Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"لصّ الشاشة" يسرق الثورة ويحوله الإعلام بطلا قوميا

الروائيّ السوريّ مناف زيتون يبحث في كواليس الحرب ويرسم وجهها القاتم

عندما يصبح التفزيون مساحة للتزوير (سوشيل ميديا)

ملخص

الروائيّ السوريّ مناف زيتون يبحث في كواليس الحرب ويرسم وجهها القاتم

يبدو من المهم بدايةً، التحدث عن غرابة فكرة رواية مناف زيتون "لصّ الشاشة" (دار نوفل، 2023) وهي روايته الرابعة بعد "قليل من الموت" و"طائر الصدى" و"ظلال الآخرين". فالغرابة تبدأ من العنوان وتمتدّ إلى الحبكة مروراً بالشخصيّات وطباعها وسلوكها. فلصّ الشاشة إنّما هو لصّ ماهر، لصّ مضحك غريب، اسمه ثائر، وللسخرية، لا يمتّ للثورة ولا لقيمها بأيّ صلة.

يروي مناف زيتون في عمله هذا، قصّة ثائرٍ لا يثور ولا يؤمن بالثورة ولا دخل له بها سوى أنّه يستغلّها ليسرق ويؤلّف القصص والبطولات الوهميّة ويجني المال. فيرافق السرد شخصيّتين اثنتين، أوّلاً شخصيّة ثائر غير الثائر، والذي يوظّف الثورة لمصالحه الشخصيّة، وثانياً شخصيّة صديق ثائر، أيمن، الشاب الأمين الصادق المؤمن بالثورة وبقيمها، وبالحرّيّة التي تنادي بها، والذي ينقاد دوماً لأهواء صديقه ومخطّطاته ومغامراته على الرغم من أنّها تعارض مبادئه وآراءه.

ثنائيّ متضادّ

تقوم هذه الرواية على أحداث ترافق شخصيّتين متعارضتين، قابعتين على طرفي نقيض من حيث الطباع والأفكار والقيم والأيديولوجيات. فبينما يؤمن أيمن بالثورة ويحاول الارتقاء بها نحو أهدافها السامية، ويحاول المشاركة فيها من خلف الشاشات ومن ساحات التظاهر بكلّ وطنيّة وإيمان ومثاليّة، يجسّد ثائر شخصيّة المواطن الانتهازيّ الذي يستغلّ انشغال الجميع بالثورة والهتاف والمعارك، ليسرق. إلاّ أنّ السرقة ليست دائماً محمودة العواقب، وإذا بثائر يجد نفسه ذات يوم بين أيدي الحرس الوطنيّ الذي يلقي القبض عليه ويعتقله. تبدأ منذ تلك اللحظة دوّامة المقابلات التلفزيونيّة والمقابلات مع الجرائد والفيديوهات على وسائل التواصل الاجتماعيّ التي تحوّل ثائر تارةً إلى بطل قوميّ وطوراً إلى سارق انتهازيّ عديم القيم والأخلاق. تختلف شهادة ثائر باختلاف الجهة المموّلة والجهة الطالبة للمقابلة أو للفيديو.

وبين مقابلة ومقابلة، بين فيديو وفيديو، بين سيناريو وسيناريو، أكاذيب وأخبار وفضح لدهاليز الأمور، فتتحوّل الثورة الفكريّة والاجتماعيّة إلى مجرّد لعبة بيد شاب يريد أن يجني من خلالها المال. ينتقل السرد بالقارئ من مدينة الثورة إلى بلد قريب أو ما يسمّيه الراوي بالجزيرة القريبة، قبل الهجرة إلى أوروبّا. تنقّل وترحال وتهجير وهرب يتأرجح بينها كلّ من السرد والشخصيّات والقارئ ليغلق الراوي سرده بطريقة لا تقلّ غرابة عن البداية وعن الحبكة.

مآزق الرواية

على الرغم من فكرة الرواية الغريبة وغير المتوقّعة، يجد القارئ نفسه أمام قصّة غير واضحة المعالم تماماً، وكأنّ الكاتب أراد الهرب من التفاصيل: تفاصيل المكان والزمان والشخصيّات. فمن ناحية المكان لا دلائل جغرافيّة ولا أسماء واضحة للمدن وللبلدان. يجد القارئ نفسه يتكهّن ويستشفّ أسماء الدول التي يتنقّل بينها ثائر وأيمن من خلال الوصف، فمن "مدينتنا" التي لا نعرف اسمها تماماً، إلى بلد مجاور هو لبنان على الأرجح، ومن بعده إلى فرنسا ربّما. تفاصيل حركة تنقّل لا يمكن تأكيدها تماماً إنّما فقط التكهّن بحقيقتها.

