Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأغنية الفلسطينية أصالة وحداثة في مختبر الموسيقى

وثيقة تاريخية تضمر محن أبناء البلد في تحرير الأرض والذاكرة

الأغنية الفلسطينية باتت شكلا من أشكال المقاومة الوجودية ضد قيود المستعمر (مواقع التواصل)

ملخص

الأغنية الفلسطينية وبفضل ما تتميز به أصبحت وثيقة تاريخية تضمر محن الفلسطينيين في تحرير الأرض والذاكرة

مرونة تاريخية اتسمت بها الأغنية الفلسطينية جعلت منها أحد أبرز النماذج الغنائية العربية قدرة على التجديد والبقاء، ذلك أن تشكلاتها الفنية وأصالة كلماتها ومنابعها الجمالية التي نهلت منها جعلتها باقية في الذاكرة والوجدان، فهي ليست أغنية غربية وليدة سياق سياسي أو موضة فنية، وإنما متجذرة في تاريخها وذاكرتها.

تجذر يحمل نمطاً مركباً لا يمكن العثور عليه إلا داخل الأغاني الأصيلة الهامشية ذات الامتداد التاريخي، كما هو الحال في عدد من الأغاني العربية. وإذا كانت الأغنية الفلسطينية متيقظة عبر مسارها إلى طبيعة المراحل التي مرت منها، فإن هذا الأمر جعلها تدخل في مسلسل تحديثي تستثمر فيه إمكانات المرحلة وتحاول عبرها اجتراح أفق فني جديد، بل إن ذلك ميزها وجعلها دائمة البحث عن ملامحها الجمالية خلال أزمنة متحولة.

التراث مدخلاً للأغنية

هذا التكيف مع المراحل التاريخية وما تفرزه سياسياً وثقافياً واجتماعياً ترك بصمته داخل النسيج الغنائي العربي وجعل الأغنية الفلسطينية أكثر تميزاً، غير أن السر الكامن في بقائها مؤثرة في الوجدان العربي هو مفهوم "التركيب" الذي يطبع نظامها الفكري، فهي أغنية تاريخية وذات امتداد أصيل وضارب في القدم وليست استهلاكية وليدة البارحة أو اليوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لذلك يحتل هذا النموذج مكانة كبيرة عند المستمعين العرب، بخاصة حين يتم الاشتغال على هذا التراث موسيقياً والدفع به صوب مفهوم المعاصرة.

ولعل ما يجعل الأغاني تنسى وتتلاشى من ذاتية المستمع هو بقاؤها على النمط الأول نفسه الذي ظهرت به، أما حين تجدد نفسها من الداخل وتعمل على تحديث كلماتها والحفاظ على منابعها الأولى فإنها في الغالب تبقى لقرون طويلة وتتكيف مع مختلف المراحل التي تمر منها... إن الأغنية حين يتم وضعها في مختبر الموسيقى المعاصرة ذلك يمنحها البقاء حية في ذاكرة الأجيال القادمة.

ويرى عديد من الباحثين أن من خصائص التجربة الفلسطينية الحديثة أنه يستحيل فهمها خارج سياقاتها السياسية والاجتماعية والنضالية، فهي وليدة هذه التحولات بعدما أسهمت في ظهورها وتأجيجها ووصولها إلى حناجر الناس.

إن الأغنية الفلسطينية الحديثة نمط من الخطاب الغنائي المركب الذي تمتزج فيه الأفراح بالأحزان والفن بالسياسة والثراء بالتشظي، إلا أن هذا الخطاب حين يقرأ من لدن نقاد الموسيقى على قلتهم، فغالباً ما يتم التعامل معه بشكل تقني وليس كخطاب فكري فني.

وهذا التعامل التقني في تحليل الأغنية وموسيقاها وجمالياتها وعناصرها الفنية داخل الكليب وغيرها يسهم بشكل ما في إنتاج خطاب غير دقيق عنها، إذ لم يستوعب النقد العربي أن طبيعة الزمن الذي ننتمي إليه اليوم لم يعد في حاجة إلى مثل هذه القراءات التي تلامس الأغنية في مقاطعها الموسيقية، إنما في حاجة إلى خطاب مركب تمتزج فيه المعارف والعلوم.

إن الأغنية الفلسطينية الحديثة مركبة ويستحيل القبض على كلماتها بمعزل عن السياق التاريخي الذي ظهرت فيه، كما أنه يستحيل فهم الزخم من التنوع الموسيقي الذي به تشغل إذا لم ننفتح على الجانب النظري الذي أسست عليه الموسيقى المعاصرة وكيف تسهم الموسيقى الإلكترونية في فتح منافذ جمالية بالنسبة إلى المستمع، هذا إضافة إلى قراءة كليباتها وما تضمره من صور وحركة وأداء ومونتاج وتوليف.

تقول الكاتبة الأردنية إيمان بديوي "تتطلب عملية قراءة الأغنية الشعبية الفلسطينية من منظور سيسيولوجي أن نحلل محتواها ومضمونها، عبر الربط ما بين دلالات الأغنية الظاهرة منها والكامنة، والبنية الاجتماعية التي أنتجتها في ضوء طابعها الثقافي والسياسي الذي انعكس على النص الغنائي، وهذا يعني البحث في ما وراء الكلمات والحفر في المضامين الكامنة والوعي برمزيتها، من خلال تفكيك البنية التكوينية للنص الغنائي، الذي نراه في كثير من أمثلة الأغنية الشعبية يأخذ صفة الخطاب الاجتماعي والوطني".

وتضيف أنه من خلال "بعض النماذج من الأغنية الشعبية - وهي ليست سوى انتقاء ضئيل من كومة هذا الموروث - يمكن التفكير بالنص الغنائي بوصفه نصاً اجتماعياً له أبعاده الثقافية والسياسية والقيمية والعاطفية والوطنية والهوياتية، التي تشكلت بطابع أبرز تحولات المجتمع الفلسطيني".

نجاح الأغنية الفلسطينية

هنا تصبح الأغنية وثيقة تاريخية تضمر محن الفلسطينيين في تحرير الأرض والذاكرة. إنه شكل من أشكال المقاومة الوجودية التي فيها يتحرر الجسد من كل القيود والسياجات التي يضعها المستعمر، فهذا الأخير يحاول بأي شكل من الأشكال القضاء على الأرشيف الغنائي، لأنه يعرف مسبقاً أن تدمير هذا التراث الغنائي يمثل في نظره محواً للذاكرة الفلسطينية من الوجود والقضاء عليها نهائياً.

غير أن أصالة المقاومة الفلسطينية على مدى تاريخها الطويل جعلها تفطن إلى أهمية هذه الأرشيفات الفنية وضرورة تحريرها من قبضة الآخر، لا سيما أن تملك الذاكرة عامل على نجاح المقاومة الفلسطينية ويومياتها.

تأخر الفنانون الفلسطينيون في التعامل مع تراثهم الشعبي الغنائي وتحويله إلى قاطرة لكتابة أغان واجتراح أنماط موسيقية جديدة، لكون هذا الاهتمام لم يبدأ إلا في اللحظة التي شعروا فيها بأن هذا التراث أصبح مهدداً بسبب الاستعمار وما عرفته الفنون من تطاول استعماري.

فالاستعمار الفني يكاد يكون بمثابة قبضة وجودية على البلاد، وربما هذا ما يفسر إعادة عديد من الفنانين تدوير هذا التراث بشكل متميز ومنحوه أفقاً جديداً، كما هي الحال في تجربة سناء موسى وريم الكيلاني، لكن وفق نمط غني ومتنوع ومختلف يستند إلى الموسيقى مع الصوت.

حتى إن عدم العناية بهذا التراث من الناحيتين البحثية والتاريخية أسهم في تأخر الاهتمام به عربياً وعدم فهم معناه في عمقه الفلسفي، باعتباره سلاحاً وضماناً على استمرار التاريخ الفلسطيني.

ولا شك أن هذا الغياب البحثي في مفاهيم التاريخ والذاكرة كان له انعكاس على التجربة الفنية العربية بشكل عام، لأن احتلال الذاكرة وتزوير بعض من تاريخها ومراحلها يسهم بطريقة ما في تفكيكها وتحويلها إلى ذاكرة فارغة من أجل تسويغ أفكارهم واستعمارهم.

أما الأمر الثاني فيعود إلى عامل العولمة التي حاولت شيئاً فشيئاً أن تقضي على الهويات المحلية، وذلك بالعمل على تكريس الاختلاف لكن وفق مخطط استعماري هجين يهدف إلى القضاء عليها وحلول هويات أخرى مكانها. إن العولمة، حين يصدرها الغرب تبدو في صورة وردية، باعتبارها مفهوماً ينتمي إلى طبيعة المرحلة الجديدة التي نعيشها، غير أنها حينما تبدأ في حصارنا، فإن المرء يفطن إلى أخطارها وسلبياتها على الهوية الغنائية المحلية، والتي تبقى ممارساتها تشكل خطراً على الاستعمار وتدحض كل أفكاره وميثولوجياته.

تراث متنوع

يحضر التراث في الأغنية الفلسطينية باعتباره براديغم مولداً للأفكار والأحلام والتعبيرات والمواقف. إنه سند أساسي في صناعة الأغنية المعاصرة، بعدما أصبح مرتكزاً أساسياً لدى بعض التجارب، لكونه عبارة عن محاولة ناجعة للقبض على الراهن الفلسطيني وأوجاعه.

غير أن حضور هذا التراث يختلف من تجربة إلى أخرى، فإذا كان في بعض التجارب عبارة عن عنصر فني يجمل الأغنية ويعطيها ديمومتها السياسية وتجذراً في البيئة الفلسطينية وشؤونها، فهو يبقى في تجارب أخرى بمثابة الكل الذي يظلل سيرة الأغنية وجمالياتها، وكل تجربة غنائية تحاول أن تلامس هذا التراث بالاشتغال عليه موسيقياً، لأن هذه الأخيرة هي ما يجدده ويجعله تراثاً حياً وليس ميتاً.

إن الموسيقى ملح الأغنية ونشيدها الخفي، والوجود الحقيقي على نجاحها، وما الكلمة إلا ظلها أو سيمولاكر مصغر عن النسخة الأولى، لكن الموسيقى المعاصرة حين تدمج تراثاً ما في مختبرها الإيقاعي فإنها تسعى جاهدة إلى جعله ترفيهياً واستهلاكياً في وجدان الناس.

هذا التركيب الذي سبق الإشارة إليه، هو الذي يجعل الأغنية الفلسطينية متمنعة عن دخول عالم الترفيه، لأن الأغنية حقيقية وواقعية ذات علاقة بالواقع الفلسطيني، وليست شكلاً تعبيرياً مستلباً من التربة الغربية ومتخيلها.

وحين تتجذر الأغنية في محليتها وتربتها يصعب استئصالها من محيطها الذي ولدت فيه، بالتالي فإن الأغاني التي غدت تمتلك وعياً كونياً ليست تلك التي تقلد الآخر وتسيره على منوال موسيقاه وأغانيه، وإنما التجربة الغنائية التي تخلق كل شيء من جسدها وذاكرتها وتاريخها فتحاول عبر كيانها أن تخلق طرقاً صوب الكونية.

وأخيراً يرى الكاتب خليل العلي أنه من ضمن "الأغاني التي اشتهرت في المجتمع الفلسطيني منذ وقت طويل وما زالت تردد حتى يومنا هذا، على رغم اختلاف كلماتها إلا أنها تحمل العنوان واللحن نفسه كأغنية (ظريف الطول) إذ إنها تعتبر من أشهر وأهم الأغاني الشعبية، كذلك (الدلعونا) المرتبطة بالدبكة وتغنى على أنغام اليرغول أو المجوز أو الشبابة (الناي). و(الدلعونا) تتغير كلماتها بحسب المناسبة، وقد تكون وطنية أو عاطفية ممزوجة بالحب والعشق والجمال، أما (الميجنا) فهي تعبر عن آلام وآمال الشعب الفلسطيني".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة