Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

جبانات القاهرة التاريخية تشهد "قيامة المعاول"

عمليات الهدم تتواصل ولجنة التقييم تستقيل وطلبات إحاطة في البرلمان ودعاوى أمام المحاكم

تحظى بقيمة تاريخية كبيرة على رغم عدم تسجيلها كآثار، الأمر الذي لا يوفر لها الحماية (أ ف ب)

ملخص

 أثارت أعمال الهدم الأخيرة لبعض المقابر ذات الطراز المعماري الفريد تساؤلات حول السبب وراء عدم وجود ضمان لحمايتها.

تشهد قضية الجبانات التاريخية في مصر أزمات مستمرة خلال الفترة الأخيرة، وتتصاعد بين حين وآخر مع أعمال هدم بعض المقابر أو إدراج علامات إزالة على أخرى، أو إعلام بعض العائلات من أصحاب المدافن بوجود خطة لإزالتها نظراً إلى تقاطعها مع الطريق المزمع تنفيذه.

ومنذ فترة طويلة لا ينتهي السجال بين الأثريين والمثقفين والمتخصصين في الهندسة وحتى بين عوام الناس الذين يرون في هذه المقابر جزءاً رئيساً من تاريخ مصر الذي دائماً ما كان يقدر فكرة الموت، ومن هنا كانت العلاقة بين المصريين والمقابر فريدة من نوعها، ودائماً ما عكست الجبانات طبيعة المجتمع في وقت معين اقتصادياً واجتماعياً وفنياً.

وأثارت أعمال الهدم الأخيرة لبعض المقابر ذات الطراز المعماري الفريد التساؤلات عن السبب وراء عدم وجود ضمان لحماية مثل هذه المباني ذات القيمة الفنية والمعمارية الكبيرة، والتي يمثل بعضها مراقد لشخصيات عظيمة كان لها أثر كبير في التاريخ المصري، كما يعود عمر بعضها لمئات السنين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويشترط القانون في مصر عوامل لابد من أن تتوافر في مبنى أو موقع معين لتسجيله ضمن الآثار، ومن بينها أن يكون مر عليه 100 عام، وبعض هذه الجبانات تعود لمئات السنين، وخلال الفترة الأخيرة عثر بعض الباحثين المهتمين بتراث الجبانات على شاهد قبر لسيدة عمره 1000 عام وليس 100.

التصريح الدائم من المسؤولين بأنه لم ولن يتم هدم أية مقبرة مسجلة ضمن الآثار حقيقي بالفعل، لكن السؤال المطروح حالياً هو لماذا لم تسجل الجبانات التاريخية كأثر، بخاصة أن القاهرة التاريخية بكاملها أدرجتها "يونيسكو" كموقع تراث عالمي ومن ضمنها الجبانات التاريخية.

أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة القاهرة ورئيس اتحاد الأثريين العرب محمد الكحلاوي يقول لـ "اندبندنت عربية" إن "الجبانات التاريخية في مصر تنقسم إلى ثلاثة أقسام، جبانة المماليك ومقابر الإمام الشافعي ومقابر السيدة نفيسة، وهي قائمة منذ بداية العصر الإسلامي في مصر وحافظت على طابعها ومعالمها طوال عصور عدة، وفي ما يتعلق بتسجيلها في عداد الآثار فقد كان هناك مشروع بالفعل عام 2015 لتسجيلها لكنه لم يكتمل، وكثير من المباني والمواقع يجب أن يتم تسجيلها لأهميتها وقيمتها الكبيرة، لكن وزارة الآثار لا تقوم بذلك لأنه يحتاج إلى تمويل ونفقات للصيانة والمتابعة والترميم المستمر للأثر، وهي أمور قد لا تكون متوافرة، لكن يجب أن يكون ذلك ضمن أولويات للدولة باعتبار أن هذه المواقع تمثل جزءاً من تاريخنا، والحفاظ عليها لا بد من أن يسبق أية بنود أو موازنات أخرى يمكن تقليصها أو إلغاؤها".

ويضيف الكحلاوي أنه "في ما يتعلق بالجبانات التراثية فهي مدرجة على قوائم ’يونيسكو‘ للتراث العالمي باعتبارها جزءاً من القاهرة التاريخية، وتشترط ’يونيسكو‘  لإدراج أي موقع أن تكون له سلسلة تاريخية متصلة وغير منفصلة، وأن يمثل جزءاً من نسيج المدينة التاريخي، وهذا حاصل بالفعل في الجبانات، ومن المفترض أن يكون ذلك سبباً كافياً للحفاظ عليها من الهدم، فالموقع بكامله يجب أن يكون محمياً ويسجل كأثر وليس كل مقبرة على حدة".

طراز معماري فريد

وعادت قضية الجبانات للضوء خلال الأيام الأخيرة بعد تداول صور على مواقع التواصل الاجتماعي توضح تدميراً داخل مقبرة أمير الشعراء أحمد شوقي، وأنباء عن إزالة مقبرة الإمام ورش، صاحب إحدى القراءات السبع للقرآن الكريم، وما جرى من هدم لمقبرة الأمير إبراهيم حلمي وما يجري تداوله حالياً من أن مقبرة الأمير يوسف كمال معرضة للإزالة، بخاصة مع إصدار بيان من طرف الأمير عباس حلمي يفيد بوجود نية لنقل المقبرة إلى مدافن الخديوي محمد توفيق باشا احتراماً لجثامين الراحلين، وللحفاظ على التراكيب القيمة للمقابر التي تمثل جزءاً من التراث الثقافي والاجتماعي.

وأصدرت محافظة القاهرة بياناً نفت فيه ما يتم تداوله بخصوص إزالة مقبرتي أمير الشعراء أحمد شوقي والإمام ورش ضمن أعمال تطوير المنطقة، وطالبت وسائل الإعلام ومستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي بتحري الدقة والموضوعية والتأكد من الأخبار قبل نشرها.

 

 

وعلى رغم عدم تسجيل بعض هذه المقابر كآثار، إلا أنه تردد أنها مسجلة كمبان ذات طراز معماري فريد عبر لجان تتبع المحافظة وجهاز التنسيق الحضاري، فماذا يضيف هذا التسجيل؟ وماذا يختلف عن إدراج مبنى معين كأثر؟ وهل يوفر ذلك حماية لها من الهدم أو الإضرار بها؟

وعن القوانين التي تحكم المواقع والمباني التاريخية في مصر تقول أستاذة العمارة والتصميم العمراني بجامعة القاهرة ورئيسة الإدارة المركزية للدراسات والبحوث والسياسات بالجهاز القومي للتنسيق الحضاري سهير حواس إن "هناك ثلاثة قوانين تتعلق بهذا الأمر، الأول يختص بالآثار المسجلة بالفعل وهو قانون (171) لعام 1983 ويعنى بكل ما تم إدراجه بالفعل كأثر من جميع الحضارات المتعاقبة على مصر منذ ما قبل التاريخ، مروراً بالحضارة المصرية القديمة واليونانية والرومانية والإسلامية والمسيحية وحتى العصر الحديث الذي تُدرج فيه الآثار شرط أن يمر عليها 100 عام".

أما القانون الثاني، بحسب حواس، "فيتعلق بكل ما هو تراثي تركه لنا السلف وله قيمة مرتبطة بحقبة زمنية أو شخصية مؤثرة في مصر أو قيمة معمارية، وهو القانون (144) لعام 2006، فهذه المواقع تكون غير مدرجة كأثر ولكنها مسجلة كمبان ذات قيمة تاريخية من طريق لجان في كل محافظة وتعتمد من رئيس الوزراء، وهي تشمل على سبيل المثال مباني القاهرة الخديوية التي لا يجوز هدمها أو تغيير واجهاتها أو تنفيذ أية أعمال فيها من دون الرجوع إلى جهاز التنسيق الحضاري".

وتضيف حواس "أما الحال الثالثة فهي أن يتم تسجيل منطقة تاريخية أو ذات طابع عمراني خاص كمنطقة ذات قيمة مميزة طبقاً للقانون (119) لعام 2008، وهنا أيضاً لا يمكن تنفيذ أية إضافة أو إزالة من المكان من دون الرجوع إلى اللجنة المتخصصة، وبناء على ذلك فإن منطقة الجبانات التاريخية كان يجب أن تكون محمية بناء على القوانين القائمة بالفعل، والتي كان من المفترض أن توفر لها الحماية".

لجنة تقييم المقابر

وسادت حال من التفاؤل بانفراج الأزمة منذ فترة مع توجيه الرئيس عبدالفتاح السيسي بتشكيل لجنة من المتخصصين لتقييم المقابر التاريخية والاطلاع على المشروع المقترح تنفيذه، لكن اللجنة التي لاقي تشكيلها بعض الاعتراضات لاعتمادها بصورة رئيسة على المتخصصين في الهندسة وتجاهل الأثريين، اقترحت بالفعل بعض الحلول أملاً في إنقاذ الموقف، وإن لم يكن هذا كل شيء.

 

 

فمنذ أيام ومع استمرار عمليات الهدم استقال خمسة من أعضائها احتجاجاً على عدم الأخذ بتوصياتها بخاصة في ما يتعلق بالجدوى من إقامة الطريق الجديد المزمع تنفيذه، والذي تردد أنه، طبقاً للتقرير الذي أصدرته والذي لم يتم نشره بصورة رسمية أو توضيح محتواه، لن يوفر بالقياس إلى الطريق القديم القائم بالفعل أكثر من دقيقتين ونصف الدقيقة.

وفي سياق متصل أعلن رئيس اللجنة الدائمة لحصر المباني ذات الطراز المعماري المميز بمنطقة شرق القاهرة استقالته اعتراضاً على ما يحدث في المقابر التاريخية، مؤكداً أن ما يحدث يمثل هدراً لنسيج عمراني تاريخي ذي قيمة متفردة على مستوى العالم، وجزء مهم من التراث العالمي.

 لكنه لاحقاً تراجع عن الاستقالة موضحاً أنه تمت إساءة استغلالها للهجوم على جهود الدولة لتطوير وتحسين البيئة العمرانية وحياة المواطنين وهو ما لم يكن يقصده، مشيراً إلى أنه تأكد من أن المتجاوز ستتم محاسبته وسيجري تصحيح مسار أعمال التطوير.

وفي الإطار نفسه قامت جمعية المعماريين المصريين بإصدار بيان يستنكر ما يحدث في منطقة الجبانات التاريخية وينتقد عدم الأخذ بتوصيات اللجنة التي تم تشكيلها حين عرضت تصوراً بديلاً لحل الأزمة، إضافة إلى مقترحات لتطويرها سياحياً.

تحت قبة البرلمان

ومع تلاحق الأزمات المتعلقة بالمقابر التاريخية فقد قام نواب في البرلمان بتقديم طلبات إحاطة وتساؤلات لرئيس الوزراء حول ما يحدث في منطقة الجبانات التاريخية، متسائلين عن جدوى المشروع ومستنكرين ما يحدث من هدم لجزء فريد من العمارة الجنائزية التي تميز التاريخ المصري على امتداده.

ومن بين من قاموا بتقديم تساؤلات للبرلمان في هذا الشأن النائبة ضحى عاصي قائلة إن "أعضاء البرلمان يمثلون صوت الشعب، ومن هنا كان لابد من أن يكون لنا موقف من هذه القضية، وبالفعل تمت إثارة الأمر أكثر من مرة والبرلمان عادة يصدر توصيات، والجهات التنفيذية من المفترض أن تستجيب، وحدث هذا في قضايا عدة بخلاف أزمة الجبانات التي تحتاج إلى أن تثار بصورة أكبر من الأعضاء باعتبارها قضية متعلقة بجزء رئيس من التاريخ والتراث ينبغي الحفاظ عليه".

 

 

وتضيف، "هناك نقص تشريعي في ما يخص القوانين المتعلقة بالتراث في مصر، فما هو مسجل بالفعل يكون محمياً بقوة القانون، وهناك مبان تسجل كتراث معماري فريد في جهاز التنسيق الحضاري، لكن هناك مبان ومواقع لا تحصى في جميع أنحاء البلاد تمثل قيمة فنية وتاريخية كبيرة ولا تنتمي إلى هذا أو ذاك، وهنا تثار الأزمات مثل قضية المقابر التاريخية، فكثير منها ذو قيمة كبيرة لكن لا يوجد قانون يحميها، وفي مثل هذه الحالات فالأولى أن يتم وقف الهدم وإعادة النظر في القوانين القائمة بالفعل، أو وضع أخرى جديدة تضمن حماية التراث، وليس الاستناد إلى أن هذا الموقع أو ذاك المبنى وغير المسجل كأثر يبرر هدمه".

وتشير النائبة إلى أنها دعت سابقاً إلى مشروع لتأسيس هيئة للحفاظ على ذاكرة الأمة المصرية من الأعمال الفنية وكل ما يمثل قيمة تراثية، إضافة إلى المباني المرتبطة بأحداث تاريخية، كما طالبت بضرورة التزام الدولة بسرعة الإعداد لهذا المشروع وتوفير الموارد المالية لخروجه إلى أرض الواقع.

دعاوى أمام القضاء

وأخيراً أصدرت جهات عدة تشمل هيئات اجتماعية وأحزاباً وشخصيات عامة ومتخصصين في التراث، إضافة إلى أعضاء مبادرة "إنقاذ جبانات مصر التاريخية"، بياناً ينتقد عدم الأخذ بتوصيات اللجنة التي شكلت، معلنين أنهم سيتوجهون ببلاغ للنائب العام ضد كل من وزراء السياحة والآثار والأوقاف ومحافظ القاهرة بأشخاصهم وصفاتهم، وكذا المسؤولين عن التنسيق الحضاري والجهات المشاركة في الهدم كافة، مع المطالبة بفرض الحراسة اللازمة على المباني التاريخية لمنع تبديد مزيد منها.

وفي وقت سابق كان المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رفع دعوى قضائية مستعجلة أمام القضاء الإداري للمطالبة بوقف الهدم في منطقة الجبانات التاريخية وتوفير الحماية اللازمة لها وتحديد حرم للجبانات يضمن ألا يتم الاعتداء على مبانيها ذات التراث الفريد، وحددت جلسة للحكم في الـ 21 من سبتمبر (أيلول) الجاري.

المزيد من تحقيقات ومطولات