Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريغوجين ولغز الطائرة الثانية

عدم استخدام قائد "فاغنر" الراحل وفريقه لطائرتهم الأخرى المخصصة لهم يظل لغزاً يكتنفه غموض شديد

ملخص

الرئيس البيلاروسي بعث رسالة أمنية مشفرة إلى بوتين بأن محاولة تجرى لاغتيال يفغيني بريغوجين.

حادثة تحطم طائرة زعيم ومؤسس شركة الحراسة الخاصة (فاغنر) يفغيني بريغوجين تظل لغزاً عصياً على الحل حتى اليوم، ولا يزال الصمت الذي يكتنف تلك الحادثة المأسوية يصم الآذان، وحتى كلمات العزاء القليلة التي سمح الرئيس فلاديمير بوتين وللمرة الأولى أن ينطق بها في حق بريغوجين ورفاقه لم تجب عما يتطاير من تساؤلات لما تضمنته من الشيء ونقيضه، وبما حال دون موقف صريح من آخرين، وذلك على رغم أن بوتين أعلن غير مرة أنه لا يرتبط بأية صداقة مع يفغيني وأنه لا علاقة رسمية له بالدولة، مكتفياً بالقول إنه يعرفه.

ونذكر أن بوتين أعلن في أحد مؤتمراته السنوية تعليقاً على وصف بريغوجين بـ "طباخ الرئيس" ألا طباخ له بمثل هذا الاسم، وأن كل طاقم خدماته من ضباط أمنه الخاص التابعين لجهاز أمن الرئاسة، وإن كانت كل هذه الكلمات لا تنفي السمة المتفردة التي خص بها بوتين تلك الشخصية بما جمعته من تناقضات، وذلك موقف يعيد للأذهان واقع وجود "فاغنر" التي لم يذع صيتها ويتسع نطاق نشاطها إلا مع بداية "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في أوكرانيا، فقد ظل الرسميون من المسؤولين ينكرون وجودها حتى أعوام قريبة مضت، مكتفين بالإشارة إلى أنها قد تكون شركة حراسة خاصة على غرار شركة "بلاك ووتر" الأميركية التي ظهرت في العراق، على رغم أنها كانت قد تشكلت وظهرت ككيان قائم بذاته مع اندلاع الأزمة الأوكرانية، أو بقول أدق قبيل إعلان روسيا ضم شبه جزيرة القرم، وما تلا ذلك من أحداث في منطقة جنوب شرقي أوكرانيا في أعقاب إعلان مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك انفصالهما عن أوكرانيا عام 2014، بعد ما وصفته موسكو بالإطاحة بالرئيس الأوكراني الأسبق فيكتور يانوكوفيتش.

وكانت مجموعة "فاغنر" نمت وتطورت مع بدايات العملية العسكرية الروسية في سوريا اعتباراً من سبتمبر (أيلول) 2015، على رغم ألا قانون في روسيا يشرع وجود "المنظمات العسكرية الخاصة"، وذلك ما أعلنه الرئيس فلاديمير بوتين خلال اجتماعه في الكرملين مع 35 من قياداتها في الـ 29 من يونيو (حزيران) الماضي، وقال بوتين آنذاك إنه "لا وجود لـ ’فاغنر‘ فليس لدينا قانون بذلك، وذلك يعني أنه إذا لم يكن هناك قانون فلا توجد شركة عسكرية خاصة"، وذلك ما أورده معلق صحيفة "كوميرسانت" الروسية أندريه كوليسنيكوف نقلاً عن الرئيس الروسي ورداً على سؤاله في شأن مستقبل "فاغنر" بعد تمردها في  الـ 24 من يونيو الماضي، إذ ذكر كوليسنيكوف أن بوتين أكد أنه "لا يوجد مثل هذا الكيان قانوناً"، وبدا بوتين يتحدث وكأنه محام قائلاً "هناك مجموعة ولكن من الناحية القانونية غير موجودة".

وكرر الرئيس أن "هذه قضية منفصلة وتتعلق بالتشريع الحقيقي، لكن هذا سؤال تجب مناقشته في مجلس الدوما والحكومة، وهو سؤال صعب".

واستطرد مراسل "كوميرسانت" ليسرد ما قصه عليه بوتين حول أنه عرض في ذلك الاجتماع على قادة "فاغنر" بحضور 35 شخصاً، وقال لهم "حسناً أنتم في الكرملين"، وهناك كثير من خيارات التوظيف بما في ذلك تحت إشراف قائدهم المباشر، أي أنه هو الشخص الذي خدم مقاتلو "فاغنر" تحت قيادته طوال الـ 16 شهراً الماضية.

ثم أضاف بوتين، "كان بوسعهم جميعاً أن يجتمعوا في مكان واحد ويستمروا في الخدمة ولم يكن ليتغير شيء بالنسبة إليهم، وسيقودهم الشخص نفسه الذي كان قائدهم الحقيقي طوال الوقت"، وفق ما ذكره كوليسنيكوف.

 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتحدثت مصادر أيضاً عن أن بوتين عيّن أندريه تروشيف قائداً جديداً لـ "فاغنر" في أعقاب الحادثة التي راح ضحيتها بريغوجين ونائبه دميتري أوتكين، إضافة إلى تروشيف وهو عقيد متقاعد سبق وخدم في أفغانستان وفي الحربين الشيشانيتين الأولى والثانية.

ومن المقرر أن يتولى تروشيف قيادة ما بقي من مجموعة "فاغنر" للعمل في روسيا ممن وافقوا على التعاقد مع وزارة الدفاع الروسية، وكانت العناصر القيادية لـ "فاغنر" لقيت حتفها في حادثة تحطم الطائرة بعد ارتكابها خطأ السفر مجتمعة على متن طائرة واحدة، ومنهم أوتكين نائب بريغوجين، وفاليري تشيكالوف الذي كان يشرف على حراسته الشخصية، مع أربعة آخرين هم سيرغي بروبوستين ويفغيني ماكاريان وألكسندر توتمين ونيكولاي ماتسويف، وكانوا جميعهم ضمن الفريق الذي قاتل في سوريا.

كما كانت هناك طائرة أخرى أعدت لهذا الغرض عملاً بإجراءات الاحتياطات الأمنية التي لطالما جرى اتباعها في مثل هذه الحالات، أما لماذا لم يجر استخدامها فذلك أيضاً من ألغاز الموقف التي تظل في حاجة إلى تفسير، شأن ما يكتنف اختفاء القائد السابق للقوات المشتركة في أوكرانيا سيرغي سوروفيكين من غموض شديد.

وثمة من يشير إلى أن سوروفيكين الذي كان يشغل منصب قائد القوات الجوية واختفى عملياً منذ الـ 24 من يونيو الماضي لأسباب قيل إنها تتعلق بشكوك في صدقية ما قام به لإثناء "فاغنر" عن تمردها وحقيقة علاقته ببريغوجين، وكان قائداً لقوات العملية العسكرية الخاصة الروسية في أوكرانيا لفترة لم تتجاوز أشهراً عدة، شغل بعدها منصب قائد القوات الجوية الروسية في العملية العسكرية الروسية قبل تعيينه واحداً من النواب الثلاثة لرئيس أركان القوات المسلحة الروسية وقائد القوات المشتركة الجنرال فاليري غيراسيموف، مما يعني ستاراً لخلاف غير معلن في قيادة القوات المشتركة.

ويعني ذلك أيضاً أن بوتين حاول التفاوض علناً مع قيادات مجموعة "فاغنر" من دون الدخول في صراع مع بريغوجين، لأنه في ذلك الوقت كان على رغم كل خطاياه لا يزال قائداً للمجموعة ويحتاج إليه لضمان الانتقال السلس إلى عناصرها تحت قيادة أندريه تروشيف، لإجبارهم على تسليم المعدات العسكرية الثقيلة لوزارة الدفاع والانتقال إلى بيلاروس، على أن يجرى ذلك من دون مشكلات أو خلافات، ولعل ذلك كان تفسيراً لما سمح به لبريغوجين من حرية الحركة والانتقال بما في ذلك زيارة سان بطرسبورغ التي حضر إليها خلال قمة رؤساء بلدان روسيا – أفريقيا والتقى عدداً من قيادات القارة السمراء، كما وفر الفرصة أمام السلطات المعنية لتقييم الأصول الجيوسياسية التي يتمتع بها بريغوجين مثل موارده وعلاقاته في البلدان التي يوجد فيها.

أما عن الجنرال سيرغي سوروفيكين فقد تم تحييده من منصب قائد القوات المشتركة ثم عزله من موقعه الأخير كأحد نواب قائد القوات المشتركة وقائد القوات الجوية على النحو الذي لا يعني بالضرورة ملاحقته جنائياً، وليستعيد شويغو وغيراسيموف مواقعهما السابقة في قمة السلطة العسكرية بما يسمح لهما بالتخلص من جيش المتطرفين والمتعاطفين معهم.

وقد وفر كل ذلك الإيحاء أو الأوهام، بما في ذلك بالنسبة إلى بريغوجين نفسه، بأن الصراع قد انتهى أو في أقل تقدير لن ينجم عنه لاحقاً ما قد يبدو كعقاب على التمرد، وكان مطلوباً من زعيم "فاغنر" أن يختفي من المجال العام في روسيا، وإن كان ذلك لا يعني أن نشاطه في أفريقيا سينقطع، بل وسيستمر بالتنسيق مع الدولة.

وانتقلت "فاغنر" إلى بيلاروس من دون مشكلات أو صراعات، وتمكنت السلطات من تقييم قابلية التفاوض مع أفراد المجموعة، وثمة من يقول إنه يمكن أن يكون من الصعب اليوم الحديث عن حاجة بوتين إلى خدمات بريغوجين إلى الحد الذي يجعله يعتبره غير قابل للاستبدال، لكن ذلك لا يعني حتمية ذلك الاستبدال على مثل ذلك النحو المأسوي الذي يظل في حاجة إلى انتظار ما يمكن أن تسفر عنه التحقيقات.

وكان بوتين ضاعف جهوده منذ مطلع العام الحالي لاستعادة تدرج القيادة العسكرية للقوات مما سمح لبريغوجين باستكمال الاستيلاء على إرتيوموفسك (باخموت)، جنباً إلى جنب مع استعادة القيادة العسكرية لوضعها المركزي، وجرى عرض نظام التعاقد على المقاتلين مع وزارة الدفاع بما يفرض النظام والانضباط بين القوات من خلال هيئة الأركان العامة، وكان ذلك قراراً مبدئياً من جانب بوتين قلل من تقدير بريغوجين ودرجة جرأته واستقلاليته التي حققها على مدى العام ونصف العام الماضيين، وذلك في توقيت بالغ الحرج كانت القيادة العسكرية تبدو فيه في حاجة إلى استعادة الانضباط الواجب.

على أن ذلك كله لا يحول دون الشك في احتمالات وجود البديل الذي يرتبط بوجود الطائرة الثانية التي كانت معدة للاستخدام ضمن إجراءات الاحتياطات الأمنية، وهو ما لم يستبعده الرئيس بوتين بإشارته إلى ضرورة الانتظار حتى انتهاء لجان التحقيق من عملها والتي حسمت الموقف بما أعلنته من أنها خلصت أخيراً إلى أن نتائج الكشف عن شخصيات ضحايا الطائرة تتفق مع الأسماء التي وردت في قائمة ركاب هذه الطائرة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير