Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما مصير "فاغنر" بعد مصرع قائدها؟

انحلال المجموعة أو الاندماج بصفوف الجيش الروسي أو البحث عن قائد جديد أبرز الخيارات وجميعها في يد بوتين

ملخص

أُعلن عن مقتل مؤسس "فاغنر" يفغيني بريغوجين في حادثة تحطم طائرة، في تطور سيترك مرتزقة المجموعة التي يترأسها من دون قائد، وفي مواجهة مستقبل يشوبه كثير من عدم اليقين والغموض

تأكد مقتل مؤسس مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين، في حادث تحطم طائرة، وهو على ما يبدو أنه سيكون حدثاً سيغير في مجرى الأحداث وسيترك مقاتلي المجموعة بلا دفة توجههم في مواجهة مستقبل غامض للغاية.

ويعتقد أن بريغوجين، السجين السابق الذي تحول إلى رائد مطاعم فاخرة ثم إلى أحد سادة الحرب، صعد على متن طائرة خاصة من طراز "إمبراير" Embraer كانت متجهة من موسكو إلى سانت بطرسبرغ، قبل أن تتحطم فوق منطقة تفير، متسببة في مقتل جميع من كانوا على متنها.

تأتي هذه الحادثة بعد مرور شهرين بالضبط على قيام بريغوجين بقيادة رجاله في تمرد تسبب بإحراج كبير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين والكرملين، حيث ترك المقاتلون [التابعون لبريغوجين] مواقعهم في جنوب أوكرانيا، واحتلوا مدينة روستوف أون دون الروسية، قبل التوجه نحو موسكو عبر الطريق السريع "أم 4" M4.

وقد شكلت هذه الحادثة ذروة الخلاف المستمر منذ أشهر عديدة بين بريغوجين وأركان القوات العسكرية الروسية العليا، بسبب القرارات التي اتخذها بوتين خلال غزوه لأوكرانيا، وعدم حصول مرتزقة بريغوجين على دعم كاف في معركة مدينة باخموت شرق أوكرانيا.

 كان بريغوجين ناقداً بارزاً لرئيس الأركان الروسية فاليري غيراسيموف ووزير الدفاع سيرغي شويغو، على خلفية أسلوبهما في قيادة الجهود الحربية خلال أشهر الشتاء.

للتذكير، أوقفت الانتفاضة الدرامية التي أطلقها عناصر "فاغنر" في 23 يونيو (حزيران) بعد مضي 24 ساعة على بدايتها، بعد أن أصبحوا على مسافة نحو 125 ميلاً من موسكو، [وأمكن وضع حد لها] بعد مفاوضات مكثفة مع الكرملين، توسط فيها رئيس بيلاروس ألكساندر لوكاشينكو، وقد أعلن بريغوجين بنتيجتها أن قواته وافقت على التراجع، تجنباً لإراقة دماء روسية في الشوارع. وبموجب الاتفاق [الذي تم التوصل إليه]، وافق بريغوجين - وعدد من مقاتليه - على الانتقال إلى بيلاروس. لكن مع ذلك، التقطت صورة لزعيم "فاغنر" بعد ذلك في روسيا، مما يضيف لمسة غامضة إلى تحركاته.

وحتى اليوم، لم تعرف تفاصيل مؤكدة حول ما كان يأمل بريغوجين تحقيقه. لكن من الممكن أن يكون قد اعتقد أنه قادر على الإطاحة بغيراسيموف وشويغو، مع أنه يصعب التصديق أنه كان سيفعل ذلك من دون حصوله على دعم [داخلي]، أقله من بعض النخب العسكرية في روسيا، لكن "العناد" هو صفة تليق فعلاً ببريغوجين.

وقبل أن يلاقي بريغوجين حتفه بساعات، ترددت أخبار في وسائل الإعلام الروسية الرسمية بأن سيرغي سوروفيكين، المعروف بلقب "الجنرال هرمجدون" - وتربطه علاقة وطيدة ببريغوجين بحسب التقارير - أقيل رسمياً من منصبه كقائد للقوات الجوية الروسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والمعلوم هنا هو أن بريغوجين وعدداً من كبار شخصيات "فاغنر" كانوا قد التقوا بوتين في الكرملين في 29 يونيو الماضي، بعد خمسة أيام من حدوث التمرد، بنية إجراء محادثات هدفت ظاهرياً إلى تصفية الأجواء. وفي هذا الإطار، كشف المتحدث الرئاسي دميتري بيسكوف أن اجتماعاً مباشراً [مع القادة] استمر لثلاث ساعات بحضور 35 شخصاً، وأن قادة وحدات "فاغنر" أكدوا خلاله ولاءهم لقائدهم [بريغوجين].

وفي حديث أجراه الرئيس فلاديمير بوتين لاحقاً مع مراسل من جريدة "كوميرسانت" Kommersant  الروسية الحكومية، كشف أنه قدم خيارات متعددة لقوات "فاغنر"، من بينها الاستمرار في أنشطتهم بقيادة شخص يعرف بلقب "سيدوي" Sedoy، ومعناه "الأشيب" [باللغة الروسية]، بعد أن بقوا يقاتلون بقيادته على امتداد 16 شهراً.

وأكد بوتين قائلاً: "أمكنهم جميعاً الاجتماع في مكان واحد والاستمرار في أداء واجبهم، من دون أي يطرأ عليهم أي تغيير يذكر. وكانوا سيستمرون في [خدمة] قائدهم الفعلي الذي كان يوجههم طوال هذه الفترة".

وتابع بوتين: "أومأ كثيرون بالإيجاب [معربين عن تأييدهم] لكلامي"، مضيفاً أن "بريغوجين كان جالساً في الصفوف الأمامية ولم يشاهد ما حصل، وهو قال بعد أن استمع لتفسيري: 'لا، زملائي لا يوافقون على هذا القرار'".

 

 

قد تعطي هذه المعطيات لمحة عما يجول في خاطر بوتين حالياً، لكنه لن يرغب في خسارة حضور [عناصر] "فاغنر" في أفريقيا، حيث أصبحوا يمثلون عملياً امتداداً للنفوذ الروسي في المنطقة. ويعتقد أن "فاغنر" لديها آلاف المقاتلين في القارة الأفريقية، وقد رسخوا تواجدهم في دول مثل مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث تتهمهم جماعات حقوق الإنسان ومنظمة الأمم المتحدة بارتكاب جرائم حرب.

وفي سياق متصل، قامت الولايات المتحدة باتهام مقاتلي "فاغنر" باكتساب ثروات شخصية عن طريق إبرام صفقات ذهب غير مشروعة في أرجاء القارة [الأفريقية].

في الفترة التي سبقت تحطم الطائرة، راح بريغوجين يعبر بوضوح عن التزام "فاغنر" تجاه أفريقيا. ففي يوليو (تموز) الماضي، شارك في قمة روسيا-أفريقيا في فندق "تريزيني بالاس" Trezzini Palace Hotel بمدينة سانت بطرسبرغ، والتقطت له صور أمام خرائط للقارة [الأفريقية]، وكان يتصرف بود مع الدبلوماسيين. وفي وقت سابق من الشهر الجاري، أصدر بياناً يؤكد فيه دعمه للانقلاب في النيجر، في مقطع فيديو جرى تصويره ظاهرياً في أفريقيا، وشجع فيه على الاستثمار الروسي في جمهورية أفريقيا الوسطى. والملفت أن الأعلام الروسية والهتافات [المؤيدة] لـ"فاغنر" قد تحولت [أخيراً] إلى سمة من سمات التظاهرات [التي أطلقها] مؤيدو الانقلاب في النيجر.

من جهتها، رجحت راما يادي، المديرة العامة لـ"مركز الأطلسي لشؤون أفريقيا" Atlantic Council’s Africa Center، ألا يكون هذا [السلوك] قد ساعد قضية بريغوجين. وأكدت أن " بوتين كان واضحاً جداً عندما قال إن المتمردين 'خانوا البلاد... و[إنه] لم يعد بوسعه الوثوق ببريغوجين، الذي كان يخضع للتحقيق بتهمة التمرد المسلح. وحتى بعد نفيه [إلى بيلاروس]، ظل بريغوجين يشكل خطراً على مصالح روسيا في أفريقيا، وربما اعتبر منافساً لها، وصاحب مصالح تتضارب [مع مصالح الدولة الروسية]."

وأشارت إلى أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد تحرك ليطمئن حلفاء بلاده الأفارقة في القمة بأن عمليات روسيا في مالي وخلف حدودها "ستستمر بالطبع"، بعد أن أعربوا له عن قلقهم حيال ما تعنيه أفعال "فاغنر" بالنسبة إليهم.

 

 

وكشف البروفيسور ديفيد لويس من جامعة إكزيتير لـ "اندبندنت" أنه بمصرع بريغوجين، "ترك خلفه إمبراطورية أعمال شاسعة وعابرة لثلاث قارات"، ومن المرجح أن تشهد هذه الإمبراطورية اضطرابات، بالنظر إلى أن "شركات بريغوجين تشارك في سلسلة كبيرة [ومتنوعة] من الأعمال، بدءاً بتقديم الوجبات في مدارس روسيا، ووصولاً إلى [تشغيل] منجم ذهب ضخم في جمهورية أفريقيا الوسطى".

ووفق توقعات البروفيسور لويس، "ستتطلع الفصائل المختلفة المرتبطة بالجيش الروسي للاستيلاء على هذه العقود التجارية الرابحة ولإنشاء شركات امتياز نافذة جديدة تسمح بتوسيع نفوذ روسيا في أفريقيا. وصحيح أن بريغوجين برع بشكل خاص في إدارة هذه الشبكات العابرة للحدود، لكن الاستغناء عنه ممكن. بالتالي، ستجد روسيا طرقاً جديدة لاستخدام المرتزقة، وتبرم صفقات تجارية مشبوهة بهدف منافسة الغرب في مجال فرض تأثير في الشرق الأوسط وأفريقيا."

وفي نظر يادي، يقف مرتزقة "فاغنر" اليوم أمام ثلاثة خيارات هي إما الانحلال الكامل، أو التوطين والاندماج في صفوف الجيش النظامي الروسي، أو البحث عن قائد جديد للمجموعة. أما زميل يادي في مجلس الأطلسي، آرييل كوهين، فحذر من أنه لو قرر [عناصر] "فاغنر" مواصلة القتال [ولو ليوم واحد]، "فسيكون اندماجهم في الجيش الروسي صعباً، إذا ما أخذنا بالحسبان أن عدداً كبيراً من المقاتلين قد أظهروا ولاءهم لبريغوجين شخصياً، إذا تم ربط القوات المسلحة الروسية النظامية بهؤلاء المرتزقة، فإن ذلك سيضعف قدرة الحكومة الروسية، الضعيف فعلاً، على إنكار أي صلة لها بأنشطتهم.

 

ومنذ التمرد، يتمركز نحو خمسة آلاف عنصر من المجموعة داخل ثكنات في بيلاروس بانتظار أن يعاد نشرهم. ويقوم بعض من هؤلاء المقاتلين بتدريب جنود من جيش بيلاروس على مسافة أميال قليلة من حدود بولندا. ومن المؤكد أن وارسو، وهي عضو في حلف "الناتو"، قلقة بما فيه الكفاية بشأن تواجد [هؤلاء المقاتلين]، مما حثها على نقل حتى 10 آلاف جندي لتعزيز حدود بولندا. وفي أعقاب تحطم الطائرة، أشار رئيس الوزراء البولندي ماتيوس مورافيسكي إلى أن عناصر "فاغنر" قد يمثلون خطراً أكبر حتى، مع ظهور احتمال بأن يصبحوا في إمرة بوتين مباشرةً.

وقال مورافيسكي خلال مؤتمر صحافي: ""ستخضع مجموعة فاغنر لقيادة بوتين. بالتالي، فليجب كل طرف عن السؤال [التالي] بنفسه – هل سيكون التهديد أكبر أم أصغر؟ بنظري، هذا سؤال بلاغي محض [هدفه فقط التأثير الخطابي]".

بيد أن المراسلة البيلاروسية هانا ليوباكوفا أفادت بالقول: "إن دوافع بقاء مرتزقة فاغنر في بيلاروس تتلاشى بسرعة. وتبقى مجريات الأحداث المستقبلية مشوبة بالغموض".

وتابعت أن "وجودهم في بيلاروس ناجم في الأساس عن جهود لوكاشينكو لإظهار ولائه لبوتين. وقد تجلى ذلك في [إقدامه على] ترهيب دول الغرب المجاورة وأوكرانيا، وقد نال هذا الموقف إعجاب بوتين".

"الآن، بعد مقتل بريغوجين، قد يتعرض المرتزقة لضغوط تجبرهم على مغادرة بيلاروس. ومن المرجح أن يبعث رحيلهم راحة في النفوس لدى شعب بيلاروس".

وأضافت أن مقتل بريغوجين سيكبح جماح رئيس بيلاروس لوكاشينكو، الذي كان يتباهى بدوره المهم في إنهاء التمرد بطريقة سلمية، وهو بمثابة تذكير له - وكذلك للعالم - بأن فلاديمير بوتين هو من يسيطر فعلياً على الوضع. 

اسأل خبيراً في شؤون روسيا وأوكرانيا حول ما ينتظر فاغنر وحول الحرب ضمن فعالية "اطرح علي أي سؤال" مساء اليوم.

© The Independent

المزيد من متابعات