتحدة، تحمل أخطاراً أخرى لا تتعلق بالعنف السياسي، أولها أنها تعزز وجهة النظر التي يشاركها عديد من المحافظين، بأن الحكومة الأميركية تقدم نظاماً من مستويين للعدالة، أحدهما للأشخاص على اليمين، والآخر لمن هم على اليسار، وذلك على خلاف ما ادعاه المدعي الخاص في هذه القضية جاك سميث، عندما قدم لائحة الاتهام، قائلاً "لدينا مجموعة واحدة من القوانين في هذا البلد، وهي تنطبق على الجميع".

وتنتقد الكاتبة ليز بيك في مقال لها نشره موقع "ذا هيل" الازدواجية في تحقيق العدالة، مشيرة إلى أن ترمب لم يكن هو المسؤول العام الوحيد الذي تبين أنه أساء التعامل مع الوثائق السرية، إذ تبين أن الرئيس الديمقراطي السابق بيل كلينتون، أخذ تسجيلات صوتية لمناقشاته أثناء وجوده في البيت الأبيض واحتفظ بها في درج جواربه بعد انتهاء فترة ولايته، وعلى رغم أن مؤسسة "جديشيال ووتش" المحافظة رفعت دعوى قضائية للوصول إلى الأشرطة، بدعوى أنها تعد جزءاً من الأرشيف الرئاسي، إلا أن قاضياً حكم ضد المجموعة المحافظة، مدعياً أنها ليس لديها سلطة قضائية، وأن مثل هذه المطالب لا يمكن تقديمها إلا من قبل إدارة المحفوظات والسجلات الوطنية (الأرشيف الوطني)، والتي رفضت السعي إلى الحصول على الأشرطة.

ازدواجية المعايير

وهناك مثال إضافي على ازدواجية المعايير، إذ خلص رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي السابق جيمس كومي، في عام 2016 إلى أن وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون ومساعديها كانوا مهملين جداً في تعاملهم مع معلومات حساسة وسرية للغاية، والتي تم تخزينها على خادم كمبيوتر شخصي ضعيف الحماية، وعلى رغم أن هيلاري كلينتون دمرت الأدلة على سوء السلوك هذا، ولم تمتثل بالكامل عندما طلب منها تقديم جميع رسائل البريد الإلكتروني التي تم إرسالها، فإن مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي وجد عشرات الآلاف من الرسائل الإضافية المتعلقة بالعمل على هذا الخادم غير المصرح به، وبعضها يحتوي على معلومات سرية، لم يوجه ضد هيلاري كلينتون لائحة اتهام مثلما فعلت وزارة العدل مع ترمب.

وكان المبرر الذي ساقه جيمس كومي أن سوء سلوك هيلاري كلينتون لم يكن مرتبطاً بعدم الولاء للولايات المتحدة، كما لم تبذل هذه الجهود بهدف عرقلة العدالة، مشيراً إلى أن قراره اتخذ بناءً على نيتها.

مقارنة مع بايدن

كما احتفظ جو بايدن بمعلومات سرية بشكل غير قانوني، وبدلاً من توجيه الاتهام إليه، تم إخفاء أخبار الوثائق السرية التي تم العثور عليها في مكتبه بمركز جامعة "بنسلفانيا"، في الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022، وذلك في ظروف غامضة بعيداً من أعين الجمهور، إذ لم يتم الكشف عن ذلك قبل ستة أيام من انتخابات التجديد النصفي، كما كان يفترض، بل تم التستر على الأمر حتى كشفته شبكة "سي بي أس" في يناير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن المفارقات الغريبة أن لائحة الاتهام الصادرة، هذا الأسبوع، ضد ترمب تتعلق بتخزينه للوثائق بلا مبالاة في غرف يسهل الوصول إليها من قبل أشخاص غير مصرح لهم بذلك، فلماذا اعتبرت وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي أن الأوراق المكدسة في مرأب منزل بايدن في ولاية ديلاوير كانت أكثر أماناً.

ليس إجرامياً

وبالنسبة لكثيرين من الأميركيين، فإن مناوشات الرئيس السابق مع السلطات حول أوراقه الرئاسية، تعد بمثابة سلوك كلاسيكي لترمب، فهو متسلط، وغير منظم وكسول، إلا أنه ليس إجرامياً، وإذا كانت لائحة الاتهام تؤرخ جهوده الفاترة لتصفح مئات الصناديق التي تحتوي على أوراقه الشخصية، إلا أنها لم تدع أبداً أن رفضه الامتثال لأمر الاستدعاء كان جزءاً من جريمة أكبر، مثل خيانة الولايات المتحدة.

وإضافة إلى ذلك، يبدو أنه من المرجح أن رفض ترمب تسليم أوراق المكتب البيضاوي، كان مدفوعاً بخشيته من أن يستخرج مكتب التحقيقات الفيدرالي "أف بي آي" هذه السجلات بحثاً عن مواد قد تحرجه أو تستخدم ضد ترشيحه، وهو ما يراه البعض أنه سبب له ما يبرره.

مكانة أميركا

في الوقت نفسه كان الإعلان عن لائحة اتهام ترمب متزامناً مع اليوم الذي عرض فيه على أعضاء الكونغرس، وثيقة من مكتب التحقيقات الفيدرالي تحتوي على مزاعم موثوقة بأن الرئيس الأميركي عندما كان نائباً للرئيس باراك أوباما قبل رشوة بقيمة خمسة ملايين دولار من شركة "بوريزما" الأوكرانية، وبدلاً من الانغماس في ادعاءات من مبلغ عن المخالفات موثوق به بأن بايدن، بصفته نائباً للرئيس، قبل مدفوعات مالية من الشركة مقابل المساعدة في الضغط على السلطات الأميركية من أجل عزل المدعي العام في أوكرانيا، وهو الأمر الذي خلقت فيه وزارة العدل التابعة لبايدن تشتيتاً قوياً للانتباه.

وفي حين تعلم الدوائر السياسية والصحافيون حقيقة أن بايدن دفع إلى الرئيس الأوكراني بترو بوروشينكو في مارس 2016 لإقالة المدعي العام فيكتور شوكين، وهدد بسحب مليار دولار من المساعدات الأميركية ما لم يفعل ذلك، إلا أنه ما ليس معروفاً أن شوكين في ذلك الوقت كان على ما يبدو ينظم تحقيقاً في الفساد حول شركة "بوريزما"، إذ كان هانتر بايدن يتقاضى راتباً ضخماً كعضو في مجلس إدارة الشركة.

ولأن هذا الاتهام بالفساد يلقي بظلاله على رئاسة بايدن، فإنه يقوض ليس فقط البيت الأبيض، ولكن أيضاً مكانة أميركا في الساحة العالمية.

تقسيم الأميركيين

غير أن أكثر الأضرار ألماً يتمثل في تقسيم الأميركيين، فبعد أن أطلق بايدن حملته الانتخابية في عام 2020 وتعهد بتوحيد البلاد، إلا أنه هاجم الجمهوريين وأنصار ترمب، وعمد إلى توسيع هوة الانقسامات بين الأميركيين، وفي الوقت الذي تظهر فيه استطلاعات الرأي أن بايدن وترمب متقاربان، يظهر متوسط استطلاعات الرأي في "رييل كلير بوليتيكس" تقدم ترمب قليلاً.

وبينما يأمل الديمقراطيون أن تضر لائحة الاتهام الأخيرة بالرئيس السابق في الانتخابات العامة، فإنها ستعزز تقدم ترمب بين المرشحين الجمهوريين لعام 2024 في حين يعتقد الديمقراطيون أنه من الأفضل أن يترشح ترمب عن الحزب الجمهوري ضد بايدن الذي يمكن أن يهزمه بسهولة، لأنه فعل ذلك من قبل، إلا أن ذلك لا يضع أي اعتبار أمام مصلحة أميركا التي ستكون في وضع خطر آخر يتزايد فيه انقسام الأميركيين.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل