Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المعابر البرية رئة السياحة والتجارة للشعوب المغاربية

يتنقل عبرها ملايين المسافرين من تونس والجزائر وليبيا إضافة إلى مرور البضائع

معبر طبرقة الحدودي من أهم المعابر التي تربط بين تونس والجزائر (أ ف ب)

ملخص

فتح المعابر الحدودية يمثل جرعة أمل للشعوب وغلقها ولو موقتاً يجعل الواقع أصعب في تونس والجزائر وليبيا.

تتنفس شعوب ثلاث دول مغاربية وهي الجزائر تونس وليبيا الحياة عبر المعابر الحدودية البرية التي يتنقل عبرها ملايين الأشخاص في الاتجاهين، فضلاً عن المبادلات التجارية وتنقل السلع التي تتم عبرها، إذ تمثل هذه المنافذ رئة حقيقية خصوصاً لسكان المناطق الحدودية.

فتح الحدود يمثل جرعة أمل للشعوب وغلقها ولو موقتاً يجعل الواقع أصعب، ففي الـ 15 من يوليو (تموز) عام 2022 أعيد فتح المعابر البرية بين الجزائر وتونس التي أغلقت لمدة عامين بسبب الظروف الصحية الناتجة من انتشار فيروس كورونا، وكانت تلك اللحظة فارقة في تاريخ الشعبين، إذ لاقت اهتماماً وترحيباً واسعين عن فتحها مما يثبت أن الشعوب خلقت لتلتئم مع بعضها بعضاً وتتقارب.

ويبلغ طول الحدود الجزائرية التونسية 1034 كيلومتراً، تبدأ في الشمال على ساحل البحر الأبيض المتوسط وتتقدم براً في اتجاهات جنوبية واسعة عبر سلسلة من الخطوط البرية، وفي الأجزاء الجنوبية تسود الخطوط المستقيمة التي تنحرف في النهاية إلى الجنوب الشرقي نزولاً إلى النقطة الثلاثية مع ليبيا.

رواج متبادل

وتشير معطيات ديوان السياحة التونسي أن أكثر من 90 في المئة من الجزائريين الذين يزورون تونس يفضلون الدخول عبر المعابر البرية، إذ يرتبط البلدان بتسعة منافذ حدودية مسجلة بصفة رسمية، ويعتبر المعبر الحدودي "ملولة" في طبرقة هو الأهم، كما أن هناك منافذ لا تقل أهمية وهي "أم الطبول" و"بوشبكة" و"حيدرة" و"حزوة" و"تمغزة" و"ببوش" و"غار الدماء".

في المقابل تشهد الجزائر في السنوات الأخيرة إقبالاً لافتاً للتونسيين الراغبين في السياحة أو التجارة من خلال التبضع واقتناء المستلزمات وشراء السلع من الأسواق الجزائرية، لأنها أقل كلفة من نظيرتها في تونس.

الليبيون صوبوا وجهتهم أيضاً نحو الجزائر، فمنذ العام الماضي تشهد المعابر الحدودية على الحدود التونسية الجزائرية اكتظاظاً بالسياح الليبيين، ولم يمنع غلق المعابر الثلاثة وهي "تين الكوم" و"طارات" و"الدبداب" في أعقاب الأحداث التي شهدتها ليبيا عام 2011 كثيرين من التوجه من طرابلس إلى عنابة الجزائرية (نحو 1100 كيلومتر) من طريق تونس العاصمة -باجة - طبرقة"، أو اختصار المسافة عبر "رأس أجدير- قابس" بالاتجاه جنوباً إلى قفصه وفريانه على منفذ "بوشبكه" الحدودي.

الحكومة الجزائرية تجري محادثات مع نظيرتها الليبية لإعادة الحدود البرية بين البلدين بعد إغلاقها منذ عام 2014 لأسباب أمنية.

وتعكس التحركات الحدودية بين تونس والجزائر مدى العلاقات الاستثنائية على المستوى الشعبي، إذ يتقاسم البلدان روابط كثيرة مثل الأصول المشتركة والمصاهرة ووحدة الدين واللغة وحتى الجغرافيا، وكذلك النضال المشترك إبان الفترة الاستعمارية والذي اختلطت فيه الدماء خصوصاً في قرية "ساقية سيدي يوسف" الحدودية التي يحيي الشعبان سنوياً ذكرى أحداثها الأليمة.

تهيئة المعابر

وأفسح هذا الواقع من التعايش المجال أمام سلطات البلدان المغاربية بضرورة إعادة تهيئة المعابر لزيادة حجم التبادلات التجارية وتعزيز الروابط والتقارب، إذ أنشأت تونس منذ ثلاث سنوات ديواناً وطنياً للمعابر البرية تحت إشراف وزارة النقل لضمان استقبال أفضل للسياح والعائلات ورجال الأعمال، في حين تولي الجزائر أهمية للمعابر الحدودية عبر خلق مشاريع تنموية على طول شريطها الحدود الواسع الذي يجمعها مع بلدان عدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي السياق كشفت السلطات التونسية عن خطة لتطوير معابرها البرية الحدودية مع ليبيا والجزائر لتشمل كلاً من معبر "رأس الجدير" (حدودي مع ليبيا) و"ساقية سيدي يوسف" و"قلعة سنان" و"حيدرة" و "حزوة" (حدودية مع الجزائر)"، بحسب وزارة النقل التونسية.

ووفقاً لإحصاءات نقلتها وكالة الأنباء الرسمية التونسية، فقد توافد على تونس عبر معبر "رأس الجدير" الحدودي مع ليبيا قرابة 2.2 مليون مسافر، بينما وصل نحو 2.4 مليون مسافر عبر معبر "عين ملولة" الحدودي مع الجزائر عام 2019 قبل جائحة كورونا.

وترتبط تونس بليبيا والجزائر عبر 11 معبراً توصف بأنها رئة الشعوب الثلاثة اقتصادياً، نظراً لإسهاماتها في حركة نقل المسافرين والسلع.

استغلال التقارب

المعابر الحدودية والعلاقات عبر الحدود أصبحت مكونات أساس في التنافس الإقليمي المتزايد مدفوعاً في المقام الأول بدوافع تجارية وجيوسياسية، وهنا يشير رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان ورئيس لجنة التفاوض الحدودية التونسية مصطفى عبدالكبير إلى أن معبر رأس أجدير الحدودي يعتبر أكبر المعابر والمنافذ الحدودية بين تونس وليبيا نظراً لحجم المبادلات التجارية وعدد العابرين منه، لافتاً إلى أن دخل المنفذ الحدودي يصل إلى نحو 80 ألف دولار يومياً ويغادره أو يأتي إليه يومياً 8 آلاف مسافر، كما تمر منه أكثر من 100 رحلة سياحية وتجارية، إضافة إلى أنه يستوعب أكثر من 5 آلاف عامل مرتبط.

ويعتبر المعبر بحسب الشروح المقدمة من طرف عبدالكبير "الشريان التنموي الوحيد الذي نجده بجهة الجنوب التونسي نظراً لحجم مبادلات التجارة وعدد المغادرين منه وإليه، ولكن في السنوات الأخيرة وبسبب حال عدم الاستقرار السياسي في تونس وليبيا، فإن حاجة الدول الكبرى لهذا المعبر زادت، فهي تريد الوصول إلى العمق الليبي والجنوب الصحراوي من أجل الاستثمار وتحقيق المكاسب والمنافع المادية، نظراً إلى ثراء وتنوع مصادر الثروة في ليبيا.

ونوه رئيس لجنة التفاوض الحدودية التونسية بأهمية معبر رأس أجدير بسبب اعتبارات أزمة كورونا وحرب أوكرانيا الأخيرة، وكذلك تفجر ملف الهجرة، مشيراً إلى أن حاجة الجميع لهذا المعبر تتضاعف يوماً بعد يوم حتى أصبح الجميع يدرك أنه إحدى نقاط قوة منطقة المغرب العربي والتي يمكن أن تكون ورقة مهمة وضغطاً يلوح به ساسة المنطقة ضد كل التكتلات والدول التي تريد تحقيق ما عجزت عنه لمدة سنوات".

وتابع عبدالكبير القول إن "المعبر الحدودي رأس أجدير يعتبر معبراً دولياً مهماً وإحدى آليات الصراع وأهم ورقات التفاوض السياسي مع المحيط الدولي، بخاصة أنه معبر يربط بين الشمال والجنوب، وهو أحد طرق الحرير التي عاد الجميع للتفكير فيه، لذلك فإن على دول المنطقة استغلال منافذها وتوظيفها لمصلحتها كلما دعت الحاجة".

انتعاش اقتصادي

إلى ذلك تلعب المعابر الحدودية دوراً في تنمية المناطق الاقتصادية الحدودية من خلال ترقية سبل التعاون بين الجزائر ودول الجوار في مختلف المجالات، وبحسب الخبير الاقتصادي حمزة بوغادي فإن "الحكومة الجزائرية تحاول منذ ثلاث سنوات إحياء كل الملفات ذات البعد الإقليمي والقاري، وفي طليعتها منطقة التبادل التجاري الحر الأفريقية، إذ قامت وزارة الخارجية بتحركات حثيثة لتفعيل الاتفاق وإدخاله حيز التنفيذ".

 ويشير بوغادي إلى أن "هناك بوادر للإنعاش التجاري ورفع المبادلات بين الدول الأفريقية والمغاربية، بعدما أصبح للجزائر مشروع تجاري إقليمي باستغلال المعابر البرية مع دول الجوار، إضافة إلى الطريق العابر للصحراء من الشمال إلى الجنوب الذي من شأنه ربط دول الساحل الأفريقي"، لافتاً إلى أن "كل هذه المشاريع ستعطي دفعاً قوياً للاقتصاد والحركة التجارية وحركة رؤوس الأموال والمهاجرين والسياحة بين البلدان المغاربية".

وقال الخبير الاقتصادي إن الحديث عن المعابر الحدودية بين الدول المغاربية يحيلنا أيضاً إلى التحديات الكبيرة التي تواجهها، لأنها تبقى عرضة لعمليات التهريب المختلفة من مواد غذائية وبنزين ومخدرات تشهدها مناطق حدودية بين البلدان الثلاثة وتنخر في اقتصاداتها، بحسب ما توضحه بيانات مصالح الأمن في الدول المعنية، إذ يحاول المهربون خلق اقتصاد مواز يربحون منه عبر إنشاء معابرهم غير الرسمية، مما يفرض مستوى عالياً من التعاون الأمني بين البلدان.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي