Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"سوق الشعر" في باريس يؤكد ازدهار نشره وقراءته

تفاؤل وحركة وجيل شاب ينظم ويقرأ ويبدع ويواجه زمن الرواية

من جو "سوق الشعر" في ساحة سان سولبيس في باريس (اندنبدنت عربية)

ملخص

تفاؤل وحركة وجيل شاب ينظم ويقرأ ويبدع ويواجه زمن الرواية

يعود ملتقى "سوق الشعر" الباريسي في دورته الـ40 ويستقر في ساحة كاتدرائية سان سولبيس المهيبة في الدائرة السادسة كعادته في ذلك بداية كل صيف (Marché de la Poésie, Saint Sulpice). ويكتشف زائر هذا الملتقى الذي انطلق عام 1983 وأصبح يقام في مكانه هذا منذ السنة الثانية لإطلاقه، أنه مكان لقاء وحوار وثقافة. هذا "السوق" إنما هو ملتقى الشعراء والصحافيين والناشرين والنقاد والفاعلين في الحقل الشعري الفرنسي، مع غض النظر عن أرقام المبيع التي تحققها الكتب وعن القراء الهواة. فالهم الأول هنا هو البيع طبعاً إنما أكثر من ذلك، الاحتفاء بالشعر والشعراء والظواهر الشعرية الجدية.

يجمع هذا "السوق" دور نشر فرنسية وفرنكوفونية من فرنسا كلها، ويتيح لأهل الشعر فرصة مناقشة مواضيع بالغة الأهمية لهم ولمهنة الكتاب ولمستقبل الشعر في فرنسا وأوروبا بأسرها. ويتيح للشعراء الشباب فرصة تقديم مخطوطاتهم وقصائدهم غير المنشورة بهدف إيجاد الناشر الملائم لها. فبين مساومات وحلقات قراءة وندوات ولقاءات، يجد الزائر نفسه غارقاً بين دواوين كثيرة، منها المترجم عن الإنجليزية والإيطالية والإسبانية والفارسية والعربية والهندية وغيرها من اللغات ومنها ما هو مكتوب بالفرنسية أصلاً، ويجد أيضاً شعراء كثراً يقفزون في الزوايا، يتحدثون ويتشاورون.

وبرعاية وزارة الثقافة الفرنسية والمركز الوطني للكتاب ومؤسسات ثقافية تابعة للاتحاد الأوروبي يختار "السوق" في دورته هذه، التي تستمر خمسة أيام كعادتها، دول أميركا اللاتينية وجزر الكاراييب ضيوف شرف هذا العام. واختير موضوع "السوق" لهذا العام "الدفاع عن حقوق الإنسان"، وهو موضوع جوهري ومصيري في يومنا هذا، وتدخل في نطاقه قضية الدفاع عن الشعراء، ضحايا الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية. ويلمس هذا الموضوع حالياً أوروبا كثيراً، نظراً إلى الحروب والآفات التي تعرفها دول كثيرة أبرزها أوكرانيا.

ويشكل هذا "السوق" تظاهرة شعرية من خلال فرص اللقاء والمبيع واكتشاف المواهب الفذة التي يتيحها، فهو "سوق" بالمعنى الحرفي للكلمة: دور نشر تصدر مجلات وأخرى متخصصة بالشعر وحده، تصطف الواحدة منها قرب الأخرى في خيم بيض مصفوفة بعناية، ويراوح عددها بنحو 500 دار، تظهر بحضورها وهمتها أن الشعر لا يزال بخير في بلاد بودلير وأراغون وهوغو ورامبو وفيرلين.

ومنذ عام 2004 تحول هذا اللقاء في باريس العاصمة الذي يعد أضخم ملتقى للشعر في فرنسا، إلى لقاء للمناطق البعيدة والأطراف، فهو بات يتنقل أيضاً بين المدن الكبرى خارج باريس وفي الدول الفرنكوفونية، متيحاً للناشرين وأصحاب المكتبات والمجلات وأصحاب المواهب، فرصة أن يلتقوا ويتشاوروا في شؤون الشعر الفرنسي أو الشعر المترجم إلى الفرنسية. ويبدو من خلال الدواوين المعروضة أنها تنتمي إلى فنون شعرية متعددة ومختلفة، فهناك القصيدة الكلاسيكية وقصيدة النثر والقصيدة الحرة والسلام (slam) والشع المصور (comics) والشعر المرفق بلوحات فنية.

لقاءات وأحاديث

كانت لنا لقاءات متنوعة مع ناشرين يعرضون مؤلفاتهم في "السوق"، فقال جان برانسيفال مؤسس دار نشر لامورييه ومديرها (Jean Princivalle, L’amourier): "إن هذا السوق هو في المبدأ للأشخاص المتخصصين والعارفين في شؤون الشعر، فحوالى 80 في المئة من الموجودين هنا هم شعراء أو ناشرون أو نقاد أو صحافيون يعنون بالشأن الشعري. وهنا تكمن أهمية السوق، فهو مكان لقاء وحوار وانتهاز الفرصة لعقد اتفاقات وصداقات واكتشاف مواهب شعرية فذة". وفي سؤال عن أحوال الشعر في فرنسا اليوم وإن كان يتراجع أمام الرواية فيقول برانسيفال: "لا يمكن أن نتحدث عن تراجع الشعر أبداً، إنما هناك عقبات أمام القراءة والاستهلاك الثقافي عموماً. المشكلة تطاول عالم الأدب بأسره وليس حقل الشعر وحده".

وكان لنا كذلك حوار مع نورمان وارنبرغ رئيس دار "لي كارنيه دو ديسير دو لون" (Norman Warnber, Les carnets du dessert de lune) الذي تحدث عن ارتفاع في أرقام مبيع الشعر وعن توجه الدار إلى نشر الشعر وحده في الأيام المقبلة. ويضيف وارنبرغ أنه يلاحظ أن الشباب اليوم يميل أكثر فأكثر إلى كتابة الشعر، كما أن المرأة باتت حاضرة بقوة وراسخة في المشهد الشعري الفرنكوفوني. ويغتنم صاحب الدار فرصة وجود السوق ليطلق سلسلة مخصصة لترجمة الشعر الأوروبي إلى الفرنسية، فيقول عن هذه السلسلة الجديدة: "هناك شعراء أوروبيون عمالقة لا نعرفهم باللغة الفرنسية ولا يعرفهم القارئ الفرنسي، لكون اللغات التي يكتبون فيها هي لغات قليلة أو نادرة كالفنلندية والجورجية وغيرهما. ويعود هذا الضعف لغياب مترجمين متخصصين يعملون على ترجمة شعر هذه اللغات إلى الفرنسية. لقد خصصنا في هذه الدار فريق مترجمين لكل لغة، ونحن فخورون بإطلاق هذه السلسلة التي ستعرف القارئ الفرنكوفوني إلى شعراء عظماء من أوروبا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ومن بين الفاعلين في الحقل الثقافي الفرنكوفوني والشديدي التفاؤل حول مستقبل الشعر في فرنسا كان لنا لقاء بالسكريتير العام لـ"اتحاد بيوت الشعر" (Fédération des maisons de poésie)، الشاعر السينغالي أمادو لامين سال (Amadou Lamine Sall). ومن الجدير بالذكر أن هذا الاتحاد يضم بيوت الشعر الفرنسية والفرنكوفونية، وينسق التعاون في ما بينها ويتيح خلق فرص مشتركة وإحياء "إقامات" إبداعية للشعراء (résidence pour les poètes) في مدن مختلفة ومترابطة وداخلة في الاتحاد. ومن فوائد وجود هذه الاتحاد هو أنه يوحد الجهود من أجل نشر الشعر بشكل أفضل، ومن أجل بيعه على نطاقات أوسع. ويساهم في تعزيز روابط التعاون والصداقة بين مختلف بيوت الشعر التي تقيم حلقات لقاء وورش عمل وإقامات مخصصة للكتابة ونظم الشعر، للكتاب والشعراء.

ويرى أمادو لامين سال أن من أمارات نجاح السوق استمراره 40 عاماً وازدهاره خلالها، على رغم الظروف كلها. فدور النشر المشاركة تزداد عاماً بعد عام، والإصدارات الشعرية التي تحصل بفضل اللقاءات التي يتيحها السوق، متجددة ومتكاثرة وتجلب دوماً الجديد والجيد. ويكمل قائلاً: "صحيح أن الجوائز الكبرى والضجة الإعلامية الكبرى غالباً ما ترافق الرواية في عصرنا هذا، إلا أن الشعر لا يزال يحتفظ بمكانته. فالكتاب بمعظهم بدأوا بكتابة الشعر قبل أن يكتبوا الرواية، وبدأوا بمخاطبة القلب قبل أي شيء آخر. وفي نهاية المطاف هذه هي حقيقة الشعر، مخاطبة القلب وشفاء الجروح. إن الشعر حاجة بشرية لن تنضب ولن تتلاشى".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة