Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حفلات تخرج السوريين دولارات مقابل "لحظة افتراضية"

أسر الطلاب تتحمل تكاليف الملابس والتصوير وسط أوضاع اقتصادية صعبة

الاحتفال بالتخرج في الجامعات السورية أنعش مهنة التصوير وبات الطلب عليها متزايداً  (اندبندنت عربية)

ملخص

لماذا يلجأ السوريون للاحتفال بتخرج أبنائهم بطرق مكلفة في ظل أكبر تضخم اقتصادي تعيشه البلاد؟

حملت سنوات الحرب وما بعدها عادات وطقوساً لم تكن موجودة لدى السوريين، وكأن كل فعل قاموا به خلالها كان رد فعل على الخوف والموت الذي انتشر آنذاك على الطرقات وفي البيوت وأصبح كل شيء مجهول بما فيه مستقبلهم، فما كان منهم في المقابل إلا أن عاشوا بعض اللحظات بشكل متطرف من المشاعر ومحاولة لإثبات الذات، كالنجاح بعد الامتحانات.

برز الاحتفال بنجاح الطلاب عامة والجامعيين تحديداً بشكل لافت وغير اعتيادي، عبر اتباع بعض الخطوات الاستعراضية والمكلفة مادياً في ظل تضخم لم يسبق أن عاشته البلاد، والتي لم تكن موجودة قبل الحرب إلا ببعض أجزائها لطلاب الدراسات العليا، مع انتعاش بعض المهن وفتح أبواب رزق جديدة لأصحابها لتلبية متطلبات هذه اللحظة.

تطريز التخرج

في الوقت الذي تخضع فيه "يارا" وهي في السنة الخامسة بكلية الطب البشري لامتحاناتها، تحاول أن تجد لها بعض الوقت عند العودة من أحد الامتحانات لتذهب إلى "الخياطة" وتتفق معها على شكل التطريز والكتابة على قبعة وشال التخرج تحضيراً لتخرجها بعد شهر.

خطوة أصبحت لزاماً على كل متخرج أن يقوم بها، إذ لم تكن موجودة سابقاً إلا لطلاب الدراسات العليا بحكم طقوس مناقشة أطروحاتهم أمام لجان تحكيمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خلال السنوات الماضية، خضعت القبعة والشال إلى التغيير والتعديل والتفنن بالرسم أو التطريز عليها، فلكل اختصاص شكل خاص بها، فطبيب الأسنان يطرز له على القبعة شكل السن مع اسمه أو من دون، وللطبيب سماعة أو شعار الطب، وللمحامي ميزان العدل. بينما سعت بعض الفتيات إلى طلب تطريز قبعاتهن بالورد والفراشات وأشكال محددة أخرى.

وعن هذا تتحدث "لمياء"، وهي مهجرة من منطقة القصير إلى منطقة أخرى في ريف حمص الغربي، حيث استقرت وأعادت فتح مشغلها من جديد، "في هذا الوقت من السنة يصبح ضغط العمل كبيراً، فطلاب الجامعات من كل الاختصاصات يأتون إلى هذه المنطقة لتطريز قبعة وشال التخرج، والبعض يريد ثوب التخرج وعليه بعض التطريز".

وتابعت "لا نستطيع أن نصنع مسبقاً مجموعة جاهزة منها، فكل طالب )بخاصة الطالبات( يردن تطريزاً خاصاً عليها، وبما أنه ليس لدينا في سوريا إلا شخصين يملكان برنامجاً إلكترونياً محدداً على الكمبيوتر متخصصاً في تصميم خيط التطريز وهما في دمشق وحلب، فإننا نضطر لأخذ الطلبيات باكراً لتسليمها لهم في الوقت الذي يريدونه".

مسير لا مخير

"لمياء" التي تجلس وراء مكتبها تنتظر مجيء الكهرباء لتعمل على آلة تطريز خلفها، قالت وهي مبتسمة "لقد ازدهرت مهنتي في السنوات الأخيرة وذلك بسبب ركوب السوريين موجة من تقليد بعضهم في الاحتفالات، فمن مناسبات الأعراس إلى انتشار مطاعم الأكل السريع وحاجتهم للباس موحد، مروراً بطقوس واحتفالات المعمودية للمسيحيين، وصولاً إلى طلاب الجامعات الذين يتسابقون لتقليد بعضهم في منافسة غير معلنة لكنها مربحة لنا".

هذا ما كان واضحاً في كلام الطالبة يارا التي قالت "هذه التفاصيل لم نعد مخيرين بها، بل أصبحت لزاماً على كل طالب يتخرج، لقد سعيت لاختيار شيء بسيط ليبقى لي ذكرى مع الأيام".

تقلب "خلود"، التي تخرجت العام الماضي في كلية التربية، صوراً التقطت لها أثناء تخرجها، وأقامت لأجلها حفلة دعت إليها أصدقاءها وأقرباءها، وتعاقدت مع مصور خاص ليصورها أثناء وجودها في الجامعة وخلال الحفلة. عن هذا تقول "لست أقل من أقراني الذين احتفلوا قبلي بتخرجهم بهذا الشكل أو أقل منه... إن الجميع اليوم يفعل ذلك وينشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليراه الجميع".

الصورة أساس

التصوير من المهن التي انتعشت في سوريا، خلال السنوات الماضية، وجاءت حفلات التخرج لتزيدها انتعاشاً وضغطاً في الوقت. ويقول ميشال، الذي سافر منذ مدة خارج سوريا لكن الاستديو الخاص به ما زال مفتوحاً بفضل تهيئته لعدد من الشباب ليعملوا مكانه، "جاءت حفلات التخرج وكثافتها وزاد وقتنا ضيقاً، فأنت لا تستطيع رفض من يأتيك لتصور له حفل تخرجه، ولكن هذا الضغط يجعلنا في كثير من الأحيان نتأخر في تسليمهم صورهم، فبعضهم لا يكتفي بالصور، بل يطلب برومو".

وعن كلفة جلسة التصوير فتتراوح الأسعار بين مصور وآخر، فالمحترف مثل ميشال تصل جلسة تصويره لحفل التخرج إلى 500 ألف ليرة سورية (نحو 50 دولاراً أميركياً)، وهو رقم كبير إذا ما قورن ببقية التفاصيل التي يعمل عليها طالب التخرج، ولكن يستطيع الطالب ببعض البحث أن يجد مصوراً أقل كلفة أو يكون مجرد هاو للتصوير، بينما يلجأ البعض إلى اسم معروف لثقته به أو كقيمة اجتماعية مضافة.

تقول يارا، "ليس بمقدوري دفع مبلغ كهذا، لذا اتفقت مع زميلة لي في كلية الطب لديها هواية التصوير وتساعد زملاءها في الكلية بأسعار رمزية تصل فقط إلى 100 ألف ليرة سورية لعدد محدد من الصور (10 دولارات)، ويبدو من صفحتها على فيسبوك أن صورها جميلة وجودتها عالية".
 
مغالاة
الاحتفالات لا تتوقف هنا على التخرج، بل طال مجالات عدة منها المطاعم ومحال بيع الألبسة والقماش أو الخياطين لتفصيل ثياب خاصة بالمناسبة بتكاليف ليست قليلة في ظل التضخم الاقتصادي الذي تعيشه سوريا، إضافة إلى الحلويات التي يتفنن في تغليفها وتصويرها وتقديمها.

وللأهل دور كبير في هذه الخطوة، فهم إما داعمون أو رافضون نسبياً لأسباب مالية، ولكن حتى هذه الأسباب المالية لن تقف حائلاً في وجه إتمام الأمر على أكمل وجه، أو أقله عبر العمل على قبعة وشال وجلسة تصوير وبعض الضيافات.

هنا يتدخل عصام الذي سيتخرج ليعمل في المحاماة هذا العام فيقول، "على رغم أن الوضع المادي غير جيد نسبياً، إلا أن أهلي قدموا لي الدعم عبر تأمين بعض المال اللازم لحفل تخرجي"، مضيفاً "هناك من يحتفل بتخرجه كاحتفاله بالزفاف، ولكن ما أحضر له لا يتعدى بعض التفاصيل التي أصبحت تقليداً بين الطلاب المتخرجين".

اليوم لم يعد الاحتفال مقتصراً على تخرج طلاب الجامعات، بل تعداه للمراحل الدراسية الأقل كمرحلة التعليم الأساسي ثم الثانوي، وبعضهم غالى كثيراً بالاحتفال بانتقال أطفاله الصغار من صف لآخر، ففي مراحل النجاح في التعليم الأساسي والثانوي لا يكتفي بتوزيع الحلويات على الناس، بل يصل البعض حد إطلاق الأعيرة النارية احتفالاً، الأمر الذي سبب ويسبب وقوع ضحايا كل عام.

ذكرى وقيمة

أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي بانتشار هذه الثقافة الجديدة وتعزيزها، عبر خلق حاجة إلى وجودها، فمن لم ينجز المصور له الصور في أسرع وقت يسعى إلى نشر ما التقطه بهاتفه المحمول، وبعضهم ينتظر ليظهر بأفضل شكل، وعن هذا يقول "ميشال لكروا" في كتابه عبادة المشاعر، "التسلية التي يبتغيها الناس من ثقافة الصورة تكشف عن انحياز واضح إلى العواطف الجياشة"، وربما هي إحدى وسائل الإنسان في ظل المخاطر ليشعر بحقيقة وجوده.

وفي ظل هذه الوسائل زادت الحاجة إلى صناعة الذكريات، ولكن قبل صناعتها يمضي الطلاب وقتاً للتحضير لها، ويبقى السؤال الحقيقي، هل يعيشون حقاً هذه اللحظات ويشعرون بها، أم أنهم يقومون بها على الواقع تحضيراً لعيشها في العالم الافتراضي الذي وسع دائرة التأثير وأعطى كثيرين حافزاً للشعور بذاته بشكل أكبر عبر رهنه بقضية الإعجاب والقبول على أوسع نطاق؟

أم أن الحرب حقيقة تدفع الإنسان إلى عيش بعض التفاصيل التي كانت تعد عادية وطبيعية إلى لحظات مشحونة بالتطرف العاطفي وتضخيم الإنجاز ليشعر الفرد أن لوجوده قيمة؟ وهل كل ما يصنعه يقوم به إحساساً منه بقيمته أم أنه يبتغي قيمة عليا من الآخرين يعيش عليها كلما أعادت وسائل التواصل تذكيره كل عام بأرشيفه، فيتذكر للحظة فقاعة الاهتمام التي حظي بها آنذاك وذهبت دونما أن يعيشها بحق، بل تبقى صورة أرشيفية وبابتسامة مصطنعة غالب الوقت.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير