Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ديون أردنية للصين تثير مسألة تنامي نفوذ بكين السياسي

هدفت المحطة الكهربائية العملاقة إلى تحقيق استقلالية كبيرة في مجال الطاقة

إذا ما استمر الاتفاق الأصلي فسيضطر الأردن إلى دفع 8.4 مليار دولار للصين على مدى 30 عاماً في مقابل شراء الكهرباء التي تولدها المحطة (أ ب)

ملخص

بات الأردن بمثابة حال مثيرة للاهتمام ليس بسبب نجاح الصين في المنطقة وحسب، بل لكيفية اختراق الصين للدول ذات المستوى الاقتصادي المتوسط

نُظر إلى محطة العطارات لتوليد الطاقة الكهربائية في الأردن على أنها مشروع بارز يحمل آمالاً بتزويد المملكة الصحراوية بمصدر رئيس للطاقة إلى جانب دورها في توطيد علاقة البلاد بالصين.

لكن عقب أسابيع من الافتتاح الرسمي للمحطة الواقعة وسط عدد هائل من الصخور السوداء المفتتة في صحراء قاحلة جنوب العاصمة الأردنية، باتت المحطة مصدراً لجدل محتدم، فالصفقات المرتبطة بها وضعت المملكة الأردنية في مأزق مع وجوب سداد المليارات من الدولارات كديون للصين، وكل ذلك من أجل محطة لم يعد هناك حاجة إلى الطاقة التي تولدها بسبب اتفاقات أخرى أبرمتها الأردن منذ إنشاء المشروع.

النتيجة كانت مزيداً من التوتر بين البلدين والتسبب في معاناة الحكومة الأردنية التي حاولت الاعتراض على الصفقة في نزاع قانوني دولي بين البلدين، وفي ظل تنامي النفوذ الصيني في الشرق الأوسط الذي ترافق مع تراجع أميركي أصبحت محطة العطارات التي تستخدم النفط الصخري، وبكلفة 2.1 مليار دولار أميركي، مثالاً للنموذج الأوسع للصين في إثقال كاهل كثير من الدول الآسيوية والأفريقية بالديون الهائلة، وتحولها إلى تحذير لدول المنطقة.

ويقول الزميل غير المقيم في مركز "ستيمسون" للأبحاث بواشنطن جيسي ماركس إن "محطة العطارات مثال لما كانت وما أصبحت عليه مبادرة الحزام والطريق"، وذلك في إشارة منه إلى مخطط الصين لإقامة بنية تحتية عالمية، وتعزيز نفوذ بكين السياسي حول العالم.

وأضاف، "بات الأردن بمثابة حال مثيرة للاهتمام ليس بسبب نجاح الصين في المنطقة وحسب، بل لكيفية اختراق الصين للدول ذات المستوى الاقتصادي المتوسط".

وبدأت فكرة تشييد محطة النفط الصخري في العطارات قبل حوالى 15 عاماً كوسيلة لتحقيق طموحات الأردن نحو الاستقلال في مجال الطاقة، لكنها أضحت اليوم مصدر غضب شعبي عارم في البلاد جراء كلفتها الهائلة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا استمر الاتفاق الأصلي كما هو فسيضطر الأردن إلى دفع مبلغ هائل قدره 8.4 مليار دولار للصين على مدى 30 عاماً في مقابل شراء الكهرباء التي تولدها المحطة.

ويتم نقل عمال من الأرياف الصينية عبر الطائرات للعمل في المحطة العملاقة التي تقع على بعد حوالى 100 كيلومتر (60 ميلاً) جنوب عمّان.

عندما وصل شي تشانغ كينغ (36 سنة) ويعمل في مهنة اللحامة، إلى صحراء الأردن في وقت سابق من هذا العام قادماً من مقاطعة جيلين شمال شرقي الصين، علم بالمخاوف المتزايدة بين أوساط العمال من أن المشروع قد يتوقف فجأة ويضع الجميع في وضع صعب، وقال "من الغريب جداً أن تشعر بأنك كشخص صيني غير مرغوب فيك هنا".

ومع موارده الطبيعية المحدودة ضمن منطقة مشبعة بالنفط والغاز، فمن الواضح أن الأردن لم يكن موفقاً في امتلاك هذه الثروات، ثم خلال العقد الأول من القرن الحالي استطاع الأردن استخراج النفط الصخري القابع في الصخور السوداء في أعماق الأرض، وباحتوائها على رابع أكبر تركيز للنفط الصخري في العالم كان لدى الأردن آمال كبيرة في تحقيق مكاسب كبيرة.

وفي عام 2012 قدمت شركة العطارات الأردنية للطاقة اقتراحاً للحكومة في شأن استخراج النفط الصخري من الصحراء وتشييد محطة لاستغلاله في إنتاج 15 في المئة من إمدادات الكهرباء في البلاد، ووفقاً لمسؤولي الشركة فإن الاقتراح يتناسب مع رغبة الحكومة المتزايدة في تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة في ظل التوترات التي شهدتها المنطقة بسبب انتفاضات الربيع العربي عام 2011.

لكن تبيّن أن عملية الاستخراج كانت مكلفة ومحفوفة بالأخطار والتحديات التقنية، وفي ظل تأخر المشروع وقع الأردن اتفاقاً بقيمة 15 مليار دولار لاستيراد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي من إسرائيل بأسعار تنافسية عام 2014، مما أدى إلى تراجع الاهتمام بمشروع العطارات.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة العطارات للطاقة محمد المعايطة إنه طرح المشروع في جميع أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وأوروبا إلى اليابان وكوريا الجنوبية، ولكن أحداً لم يتجاوب.

لكن مفاجأة الأردن حدثت عندما قدمت البنوك الصينية أكثر من 1.6 مليار دولار كقروض لتمويل المحطة عام 2017، واشترت شركة صينية مملوكة للحكومة وهي "مجموعة غوانغدونغ للطاقة" حصة بنسبة 45 في المئة في شركة العطارات للطاقة، مما حول هذا المشروع إلى أكبر مشروع قطاع خاص يستند إلى "مبادرة الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس الصيني شي جينبينغ خارج الصين، وفقاً لما ذكرته الشركة، فيما لم تستجب "مجموعة غوانغدونغ للطاقة" لطلبات الحصول على تعليق في شأن هذا الموضوع.

ويقول الخبراء إن هذا الاستثمار كان ضمن مبادرة صينية للاندفاع نحول عالم عربي متعطش للاستثمارات الأجنبية،
 وجرى تمويل مشاريع البنية التحتية الكبيرة من خلال فرض شروط سياسية بسيطة.

وقال ديفيد شينكر الذي كان مساعداً سابقاً لوزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، "لا تعبأ الصين بالأمور نفسها التي تعبأ بها الولايات المتحدة عند إبرام العقود بما في ذلك القلق في شأن العملية الديمقراطية والشفافية والفساد، وبالنسبة إلى الدول الاستبدادية فهناك جاذبية في الصين".

ومع تنامي الحديث عن عدم الموثوقية بالأميركيين استغلت الصين الفرصة للاستحواذ على أصول استراتيجية في الشرق الأوسط، بما في ذلك الدول التي تواجه اضطرابات اقتصادية، واشترت كميات كبيرة من النفط العراقي وأنشأت ميناء شمال لبنان وأغدقت الأموال على عاصمة الرئيس عبدالفتاح السيسي الجديدة في مصر.

وأشار الخبراء إلى أنه بعد انتصار الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب الأهلية في بلاده عام 2017 تجلت للصين فرصة للاستثمار في مشروع العطارات في الأردن المجاور كنقطة انطلاق، ضمن توقعاتها لتحقيق تقدم في عملية إعادة إعمار سوريا، وهو ما قد يفتح الباب أمام استثمارات تصل قيمتها إلى مليارات الدولارات.

واستناداً إلى اتفاق شراء الكهرباء لـ 30 عاماً، ستضطر الشركة الحكومية الأردنية للكهرباء إلى شراء الكهرباء من مشروع العطارات الذي تقوده الصين حالياً بسعر مرتفع جداً، وهذا يعني أن الحكومة الأردنية ستتحمل خسائر بقيمة 280 مليون دولار سنوياً، وفقاً لتقديرات وزارة المالية. وبحسب خبراء الطاقة فسيتعين على الأردن رفع أسعار الكهرباء على المستهلكين 17 في المئة لتغطية هذه المدفوعات، مما يشكل ضربة قاسية للاقتصاد الأردني الذي يعاني بالفعل الديون ومعدلات التضخم المرتفعة.

حجم الخسائر التي ستتكبدها أثار استياء الحكومة الأردنية، ففي عام 2020 أقامت وزارة الطاقة الأردنية دعوى تحكيم دولي ضد شركة العطارات للطاقة، واستندت في الدعوى إلى ادعاء "الظلم الجسيم"، وعندما سئلت الحكومة الأردنية عن السبب الذي دفعها إلى الموافقة في الأساس على عقد غير متكافئ، امتنعت وزارة الطاقة الأردنية من التعليق وكذلك الشركة الوطنية للكهرباء.

وحتى يونيو (حزيران) الماضي كانت تقام جلسات لدى مقر لجنة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في باريس، ووصف الجيولوجي في لجنة الطاقة البرلمانية موسى هنطش الصفقة بأنها النتيجة الطبيعية للفساد والافتقار إلى الخبرة التقنية.

وأضاف من دون إيراد أية تفصيلات أنه "من العسير أن نقنع هذه الشركات الكبيرة بالاستثمار في الأردن، وهناك أمور لمساعدة بعض الأشخاص على تحقيق أرباح".

وصوّر المسؤولون الأميركيون عقد العطارات كأحد أمثلة "دبلوماسية فخ الديون" التي تمارسها بكين.

وامتنعت وزارة الخارجية الصينية من التعليق على مشروع العطارات، لكنها دافعت عن استثمارات بكين في الدول النامية ونفت الاتهامات التي تشير إلى أنها "تُوقِع شركاءها في ديون وتجبرهم على الاقتراض منها بالقوة".

وقالت الوزارة "نحن لا نفرض أي شروط سياسية على اتفاقات القروض"، ودعت المؤسسات المالية الدولية إلى الإسهام في توفير إعفاءات من الديون.

وأعلنت شركة العطارات للطاقة أنها تتوقع صدور قرار في القضية خلال وقت لاحق من هذا العام، وتعد قرارات منظمة الأعمال العالمية ملزمة قانوناً وقابلة للتنفيذ.

وعلى صعيد آخر نفى المعايطة ومسؤولون آخرون في الشركة ادعاءات الأردن بتضخيم الأسعار بصورة غير عادلة، متهمين الأردن بالتراجع عن اتفاقه بسبب المشاعر المناهضة للصين.

ومنذ بدء تشغيل وحدتي الطاقة في الخريف الماضي سددت الحكومة الأردنية نصف قيمة الاشتراكات الشهرية فقط، وفقاً للمعايطة.

وفي الأردن ودول عربية أخرى فقيرة متحالفة مع الولايات المتحدة، تباطأت وتيرة الاستثمار الصيني خلال الأعوام الأخيرة، فيما تواجه الصين مقاومة في الخارج ومخاوف متزايدة في الداخل مما يدفعها إلى تغيير نهجها في المنطقة، وفقاً لما ذكره الخبير الصيني المقيم في عمّان سامر خرينو، إذ تركز على منطقة الخليج العربي الغنية بالنفط، فالدول الغنية مثل الإمارات العربية المتحدة والسعودية ليست لديها مشكلة في سداد القروض الكبيرة التي تقدمها الصين، وفي الوقت الحالي يبدو أن الأردن غير راغب في تحمل مزيد من الأخطار مع الصين.

وفي مايو (أيار) الماضي وقعت شركة الاتصالات الأردنية "أورانج" اتفاقاً جديداً لشراء معدات الجيل الخامس "5G"، وكانت الشركة عميلاً طويل الأمد لـ "شركة هواوي"، العملاق الصيني في مجال الاتصالات والتي تتعرض لعقوبات أميركية، ولكن هذه المرة اختارت "نوكيا".

 

(أ ب)

المزيد من متابعات