Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

صراع دولي في بلاد قاحلة... ما وراء انقلاب النيجر

قاعدة عسكرية أميركية وانتشار للقوات الفرنسية في الدولة الأفقر عالمياً وموسكو تسعى إلى انتزاعها من أحضان الغرب

ملخص

يورانيوم النيجر وموقعها الاستراتيجي ونهرها الذي استمدت منه اسمها عوامل تغري القوى العالمية لإيجاد موطئ قدم لها في بلاد الجبال الزرقاء.

لم تكن الجغرافيا سخية مع النيجر، فالبلد الأفريقي الحبيس بين سبع دول، نيجيريا وبنين من الجنوب وبوركينافاسو ومالي من الغرب والجزائر وليبيا من الشمال وتشاد من الشرق، تتقاذفه أيدي التطرف والإرهاب القادمة من كل اتجاه، بينما تخنقه صراعات اللاعبين الكبار في المنطقة.

ففرنسا، الشريك الأول للرئيس محمد بازوم المنقلب عليه، نشرت أخيراً مزيداً من قواتها على رغم أن البلاد تحتضن قاعدة عسكرية فرنسية، غير أن روسيا، صاحبة اليد الطولى في دول الساحل الأفريقي والشريك العسكري والاقتصادي الأول لمالي وبوركينا فاسو، لا تزال تطمح إلى نسج علاقة استراتيجية مع النيجر المحتمية بأحضان باريس، فيورانيوم النيجر وموقعها الاستراتيجي ونهرها الذي استمدت منه اسمها عوامل تغري القوى العالمية لإيجاد موطئ قدم لها في بلاد الجبال الزرقاء ومهد شعب الطوارق الملثمين.

مسلسل الانقلابات

نالت النيجر استقلالها من المستعمر الفرنسي في مطلع ستينيات القرن الماضي، ومنذ ذلك التاريخ شهد البلد الذي تشكل عرقية "الهوسا" نصف سكانه إضافة إلى العرب والطوارق وقبائل التوبو، أربعة انقلابات عسكرية كان آخرها تحرك الأمن الرئاسي أمس ضد الرئيس المنتخب محمد بازوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وظلت التركيبة الإثنية في النيجر موّلداً للأزمات السياسية في البلد المترامي الأطراف، فقد سبق للطوارق أن نظموا تمرداً في شمال الدولة عولج بمحاصصة كبيرة لمصلحة هذه الأقلية.

ويرى المتخصص في الشأن الأفريقي الشيخ محمد حرمه أنه "منذ صعود نجم محمد بازوم كان من المتوقع أن يتأثر حكمه بعدم الرضا الشعبي لافتقاره إلى الحاضنة الاجتماعية التي بإمكانه أن يستند إليها جماهيرياً"، مضيفاً أن "المسألة العرقية في النيجر تلقي بظلالها على السياسية، فانتماء الرئيس بازوم للأقلية العربية التي لا تتعدى واحداً في المئة من مجموع السكان كان بذرة فناء حكمه الذي لم يعمر طويلاً".

وواجه بازوم انتقادات عرقية من معارضيه، إذ وصفوه إبان الحملة الانتخابية الرئاسية بدايات عام 2021 بأنه ليس نيجرياً صافياً، في إشارة إلى أن أصوله العربية تجعله غريباً عن عموم السكان الذين ينحدرون من قبائل أفريقية خالصة لا تخالطها دماء عربية.

في قلب الإعصار

وتمثل النيجر قلب منطقة الصحراء الكبرى الجغرافية الشاسعة التي تصعب فيها الحياة لافتقارها إلى الماء والتنمية والسلطة المركزية، ومنذ الإطاحة بالعقيد الليبي معمر القذافي شكل السلاح القادم من الحدود الليبية - النيجرية وقوداً لتحركات الجماعات المسلحة في بلاد لا تعمر أنظمة حكمها طويلاً في العادة.

ويضاف إلى تحديات النيجر الأمنية وجودها في الممر الرئيس لتهريب المدخرات عالمياً، إذ تمنح سلطتها الرخوة على أراضها فرصة ذهبية لعصابات التهريب الدولية، كما يعاني البلد الأفريقي الأفقر عالمياً من تحد آخر وهو أنه طريق آلاف الشباب الطامحين للوصول إلى البحر المتوسط عبر ليبيا، كما يضاعف عذابات النيجر معطى جديد وهو قربها من معاقل "بوكو حرام" وتنظيم "داعش" في نيجيريا الجارة الجنوبية.

وظهرت المكانة الجيوستراتيجية للنيجر حين استثمرت الولايات المتحدة أكثر من 50 مليون دولار في قاعدة عسكرية لها بمنطقة آكاديز، وكوّن الجيش الأميركي مئات العناصر الأمنية من الجيش النيجري الذي يفتقد الخبرة والسلاح، لكن النيجر المدللة من فرنسا، المستعمر السابق، والتي تحظى بمعاملة تفضيلية من قبل باريس، أصبحت محط اهتمام كبير من روسيا وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي، فثرواتها الطبيعية القابعة تحت صحراء ممتدة لآلاف الكيلومترات تجعلها في مقدم اهتمام هذه القوى العالمية.

ويضاف إلى أزمات النيجر تحد بيئي واقتصادي، إذ إنها اليوم من أكثر الدول في أفريقيا جنوب الصحراء التي تأثر اقتصادها بضعف تساقط المطر وتعتمد على الإغاثات والمساعدات العالمية، كما تصنف في مؤشرات التنمية في الأمم المتحدة كأكبر بلد في معدلات الخصوبة، وقد شهدت انفجاراً ديموغرافيا بزيادة 10 ملايين نسمة خلال عقد واحد.

الدب الروسي يتحفز

وعلى رغم أن النيجر مع بلدان أفريقية أخرى وفية لفرنسا، إلا أن ذلك لا يجعلها في مأمن من الاختراق الروسي الذي أحدثته موسكو في المنطقة، وتداخل العلاقة بين باريس ونيامي ظهرت مؤشراته خلال المرحلة التي سبقت الانقلاب الأخير على بازوم، إذ يرى المتخصص في قضايا منطقة دول الساحل محفوظ السالك أن "الرئيس النيجري المنقلب عليه منذ وصوله إلى السلطة مطلع أبريل (نيسان) 2021 زار فرنسا أكثر من أي بلد أفريقي، واستقبل في نيامي من المسؤولين الفرنسيين أكثر مما استقبل من نظرائهم الأفارقة".

ويضيف محفوظ أن "النيجر في عهده وسيراً على نهج سلفه محمدو إيسوفو ظلت عصية على تأثير موجات الاحتجاجات الشعبية المناهضة لفرنسا في منطقة الساحل، ففي أوج تلك التظاهرات صادق برلمان نيامي على نشر مزيد من القوات الفرنسية على رغم أن البلاد تحتضن أصلاً قاعدة عسكرية فرنسية".

وناصب بازوم مناهضي فرنسا العداء، خصوصاً عسكريي مالي الذين أسسوا بداية حقيقية لرفض الوجود الفرنسي في المنطقة، وكان كثيراً ما يوجه إليهم انتقادات لاذعة، وقد بادلوه تلك الانتقادات في خطاب مشهور للمتحدث باسم حكومة باماكو عبدالله مايغا أمام الأمم المتحدة.

لكن منذ أشهر حدثت فجأة انفراجة في علاقات النيجر وجارتها الغربية عندما زار مالي وفد عسكري رفيع بقيادة قائد الأركان حينها الجنرال ساليفو مودي، قبل أن يقيله بازوم لاحقاً ويعينه سفيراً للبلاد لدى الإمارات العربية المتحدة.

ويفسر محفوظ اهتمام مالي بالنيجر بحاجة موسكو إلى إقامة علاقة مع الأخيرة لزيادة حلفائها في المنطقة، وتريد روسيا أن يكون حاكم باماكو الجديد غويتا عراب تغلغلها في المنطقة، وقد يكون نجاح عسكريي مالي في مد الجسور مع نظرائهم النيجريين وراء التخلص من بازوم وتحقيق اختراق روسي جديد في المنطقة.

وينبه محفوظ إلى جزئية مهمة في توقيت انقلاب النيجر وهي أنه "تزامن مع القمة الروسية - الأفريقية الثانية التي يشارك فيها الرئيس المالي عاصيمي غويتا على رأس وفد من نحو 80 شخصاً، وباتت روسيا وجهته الخارجية الأولى منذ تنصيبه رئيساً انتقالياً في يوليو (تموز) 2021".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير