Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 هل تقلل انقسامات غرب أفريقيا فرص حل أزمة النيجر؟

يتسرب القلق لـ"إيكواس" من انخراط جيوش الديمقراطيات الحديثة بالمنطقة في انقلابات مماثلة

قادة ورؤساء دول غرب أفريقيا خلال اجتماع في غانا (أ ف ب)

ملخص

يتسرب القلق لـ"إيكواس" من انخراط جيوش الديمقراطيات الحديثة غرب أفريقيا في انقلابات مماثلة لما وقع في النيجر، والانقسامات وتصدع المواقف بين الدول الأعضاء أبرز المؤشرات

 ظلت منطقة غرب أفريقيا تتعرض إلى هزات سياسية عديدة، إضافة إلى المهددات الأمنية والإرهابية التي لم تتوحد الجهود لمواجهتها، بل أصبحت سبباً في الفرقة.

منذ عهد الاستعمار قسمت المنطقة إلى دول فرانكفونية، وهي المستعمرات الناطقة باللغة الفرنسية وتضم موريتانيا والسنغال ومالي وغينيا وساحل العاج وبوركينا فاسو وبنين والنيجر، ودول أنغلوفونية، وهي المستعمرات الناطقة باللغة الإنجليزية وتضم غامبيا وغانا ونيجيريا والكاميرون وسيراليون، وعلى رغم تأسيس عدد من المنظمات الإقليمية التي ضمت هذه الدول معاً في تكامل اقتصادي وأحياناً أمني- عسكري، لكنها لم تكن موحدة بالكامل، فالتنافس الذي كان بين مستعمِراتها انتقل إليها وأصبح العداء عنوان العلاقات بين بعضها.

 وحين أطاح الانقلاب الذي وقع بالنيجر في 26 يوليو (تموز) الماضي الرئيس المنتخب ديمقراطياً المؤيد للغرب محمد بازوم، نصب مجلس عسكري بقيادة الجنرال عبدالرحمن تياني، الذي أعلن نفسه "رئيساً للمجلس الوطني لحماية الوطن". وكان تياني قد عينه الرئيس السابق محمدو يوسوفو قائداً للحرس الرئاسي خلال ولايتيه الرئاسيتين بين عامي 2011 و2021، واستمر في عهد محمد بازوم، الذي حاول إقالته قبل فترة من الانقلاب لتمدد سلطاته المتمثلة في كتيبة الحرس الرئاسي.

  قابل جنرالات النيجر تهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بالتدخل العسكري واستخدام القوة لاستعادة النظام الدستوري بالرفض القاطع لأي تدخل، متهمين فرنسا بتشجيع "إيكواس" لرغبتها في التدخل عسكرياً لإعادة بازوم إلى منصبه،  وبدلاً من الاستجابة اقترح تياني إقامة فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات.

مواجهة النزاعات

منذ تأسيسها في 25 مايو (أيار) 1975، تكونت "إيكواس" بموجب اتفاقية "لاغوس" من اتحاد ضم دول غرب أفريقيا وصلت الآن إلى 15 دولة، كان هدفها توفير الاكتفاء الذاتي للدول الأعضاء وكاتحاد تجاري يهدف إلى إنشاء كتلة تجارية واحدة كبيرة من خلال التعاون الاقتصادي، ومع أن "اتفاقية لاغوس" تناولت الجوانب الاقتصادية والتنموية دون الاهتمام بالقضايا الأمنية والقضايا السياسية، ووجدت المنظمة نفسها مرغمة على التدخل سياسياً وفي عملية حفظ السلام والأمن لمواجهة النزاع في ليبيريا عام 1990، فهذا ما دفعها بعد ذلك إلى إرفاق مؤسسات جديدة بالمجموعة، فأنشأت مفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، ومحكمة العدل، وبرلمان المجموعة، و"بنك إيكواس للاستثمار والتنمية"، ومنظمة الصحة لغرب أفريقيا، ومجموعة العمل الحكومية الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في غرب أفريقيا، إضافة إلى الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، والمنطقة النقدية لغرب أفريقيا.

 كما تدخلت "إيكواس" عسكرياً خلال العقود الماضية في كل من ساحل العاج وغينيا بيساو ومالي وغامبيا، وفي يناير (كانون الثاني) 2022، قرر قادة "إيكواس" إغلاق حدود بلدانهم مع دولة مالي وتجميد أرصدتها لدى المصارف ومنع التحويلات البنكية، وسحب كافة الدبلوماسيين من باماكو، وإلغاء كافة أشكال التعاون والمساعدات المالية باستثناء الأدوية والمواد الغذائية، بعد قرار قادة الجيش المالي تمديد فترة بقائه في السلطة خمس سنوات إضافية، بعد الانقلاب الذي نفذوه في مايو (أيار) 2020.

ولكن الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا وهي الرأس الأخضر وغامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والسنغال وسيراليون وبنين وبوركينا فاسو وغانا وساحل العاج والنيجر ونيجيريا وتوغو، لم تكن على وفاق دائماً، وشكلت القضايا في ما بينها وأزماتها الداخلية أسباباً دائمة للخلافات والانشقاقات والتكتلات مثلما يحدث الآن، فبينما اتفقت دول "إيكواس" وأعلنت جيوشها عن استعدادها للتدخل العسكري في النيجر، قالت مالي وبوركينا فاسو إن أي عملية ضد نيامي ستكون بمثابة "إعلان حرب" ضدهما، بينما وصف المجلس العسكري في غينيا العقوبات المفروضة على النيجر بأنها "غير شرعية وغير إنسانية".

موقف صارم

 حرك الموقف الصارم لدول "إيكواس" بالتدخل العسكري في النيجر عوامل عدة، أولاً، واجهت المجموعة انتقادات لاذعة لفشلها في اتخاذ موقف قوي مع الانقلابات السابقة في غرب أفريقيا، وتتطلع "إيكواس"، التي تقودها الآن نيجيريا، إلى دور قوي لتحل محل الاتحاد الأفريقي و"إيغاد" في منطقة الساحل.

وزاد على ذلك الاهتمام الدولي بالمنطقة، وزيادة الحراك السياسي فيها، وبداية تخلصها من النظم العسكرية الطويلة، فخلال السنوات العشر الماضية حدث تناوب للحكم بين عسكري وديمقراطي بوتيرة سريعة ومتكررة، مما جعل "إيكواس" تعتقد بأن كلا النهجين، العسكري والديمقراطي هشان ويمكن التحكم في أي منهما بالقوة الإقليمية فقط.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثانياً، نشوء موجة شعبوية رافضة للوجود الفرنسي في البلاد إثر تمكين بازوم القوات الفرنسية والأميركية في بلاده من اتخاذ قواعد لمكافحة الإرهاب دون أن ينتج من ذلك نتائج ملموسة، فضلاً عن الاستغلال المستمر للبلاد من جانب فرنسا، وفشل هذه الدول في الحد من الهجمات الإرهابية المتشددة في شمال النيجر، جعل قيادة الحرس الرئاسي تطالب بمحاسبة بازوم، لا سيما بعد أن تبنت جماعة موالية لتنظيم "القاعدة"، أخيراً، المسؤولية عن هجوم ضد جيش النيجر، في المثلث الحدودي بين النيجر وبوركينا فاسو ومالي.

ثالثاً، دمج المشاعر الأفريقية المعادية للغرب مع مناهضة السياسة الفرنسية جراء تعاملهم مع اللاجئين الأفارقة، مما أثار لبعض الوقت تساؤلات حول علاقات النيجر المتناقضة مع مستعمرتها السابقة، ولم تقتصر هذه المشاعر على الداخل النيجري فقط، وإنما وصل تصدي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتحديات اللاجئين في الداخل، فقد سعى أيضاً إلى وضع فرنسا ضمن الدولة المناوئة للهجرة من أفريقيا، في الوقت الذي يواجه تحدي التغلب على التهديدات الخارجية وصياغة سياسة خارجية وأمنية جماعية متماسكة تظهر فرنسا كحامية لدول غرب أفريقيا.

رابعاً، تسرب القلق من انخراط جيوش الديمقراطيات الحديثة في غرب أفريقيا في انقلابات مماثلة لانقلاب النيجر، وتشير إلى ذلك الانقسامات وتصدع المواقف بين الدول الأعضاء.

محاذير التدخل

 وحسب ما يتردد في غرب أفريقيا فإن "إيكواس" بإمكانها تعبئة حوالى 50 ألف جندي للعملية، مما يفتح الباب واسعاً لاحتمال صراع عسكري فوضوي بين دول غرب أفريقيا وسيكون غير مسبوق ومحفوفاً بالمخاطر. 

وعلى رغم أن دول غرب أفريقيا تراهن على التدخل العسكري، معتقدة أن الرد القوي على الانقلاب سيعزز نجاح المجموعة خصوصاً أن تدخلها العسكري في أحداث سابقة إما نجح أو أحرز تقدماً، ولكن كثيراً من المحاذير تحيط بهذا التدخل، في أن وضع النيجر مختلف، وسيمثل التدخل أكبر تحد تواجهه المجموعة منذ 30 عاماً.

ويراهن قادة الدفاع لدول غرب أفريقيا على أن التدخل سيكون الملاذ الأخير، لكن لا يخفى النهج المتشدد الذي تتبعه المجموعة، خصوصاً الرئيس النيجيري بولا تينوبو، رئيس "إيكواس" لهذه الدورة، وعدم إخفائه طموحه بأن يجعل نيجيريا قوة إقليمية عظمى، وذلك من كون نيجيريا تتمتع بنفوذ كبير في مجموعة "إيكواس"، وتمثل 63 في المئة من الناتج الاقتصادي للكتلة، وفقاً لـ"بنك إيكواس" للاستثمار والتنمية، أكثر من بقية دول التكتل الـ 14 مجتمعة، وتعتمد عليها "إيكواس" في التدخل العسكري لأنها تمتلك أكبر جيش في المنطقة، ويبلغ تعداده نحو 220 ألف جندي وطائرات مقاتلة أميركية وصينية وألمانية.

 ومع ذلك، فإن هناك محاذير تتعلق بأن التدخل يمكن أن يؤدي إلى تعطيل عمليات مكافحة الإرهاب المشتركة في المنطقة، ويمكن أن يمتد النزاع إلى الدول المجاورة، كما أن الدول الغربية لا تعارض تدخل "إيكواس" عسكرياً، ولكنها ستحافظ على موقعها بعيداً من الأحداث المباشرة وتطورها.

وتمكنت "إيكواس" بداية من النجاة من موجة العداء بالتحول إلى استراتيجيتها التاريخية للاستجابة للأزمات، ولكنها علقت أخيراً في القرارات العاجلة، فساواها النيجريون مع فرنسا في العداء، وسلحت "إيكواس" نفسها بآليات جديدة لزيادة نفوذها على الدول الأعضاء التي تعدها متمردة ولا تحترم معايير الديمقراطية.

حرب إقليمية

 تفاصيل عملية التدخل العسكري كثيرة، وقد تستغرق أشهراً عدة، ولكن اختصار زمنها قد ينطوي على أخطار كبيرة، بما في ذلك الوقوع في خضم صراع طويل الأمد وزعزعة استقرار النيجر والمنطقة بشكل أكبر، وقد عمل قائد الانقلاب الجنرال عبدالرحمن تياني كقائد كتيبة لقوات حفظ السلام التابعة لـ"إيكواس" في ساحل العاج بعد وقف إطلاق النار بين القوات الحكومية والمتمردين في عام 2003، ومن هنا نبعت معرفته بمهام التدخل، وتعالت تحذيراته لقادة المجموعة.

وضع قادة "إيكواس" المجموعة أمام خيارين، إما أن يتراجعوا عن التدخل، وسيؤثر ذلك في مصداقيتهم وأداء الهياكل المتفرعة منها، أو يصروا على التدخل في ظل تصاعد التوتر وفي هذه الحالة، سيؤدي إلى تداعيات أبرزها اندلاع حرب إقليمية شاملة، وستتوقف جهود مكافحة الإرهاب، لأن الدول الملتزمة حالياً الدخول في النيجر ستحول جيوشها ومواردها إلى هناك، ومن التداعيات أيضاً تدفق اللاجئين نحو دول المعبر في طريقهم إلى أوروبا وستكون فرنسا في الواجهة تتلقى اللوم بانعدام الأمن والأزمات الاقتصادية، والحيلولة دون وصول اللاجئين إلى أراضيها، إضافة إلى النازحين الذين سيضيفون مشكلات أخرى للمشكلات الإثنية والاقتصادية الداخلية. 

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل