Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"العار" رواية الترهيب البرازيلي على طريقة جورج أورويل

آنا ماريا ماتشادو تواجه مظاهر الخداع العام وجرائم القتل

الروائية البرازيلية آنا ماريا ماتشادو (صفحة الكاتبة - فيسبوك)

ملخص

آنا ماريا ماتشادو تواجه مظاهر الخداع العام وجرائم القتل

تحكي رواية "العار" للكاتبة آنا ماريا ماتشادو  Ana Maria Machado (1941)، قصتين مختلفتين يجمعهما البحث حول قوة الحقيقة ومدى صمودها أمام محاولات التشكيك وعدم التصديق، في بلد يئن تحت وطأة الفساد، على مستويات عدة، على الرغم من تمتعه بنظام حكم ديموقراطي! الرواية صدرت باللغة البرتغالية في العام 2011، وأنجز عمار منير ترجمتها إلى اللغة العربية أخيراً ضمن سلسلة "كتب مختلفة" (دار العربي – القاهرة). والبلد المقصود هو البرازيل الذي تذهب هذه الرواية إلى أنه يعاني من تمييز عنصري تمارسه الأقلية ضد الأغلبية الثرية في تنوعها العرقي والثقافي، ومن بينها السكان الأصليون، على غرار ما كان يحدث مثلاً في جنوب أفريقيا. السرد موزّع بين شخصيتين محوريتين، الأولى يمثلها سفير متقاعد يقضي وقته في القراءة ومتابعة الأخبار التي تنشرها الصحف المحلية وتتفاعل معها برامج تلفزيونية، إلى أن يتسلم مجلداً يحوي يوميات متشظية كتبتها ابنته، التي توفيت قبل بضع سنوات على نحو مفاجئ، بما أنها كانت في ريعان شبابها. تشعره قراءة اليوميات هو وزوجته بعدم ارتياح ناحية ما عرفاه سابقاً عن ملابسات وفاة ابنتهما، وأن ما قيل لهما خلال السنوات الماضية من أنها ماتت بأزمة قلبية، لم يكن حقيقياً تماماً. في الناحية الأخرى، هناك موظف حكومي، هو الشخصية الثانية، يوشك أن يبلغ سن التقاعد، "تلفت انتباهه بعض الوقائع الغريبة والمتكررة في العمل، تزعجه وتثير استياءه، لتتحول بعدها حياته المهنية إلى أسوأ سيناريو كان يمكنه تخيله". تتلاقى القصتان وتكتمل الصورة التي تطرح السؤال التالي: هل دائماً علينا قبول ما يقدم لنا ويبدو أنه الحقيقة التي تغنينا عن عناء أي بحث أو تساؤل؟

حياد غامض

في هذا السياق ترد صفحات من كتاب عن "التاريخ المقدس"، وتعليقات مطوّلة عليها من جانب السفير السابق المولع منذ نعومة أطفاره، بقراءة عيون الأدب العالمي، والقصص الديني، على السواء. وكان يمكن الاكتفاء بالإشارة إلى مضمون تلك الصفحات في إطار التدليل على ما تسببه الأكاذيب من كوارث، من مثل قصة النبي يوسف مع إخوته الذين أخبروا أباهم كذباً بأن الذئب أكله، وقصة النبي دانيال والمرأة التي اتهمت زوراً بالزنا ونجح بحكمته في تبرئتها.

السفير المتقاعد "مانويل سيرافين سواريش دي فيلينا"، وزوجته "آنا أميليا"، ومعهم حفيدهما "فيليب لويس"، الدبلوماسي الراغب في العمل مخرج أفلام وثائقية، قرروا التحري عن سبب موت "سيسيليا" الحقيقي ومدى تورط زوجها "شافيير"، وهو أيضا دبلوماسي، تحوم شبهات حول تورطه في فساد حكومي، في هذا الشأن. قبل وفاة سيسيليا"، أو "سيا"، كما يدللها المقربون منها بعام، طلبت أمها منها أن تأتي من البلد الذي تقيم فيه مع زوجها بحكم عمله، إلى منزل الأسرة في ريو دي جانيرو، وتمكث معهم بضعة أشهر، بعدما أصر "شافيير" على أنها مضطربة عقلياً، فيما تنكر هي ذلك وتردد أنه يتخيَّل أنها مريضة وتحتاج إلى علاج نفسي. كانت أمها تدافع عنها وتدعمها، بينما أخذ والدها، الذي يعتقد أن "اليقين التام يصعب الوصول إليه وأحياناً يكون مستحيلاً"، موقفاً من الحياد الغامض. في فترة إقامتها في ريو دي جانيرو، لم يظهر على "سيسيليا" أي من أعراض اعتلال صحتها العقلية، واقتنع الجميع أن "تلك الصورة المقلقة السابقة كانت تتعلق فقط بحالة عدم التكيف العابرة تجاه بيئة أجنبية عدائية ومنعزلة، ليس لها فيها أصدقاء، وتتواصل فيها بلغة غريبة وسط مناخ صعب"... "وتتعلق أيضاً بالصعوبات التي نشأت بسبب المنصب الجديد لزوجها، وتحدياته التي تمثَّلت في الحياة الاجتماعية المرهقة، وسط مجتمع مغلق وحكومة استبدادية"  ص63.

كوابيس أورويل

تقرر "سيسيليا" فجأة السفر إلى زوجها الدبلوماسي المريب، ولم يرها والداها بعد ذلك، مرة أخرى. يستعين السفير المتقاعد بـ "ميلا"، وهي تعمل في التدريس الجامعي، لتقرأ له، نظراً لضعف بصره، بحكم التقدم في السن... "يجد في الأخبار (في الصحف المحلية) كوابيس  أفدح من كوابيس أورويل السياسية"؛ في إشارة إلى الكاتب جورج أورويل وروايتيه "1984"، و"مزرعة الحيوان". ثم لا يلبث أن يقرر، بتشجيع من زوجته، الاهتمام على نحو حاسم بما كتبته ابنته المتوفاة من يوميات ويشرك حفيده في هذا الأمر؛ متيقناً هذه المرة، من أنهم "سيكشفون جريمة أو ربما بضع جرائم"، مرتبطة بوفاة سيسيليا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعند هذه النقطة يبدأ تلاقي تلك القصة مع قصة أخرى، بطلها موظف حكومي يدعى "كوتشيدو" يمتلك مستندات تدين عدداً من زملائه بنهب المال العام، وابنه "جورجاو" المعالج الطبيعي يتردد بانتظام على بيت السفير المتقاعد ليساعده على السير مجدداً بلا معاناة من آلام الركبتين. وبمجرد ظهوره في برنامج تلفزيوني ليتحدث عن الفساد المالي الذي استشرى في مقر عمله، حتى تتحول حياته إلى جحيم، ويجد نفسه مضطراً التواري عن الأنظار، واستشارة محام، بعدما أشاع خصومه أنه هو الذي يسرق، وأنه يمارس أعمالاً أخرى غير أخلاقية. يخبر ابنه بشكوكه، ويقول له: "إذا حدث لي شيء فلتكن على يقين أنهم هم من فعلوا ذلك". ص 83. يتولى السرد في معظم المتن، راو عليم، لكنه يسلمه من وقت إلى آخر، إما إلى السفير المتقاعد، أو إلى الموظف الحكومي الموشك على التقاعد. الإثنان لا يلتقيان مطلقاً، لكن حكاية الثاني ستصير معروفة بالنسبة إلى الأول من خلال ما تنشره الصحف عنها، بإيعاز من أشخاص فاسدين، ومن خلال اتصاله المباشر مع المعالج "جورجاو".

خداع عام

هكذا يجري استخدام الصحافة في ما يتفق السفير المتقاعد و"كوتشيدو" على أنه "خداع عام". ويجد "مانويل سيرافين"، أن ذلك يستهدف تثبيط الروح المعنوية المتعلقة بالديموقراطية، ناشراً القناعة بأنّ لا قيمة للبرلمان، وأن القضاء لا يفعل شيئاً، وأن القوانين لا جدوى منها ولا نفع من كل السياسيين" ص92. وأثناء ذلك يقرر "لويس فيليب" العمل على فيلم وثائقي اختار له العنوان الدال: "نُشر بتهور"، منطلقاً مما حدث لـ "كوتشيدو" الذي ازداد التنكيل به من جانب مديره في العمل، ليسقط في الأخير مصاباً بنزيف في الدماغ، يفقده الوعي، مما يقربه من الموت الحقيقي بعدما قتله الإعلام الفاسد معنوياً... "لقد قاموا بسحقه كدودةٍ. أما أصدقاؤه فكانوا يهربون منه كفأر مريض". "مانويل سيرافين" بات أكثر اقتناعاً بأن "سيسيليا" ماتت منتحرة، بعد ضغوط نفسية رهيبة فرضها عليها زوجها الذي كان يخونها مع امرأة أخرى ويرفض تطليقها حتى لا تقاسمه ثروته. يقرر كتابة مذكراته، بعدما خضع لجراحة حسَّنت قدرته على الإبصار، واقترب من الخلاص من الشعور بالذنب، مما كان يعتبره تقصيراً من جانبه بحق ابنته... "ابنتي لم تعد على قيد الحياة. هذا النورس الذي أراه يحوم ويحلق في السماء حي، وكذلك الكلب والحصان والفأر على قيد الحياة. ابنتي هي التي رحلت ولن تعود أبداً" ص293.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة