Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

واشنطن وبكين تسرعان الخطى نحو نقطة اللقاء... أو التصادم

تصريحات بايدن عن "ديكتاتورية" الرئيس الصيني تنسف جهود وزير خارجيته وتزيد يقين الصينيين بزيف الدبلوماسية الأميركية

الثقة المتبادلة بين واشنطن وبكين أمر مفقودا عبر الحاضر حكماً وفي المستقبل قطعاً (غيتي)

ملخص

تصريحات بايدن عن "ديكتاتورية" الرئيس الصيني تنسف جهود وزير خارجيته وتزيد يقين الصينيين بزيف الدبلوماسية الأميركية

بعد ساعات قليلة من مغادرة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للصين، تلك الزيارة التي حملت عنوان "تحجيم الأضرار"، وحتى لا يتحول التنافس السياسي والاقتصادي القائم إلى صراع عسكري مقبل، عند لحظة زمنية بعينها، جاءت تصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن خلال حفل لجمع التبرعات في ولاية كاليفورنيا لتعجل الوقوع في "فخ ثيوسيديديس" الجديد، عوضاً عن تأجيل موعد الصدام المؤكد بحسب كبار الاستراتيجيين.

بايدن والذي كان قد وصف العلاقات الأميركية – الصينية قبل أربع وعشرين ساعة بأنها تسير في الاتجاه الصحيح، انقلب دفعة واحدة ليصف الرئيس الصيني شي جينبينغ بالديكتاتور الذي ينتهك بشدة الكرامة السياسية لبلاده ويصل إلى حد الاستفزاز السياسي العالمي.

تصريحات بايدن دفعت المتحدثة باسم الخارجية الصينية، للتعليق بالقول: "نرفض تصريحات الجانب الأميركي، وهي سخيفة للغاية وغير مسؤولة، ومخالفة للوقائع، وتنتهك بشكل خطير الآداب الدبلوماسية، وهي اعتداء خطير على الكرامة السياسية للصين واستفزاز سياسي صريح".

هل جاءت تصريحات بايدن عفوية لتوقع الولايات المتحدة في أزمة دبلوماسية جديدة، أم أنها مقصودة بعد أن تسلم ساكن البيت الأبيض من وزير خارجيته، ما يفيد بأن زيارته أخفقت في أن تؤدي الدور المطلوب منها، وهو تهدئة اندفاعة الصين نحو الفخ الموعود، والذي ستسقط فيه أميركا معها حكماً؟

يصعب القول إن بايدن تطرق لموضوع "منطاد التجسس الصيني"، عن طريق السهو والخطأ، وإلا فإن الرجل بات يعد عبئاً ثقيلاً، لا على الديمقراطيين فحسب، بل على كافة الأميركيين دفعة واحدة، لا سيما أنه المسؤول في نهاية المشهد عن "الكرة السوداء" أو "الحقيبة النووية"، الكافية لإشعال حرب نووية عالمية لا تبقي ولا تذر.

وفي كل الأحوال، ومهما يكن من شأن الجواب، فإن تصريحات بايدن، وضعت الصين عامة، والرئيس شي جينبينغ خاصة، في مأزق كبير، بقوله إن جينبينغ لم يكن يعلم بوجود المنطاد الصيني، الأمر الذي يفتح المجال لأحاديث ماروائية تجاه ما يجري في الداخل الصيني، ونظام الحكم الشمولي بحسب رؤية بايدن وتقديرات الأميركيين.

مهما يكن من شأن زيارة بلينكن، أو تصريحات بايدن، فإن قضية المنافسة بين الصين والولايات المتحدة، مسألة شائكة ومعقدة، ويبدو الفخ منصوباً في الحال والاستقبال.

ويبقى التساؤل الرئيس لهذه القراءة: ما الذي يجعل الثقة المتبادلة بين واشنطن وبكين أمراً مفقوداً عبر الحاضر حكماً وفي المستقبل قطعاً؟.

كيف تنظر واشنطن إلى بكين؟

هل كان للصين أن تستقبل الوزير الأميركي بشيء من الثقة أم أن الأمر غير وارد من المنبع، بمعنى أنه لا مكان لفعل "يثق" بين الجانبين؟

الجواب لا يذهب بعيداً أول الأمر عن أول استراتيجية للأمن القومي الأميركي في تاريخ إدارة الرئيس بايدن، والتي تستفيد من عناصر القوة الأميركية للتغلب على المنافسين الاستراتيجيين، ومعالجة التحديات وتشكيل قواعد لخريطة الطريق، وتستهدف بالأساس حماية أمن الشعب الأميركي وتعزيز الفرص الاقتصادية، والدفاع عن القيم الديمقراطية.

يمكن للناظر لموقع وموضع الصين في استراتيجية بايدن الأولى، أن يدرك مقدار النظرة السلبية الأميركية للصن باعتبارها المنافس الوحيد لواشنطن، في إعادة تشكيل النظلم العالمي.

تنص الوثيقة على أنه "لا يمكن التنافس بنجاح لتشكيل النظام الدولي ما لم يكن لدى أميركا خطة إيجابية لمواجهة التحديات المشتركة".

تعتبر الاستراتيجية الصين المنافس الوحيد الذي لديه النية والقدرة على إعادة تشكيل النظام الدولي بشكل متزايد، ولهذا يتوجب التنافس معها بفعالية وعزم شديدين.

تحدد الوثيقة الأميركية الأحدث خطوات واشنطن نحو بكين في ثلاثة إجراءات خلال الفترة المقبلة، على رأسها الاستثمار في "أسس قوتنا الداخلية مثل قدرتنا التنافسية، وابتكارنا، ومرونتنا، وديمقراطيتنا"، إضافة إلى مواءمة الجهود الأميركية مع جهود شبكة الحلفاء والشركاء التي تعمل لغرض وصالح مشترك، إلى جانب التنافس بمسؤولية مع الصين "للدفاع عن مصالحنا وبناء رؤيتنا للمستقبل".

كيف نظرت الصين إلى الاستراتيجية الأميركية؟

تجمع كافة التعليقات التي صدرت من بكين، على أن رائحة الهيمنة القوية تسود الكلمات المصاغة لها، ما يكشف عن عقلية الحرب الباردة العميقة الجذور، والقلق الاستراتيجي المتزايد في الداخل الأميركي.

رأت بكين كذلك أن إدارك إدارة بايدن لقضية المنافسة الاستراتيجية مع الصين لم يتجاوز الإدراك السابق. وإن ما يسمى "الأفكار الجديدة"، التي تناولها التقرير، هو استهداف الحكومة الأميركية بشكل أكثر علانية، وتعرف الصين بلا خجل على أنها "المنافس الأول".

هل تشكل الصين خطراً على أميركا؟

يتساءل المراقبون والمحللون السياسيون وثيقو الصلة بالشأن الأميركي - الصيني: هل الصين بالفعل تمثل تهديدا للقطبية الأميركية المنفردة اليوم بمقدرات العالم، أم أن الأمر مجرد هواجس في عقول القائمين على مقدرات الدولة الأميركية العميقة؟

حين صدرت هذه الوثيقة اعتبر دانيال راسل مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق أن "عامل المنافسة مع الصين يتخلل كل فصل، وأنه من الواضح أن استراتيجية اليوم تحولت إلى تركيز ساحق على المنافسة مع الصين".

هذا التصريح تؤكده رؤية محللين آخرين اعتبروا أن إدارة بايدن قامت بتنظيم سياستها تجاه الصين في النسخة الجديدة من تقرير "استراتيجية الأمن القومي"، لكبح جماح الصين دفعة واحدة.

يرفض الصينيون الاعتبارات الأميركية التي ترى فيها تهديداً ظاهراً أو مبطناً، وتقطع بأن الإدارة الديمقراطية الحالية لم تدخر جهداً في تضخيم المنافسة بين القوى العظمى، وفي مهاجمة الصين والافتراء عليها في المجال الأيديولوجي، وتقييد تنمية الصين في مجال العلوم والتكنولوجيا، واستخدام الأدوات المالية للضغط على الشركات الصينية، وتكثيف تشكيل "زمرة مناهضة للصين" لسد طريق التنمية أمام بكين.

على صعيد آخر، يستشهد الصينيون بالتاريخ كخير دليل على أنهم لم يتسببوا يوماً في أذى ما للولايات المتحدة، وعندهم أنه منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية، لم تثر بكين أبداً أي حرب أو صراع، ولم تغزو شبراً واحداً من أراضي الدول الأخرى.

تدافع الصين عن نفسها بأنها تتمسك بمفهوم التنمية السلمية، وتحافظ بنشاط على الاستقرار الاستراتيجي العالمي، وتدعم بقوة النظام الدولي.

ترى الصين أن اتهامات واشنطن لها بأنها "التحدي الجيوسياسي الأكبر"، أمر ينافي ويجافي فكرة "التعايش السلمي" التي تدعو لها دبلوماسية بكين، وأنه يمكن لأي شخص يتمتع بشيء من المصداقية والعقلانية أن يدرك زيف اتهامات واشنطن، والتي تنتهج نهجاً أرسطياً، يعتمد مقاربات المواجهة المسلحة، وليس النسق الكونفوشيوسي القائم على النظر إلى الاختلافات حول العالم من منظور توزيع الأدوار وقبول المختلف.

غير أن واشنطن وفي كل الأحوال لا ترى مصداقية لهذه الدفوع الصينية، وترى أن الصين تتحرك حثيثاً في المرحلة الحالية، من أجل تعظيم مكانتها الاقتصادية، بل إنها تستغل ما يتوافر لها من أموال ساخنة لتحقيق اختراقات دبلوماسية اليوم لن تلبث أن تضحى عسكرية في الغد، وخير دليل على ذلك سعيها الحثيث لعسكرة مياه المحيط الهادئ... ماذا عن أهم الملفات الخلافية بين واشنطن وبكين، التي تجعل النظرة الأميركية، واثقة كل الثقة من أن التهديدات آتية لا محالة غداً، وقائمة اليوم أيضاً بصورة أو بأخرى؟.

الخرق الصيني يتسع على الراتق الأميركي

تبدو النقاط التي يتسع فيها الخرق الصيني على الراتق الأميركي عديدة وواسعة، وتحتاج إلى قراءات قائمة بذاتها، غير أن نظرة عابرة تعطينا فكرة عن عمق الهوة التي بين الجانبين.

يمكن للمرء أن يرسم تاريخاً جديداً للخلافات الأميركية الصينية، يبدأ من أواخر عام 2019، أي مع ظهور فيروس "كوفيد-19"، الذي أطلق عليه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الفيروس الصيني.

اعتبرت أميركا الأخرى، غير الظاهرة للعيان، أن تصدير هذا الفيروس للعالم عامة وللولايات المتحدة خاصة، أمر مقصود، لا سيما أنه كلفها خسائر بشرية ومالية هائلة وغير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

تنظر واشنطن لما تقوم به الصين من تجارة حول العالم، على أنها عمليات غير عادلة، تعرض أميركا لسرقة مقنعة وربما مقننة، وهذا ما دعا ترمب لفتح النيران على بكين عام 2018، كما صعد حرب الرسوم الجمركية التي انتهت بفرض رسوم بقيمة مئات المليارات من الدولارات على السلع المستوردة بينهما.

لم ولن تكف واشنطن عن اتهام بكين بالسرقة، سواء كان الأمر متعلقاً بالسرقات التكنولوجية المدنية، أو العسكرية وبخاصة النووية.

في هذا السياق كانت شركة التكنولوجيا الصينية العملاقة "هواوي" هدفا لحملة أميركية متصاعدة لعزلها دولياً، إذ اتهمت واشنطن الشركة بسرقة أسرار تجارية أميركية وحذرت من أن بكين قد تستخدم معداتها للتجسس على الاتصالات العالمية.

من بين الملفات المثيرة للجدل بين واشنطن وبكين، ملف هونغ كونغ، حيث ألغت وزارة الخارجية الأميركية الوضع التجاري الخاص الذي كانت تتمتع به هونغ كونغ كمركز مالي عالمي.

حاججت واشنطن بأن المدينة التي تسلمتها الصين من بريطانيا في نهاية التسعينيات لم تعد مستقلة بما فيه الكفاية عن الصين.

اندفعت واشنطن في هذا الطريق بعد الإجراء الذي اتخذه مجلس الشعب الصيني لفرض قانون للأمن الوطني على المدينة.

هل توفر الولايات المتحدة بعضاً من اتهاماتها التقليدية للصين؟

بالقطع لا تزال واشنطن ترى في الصين، أكبر مهدد لحقوق الإنسان في العالم، وقد وجهت إدارة ترمب انتقادات شديدة ومباشرة للصين متهمة إياها باعتقال أكثر من مليون مسلم من الإيغور والأقليات الأخرى في مقاطعة شينجيانغ الصينية.

عزز الكونغرس بدوره من الضغوطات الممارسة على بكين من خلال السماح بدعم من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، بفرض عقوبات على المسؤولين الصينين بسبب علميات الاعتقال الجماعي.

إلى هنا تبدو الخروقات ضمن سياق الملفات المدنية والاقتصادية، لكن هل يعني ذلك أن الصين في نظر الأميركيين لا تمثل تهديداً عسكرياً في المدى القريب؟

هل يقع الطرفان في الفخ العسكري؟

تبدو الهوة العسكرية بين الجانبين، مغرية للوقوع فيها، لا سيما أن هناك بالفعل ما يمكن أن يعجل بالأمر.

خذ إليك على سبيل المثال أزمة بحر الصين الجنوبي، وهو ممر مائي غني بالموارد ومصدر للنزاع في المنطقة.

تؤكد الصين أحقيتها على معظم البحر الذي بنت فيه جزراً اصطناعية لتعزيز قوتها في المنطقة، وقد اتهمت بنشر سفن حربية وتسليح تلك الجزر التي أنشأتها وبوقف سفن الصيد مثيرة غضب جيرانها.

ومن المعروف أن السفن الحربية الأميركية تقوم بتمارين تحت مسمى "حرية الملاحة" في البحر، وتبحر بالقرب من المعالم التي تؤكد الصين أحقيتها بها، ما يؤجج غضب بكين.

أما الملف الأشد خطورة ووعورة، فيتمثل في جزيرة تايوان، إذ تعد الصين تايوان الديمقراطية التي تتمتع بالحكم الذاتي جزءاً من أراضيها التي ستستعيدها ذات يوم بالقوة إذا لزم الأمر.

تظهر واشنطن على الساحة الدولية بوصفها الداعم الرئيس لتايوان، والحليف الرئيس للجزيرة التي يمكن أن تتسبب في صراع خشن مسلح ذات مرة بين الجانبين.

ليس سراً أن الولايات المتحدة تنظر لتايوان نظرة تتجاوز المقدرات اللوجستية، للجزيرة الصغيرة الواقعة بالقرب من الصين، ذلك أن كافة حلفاء واشنطن يعتبرون أنها مقياس للتحالف مع أميركا، بمعنى هل سيبقى الطرف الأميركي عند وعوده بدعم تايوان حال واجهت القوات المسلحة الصينية، أم أن واشنطن ستتركها لحال سبيلها، تواجه قدرها منفردة أمام جحافل الجيش الصيني.

الخيار يبدو مراً وصعباً للغاية، ذلك أنه إذا تخلت أميركا عن تايوان، سيعد الأمر نذير سوء لكافة تحالفاتها حول العالم، وواشنطن معروفة عند الكثيرين بأنها تتسنم الأرباب دائمي الخذلان لعبادهم.

وعلى الجانب المقابل، أي حال أرادت القوة العظمى الأولى حول العالم إثبات وفائها لتابعيها ومريديها، فإن الأمر سوف يكلفها صراعاً عسكرياً شديد الوقع مع بكين، قد يبدأ من عند الأسلحة التقليدية، لكن أحداً لا يضمن أنه سيتوقف عند تلك الحدود، إذ ربما سيتجاوزها إلى منطقة أسلحة الدمار الشامل، ما يعني دخول العالم في حرب عالمية جديدة.

هنا يطفو على السطح تساؤل مهم ومثير، بل ربما أخطر جزئية موصولة بزيارة بلينكن إلى بكين ومستقبل العلاقات بين العاصمتين الكبريين، وبخاصة في ظل الأزمة التايوانية وما ينتظرها العام المقبل بنوع خاص... ماذا عن هذا؟

انتخابات تايوان والخط العسكري الساخن

في اليوم الثاني لزيارته للصين، ظهر جلياً لوزير الخارجية بلينكن أن الصين قد رفضت عرضاً أميركياً بإقامة خط اتصال ساخن، له صبغة عسكرية بأبلغ قدر، يستخدم لتجنب الوقوع في براثن الصدام العسكري المباشر حال حدوثه.

تكتب صحيفة الكونغرس الأميركي، "ذا هيل"، تقول: "إن إقامة هذا الخط المباشر، أمر كان ولا يزال يمثل هدفاً ذا أولوية لإدارة جو بايدن".

فيما موقع "إكسيوس"، يشير إلى أن "الموافقة على إقامة الخط الساخن كانت من الأمور التي تأملها واشنطن من زيارة بلينكن".

لماذا الرفض الصيني، وهل يفتح هذا الموقف من بكين مساراً لتأكيد الحديث المخيف الذي حذر منه جنرال القوات الجوية مايكل مينيهان، في يناير (كانون الثاني) الماضي؟

بداية العام الجاري، كتب الجنرال مينيهان مذكرة داخلية، أكد البنتاغون صحتها، قال فيها بالنص "عندي أمل بأن أكون مخطئاً، لكن حدسي يخبرني أننا سنقاتل في عام 2025".

في المذكرة عينها، يدعو مينيهان قواته إلى التدرب على القتال، خصوصاً من خلال التوجه إلى ميادين الرماية والتصويب على أهداف محددة ونحو الرأس.

لماذا العام 2025، وهل للأمر علاقة بالانتخابات الرئاسية في تايوان العام المقبل 2024، وما يمكن أن يحدث من تدخلات صينية مباشرة؟

في أبريل (نيسان) الماضي، اختار الحزب التقدمي الديمقراطي الحاكم، نائب رئيسة تايوان لاي تشينج ليكون مرشحه رسمياً في الانتخابات الرئاسية المقررة في يناير (كانون الثاني) 2024.

أشار لاي في تصريحات صحافية إلى أهمية الحدث المقبل، معتبراً أنه "يتعلق باستمرار تايوان في نظامها الديمقراطي والسلام والاستقرار في منطقة المحيط الهندي – الهادئ، أي ما يعرف بـ"الإندو باسيفيك".

أكثر من ذلك، أكد أن تايوان في حاجة إلى تعزيز قوة البلاد وحماية الديمقراطية والحرية، وأضاف: "أن تايوان بالفعل دولة ذات سيادة ومستقلة ولا تحتاج الإعلان عن الاستقلال".

ولأن الصين قامت بقطع جميع اتصالاتها مع القيادة التايوانية في حزيران (يونيو) 2016، أي بعد شهر واحد من تولي تساي إينج وين، الحكم، لذا فإن التساؤل المطروح الآن على موائد النقاش العسكرية الأميركية: هل تتهيأ الصين للتدخل العسكري في يناير (كانون الثاني) المقبل، مستغلة انشغال الولايات المتحدة على أكثر من صعيد؟

بحسب العديد من القراءات الأميركية، هناك من يجزم بأن الصين سوف تستغل حالة تدافع الناتو في أوكرانيا، والانشغال في مواجهة قيصر الكرملين بنوع خاص، وتقوم بفتح جبهة تايوان عسكرياً.

هنا حتى وإن كانت لدى تايوان قوات نظامية لها وزنها، إلا أنه في مواجهة جيش الصين العرمرم، لا يمكن لتايوان أن تستمر في الدفاع عن نفسها طويلاً.

من ناحية أخرى، يراهن البعض على أن الصين سوف تستغل حالة القلاقل التي تتصاعد في الداخل الأميركي، وبخاصة مع اقتراب انتخابات الرئاسة 2024، لتقوم بعملية عسكرية لإعادة تايوان إلى حضن الصين الأم كما يقول الخطاب الحكومي الصيني التقليدي.

هل لهذا السبب رفضت الصين بالفعل إقامة خط ساخن مع الأميركيين؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

جينبينغ والاستعداد للظروف القاسية

الجواب على علامة الاستفهام المتقدمة، لا يمكن بحال من الأحوال أن يتجنب التصريحات التي أدلى بها الرئيس الصيني شي جينبينغ، نهاية مايو (أيار) الماضي، ونقلتها صحيفة "وول ستريت جورنال"، ومن خلالها أظهرت أن الصين تتجهز لمجابهات صدامية مع الغرب، وليس تحسناً وشيكاً في علاقات البلدين، كما يدعي بايدن أو حاول بلينكن إظهار الأمر على هذا النحو.

خلال اجتماع رفيع المستوى مع عدد من كبار مسؤولي الصين، في 30 مايو المنصرم، حث جينبينغ شعب بلاده على الاستعداد لما وصفه بالسنياريوهات أو الظروف القاسية، وقال: "يجب أن نكون مستعدين لأسوأ السيناريوهات وأشدها، وأن نكون جاهزين لتحمل الاختيار الرئيسي للرياح العاتية... وحتى العواصف الخطرة".

وكي يزيد جينبينغ المشهد ضبابية وغموضاً، صرح بعد ذلك بأسبوع وخلال تفقده مجمعاً صناعياً في منغوليا الداخلية، بالقول "إن الجهود المبذولة لبناء السوق المحلية تهدف إلى ضمان التشغيل الطبيعي للاقتصاد الوطني في ظل الظروف القصوى".

هل تتهيأ الصين لعملية مهمة وجوهرية في نطاقها الجغرافي تتصل بوضع تايوان بنوع خاص؟

عند الباحثة البارزة في السياسة الخارجية للصين، جين كانرونغ، أن تصريحات جينبينغ عن السيناريوهات القاسية لا تعني سوى أمر واحد هو "خطر الحرب".

على الجانب الأميركي يبدو أن هناك في الداخل من يتهيأ لمواجهة تهديدات صينية قصوى تستبق الحرب المتوقعة، تلك التي ألمح إليها جينبينغ... كيف ذلك؟

باختصار غير مخل، في أوائل يونيو (حزيران) الحالي، قالت مسؤولة أميركية كبيرة في مجال الأمن الإلكتروني، إنه من المؤكد أن قراصنة صينيين سيعملون على تعطيل البنية التحتية الحيوية في الولايات المتحدة مثل خطوط الأنابيب والسكك الحديد في حالة حدوث صراع بين الجانبين.

وفي تصريحات في معهد "أسبن" في واشنطن، قالت جين إيسترلي رئيسة وكالة الأمن الإلكتروني ومن البنية التحتية الأميركية إن بكين توجه استثمارات ضخمة لتعزيز القدرة على تخريب البنية التحتية الأميركية.

المسؤولة الأميركية رفيعة المستوى، أضافت "أعتقد أن هذا هو التهديد الحقيقي الذي نحتاج إلى الاستعداد له والتركيز عليه وتطوير القدرة على مجابهته"، وحذرت من أن الأميركيين بحاجة للاستعداد "لاحتمال قيام قراصنة بكين بتعزيز دفاعاتهم والتسبب في أضرار في العالم المادي".

بين تسريع أم تأجيل الوقوع في فخ الحرب

هل كان لرحلة بلينكن هدف آخر غير معلن؟

تبدو التهديدات المتبادلة بين بكين وواشنطن في حاجة إلى قراءات موسعة، لا سيما أن الصراع في المحيط الهادئ يتسع يوماً تلو الآخر، وبخاصة بعدما نجحت الولايات المتحدة في التوصل إلى اتفاق مع جزيرة بابوا غينيا الجديدة، وقدرتها من ثم على نشر قواتها المسلحة وقواعدها الجوية وقطعها البحرية بالقرب من الصين.

ثم جاء الرد الصيني المقابل عبر ترسيخ وتوطيد العلاقات الصينية مع جزر سليمان.

الأمر لا يتوقف عند حدود التنافس الذي يكاد يضحى قريباً جداً صداماً عسكرياً مسلحاً في البحر، بل يمتد إلى الفضاء... هناك قصة أخرى للصراع على الموارد خارج الكوكب وبنوع خاص فوق سطح القمر.

أضف إلى ذلك كله أحدث فصول الصدام التي تعيد جزءاً من سيرة كوبا والسوفيات في ستينيات القرن الماضي، ومواجهتهم النووية مع أميركا.

اليوم نستمع من جديد إلى رواية أميركية تدور حول قيام الصين ببناء محطة تنصت معلوماتية في كوبا، بهدف التقاط كل معلومة حول ما يجري في الداخل الأميركي.

وفي الخلاصة، ربما يكون بلينكن قد حاول عبر الدروب الدبلوماسية تأجيل زمن الوقوع في فخ الصدام العسكري، وإن ساورته الشكوك وأحاطت به الظنون، بعد رفض الصين إقامة خط عسكري للطوارئ، لكن المؤكد هو أن تصريحات بايدن، قد محت أي محاولة إيجابية لتعديل الصورة، وأظهرت ما في جعبة الرئيس الأميركي، ونظرته للصين ورئيسها، الأمر الذي يجعل العسكريين يتسلمون من عند هذه النقطة الزمنية أوراق اللعبة، بعدما بات واضحاً أن زمن الدبلوماسيين من أمثال بلينكن قد انقضى.

المزيد من تقارير