Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

من أفغانستان إلى الساحل، إخفاق عقيدة التمرد المضاد

انقلاب النيجر شأن سيطرة "طالبان" على السلطة في أفغانستان هما علامة على خاتمة دور سياسي وعسكري دولي وعلى إخفاق عقيدة التمرد المضاد على ما نبهت صحيفة "لوموند" الفرنسية

ثمة  بعد رمزي ووزن استراتيجي للانقلاب في النيجر (أ ف ب)

ملخص

ليس بين المتمردين الأفغان وبين الانقلابيين النيجيريين نقاط مشتركة تذكر. إلا أن تمردهما يؤذن بختام دور سياسي وعسكري دولي

بين الصور المتلفزة اليوم من نيامي، عاصمة النيجر، وصور هرب الغربيين من كابول، عاصمة أفغانستان، في أغسطس (آب) 2021، قرابة تبعث على القلق. وتناولت صحيفة "لوموند" الفرنسية أوجه الشبه هذه وذهبت إلى أن مصدر القلق هو المأزق الاستراتيجي الذي يظهر في الحالين. ولا شك في أن الصدمة النيجيرية أضعف وقعاً من الصدمة الأفغانية. والانقلاب العسكري في بلد الساحل الأفريقي أقل خطراً من استيلاء التمرد الطالباني على السلطة.

وجاء انقلاب العسكريين في نيامي، في 26 أغسطس، غداة انقلابات مشابهة في مالي (2020 و2021)، وفي بوركينا فاسو. وتغلب في البلدان الثلاثة نقمة محلية على فرنسا. ونبهت الصحيفة إلى أن هذه الانقلابات تعجّل في انهيار بنية الإجراءات العسكرية الفرنسية في الخارج. وكانت علامات الانهيار ظاهرة منذ إعلان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن إنهاء عملية "برخان". ولا شك في انسحاب قيادة الانقلاب، في 3 أغسطس، من اتفاقات الدفاع النيجيرية - الفرنسية، خطوة إضافية على طريق بطلانها والتخلي عنها.

وسلط فريديريك بوبان في الصحيفة في الخامس من أغسطس الجاري، الضوء على البعد الرمزي والوزن الاستراتيجي للانقلاب. وليس بين المتمردين الأفغان وبين الانقلابيين النيجيريين نقاط مشتركة تذكر. إلا أنهما قرينة على خاتمة دور سياسي وعسكري دولي. وقام هذا الدور على انتشار خارجي، معظمه غربي، سعى في إرساء استقرار دول هشة في وجه حركات تمرّد محلية. وانتهى معه دليله النظري، أي عقيدة التمرّد المضاد contre -  insurrection التي تتخبط في الضباب.

والمفصل الذي يربط المسرحين، الساحلي والأفغاني، هو هذه المنهجية المشتركة، والفكرة التي تتوسط عمليتي التدخل، وحربهما على "الإرهاب"، هي بمكانة السكان أو الأهالي المركزية. وتفترض الفكرة أن المكاسب العسكرية لا جدوى منها إذا لم تقترن بحماية الجماعات المحلية، ولم تنتزع من نفوذ متمردين ماهرين في استغلال إخفاقات الدولة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولا شك في أن مقاتلي "طالبان" أو "المقاتلين الإسلامويين" عموماً، تذرّعوا بشكاوى الجماعات المهمّشة والمستلبة، شأن "الباشتون" في أفغانستان وهيمنة "الطاجيك" عليهم غداة 2001، وشأن قوم "بول" الساحل  Peuls في مواجهة "الطوارق"، والقبائل السنية حيال القوة الشيعية المتعاظمة في العراق. وترتّب على هذه الحال فرض معالجة الشعور بالتهميش، وضمان استفادة الجميع من الخدمات العمومية والتنمية الاقتصادية، إلى ضمان الأمن في عهدة جيوش وطنية جُدّد بناؤها، وأُعدّت لخلافة الأوصياء الأجانب عليها بعد حين.

وصاغ هذه العقيدة، وترجع مصادرها إلى الحملات الاستعمارية في قيادة ليوتي وغالياني، في حلتها المعاصرة الجنرال الأميركي ديفيد بترايوس، مؤلف "الدليل الميداني 2403"، في 2006. وقام هذا الدليل، في إطار حرب العراق، مقام الضوء الذي يهدي إلى انتصار التمرد المضاد. ولا ينكر الضابط الأميركي الذي كان على رأس القوة الدولية في أفغانستان، في 2010- 2012، دينه إلى ضابط فرنسي هو العقيد دافيد غالولا (1919- 1967).

وكان هذا نشر، في الولايات المتحدة، في 1964، كتاباً وسمه بعنوان "التمرد المضاد. النظرية والممارسة"، بلغت شهرته الآفاق، واستخلص فيه دروس تجربته في الجزائر في ضوء معرفته الحميمة بحركات التمرد الشيوعية في آسيا. وانفرد الكتاب بالتنبيه إلى مكانة السياسة والأيديولوجية، ودورهما في "حبس الريح عن النفخ في أشرعة المتمرد" المسلح. "غالولا هو الجسر بين الفكرين الفرنسي والأميركي"، يلاحظ المحلل والخبير الأميركي، مايكل شوركين، وهو باحث سابق في راند كوربوريشين ووكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أي).

وأفضى مسير هذه الأفكار في الأكاديميات العسكرية إلى الشعار المثلث: التنظيف، الصمود، البناء. وينبغي أن تتولى العمليات العسكرية، في ضوئه، شق الطريق إلى "بناء الدولة". وعليه، دعا العسكريون الفرنسيون، وهم يتكلمون على "عمليات مدنية- عسكرية"، الوكالة الفرنسية للتنمية إلى الإسهام في مهمات غير عسكرية في بلدان الساحل.

ونبّه بوبان في مقاله الآنف الذكر إلى شوائب عقيدة استمالة السكان، "القلوب والعقول"، إلى طرف الدول المحلية، وما يشوبها من تناقضات حادة. وأولها يترتب على عامل الوقت. "كتب غالولا في ظروف كولونيالية، وسعى في تثبيت مشروعية نظام كولونيالي أراد دوامه إلى الأبد"، يكتب م. شوركين. ولذا، فهو لا يتناول مسألة الانسحاب ولا مسألة مراحله الملازمة. أما التمرد المضاد، في حقبة ما بعد الاستعمار، فيخدم دولة مضيفة في إطار عملية تنفّذ في وقت معلوم.

وعندما أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما، في ديسمبر (كانون الأول) 2009، عن خطة مد القوات الأميركية في أفغانستان بقوات إضافية قوامها 30 ألف جندي) وعرفت بـ ("سيرج") قال: "ستعود قواتنا إلى الوطن في غضون ثمانية عشر شهراً". وهو الوقت الذي يقتضيه قلب ميزان القوة العسكري، ونقل المهمة إلى الأفغان. فكيف يثق الفلاحون الأفغان بعسكريين أجانب لن يتأخر وقت رحيلهم؟

والتناقض الثاني هو الالتفاف الفعلي على سيادة دول تزعم القوة الأجنبية مساعدتها على التماسك والصمود. ويؤدي اشتراك دول حليفة كثيرة في قوة المساعدة العسكرية- على غرار بابل التحالف حول الأميركيين في أفغانستان أو خليط المتدخّلين في الساحل "بارخان"، و "مينوسما"، وبعثات التدريب الأوروبية، و"جي 5"، وقوة "ثاكوبا"- إلى تعدد مراكز القرار على حساب سلطة الدولة المضيفة. وتفترض إرادة معالجة جذور التمرد التصدّي لـ "تجديد العقد الاجتماعي"، على قول م. شوركين. وتحمل الدولة الشريكة الأمر على تدخل حاد.

ويميل العسكريون الغربيون، ثالثاً إلى الاستعانة الظرفية بعسكر محلي رديف. ومثل هذا التوكيل الأمني يؤدي إلى الإخلال بالموازين القومية (الإثنية)، ويضعف الجيش الوطني. وامتنع العسكريون الفرنسيون في بلدان الساحل من التوسل بالتوكيل على قدر توسل الأميركيين به في أفغانستان. لكنهم انزلقوا بعض الشيء إلى استعمال ورقة "الطوارق" في مالي، وأثاروا حفيظة باماكو.

فيدور التدخل في حلقة مفرغة، ويغذي الانزلاق العسكري في وجه متمردين متمرسين وأشداء، ويتمتعون في حال أفغانستان بحماية الملجأ الباكستاني، التدخل الأجنبي. ويحفّز هذا بدوره النزعة الوطنية المحلية في الدولة المضيفة. وأفضيت هذه الحال، منذ 2009- 2010، في كابول، إلى الجفاء الحاد بين الأميركيين وبين حميد كارزاي. وجاهر هذا بأنه لا يرضى أن يتحول إلى "لعبة"، على رغم تنصيبه عن يد واشنطن. واعترف في 2014 بضم روسيا جزيرة القرم، متحدّياً الأميركيين.

وشهد الساحل تشنجات في صفوف النخب الوطنية تشبه التشنّجات الأفغانية. وعوّلت هذه النخبة على الكراهية الشعبية للفرنسيين، والموروثة من العهد الاستعماري. فمهّدت الطريق لانقلابات مالي وبوركينا فاسو، وأخيراً النيجر. ويسَّر انقلاب العسكريين عودة روسيا إلى القارة، وتلويحها باحتمالات استراتيجية جديدة. والحرب الإعلامية التي تشنّها موسكو عامل يضاف إلى عوامل أخرى مثل (بعض) الغطرسة الفرنسية، وذاكرة التدخل في ليبيا، في 2011، وما نجم عنه من اضطراب بلدان الساحل واختلال أمنها.

وحري بالمنظرين، في ضوء هذه الوقائع، استخلاص الدروس من إخفاق نظرية التمرد المضاد في أفغانستان والساحل، وتناقضاتها. وفي الأثناء، ينبغي معالجة الضرورات الميدانية، وأولها التوسع "الجهادي". واعتماد سياسة القتل المستهدف، أي الاغتيال، تشتري بعض الوقت، ولكنها لا تعالج المسألة.

المزيد من تحلیل