وما يتيح هذا التكهّن هو عناصر لغويّة غير دقيقة إنّما بدهيّة للمقيمين بين لبنان وسورية ويعلمون على أيّ مكان ينطبق الوصف. فالجزيرة التي انتقل إليها ثائر وأيمن من مدينتهما قد تكون لبنان، على الرغم من أنّ لبنان ليس جزيرة وليس مذكوراً بوضوح. لكنّ الوصف يحيل إليه عندما تقول إحدى الشخصيّات: "مع تزايد عددهم في هذا البلد الصغير المنكوب هو الآخر، باتت معاناتهم باهتة بلا بريق، وأصبحوا خائفين ومكروهين، تُرمى عليهم كلّ مصائب البلد." (ص: 35). لا يمكن لهذا الوصف إلاّ أن ينطبق على لبنان. وما يدلّ على أنّ البلد الذي تلا لبنان هو فرنسا، هو وجود وصف "يتجادلون بالفرنسيّة" (ص: 72) عن الجيران في الدولة الأوروبيّة التي انتقل إليها أيمن وثائر. قد لا يكون هذا الوصف كافياً للجزم بأنّ البلد الذي ذهب إليه الشابّان هو فرنسا لكنّه دليل ممكن.

هذا اللبس في التنقّلات الجغرافيّة لم يكن ضروريّاً بخاصّة وأنّ الكاتب أشار بكلّ وضوح وإصرار على أنّ هذه الرواية إنّما هي مبنيّة على قصّة حقيقيّة وهي تنقل تماماً ما وقع لثائر وصديقه.

من ناحية الزمان كذلك، يلاحظ القارئ غياب وجود واضح وصريح لتواريخ أو لتسلسل في الأيّام. وكأنّ الكاتب أراد أن يهرب من إعطاء تفاصيل سياسيّة وتاريخيّة واجتماعيّة أو أن يهرب من تأريخ أحداث روايته في الواقع الحقيقيّ.

لا حب ولا كره

أمّا من جهة الشخصيّات فمن الواضح أنّ الكاتب أراد أن يترك مسافة بينها وبين الراوي، وكذلك بينها وبين القارئ. فلا وجود لعاطفة في أيّ مكان من السرد بل ضرب من البرودة والمسافة في الوصف. لا يستطيع القارئ أن يحبّ أيمن ولا أن يكره ثائر. يبقى القارئ حياديّاً بارداً تجاههما تماماً، كما الراوي الذي هو نفسه لا يتعاطف مع أيّ منهما ولا يقترب منهما حتّى.

بالإضافة إلى ذلك يكتشف القارئ في نهاية السرد أنّه لا يعرف الكثير عن الشخصيّات وأنّ عدداً منها ظهر على حين غرّة ثمّ اختفى من دون أن يملك سماكة نفسيّة أو أبعاداً وجوديّة أو قصّة حتّى، كمثل ربيع أو سميح. حتّى قصّة المرأة الوحيدة في السرد "جمانة" إنّما هي مبتورة نوعاً ما وتترك القارئ على جوعه. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الكاتب يُدخل أحياناً شخصيّات بسرعة وبقلّة ترابط، كشخصيّة ربيع التي تظهر في بداية فصل من دون أيّ تمهيد: "كان ثائر يستمع إلى ربيع معجباً بمعرفته الموسوعيّة عن الحشيش،" (ص: 49).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يُفاجأ القارئ أيضاً بوجود تشابيه غريبة بعض الغرابة وغير مألوفة، كمثل: "كان سميح غامضاً تماماً بالنسبة إليه، واحتمالات أن يصبح صديقه، تساوي احتمالات أن يحطّم رأسه بمطرقة على باب منزله". (ص: 71).

أمّا خاتمة الرواية فهي نوع من توضيح وتبرير للشكل الذي خرج به النصّ، ففي نهاية العمل يورد الكاتب خاتمة توضيحيّة لنصّه يستبق فيها النقص في التفاصيل كاتباً: "تفاديتُ نقل التفاصيل الشخصيّة غير المفيدة في هذه الرواية، واكتفيتُ بوصف عدّة أحداث تشكّل محطّات مهمّة في رحلة ثائر إلى أوروبا، وعودته إلى الوطن، وما تجاهلته يندرج في إطار حياة ثائر الشخصيّة التي لا تؤثّر على موضوع الكتاب." (ص: 140).

كأنّ الكاتب اكتفى بنقل الواقع من دون أن يضيف إليه لمسة الخيال والحبك التي يتميّز بها نوع الرواية عموماً. فهل غياب أسماء الدول والأماكن الجغرافيّة والهرب من التفاصيل ومن التعمّق في الأحداث وفي وصف الشخصيّات مبرّر؟ وهل عمد الكاتب قصداً إلى تحويل السرد إلى واجب توثيقيّ فقط لا وصف فيه للثورة ولا للوطن ولا للغربة؟

"لصّ الشاشة" رواية توثيقيّة لمناف زيتون، رواية صغيرة بحجمها، بسيطة بلغتها، سهلة القراءة، غريبة الحبكة. رواية هادئة تترك القارئ على جوعه وعلى فضوله.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة