Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 كيف نظرت بريطانيا إلى ثورة 23 يوليو المصرية؟ (2)

خطة عمل لوزارة الدفاع بالتشاور مع "الخارجية" و"المستعمرات" تناقش سبل نقل الأسرى المصريين في حال نشوب حرب

كتب السفير البريطاني في القاهرة محذراً لندن من أخطار الوثوق بقيادات الثورة المصرية وإبرام المعاهدات معها (غيتي)

ملخص

كان الحل السياسي المتمثل في إبرام معاهدة بين البلدين هو الخيار المفضل لدى لندن، لكن الحلول العسكرية واللجوء لاستخدام القوة ضد النظام الثوري في القاهرة لم تكن مستبعدة.

تتحدث أغلب وثائق الأرشيف الوطني البريطاني المتعلقة بثورة 23 يوليو (تموز) 1952 في مصر عن محاولة الحكومة البريطانية إيجاد وسيلة للخروج من الأزمة التي حدثت بين القاهرة ولندن بعد عملية الانقلاب وتغيير النظام السياسي المصري من ملكي إلى جمهوري، وقد كان الحل السياسي المتمثل في إبرام معاهدة بين البلدين هو الخيار المفضل لدى لندن، لكن الحلول العسكرية واللجوء لاستخدام القوة ضد النظام الثوري في القاهرة لم تكن مستبعدة.

إحدى الوثائق تتضمن مشروع خطة عمل لوزارة الدفاع البريطانية رسمت بالتشاور مع وزارتي الخارجية والمستعمرات، وتناقش سبل التعامل ونقل الجنود المصريين المتوقع وقوعهم أسرى بيد القوات البريطانية في حال نشوب حرب بين البلدين، وتحمل هذه الوثيقة تاريخ التاسع من يوليو 1953 وقدمت لمكتب رئاسة الوزراء البريطانية آنذاك.

في حال نشوب حرب

كان المقصود هو تجميع أكبر عدد ممكن من القوات المصرية في سيناء، وقد تغير الوضع قليلاً منذ ذلك الحين، حين تغيرت تصرفات الجيش المصري إلى حد ما، وكان هناك ميل لنقل القوات من سيناء إلى الدلتا، مع ذلك، فإن مشكلة التخلص من السجناء المصريين كانت هي نفسها إلى حد كبير.

 

 

المشورة القانونية لوزارة الخارجية أفادت بأنه سيكون من الممكن ترحيل أسرى الحرب المصريين خارج مصر إذا استمر "نزاع مسلح"، وليس من الضروري إعلان الحرب رسمياً، وفي المناقشة تم الاتفاق على النقاط التالية:

(أ) سيكون مكتب الحرب قادراً على تلبية متطلبات المخازن وما إلى ذلك لأسرى الحرب المصريين في قبرص، إضافة إلى متطلبات الإقامة لأي رعايا بريطانيين يجلون من مصر.‏

‏(ب) يميل مشروع التقرير إلى التأكيد على أن الاعتراض الأساسي على استخدام صوماليلاند يستند أساساً إلى التعاطف الديني، وقد أظهرت التجربة أنها ليست الحقيقة، لذلك ينبغي تنقيح هذا الجزء من التقرير للإشارة إلى أن الاعتراضات الحقيقية على استخدام صوماليلاند كانت إدارية.

(ج) مشروع الطلب مضلل وينبغي تنقيحه للإشارة إلى أنه سيكون من المحرج قبول سجناء مصريين أكثر مما هو ضروري لأغراضنا بسبب الصعوبات الإدارية والسياسية المتاحة لهم.

(د) ينبغي تقديم التقرير، بصيغته المنقحة في ضوء المناقشة إلى وزير الدفاع لاتخاذ مزيد من الإجراءات وفقاً لرغباته. وإلى لجنة الدفاع التابعة لمجلس الوزراء نظراً إلى أن وزيري الخارجية والمستعمرات متورطان، حتى يمكن المضي قدماً في الأعمال التحضيرية بسلطة وزارية كاملة.

تداعيات افتراضية

وزارة الخارجية البريطانية علقت على مشروع خطة عمل وزارة الدفاع حول نقل الأسرى العسكريين المصريين في حال نشوب حرب بين بريطانيا ومصر في نقاط رئيسة جاءت كما يلي.

(أ) الفقرة 2 - نقل المعتقلين - إذا كان هناك نزاع مسلح بيننا وبين المصريين (وليس بالضرورة حال حرب معلنة رسمياً) فإن ذلك يؤدي إلى تنفيذ اتفاقية أسرى الحرب لعام 1949، ويمكن معاملة معتقلي الجيش المصري كأسرى حرب ونقلهم بعد ذلك إلى دول أخرى غير مصر (على سبيل المثال إلى الأراضي الاستعمارية البريطانية) وفقاً لأحكام الاتفاقية، ولكن إذا لم يحدث هذا الوضع (الحرب) وقبض على السجناء فقط وهم يشاركون في هجمات إرهابية منفصلة، فيجب أن نتوقع احتجاجاً قوياً على ترحيلهم إلى أي مكان خارج مصر، ذلك يركز اهتمام العالم على حقيقة أننا احتجزنا إرهابيين ويشكك على الفور في الأساس القانوني لعملنا. وإذا قررت الحكومة المصرية، مهما كانت، إثارة القضية في الأمم المتحدة على أنها مسألة حقوق إنسان، فمن المحتمل أن يكون من الصعب علينا تبرير عملنا وإظهار أن هذا الإجراء القانوني ضروري للحفاظ على موقفنا وفقاً لمعاهدة 1936.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

(ب) الفقرة 9 - ردود الفعل العربية - ستعترض الدول العربية بشدة على استخدام الأراضي العربية، سواء في عدن أو كمران، لغرض احتجاز هؤلاء المعتقلين، بالتالي فإن هذا الإجراء يميل إلى حشد الرأي العام العربي بشكل عام وراء مصر ضدنا، إلى جانب التسبب لنا في صعوبات محلية، مثل تهديد الأمن وفقدان حسن النية من السكان المحيطين.

الحذر من قيادة الثورة

كتب السفير البريطاني في القاهرة هانكي رسالة في 24 يونيو (حزيران) 1953 مخاطباً وكيل وزارة الخارجية البريطانية في لندن ويليام سترانغ. وفيها حذر الحكومة من أخطار الوثوق بقيادات الثورة المصرية والذهاب لإبرام معاهدة مع حكومة القاهرة حول ترتيبات قناة السويس.

يقول هانكي "بعد شهر من الإقامة هنا والمحاولة المستمرة لدراسة الوضع المحلي في القاهرة ومنطقة القناة وبورسعيد والإسكندرية، أشعر أنني بحاجة إلى كتابة شيء ما على أمل أن تفهم المخاطر التي نتحملها في التوصل إلى اتفاق بناءً على الحال أ".

 

 

ويضيف "أولاً، هناك مسألة ما إذا كان المصريون سيلتزمون الاتفاق وينفذونه. يقول جمال عبد الناصر ونجيب أنه بمجرد رحيلنا سيكونون إلى جانبنا بالكامل. لدي شكوك كبيرة حول هذا الوعد، إذ إن الارتباط مع بريطانيا كما أشعر سيكون موضوعاً جاهزاً لكيل الاتهامات من قبل مجموعة من السياسيين المصريين للآخرين بأنهم باعوا الوطن (مصر). وقد تكون الحكومة المصرية القوية قادرة على منع ذلك، لكن لا يوجد نظام مصري (بما في ذلك النظام الحالي) قوي جداً أو مستقر. إن تأثير الجدل المحتوم في مصر على تنفيذ اتفاقنا في شأن القاعدة سيعتمد في النهاية علينا وعلى حلفائنا. إذا كنا نحن وحلفاؤنا أقوياء وحازمين فسيتم الاحتفاظ بالاتفاق، لكن في رأيي لن يكون الأمر خلاف ذلك، وقد استشهد نجيب نفسه في حديثه بالقرآن مشيراً إلى أن الله يحب الرجل القوي ويحتقر الضعيف".

ويتابع "لذلك فإن استنتاجي الذي يتفق معه معظم المراقبين ذوي الخبرة هنا هو أنه في حال عدم وجود تهديد خارجي من شأنه أن يضع كل المصريين إلى جانبنا (كما حدث في عام 1936) فإن الدفاع الفعال عن المنطقة (الحفاظ بالقوة العسكرية) يكون ضرورياً، وسيتم الالتزام بأية اتفاقية جديدة فقط ما دمنا قادرين على ضمان حقوقنا".

السفير التركي يفشي الأسرار

في الفقرة الرابعة من رسالته التحذيرية، يقول السفير البريطاني ما نصه "بقولي هذا لا أرغب في الطعن في صدق نجيب أو جمال عبد الناصر. وأوافق على أنهما ربما يكونان أكثر من المستوى العادي للسياسيين المصريين في هذا المجال. إنها مجرد لعبة عادية في السياسة المصرية. ويظهر تشكيل الجمهورية أن السياسة الداخلية ليست معطلة بأية حال من الأحوال. علاوة على ذلك، حتى في ما يتعلق بصدق جمال عبد الناصر، فقد يكون هناك بعض الشك المشروع. من الواضح أنه معجب مخلص بهتلر، ويوظف عدداً من المستشارين النازيين (دكتور فوس وشركاه) وقد أخبر السفير التركي (كما أخبرني الأخير) أنه بمجرد إخراجنا لن نعود أبداً إلا بموافقة مصرية، وكان ينوي أن يتم تلغيم منشآت قاعدة منطقة القناة الرئيسة للتأكد من أنه لن يكون هناك شيء نعود إليه! ربما كان هذا مجرد كلام، لكنه ربما كان يقصده. بالطبع، قد تقول إنه حتى لو قام المصريون بتلغيم المنشآت الرئيسة (التي لن تكون صعبة للغاية بمجرد مغادرتنا) فما هو الحافز الذي سيكون لديهم للضغط على الزر؟ حسناً، أشعر أنه قد يكون هناك بعض الأشخاص الذين لديهم مصلحة محلية كبيرة في إثارة المشكلات بين الحكومة المصرية والحكومات الأجنبية، ناهيك بالعميل الروسي أو الشيوعي الضال".

شهر عسل قصير

يؤكد السفير البريطاني في رسالته "أعتقد أن هناك خطراً كبيراً من أن يؤدي الاتفاق على الحال (أ) إلى شهر عسل قصير فقط، وأن الأمور ستكون سيئة كما كانت دائماً باستثناء أننا سنكون في وضع أضعف لتأكيد حقوقنا. وسيكون الأمر أسوأ بكثير مع الحال (ب) أو (ج)، لأنه ستكون لدينا وسائل أقل لجعل المصريين يحتفظون بالاتفاق أو حتى معرفة أنهم كانوا يستعدون لخرقه".

 

 

في الفقرة السابعة يوضح السفير البريطاني غايته من هذه الرسالة بالقول إن "الهدف من هذه الرسالة (المقترح) هو أنه يجب أن تكون لديك استفسارات عاجلة من قبل سلطات الخدمة في إمكانات الرجوع العاجل (استخدام القوة) لإعادة تأكيد حقوقنا إذا بدأ المصريون في اللعب وفقدان فرصة عقد الاتفاقية (الحال أ). يجب أن نتعلم من التجربة المحزنة في هذا الشأن، حين سلمت البحرية الملكية عام 1947 المدافع البحرية العظيمة التي تدافع عن ميناء الإسكندرية. الآن إذا بدأ قتل الرعايا البريطانيين هناك فلن نتمكن من مساعدتهم من طريق البحر، إذ علينا أن نأخذ القاهرة براً ونتقدم عبر الدلتا، مما يعني أن جميع الرعايا البريطانيين سيتم إحباطهم قبل وقت طويل من الوصول إلى هناك. هل من المحتمل أن يحدث الشيء نفسه في ما يتعلق بالعودة بالقوة في نهاية المطاف إلى منطقة القناة أم لا؟ يأمل المرء أن يؤدي وجود سلاح الجو الملكي إلى تجنب ذلك، لكنني أعتقد أنه يجب عليك النظر في هذه النقطة".

وفي ختام الرسالة يطرح السفير أسئلة عدة وهي "إذا نفذت الحال (أ) فما هي قدراتنا لمنع المصريين من تدمير القاعدة أو السماح بتدميرها؟ هل يمكننا إعادة احتلالها بشكل عاجل ومواجهة المقاومة المصرية؟ كم من الوقت ستستغرق إعادة الاحتلال هذه؟ إذا انهار القانون والنظام المحليان، فهل يمكن للفنيين البريطانيين الدفاع عن أنفسهم والصمود حتى وصول المساعدة؟".

اقرأ المزيد

المزيد من وثائق