Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كلفة العودة المدرسية تقصم ظهر العائلات التونسية

تتزامن بداية العام التعليمي مع نهاية موسم الصيف والمناسبات العائلية ووضع اقتصادي صعب

تؤكد وزارة التربية التونسية توفير شروط نجاح العودة المدرسية في الـ15 سبتمبر (اندبندنت عربية)

ملخص

الوضع الاقتصادي في تونس يلقي بظلاله على العودة المدرسية

تتزامن العودة المدرسية هذه السنة في تونس مع تدهور اقتصادي واجتماعي غير مسبوق في البلاد يتجلى من خلال تدني القدرة الشرائية وارتفاع نسبة التضخم وزيادة الأسعار، مما يؤرق معظم العائلات المنهكة التي تسعى إلى توفير مستلزمات العودة المدرسية التي تقدرها منظمة "إرشاد المستهلك" بحوالى 900 دينار (300 دولار) للتلميذ الواحد، بينما تؤكد وزارة التربية والجهات المعنية أنها وفرت شروط نجاح هذه العودة التي ستكون في الـ15 من سبتمبر (أيلول) 2023.

وأكدت وزارة التربية جاهزيتها الكاملة لاستقبال حوالى مليوني ونصف مليون تلميذ في أكثر من 4500 مدرسة ابتدائية، و1500 مدرسة إعدادية ومعهد ثانوي في الموسم الدراسي الجديد، وطمأنت نادية العياري، مديرة عامة في وزارة التربية، التونسيين بأن "العودة المدرسية ستكون جيدة وفي ظروف ملائمة باعتبارها استحقاقاً وطنياً"، مشيرة إلى أن مصالح وزارة التربية "هيّأت أكثر من 4000 مدرسة من خلال توفير المياة الصالحة للشرب وتعهد دورات المياه وصيانتها، كما ضبطت الحاجات الأساسية للمدرسين من خلال التعاقد مع 1570 معلماً لتفادي النقص في عدد من المواد".

التعليم لمن استطاع إليه سبيلا

في الأثناء، يكابد التونسيون من أجل توفير مستلزمات أبنائهم الدراسية، ويؤكد كمال العبيدي، (موظف في شركة خاصة)، له ولدان يدرسان في المرحلة الثانوية وابنة في الجامعة، أنه يشقى من أجل توفير حاجاتهم الأساسية من كتب وكراسات ولوازم أخرى، ويقول "الأسعار ارتفعت بشكل كبير، لم أعُد قادراً على الاستجابة لكل طلبات أبنائي في التعليم الثانوي، الكراس المدعوم من الدولة مفقود أو يُباع بشروط"، متسائلاً "عن أي عدالة يتحدثون؟ وهل فعلاً نحن في منظومة تعليمية مجانية؟".

ويثير جملة من الأسئلة التي باتت تؤرق العائلات التونسية في ظل انسداد الآفاق، إذ لم يَعُد التعليم مصعداً اجتماعياً أمام البطالة التي تفتك بعشرات الآلاف من أصحاب الشهادات العليا.

ودعا العبيدي إلى "ضرورة إعادة النظر في منظومة التعليم في تونس من أجل ضمان التوازن بين التعليم العمومي والخاص، ومراقبة هذا الأخير الذي أصبح ملاذ عدد من العائلات التونسية القادرة على إلحاق أبنائها بالتعليم الخاص لجودته، وللعناية التي يلقاها التلاميذ في الوسط المدرسي، مقارنة بالتعليم العمومي الذي يعاني أوقات فراغ كثيرة".

أين الكراس المدعوم؟

من جهتها، تساءلت زينب بن فضل، (أمّ لفتاتين) في التعليم الابتدائي عن "أسباب عدم توافر الكراس المدعوم على رغم أن وزارتي التربية والتجارة أكدتا طباعة الملايين منه"، مضيفة أن "الكراس التحق بقائمة المواد الأساسية الأخرى المدعمة والمفقودة من الأسواق".

وتحدثت  بن فضل عن "الصعوبات التي تواجهها من أجل تأمين الحاجات الأساسية لعودة ابنتيها إلى الدراسة، مؤكدة أن مرتبها لم يعد يكفي لتأمين مستلزمات العودة، مما يرغمها على اللجوء إلى الاستدانة عند كل دخول مدرسي ولافتة إلى أن "زوجها يعمل في القطاع الخاص وبالكاد يوفر مصاريف العائلة اليومية".

في الأثناء، يؤكد رئيس إحدى المنظمات الإرشادية لطفي الرياحي أن "مستلزمات العودة المدرسية ارتفعت هذه السنة (2023) بين 15 و18 في المئة مقارنة بالعام الماضي، وطالب وزارة التربية بتحديد قوائم اللوازم المدرسية وتقليص طلبات الكراسات الفاخرة وبقية الأدوات باهظة الثمن التي تسهم في تدهور القدرة الشرائية للمواطن لتفادي الإتلاف الورقي في آخر السنة".

وشدد على أنه "في ظل ما نعيشه اليوم من كلف عالية للعودة المدرسية إلى جانب النقل والدروس الخصوصية، لا يمكن الحديث عن تعليم مجاني".

طباعة 13 مليون كتاب مدرسي

في المقابل، يقلّل المدير العام للمركز الوطني البيداغوجي محمد العدالي من الجدل في شأن غلاء أسعار المستلزمات المدرسية، مؤكداً أن "سعر الكتاب المدرسي سجّل هذه السنة زيادة رمزية عبارة عن 0.16 دولار في سعر الكتاب الواحد، نظراً إلى ارتفاع أسعار الورق وعمليات الطباعة وكلفة النقل"، ومضيفاً أن "سعر الكتاب الذي يقدمه المركز الوطني البيداغوجي أقل بكثير من أسعار الكتب الأخرى التي تباع في الأسواق".

ويدعو إلى "ترشيد استهلاك الكتب المدرسية لأن الكتاب مدعوم من الدولة ويواجه صعوبات كبرى مرتبطة بالوضع الاقتصادي للبلاد".

وأعلن العدالي أنه "تمت طباعة 13 مليون نسخة من الكتب المدرسية في 206 مراكز وهي موجودة بتصرف الأولياء والتلاميذ"، مشيراً إلى أن "نسبة التوزيع على الجهات تجاوزت 72 في المئة" ومؤكداً أن "الكتاب هذه السنة 100 في المئة تونسي وقد تم تجاوز الأخطاء التي سجلت السنة الماضية في بعض الكتب المدرسية".

ويشار إلى أن رئيس الجمهورية قيس سعيد زار في الـ17 من أغسطس (آب) الجاري المركز الوطني البيداغوجي، واطلع على آخر الاستعدادات للعودة المدرسية لهذه السنة، مشدداً على أنه "يجب أن تكون كل الكتب المدرسية متوافرة في الوقت المناسب وبالكميات المطلوبة وبأسعار تأخذ في الاعتبار الوضع المادي للمواطنين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"لا يذهب إلى مستحقيه"

وفي ما يخص الكراس المدعوم، أوضح رئيس الغرفة الوطنية لتجار الجملة والمواد المدرسية والمكتبية فيصل العباسي أن سعره زاد خلال الأعوام الأخيرة بسبب ارتفاع سعر الورق في السوق العالمية، معتبراً أن"مسألة الدعم في تونس تعدّ معضلة كبرى لأن الكمية التي تم إنتاجها من الكراس المدعوم غير كافية ولا تذهب إلى مستحقيها".

من جهتهم، عبّر عدد من أصحاب المكتبات عن تذمرهم من نقص الكتب والكراس المدعوم، فيقول صامد بالعربي إن "مزودي المكتبات لا تتوافر لديهم الكتب المدرسية كاملة وبالكميات المطلوبة"، لافتاً إلى "نقص في عدد من المراكز والمكتبات علاوة على النقص الفادح في الكراس المدعوم مما يطرح إشكاليات يومية".

واستحسن صامد بالعربي الإجراء الجديد الذي وضعه المركز الوطني البيداغوجي والمتمثل في "طلب الكتب المدرسية من المزودين عن بُعد"، مستدركاً أن "نسبة كبيرة من الطلبات لا تتم الاستجابة لها بسبب خلل في التزود بالكتب المدرسية".

السوق الموازية ملاذ التونسيين

وأمام غلاء أسعار المستلزمات المدرسية في المكتبات، يجد عدد من التونسيين ضالتهم في الأسواق الموازية حيث تتكدس الأدوات المدرسية مجهولة المصدر على قارعة الطريق وفي الأسواق الأسبوعية وبأسعار مناسبة.

ودعت وزارتا الصحة والتجارة في بلاغ مشترك إلى "ضرورة اقتناء الأدوات المدرسية من المكتبات"، محذرة من "شراء تلك التي لا تحمل البيانات الضرورية للتعريف بالمنتوج وهوية المصنّع والمورّد والتركيبة واحتياطات الاستعمال وتاريخ الصنع".

وعلى رغم أن فرقاً مشتركة من الوزارتين شرعت في عمليات المراقبة في مختلف مسالك التوزيع واتخذت إجراءات قانونية وحجزت كميات من المستلزمات المدرسية التي تشكل خطراً على صحة الطفل والتلاميذ، إلا أن الظاهرة تتجاوز قدرات الدولة، ولا تزال تلك المواد معروضة في شوارع العاصمة.

وتتزامن العودة المدرسية هذا العام مع استمرار الخلافات الحادة التي تشق العلاقة بين نقابات التعليم ووزارة التربية، فبعد سنة دراسية صعبة وتأخر عودة عدد كبير من التلاميذ بسبب إضراب المعلمين المطالبين بتسوية وضعياتهم وعزل وزارة التربية عدداً من المديرين بسبب تمسكهم بحجب الأعداد، يتخوف التونسيون من تكرار السيناريو نفسه هذا العام أيضاً.

وفي بيان لها صدر الإثنين الماضي، دعت الجامعة العامة للتعليم الأساسي وزارة التربية إلى "مفاوضات عاجلة بخصوص جملة من القضايا" وصفتها بـ"المستعجلة لتجنب التداعيات السلبية وإنصاف المتضررين منها في أسرع وقت، على غرار صرف رواتب المديرين المعزولين وصياغة مشروع جدي للإصلاح التربوي من خلال تحسين المضمون وتجويد المادة التي يتلقاها التلاميذ في ظل تدهور لافت لمستوى التعليم في تونس".

وبالتوازي مع انطلاق السنة الدراسية الجديدة، تنطلق الاستشارة الوطنية لإصلاح التعليم التي أعلن عنها رئيس الجمهورية في الـ10 من أغسطس الجاري والتي سيتم إثرها وضع القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للتربية والتعليم، فهل يؤسس ذلك لبداية حقيقية لإصلاح التعليم الذي أقرت تونس مجانيته وإلزاميته من خلال قانون صدر عام 1958، ثم تعزز في دستور 2022؟

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير