Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المغرب ينتهج دبلوماسية الحذر إزاء انقلابات أفريقيا

تمسك الرباط العصا من الوسط في موقفها من النيجر حفاظاً على توازن استراتيجي يصون العلاقات

ثقافة المغرب الدبلوماسية اتجاه النزاعات المحيطة لطالما تشبثت بخطاب يشجع على لَمْ الشمل الداخلي (أ ف ب)

ملخص

شهدت أفريقيا في السنتين الأخيرتين 7 انقلابات عسكرية باحتساب الانقلاب في النيجر، كذلك عرفت القارة تنفيذ 205 محاولات انقلاب منذ الستينيات إلى اليوم

لم يربك الانقلاب العسكري في النيجر الموازين والحسابات السياسية في هذا البلد الأفريقي فقط، بل امتدت تداعياته الراهنة والمستقبلية لتطال عديداً من البلدان الأفريقية والعربية، سواء التي لها جوار مباشر مع النيجر أو تلك البعيدة جغرافياً.

وعلى رغم البعد الجغرافي للمغرب عن النيجر، غير أنه يشعر بكونه معنياً بمآلات الوضع السياسي في هذا البلد الذي تربطه به علاقات دبلوماسية قائمة، وهو ما جعل الرباط تمسك العصا من الوسط في موقفها من هذا الانقلاب، ومن عديد من الانقلابات العسكرية التي تشهدها القارة السمراء.

قارة الانقلابات

بإطاحة الرئيس محمد بازوم في النيجر، يكون هذا البلد الأفريقي قد سجل الانقلاب العسكري الخامس منذ استقلاله عام 1960، وأول انقلاب عسكري منذ عام 2010، وهو الواقع نفسه الذي عاشته بلدان أفريقية أخرى من قبيل مالي وبوركينا فاسو وغانا وغيرها.

ويبدو أن القارة الأفريقية عادت من جديد إلى "ظاهرة الانقلابات العسكرية" خلال العقد الأخير، كحل سياسي يراه المنقلبون أقصر الطرق المتاحة لتدبير الوصول إلى السلطة عوض اللجوء إلى "اللعبة الديمقراطية" وصناديق الاقتراع.

وبعد أن خفتت حدة الانقلابات العسكرية في القارة السمراء في بداية الألفية الثالثة، عاد الوهج إلى هذه الطريقة في الجلوس على كرسي السلطة في أكثر من بلد أفريقي خلال العقد الأخير من الألفية الثالثة.

وفي السنتين الأخيرتين، شهدت أفريقيا سبعة انقلابات عسكرية، باحتساب الانقلاب في النيجر، وهو رقم كبير في ظرف زمني قصير، كما أن هذه القارة عرفت تنفيذ 205 محاولات انقلاب منذ الستينيات إلى اليوم.

ويهتم المغرب بما يجري في هذه الدول التي تعيش على وقع الانقلابات العسكرية، بالنظر إلى ما نسجته الرباط من علاقات دبلوماسية مع معظم بلدان القارة السمراء، اعتماداً على بحث المملكة ترسيخ عمقها الاستراتيجي داخل القارة.

وللحفاظ على "أدنى حد" من هذه العلاقات الدبلوماسية على رغم من وقوع الانقلابات، فإن المغرب غالباً ما ينهج سياسة التريث بإصدار بلاغات تتحدث بلغة وسطية، فلا ترفض الحكام الجدد، كما لا تنتقد النظام المنقلب عليه.

مواقف المغرب من الانقلابات

في هذا الصدد، يقول هشام معتضد خبير سياسي واستراتيجي، إن مواقف الدبلوماسية المغربية من الانقلابات العسكرية في أفريقيا مبنية على القيم السياسية والمبادئ الدبلوماسية التي تؤطر العلاقات الدولية للرباط مع محيطها الخارجي والفاعلين الدوليين، وأبرزها احترام السيادة الترابية للدول، والتوجهات السياسية للسلطة الشرعية، ورغبة الشعوب، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

وأوضح الأستاذ في جامعة "شيربروك" الكندية أن الرباط عادة ما تباشر منذ توصلها بالتقارير الأولية عن أي عملية انقلابية، بجمع كل المعطيات الاستراتيجية المرتبطة بالانقلاب، وتحاول بناء تشخيص دقيق ومتزن حول تطورات الوضع، من أجل اتخاذ الخطوات اللازمة لتقديم المساعدات الأولية، أو تبني موقف سياسي واضح يسهم بتأطير السياق ومحاولة تخفيف الأزمة.

واستطرد المحلل عينه أن مواقف المغرب السياسية اتجاه الانقلابات في أفريقيا، وبخاصة تلك التي تقع في مناطق نفوذها الاستراتيجية ودول تجمعها بها علاقات وطيدة، تأخذ بعين الاعتبار مجموعة من العوامل، من أبرزها التقارير الاستخباراتية بالعملية الانقلابية، وتاريخ العلاقات السياسية مع بلد الانقلاب، وقوة العلاقات الاقتصادية مع سلطات البلد، إضافة إلى الفضاء الجيوسياسي والمنطقة الجيواستراتيجية التي يقع فيها الانقلاب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأكمل معتضد قائلاً "ثقافة المغرب الدبلوماسية اتجاه النزاعات السياسية الداخلية والسطو السياسي العسكري على القيادات المركزية لطالما تشبثت بخطاب سياسي يشجع على لم الشمل الداخلي، وبناء قنوات التواصل السياسي، والحفاظ على الوحدة الداخلية، وعدم تشجيع التدخلات الأجنبية، لذلك فالمغرب يتمسك دوماً بالشرعية السياسية في تدبير مراحل الانقلابات، ويستمع لصوت الشعب الداخلي من أجل بناء مواقفه الدبلوماسية".

وذهب معتضد إلى أن "انخراط المغرب الأفريقي في استتباب الأمن والاستقرار السياسي يدفع توجهاته السياسية والدبلوماسية، وبخاصة مواقفه السيادية، إلى تبني خطاب ينسجم مع المسار التاريخي للوجود المغربي في أفريقيا والتزاماته التاريخية في الفضاء الأفريقي"، مبرزاً أن "صناع القرار في المغرب لا يتسرعون عادة في التموقع السياسي اتجاه أي محاولات انقلابية طالما أن تمرين الشرعية السياسية لم يمارس من طرف الشعب المعني".

مخاطر الانقلابات

من جهته يرى عبدالواحد ولاد مولود، باحث في العلاقات الدولية، أن "ظاهرة الانقلابات العسكرية في منطقة الساحل وغرب أفريقيا تعد وباء حقيقياً أصاب المنطقة في السنوات القليلة الأخيرة، مقرونة بتزايد التهديدات الأمنية على غرار تنامي الجماعات المتطرفة والجريمة المنظمة والهجرة غير النظامية".

ويشرح ولاد مولود أنه "منذ عام 2008 عادت المنطقة إلى وتيرة الانقلابات العسكرية بداية من الانقلاب الذي عرفته موريتانيا بإطاحة الرئيس معاوية ولد سيدي الطايع، وتبعته انقلابات دول أخرى"، متابعاً أنه "بعد الخضات الأمنية التي عرفتها المنطقة المغاربية وأرخت بثقلها على منطقة الساحل والصحراء بدأت الظاهرة في الاستفحال، بخاصة انقلاب مالي عام 2013".

وأبرز المتحدث ذاته أن "هذه الانقلابات قد تشكل خطراً في المنطقة برمتها، وبطريقة غير مباشرة على بلدان أخرى عدة من بينها المغرب"، لافتاً إلى أن "الانقلاب يفضي إلى تغير طبيعة الحكم في البلد، كما قد تتغير أسس الدولة، وتعاد صياغة الدستور، وتتبدل سياستها الخارجية".

وأعلن ولاد مولود أن "المغرب تربطه علاقات وطيدة مع دول الساحل والصحراء، لا سيما مالي وبوركينا فاسو والنيجر، كما أنه يلتزم خلال هذه الأحداث بالحياد الإيجابي، انطلاقاً من عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول".

واعتبر المحلل أن "المغرب يعي جيداً كون الانقلابات تعطل مسارات السياسة الداخلية لهذه الدول، كما تؤثر في سياستها الخارجية، لهذا فهو يحاول النأي بنفسه عن التدخل في ما يجري داخل هذه الدول، وذلك للحفاظ على مشاريعه وشراكاته معها، في محاولة لإقامة توازن استراتيجي يصون هذه العلاقات في المديين المتوسط والبعيد".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات