Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما حاجة إثيوبيا "الحبيسة" إلى تشكيل قوات بحرية؟

محللون يرون أنها تسعى نحو تعزيز نفوذها الإقليمي وحماية مصالحها المائية في نهر النيل

القوة البحرية الإثيوبية الجديدة أثناء حفل التخرج (مواقع التواصل)

ملخص

تشكيل قوات بحرية إثيوبية يطرح سؤالاً مركزياً حول جدواها في بلد لا يملك سواحل منذ أكثر من ثلاثة عقود.

أفادت وسائل إعلام رسمية أنه تم تخريج أولى دفعات البحرية الإثيوبية بعد عامين من التدريب في مجالات مهنية مختلفة، بما في ذلك الملاحة والهندسة والكهرباء والاتصالات وإدارة التسلح.

وقالت مصادر إن الدفعة التي تخرجت أمس الثلاثاء تلقت تدريبات مكثفة من قبل مدربين أجانب ومحليين في مختلف المجالات.

ويأتي الإعلان لدولة حبيسة لا تملك منافذ بحرية منذ استقلال إريتريا عام 1991، ليطرح سؤالاً مركزياً يتعلق بجدوى تشكيل قوات بحرية بينما لا تملك البلاد سواحل منذ أكثر من ثلاث عقود، وهو سؤال ذو صلة بخطة أديس أبابا من وراء تشكيل هذه القوة العسكرية، وأين يتم تدريب هذه القوات، وما هي الجهات الأجنبية التي تعاونت في هذا التدريب، فضلاً عن العقيدة العسكرية لهذه القوات والعدو المحتمل الذي قد تواجهه؟

منذ أكثر من ثلاث أعوام مضت تحدثت وزارة الدفاع الإثيوبية عن أنها ترغب في إعادة تشكيل قوات بحرية إثيوبية معتمدة على خبرة ما قبل استقلال إريتريا، إذ كانت أديس أبابا تملك أحد أكبر الأساطيل البحرية في الجهة الغربية من البحر الأحمر قبل أن يتم حله نتيجة فقدانها المنفذ البحري الوحيد لها وتحولها إلى دولة حبيسة.

موسكو على الخط 

في فبراير (شباط) 2022 أطلع مسؤولو وزارة الدفاع الإثيوبية وفداً عسكرياً روسياً زار أديس أبابا على أنهم يعملون لتطوير قوة عسكرية بحرية، مؤكدين أن الأعمال جارية لإعادة تنظيم الوحدة البحرية بقوة بشرية مدربة"، ومنوهين إلى أن ذلك يعتمد على التفويض الوطني الممنوح لهم من قبل البرلمان الإثيوبي والذي تمت الموافقة عليه من قبل قوات الدفاع، كما جرى التوصل إلى اتفاق مع البحرية الفيدرالية الروسية للعمل معاً في مختلف مجالات التدريب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واستعاد مسؤولو وزارة الدفاع مع نظرائهم من البحرية الروسية تاريخ التعاون الإثيوبي - السوفياتي خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، إذ عملت البحرية السوفياتية على دعم القوات البحرية الإثيوبية أثناء عهد الرئيس المخلوع منجستوا هيلي ماريام.

وفي مارس (آذار) الماضي قال الأدميرال الإثيوبي كيندو جيزو إن بلاده تسعى إلى تأهيل القوات البحرية بغرض مواجهة الهجمات الداخلية والخارجية، وناقش جيزو الذي يتقلد منصب القائد العام منذ أكثر من ثلاثة أعوام خلال جولة قام بها إلى مدرسة التدريب الأساس للبحرية والواقعة في بيشوفتوب بولاية أوروميا مع المتدربين الضرورات التي دفعت أديس أبابا إلى تشكيل أسطول بحري، مؤكداً أنها "مصالح عليا" لإثيوبيا، وداعياً الدفعة الأولى للبحرية الإثيوبية إلى إكمال تدريبها بشكل فعال، إذ ستتم الاستفادة من خدماتهم في الداخل والبلدان المختلفة في الخارج.

توسيع النفوذ الإقليمي 

ويرى المتخصص في شؤون القرن الأفريقي إبراهيم إدريس أن إثيوبيا تعد دولة ذات ثقل إقليمي في القارة السمراء، لا سيما على المستوى التاريخي والسياسي والتنموي، فضلاً عن كتلتها السكانية، مما يؤهلها لطرح رؤى استراتيجية مدفوعة بطموح كبير للعب أدوار محورية في المنطقة، وهو ما لا يمكن تحقيقه من دون تطوير ذاتها على الصعد كافة، بما في ذلك القدرات العسكرية.

وفي تقديره أن أديس أبابا لديها إدراك وتجربة تاريخية في ما يخص القدرات البحرية، بخاصة أثناء احتلالها إريتريا خلال عهدي الإمبراطور هيلي سلاسي والعقيد منجستوا، وبالتالي فهي تدرك جيداً تأثير القوة البحرية في رسم السياسات الدولية بمنطقة البحر الأحمر.

ويوضح إدريس أن الثورة الإريترية التي حققت النصر عام 1991 نجحت في استعادة المنافذ البحرية كافة، بينما تم حل القوات البحرية الإثيوبية لاحقاً إذ لم يعد ثمة ضرورة للاحتفاظ بأسطول بحري لدولة حبيسة.

ويرجح أن يكون القرار الجديد بإعادة تأسيس وتشكيل قوات بحرية في إثيوبيا عائداً إلى الرغبة في لعب أدوار إقليمية تتجاوز الجغرافيا الإثيوبية من خلال البحث عن توسيع دائرة قدراتها، مضيفاً "إذا كان الهدف يتعلق بتوسيع القدرات لأغراض الملاحة التجارية فقد يبدو الأمر مشروعاً لأية دولة تتبنى إصلاحاً تنموياً، لكن المشروع في شقه العسكري يطرح قضايا إشكالية، لا سيما وأنه لم يتم في إطار اتفاقات وتفاهمات إقليمية".

ويؤكد إدريس أن الراهن السياسي لا يستدعي تشكيل قوات بحرية لإثيوبيا، لكن التطور الأخير يشير إلى سعيها نحو تعزيز نفوذها السياسي والتنموي من خلال استحداث القدرات العسكرية البحرية، وتقييم هذا الأمر مرهون بسؤال آخر وهو إلى أي مدى سيكون عمل هذه القوات مقتصراً على المهمات الدفاعية؟

ويرجح المتخصص في شؤون القرن الأفريقي أن تكون جيبوتي الدولة المرشحة لاستضافة قاعدة عسكرية بحرية لإثيوبيا، إذ تعتمد الأخيرة على موانئ الأولى في تسيير مصالحها التجارية والعسكرية، كما تعد جيبوتي الدولة الأكثر استضافة للقواعد العسكرية الأجنبية في المنطقة، في حين يتوقع أن تسهم فرنسا في تدريب القوات البحرية الإثيوبية الناشئة نظراً إلى وجودها العسكري الكبير في جيبوتي، فضلاً عن العلاقات الثنائية المتطورة بين باريس وأديس.

الجغرافيا ليست حاجزاً 

من جهته يقرأ الباحث الإثيوبي آيلي جرما الموقف الإثيوبي الأخير حول تشكيل قوات بحرية على أنه ينسجم مع تطلعات أديس أبابا لحماية مصالحها، بما في ذلك المصالح المائية في نهر النيل.

ويرى جرما أن هناك عدداً من العوامل التي تدفع أي بلد غير ساحلي إلى بناء القوات البحرية، لا سيما في حال وجود أنهر وبحيرات في جغرافيته، مضيفاً "في حال وجود حاجة إلى حماية أية مصالح وطنية فإن القيام بدوريات البحرية العسكرية في بعض المناطق النهرية يصبح ضرورياً".

ويؤكد أن هناك تجارب عدة لدول غير ساحلية تحتفظ بقوات بحرية، إذ تسهم تلك القوات في عمليات نقل المركبات والقوى البشرية المسلحة عبر الأنهار والبحيرات الداخلية، مما يسمح للقوات البرية بالعبور أو السفر على طول بحيرة أو نهر"، مشيراً إلى دول مثل بوليفيا وأذربيجان وأفريقيا الوسطى وتركمانستان وكازاخستان، وجميعها دول غير ساحلية، ليخلص إلى أن "الجغرافيا لا تمثل حاجزاً أمام تطوير القدرات العسكرية البحرية لأية دولة غير ساحلية، بخاصة إذا كانت تقع في جغرافيا أطول الأنهار في العالم وهو نهر النيل".

ويوضح جرما أن الإشكالات القائمة حول حصص نهر النيل مع كل من مصر والسودان قد تكون دافعاً لتفكير إثيوبيا في بناء قوة بحرية لأغراض تتعلق بحماية مصالحها المائية، لا سيما سد النهضة، مستدركاً "لكن ذلك ليس السبب الوحيد، إذ إن هناك مصالح تتعلق بحماية الملاحة الدولية في هذه المنطقة المهمة بالتعاون مع دول الإقليم".

ويضيف الباحث الإثيوبي أنه "بإمكان هذه القوات أيضاً الإسهام في الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب والقرصنة في البحر الأحمر والمحيط الهندي وغيرهما من المناطق"، مؤكداً أن ذلك لا يتعارض مع الجهود الإقليمية والمحلية لدول القرن الأفريقي وحوض البحر الأحمر، كما أنه ليس موجهاً ضد أية دولة.

ويشير جرما إلى جهود إثيوبيا في حماية السلام بالصومال ضمن القوات الأفريقية، موضحاً أن مصالح إثيوبيا كدولة حبيسة أكثر تعرضاً للتهديد، إذ إن الموانئ التي تسير عليها تجارتها الخارجية تعد خارج إقليمها الجغرافي، وبالتالي فهي معنية بحمايتها.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير