Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف نظرت بريطانيا إلى ثورة 23 يوليو المصرية؟ (3)

حاولت المملكة المتحدة الحفاظ على إدارة قناة السويس والسيطرة الفنية والعسكرية عليها لكن الرئيس المصري محمد نجيب رفض الخضوع

تتحدث وثائق بريطانية عن خطة المملكة المتحدة للحفاظ على إدارتها لقناة السويس والسيطرة الفنية والعسكرية عليها ومعداتها (أ ف ب)

تكشف إحدى الوثائق السرية لمراسلات وزارة الخارجية البريطانية مع سفارتها في القاهرة عن رفض التحذيرات التي تضمنتها رسالة السفير البريطاني في القاهرة هانكي بتاريخ الـ 24 من يونيو (حزيران) 1953، طالباً من مرجعيته عدم الوثوق بوعود القيادة المصرية الجديدة، والابتعاد عن خيار عقد معاهدة مع مصر حول إدارة قناة السويس.

وجاء في الوثيقة أن "رسالة السيد هانكي تنص على جانب واحد من القضية فقط. والتحذيرات الكبيرة التي تتضمنها الرسالة لا تقترن باقتراحات بناءة بشأن المسار البديل الذي ينبغي أن نتبعه في ضوء الحقيقتين التاليتين اللتين لا يمكن دحضهما".

وذكرت الوثيقة أن الحقيقة الأولى أننا "لا نمتلك الإمكانات، ولا القوات، ولا المال الكافي ولا الرجال لمواصلة الوفاء بالتزاماتنا الحالية في الخارج. يجب إجراء تقليل وتخفيض حاد في هذه الالتزامات في المستقبل القريب. وعلى حد علمي، لا يمكن إجراء تخفيض كافٍ في منطقة الشرق الأوسط من دون تعريض المصالح الحيوية البريطانية للخطر المباشر".

أمّا الحقيقة الثانية التي أشارت إليها الوثيقة "بالنسبة إلينا من دون قدر من التعاون المصري، فإن قاعدتنا في مصر لا فائدة منها. من بين هاتين الحقيقتين، يبدو لي أن الأولى ذات أهمية قصوى، ولا أستطيع أن أرى أي طريقة للتغلب عليها ما لم نتوصل إلى اتفاق مع مصر في غضون الأشهر القليلة المقبلة، غير ذلك يجب على الحكومة أن تخبر الشعب أنه يجب تقديم مزيد من التضحيات الكبيرة في المال والرجال للحفاظ على مكانتنا في مصر، وستكون هذه التضحيات من النوع الذي يترك تداعيات خطيرة للغاية على اقتصادنا".

وبحسب المراسلات فإن الرغبة في إبرام اتفاق كانت أكبر "أعتقد أننا محقون في الذهاب إلى اتفاق على أساس الحالة ألف. وأنا واثق تماماً من أن رئيس الوزراء ومستشاريه السياسيين والعسكريين على حد سواء، يدركون جميع الآثار التي ذكرها السيد هانكي. ومع ذلك، أرى أنه ينبغي لنا أن نفعل كل ما في وسعنا لتخفيف هذه الآثار. أهم شيء يجب القيام به هو إقناع الأميركيين بضمان الاتفاق. ثانياً، ينبغي أن نترك في الشرق الأوسط حامية كبيرة من القوات المقاتلة بقدر ما نستطيع أن نتحمّل تكاليفها. يجب أن نضعهم بالقرب من مصر قدر الإمكان، وفي هذا الصدد كنت دائماً من المدافعين عن حامية قوية في برقة (ليبيا). وينبغي أن نكفل إبقاءها متنقلة بتوفير وسائل النقل الكافية، البرية والبحرية والجوية".

بريطانيا تفضل عقد اتفاق جديد

وتتحدث وثيقة أخرى عن خطة بريطانيا للحفاظ على إدارتها للقناة والسيطرة الفنية والعسكرية على قناة السويس ومعداتها، وهو الأمر الذي لاقى رفضاً شديداً من القيادة المصرية آنذاك.

 

تقول الوثيقة "يجب أن نصّر على الحالة أ، ففي الحالة (أ)، يجب أن يكون هناك فنيون بريطانيون يرتدون الزي العسكري للتعامل مع المعدات الأساسية، يتلقون تعليماتهم من لندن وأسباب ذلك عملية حيث لا يمكن لأي مصري، مهما كانت كفاءته، أن يحافظ على معداتنا وفقاً لأساليبنا".

هذا من الناحية الفنية والتقنية، أما سياسياً فذكرت الوثيقة أن البريطانيين لم يكونوا "مستعدين لتسليم كل السيطرة على القاعدة إلى المصريين من دون الاحتفاظ بموضع (قدم في الباب). إن التخلي عن هذا المبدأ، وقبول الاقتراح المصري ببقاء الفنيين لدينا لفترة محدودة فقط، وتلقي تعليماتهم من الحكومة المصرية يؤدي إلى اختزالنا سريعاً (الحالةC )، لأنه لم يمض وقت طويل قبل أن يزعم المصريون أنهم يعتبرون أنفسهم مؤهلين لاستبدال الفنيين البريطانيين، وسيكونون قادرين على إجبارنا على التراجع. نعتقد أن بدعم أميركي مئة في المئة لأطروحتنا ستكون هناك فرصة جيدة لتمكننا من تأمين قبول مصر للحالة (أ) بشروطنا".

رسالة الرئيس المصري محمد نجيب

لكن، وعلى الوجه المقابل فإن الرئيس المصري اللواء محمد نجيب أرسل رسالة إلى البريطانيين في الـ 27 من يونيو (حزيران) 1953 أوضح فيها بدايات التواجد البريطاني في مصر وأسبابه، رافضاً السيطرة الفنية والإدارية البريطانية الكاملة على منطقة القناة. وأكدت الرسالة المصرية أن استمرار تمركز القوات البريطانية في قناة السويس في تلك المنطقة يعد انتهاكاً لحقوق مصر كدولة ذات سيادة، ويعني ضمناً حالة خضوع لا يمكن لمصر قبولها.

 

قال نجيب في رسالته "يعود تاريخ الاحتلال البريطاني لمصر إلى عام 1882 عندما احتل البريطانيون البلاد من أجل استعادة سلطة الخديوي بعد انتفاضة الجيش بقيادة أحمد عرابي باشا لفرض بعض الإصلاحات الداخلية. ثم أصدرت الحكومة البريطانية عدداً من الإعلانات. يمكنني أن أقول إن احتلال مصر لم يكن مقصوداً أن يكون لفترة غير محددة. وقد أكد على ذلك رئيس الوزراء، السيد جلادستون، نفسه في الـ 10 من أغسطس (آب) 1882 في مجلس العموم بالكلمات التالية: (اذهب إلى حد الإجابة عن سؤال العضو الموقر حول ما إذا كنا نخطط لاحتلال مصر لفترة غير محددة بالقول إنه ليس هناك شك في أننا لن نفعل ذلك). وسيكون ذلك مخالفاً لجميع مبادئ وآراء حكومة صاحبة الجلالة والضمانات التي قدمتها لأوروبا، وكما أقول، مع الآراء السائدة في أوروبا".

وتضيف الرسالة، "نتيجة لهذه التعهدات والوعود اضطرت إنجلترا في الفترة اللاحقة إلى تبرير نيتها البقاء في مصر، والدفاع عنها بعدد من التصريحات، التي ذكر فيها أن الاحتلال كان موقتاً فقط، وأن إنجلترا ستخلي مصر بمجرد ضمان النظام والأمن هناك. وقد صدر ما لا يقل عن 60 إعلاناً ووعداً من هذا القبيل، لكن في غضون ذلك، مرّت 71 سنة كاملة من دون الوفاء بالضمانات البريطانية. في الوقت الحاضر هناك أكثر من 80 ألف جندي بريطاني على الأراضي المصرية في منطقة القناة".

 

وتابع نجيب "دخلت مصر مراراً وتكراراً في مفاوضات مع بريطانيا العظمى على أمل صادق في تحقيق تسوية سلمية لهذه المسألة، لكن البريطانيين التزموا في كل مناسبة بسياستهم الإمبريالية التقليدية، ولم يبتعدوا أبداً عن الأنانية الصارمة التي تقوم عليها تلك السياسة. في الوقت الذي يتقدم فيه العالم بأسره في اتجاه مبادئ العدالة والحرية، التي جرى الإعلان عنها بصوت عالٍ والترحيب بها بصوت عال في القرن 20، تتمسك بريطانيا العظمى بمثل الماضي المتحللة، وتفشل في التعرف إلى علامات الأفكار الثورية الجديدة، التي هزت الضمير العالمي إلى أقصى أعماقه، وتحتضن إلى حد كبير هذا الجزء من الأرض، بما في ذلك مصر والشرق الأدنى".

وأضاف الرئيس المصري، "من جانبها استخدمت مصر كل الوسائل السلمية الممكنة لإنهاء الصراع البريطاني المصري على منطقة قناة السويس. لقد ذهبنا إلى أقصى حد ممكن بالنسبة لنا من أجل مقابلة البريطانيين، لكن في سياق المفاوضات الأخيرة، التي توقفت في الـ 6 من مايو (أيار) 1953، أصبح من الواضح تماماً أن بريطانيا العظمى لن تكتفي إلا بالسيطرة الفنية والإدارية الكاملة على منطقة القناة، مما يعني في الواقع استمرار تمركز القوات في تلك المنطقة. ولن يكون ذلك انتهاكاً لحقوق مصر كدولة ذات سيادة فحسب، بل سيعني ضمناً حالة خضوع لا يمكن لمصر قبولها. ولا يمكن للمرء أن يتوقع من الحكومة المصرية أن تتسامح مع وجود عدد كبير من الخبراء البريطانيين في أراضي دولتهم ممن يتلقون تعليماتهم مباشرة من مكتب الحرب البريطاني، الذين تحتفظ لهم الإدارة غير المقيدة لمنطقة القناة".

واختتم نجيب رسالته إلى الجانب البريطاني، "نحن في وضع يمكننا من توفير الجزء الأكبر من الخبراء اللازمين لصيانة وكفاءة هذه القاعدة بأنفسنا. وظف البريطانيون أنفسهم أكثر من 40 ألف فني مصري، ولا يمكن أن يكون هناك شك في أنه يمكن العثور على ما لا يقل عن بضع مئات من الخبراء من الدرجة الأولى بينهم. خلال الحرب الأخيرة، قام الجيش الأميركي بتدريب مزيد من المتخصصين المصريين، ووجد أنهم طوروا درجة عالية من المهارة بشكل خاص. في ضوء هذه الحقيقة، يمكن أن يبقى عدد محدود من الخبراء البريطانيين".

اختفاء طيار بريطاني في القاهرة

ويشير تقرير بريطاني صادر عن مكتب وزير الخارجية البريطاني يحمل رقم 214 صادر في تاريخ 18 يوليو 1953 إلى لقاء السفير المصري في لندن مع وزير الدولة البريطانية للشؤون الخارجية إلى حادثة اختفاء الطيار البريطاني، طوني ريغدن في القاهرة.

واتهمت بريطانيا أحد رجال الأمن المصري باستدراج الطيار البريطاني، واختفائه في السابع من يوليو 1953، وهو الأمر الذي رفضه السفير المصري بشدة مؤكداً، "بأن طوني ريغدن قد اختفى أثناء زيارة إلى بيت دعارة. وقال وزير الدولة إن معلوماتنا تفيد بأن ريغدن شوهد آخر مرة بصحبة ضابط كان يعمل في مخابرات الجيش المصري كان معروفاً في السابق بالعمل ضد أفراد بريطانيين ومعدات بريطانية. وقال إنه بالطبع لم يكن يتوقع أن يكون السفير نفسه على علم بأنشطة هذا الرجل، لكنه كان متأكداً بنفس القدر من أن هناك سلطات مصرية تعرف الكثير عنه وعن هذا الحادث برمته. كان لديهم الكثير من الحجج في هذا الشأن، وكرر وزير الدولة عدة مرات أن حكومة صاحبة الجلالة، كانت مقتنعة بأن هناك أشخاصاً في القاهرة يعرفون كثيراً عن هذا الحادث أكثر مما تم الاعتراف به".

 

ووفقاً للتقرير السري المذكور، ناقش السفير المصري مع وزير الدولة البريطاني موضوع تمركزات التفتيش التي أقامها الجنرال البريطاني فيستينج على الطرق العامة بعد اختفاء الطيار البريطاني في قناة السويس. معتبراً العملية بالاستفزازية التي أبطلت جميع محاولات السلطات المصرية لتخفيف حدة التوتر.

وحمّل وزير الدولة البريطاني الحكومة المصرية مسؤولية التصعيد، قائلاً، "إن الخطأ يقع على عاتق السلطات المصرية في الإسماعيلية والحكومة المصرية وحدها. ولو كانت السلطات المصرية في الإسماعيلية أكثر تعاوناً، لما أقيمت نقاط التفتيش، وإن المسار الصحيح هو التواصل الدبلوماسي. وبدلاً من ذلك، أصدر الرائد صلاح سالم تحذيراً في الصحافة، وقام ببث إذاعي تحدث فيه عن (أنهار من الدم) أو عبارة من هذا القبيل. وطلب وزير الدولة من السفير بأن ينقل إلى حكومته وجهة النظر البريطانية بأن هذا الإجراء هو الذي يجعل الأمور صعبة للغاية".

وأضاف، "لو أنهم اتصلوا بنا عبر القنوات الدبلوماسية العادية، لرأينا بالطبع ما يمكن عمله للسيطرة على المسألة وتجنب زيادة التوتر. لكن الأمر جعل الأمور صعبة للغاية عندما ألقى أعضاء مجلس الوزراء المصري خطباً تحريضية من هذا النوع، وأعلنوا بأنفسهم عن المسألة التي كانوا يشتكون منها".

 

وجاء في الفقرة الثالثة من التقرير "طلب السفير من حكومة صاحبة الجلالة إصدار تعليمات بسحب نقاط التفتيش. وقال وزير الدولة إنه إذا جرى الكشف عن مصير ريغدن، فليس لديه شك في أن ذلك سيحدث فرقاً كبيراً. ومع ذلك، كانت هناك مسألة سلامة بقية قواتنا. وعلى أي حال، فإنه سيحيط علماً بطلب السفير وينظر في المسألة".

وفي الفقرة الخامسة، أعلن السفير المصري عن استعداده مناقشة مسألة الفنيين البريطانيين قائلاً، "إن المصريين يريدون أن يشعروا بأن الفنيين ليسوا مفروضاً عليهم. كان لديهم، على سبيل المثال، فنيون سويديون، وكانوا يحبون وجودهم لأنهم كانوا يعملون، ويمكنهم إعطاء التعليمات لهم ولا يشعرون بالنقص. أرادوا أن يكون الفنيون لدينا في نفس الموقف. وقال وزير الدولة إنه لا يعتقد أن هذا النوع من الترتيب سيكون ممكناً على الإطلاق، لكنه يعتقد أن مسألة التسلسل القيادي وأساليب إعطاء الأوامر للفنيين قادرة على الحل بيننا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

صهر الوزير المصري

تتحدث البرقية رقم 963 الصادرة عن السفارة البريطانية في القاهرة عن معلومات قيمة تلقاها أحد أفراد طاقم السفارة من محام مصري، وصفته البرقية بالبارز، وأنه صهر وزير الشؤون البلدية والقروية المدني آنذاك، حيث وصف وزير الخارجية المصري بالموظف الذي لا وزن له.

جاء في هذه البرقية، "برزت النقاط التالية من جلسة خاصة دعي إليها أحد أعضاء طاقمي أمس من قبل محام مصري بارز، وصهر وزير الشؤون البلدية والقروية المدني الحالي، كان النظام يشعر بنقص الدعم الشعبي، على رغم القوة التي منحته إياها سيطرة الجيش والشرطة. وكانوا حريصين جداً على التوصل إلى اتفاق معنا، من شأنه أن يعزز موقفهم في الداخل والخارج على حد سواء".

اقرأ المزيد

المزيد من وثائق