Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"محو الأمية"... حلم عربي ما زال بعيدا

ارتبطت بالفقر والفروق الشاسعة بين الطبقات وانعدام فرص التعليم للبسطاء وانخفاض الوعي والحروب والصراعات فاقمتها منذ عام 2011 والإناث أول الضحايا

من المتوقع أن يصل عدد الأميين العرب عام 2030 إلى أكثر من 100 مليون شخص (رويترز)

ملخص

العادات والتقاليد التي لا تزال تحول دون تعلم الفتيات وجودة التعليم المتدنية التي تخرج أشباه أميين وأجواء المدارس الطاردة للمتعلمين والاكتفاء بلغة الأرقام لسرد الإنجازات تجعل من غاية "صفر أمية" أضغاث أحلام عربية في اليوم الدولي لمحو الأمية

إنها الأكثر فتكاً وافتراساً، تلتهم ضحاياها وهم في غفلة منها، وتجهز عليهم من دون أن ينتبه أحد، الساكتون عليها مشاركون في الجريمة، والمتجاهلون لها غافلون عن سمومها المتناقلة من جيل إلى جيل، وفقط المتمكنون من قراءة الماضي ورصد الحاضر يستشرفون مستقبلاً لا ينبئ بالخير الوفير، أو الأمل الكبير طالما أن ما يقارب ثلث العرب لا يقرأون أو يكتبون. لا يقرؤون وإن قرأوا ففي حدود رموز الهواتف المحمولة بغرض التصفح والاتصال، وإن كتبوا فالأمر مقصور على أسمائهم الأولى، وفي أفضل الحالات آبائهم وربما أجدادهم.

وقف زحف الأمية

أجداد العرب اتخذوا قراراً بوقف زحف الأمية القاتلة صوب الأبناء والأحفاد، لكن بين الآباء من آثر كثرة الإنجاب على تعلم ألف باء، وبين الأحفاد من وجد نفسه واقعاً بين براثن حرب أهلية أو في قبضة فقر مدقع أو فريسة عادات تمنع تعليم البنات وتقاليد تكتفي بتصريحات حكومية تقول إن "كله تمام"، وإن جهود محو الأمية لم تكن يوماً أفضل حالاً.

لكن حال العرب في اليوم الدولي لمحو الأمية الذي يوافق الثامن من سبتمبر (أيلول) 2023 يسر العدو ولا يزعج الحبيب كثيراً، وفي المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج ما يقارب 54 مليون عربية وعربي "لا يفكون الخط".

عدم القدرة على "فك الخط" تعني بحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو) عدم قدرة الشخص على القراء والكتابة وعدم قدرته على فهم عبارة بسيطة وقصيرة عن الحياة اليومية، وتعني كذلك غياب أو ضعف القدرات الحسابية.

وبحسبة بسيطة يتضح أنه في اليوم الدولي لمحو الأمية وفي العام الـ 23 من الألفية الثالثة وبعد مرور أكثر من أربعة عقود على بدء العصر الرقمي، العصر الذي أصبحت فيه "الشبكة الدولية للمعلومات" أو الإنترنت متاحة للجميع، تبلغ نسبة من يقرؤون ويكتبون في العالم العربي 27.1 في المئة من العرب.

 

أرقام المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) التي تعمل في نطاق جامعة الدول العربية، تشير إلى أن نسبة الأمية العربية تفوق مثيلاتها في جميع أقاليم العالم باستثناء أفريقيا جنوب الصحراء، حيث نسبة الأمية 33.9 في المئة.

وفي تقريرها الصادر عام 2021 يتضح أن عدد الأميين العرب في الفئة العمرية من 15 إلى 24 سنة زاد من نحو 7 ملايين شخص في هذه الفئة العمرية عام 2014 إلى نحو 9.5 مليون شخص عام 2019.

اليوم الدولي لمحو الأمية هذا العام يرفع شعار "تعزيز محو الأمية من أجل عالم يمر بمرحلة انتقالية: إرساء الأسس لمجتمعات مستدامة وسلمية"، وفي هذا اليوم تتوالى الأرقام المفزعة عربياً، إذ تتوقع "ألكسو" أن يصل عدد الأميين العرب عام 2030 إلى أكثر من 100 مليون شخص، وعلى رغم عقود من جهود مكافحة الأمية العربية ووأدها في مهدها ومواجهة أسبابها ومحاربة بيئتها الاقتصادية والاجتماعية الخصبة، وعلى رغم آلاف التصريحات الرسمية المؤكدة تعاظم جهود المكافحة والوقاية، فإن عدد الأميين العرب شهد ارتفاعاً ملحوظاً خلال الأعوام القليلة الماضية، فقد زاد العدد من 61 مليوناً (في الفئة العمرية من 15 سنة فأكثر) إلى 70 مليوناً عام 2020، وهذا العدد يمثل 9.1 في المئة من مجموع الأميين في العالم والمقدرة أعدادهم بـ 763 مليون شخص.

والعدد مرشح للزيادة لا النقصان، والأسباب كثيرة ومنها القديم والمستمر والمتعلق بنقص الموازنات الحكومية المخصصة للتعليم، وضعف حملات التوعية بأهمية التعليم وقيمته، والعادات والتقاليد التي تحول دون تعليم البنات، ومنها الحديث المتراوح بين أزمات اقتصادية ومعيشية متردية ومتفاقمة، وحروب وصراعات ألمت بكثير من الدول العربية منذ عام 2011، وحرمت 13.5 مليون طفل عربي إضافي من نعمة التعليم.

نعمة التعليم تعرف التفرقة بين الذكور والإناث، وكالعادة وكما هو متوقع تمثل أمية الإناث 62 في المئة من الأمية العربية، وتحالف الزواج المبكر مع تدني وعي الأهل بقيمة تعليم البنات وقلة أعداد المدارس صديقة الفتيات زاد بلة بموجة الصراعات المسلحة التي ألمت بعدد من الدول العربية ففاقمت أمية الطفلة العربية المحرومة من التعليم.

الحرمان من التعليم في مصر

وبين الأجيال الأكبر سناً من لا يزال يدندن بـ "يالي اتحرمتم من التعليم الفرصة لسه قدامكم، من غير ما تغرم ولا مليم إذاعتنا ناوية تعلمكم".

إنها مقدمة البرنامج الإذاعي العلامة المضيئة الفارقة في مسيرة محاربة الأمية في مصر منذ ستينيات القرن الماضي مروراً بالسبعينيات وجانب من الثمانينيات، إذ لعبت الإذاعة المصرية ومعها حزمة من المبادرات الوطنية دوراً فعالاً في مواجهة معضلة الأمية التي كانت سمة الغالبية في مصر حتى خمسينيات القرن الماضي.

وارتبطت الأمية بالفقر والفروق الشاسعة بين الطبقات وانعدام فرص التعليم للبسطاء وانخفاض الوعي بصورة عامة، لا سيما في ما يتعلق بأهمية التعليم وجدواه، لكن ثلاثينيات القرن الماضي شهدت نقاشاً مستنيراً حول التعليم في مصر ومن يستحق التعليم و من لا يستحق".

وجاء في كتاب "مستقبل الثقافة في مصر" (1938) للأديب والمفكر ووزير المعارف طه حسين أن على الدولة أن تتحمل كلفة التعليم باعتباره ضرورة من ضرورات الأمن القومي، وهو الذي رفع الشعار الأكثر كتابة على جدران المدارس وخلفيات كراساتها وفي مواضيع الإنشاء التي يكتبها طلابها: "التعليم كالماء والهواء".

هذا التعليم ظل مسلوباً بعيداً من منال ما لا يقل عن 80 في المئة من أهل صعيد مصر (الجنوب) ونحو 76 في المئة من سكان شمالها حتى خمسينيات القرن الماضي، فدستور عام 1923 نص في مادته رقم (19) على دعم التعليم للجميع، وكانت الدولة تتكفل بنحو 70 في المئة من جملة المصروفات حتى عام 1944 حين جرى إقرار مجانية التعليم الابتدائي ثم مده ليصل إلى التعليم الثانوي، وصدر قانون ينص على مكافحة الأمية ونشر الثقافة الشعبية فرض تعلم القراءة والكتابة والمبادئ العامة للدين والحساب مع قسط مناسب من الثقافة العامة.

 

ومنذ ذلك التاريخ ومسيرة مصر مع الأمية تندفع نحو إنشاء مراكز ملحقة بمدارس لتعليم الكبار، ثم تدشين مبادرات لمحو الأمية، إضافة إلى مشاريع لتمكين المتعلمين الجدد بغرض إخراجهم من الفقر، وتبعتها "مدارس الشعب" لمحو أمية الكبار، وهي المدارس التي لجأت إلى التلفزيون في منتصف الستينيات ليكون منصة للتعليم عبر برامجه، إضافة إلى كتاب مصاحب.

ولأن التلفزيون لم يكن متاحاً لعموم المصريين، لا سيما الفئة المستهدفة، فقد جرى إعداد أماكن للمشاهدة، وفي الوقت نفسه ظهرت فكرة رائعة ألا وهي إنشاء مراكز لمحو الأمية في أماكن العمل التي توجد فيها أعداد كبيرة من العمال، مثل المصانع والشرطة والجيش وحتى في السجون وغيرها.

لكن رياح هزيمة يونيو (حزيران) 1967 جاءت بما لا تشتهيه جهود محو الأمية ونشر الثقافة والتعليم، وتحولت غالبية مراكز ومبادرات ومشاريع محو الأمية خلال هذه الأعوام الثقيلة إلى حبر على ورق، وفي عام 1971 بدأت حقبة جديدة من التدشينات والمشاريع بعضها آتى ثماره وبعضها الآخر بقي نظرياً، فمن مجلس أعلى لتعليم الكبار ومحو الأمية إلى فصول مسائية لمحو الأمية يقوم بالتدريس فيها خريجو الجامعات الجدد في ما يعرف بنظام الخدمة العامة لمدة عام، إلى أنشطة تقدمها جمعيات خيرية مضت مصر قدماً في محاولات متتالية لمواجهة الأمية على مدى عقود طويلة.

عقود طويلة وحرب مصر مع الأمية تمضي خطوات نحو الأمام، ثم تتعثر خطوة أو خطوتين، وقياس الأمية باعتبارها نسبة من تبلغ أعمارهم 15 سنة أو أكثر وعاجزين عن القراءة والكتابة تشير إلى أن 26 في المئة من المصريين لا يقرأون ولا يكتبون، وعلى رغم انخفاض النسبة كثيراً مقارنة بنصف قرن مضى فإنها تعتبر، في عصر غالبية أحاديث الأمية تقصد الرقمية لا الأبجدية، سبة في جبين الجميع.

وعلى رغم أن الجميع تقريباً يحمل هاتفاً محمولاً بين يديه ويمضي ساعات مثبتاً أمام شاشته الصغيرة، فإن الفيديوهات والصور والرسائل الصوتية هي سيدة الموقف لا المقالات أو حتى الرسائل النصية القصيرة، وجميعها يمكن الوصول إليها بالعزيمة والإصرار وحفظ شكل الرموز والأيقونات.

أيقونة اللوح والقلم

أيقونة الحكمة ومعلم الكتابة ومدرب الحساب حامل اللوح والقلم الذي يؤمن المصريين القدماء أنه من علمهم القراءة والكتابة (الإله تحوت) يقف على جدران المعابد وهو غير راض عن أمية الأحفاد، سواء تلك المباشرة حيث يعجز الشخص عن قراءة جملة أو كتابة ما هو أكثر من اسمه، أو غير المباشرة.

والأميون في مصر حالياً مندمجون في الحياة اليومية المثقلة بهموم الاقتصاد والغارقة في تفاصيل محاولات الخروج من اليوم والاستعداد للغد، وفي "اليوم الدولي لمحو الأمية" تشير أرقام "الهيئة العامة لتعليم الكبار" إلى نسبة أمية بين الفئة العمرية 15 سنة فأكثر 19.2 في المئة للذكور، و28 في المئة للإناث، وتزخر ملفات الهيئة بكم هائل من الأرقام لأشخاص جرى محو أميتهم في العام المالي كذا، ومؤسسات جرى إعلانها خالية من الأمية، ومبادرات جرى تدشينها لتحقيق "مصر خالية من الأمية" ضمن الخطة الوطنية الاستراتيجية 2030.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعيداً من الأرقام وعن الهوة العميقة بين مخاوف تعتري بعضهم من توغل الذكاء الاصطناعي ليقضى على وظائف خريجي أرقى الجامعات من جهة، ومضي بعضهم الآخر قدماً في الحياة وهم عاجزون عن قراءة جملة أو كتابة كلمات، تجد مصر نفسها محبوسة في كلاسيكيات الأمية.

محافظات الصعيد هي الأعلى في الأمية بسبب نسب الفقر الأعلى، وعدد المدارس الأقل واحتمالات التسرب الأوفر للصغار لإلحاق الذكور بسوق العمل وتزويج الصغيرات بحجة السترة وتخفيف أحمال الأسرة الاقتصادية.

ويفسر "المنتدى الاستراتيجي للسياسات العامة ودراسات التنمية" في ورقة صادرة قبل أيام أسباب استمرار بقاء نسبة الأمية مرتفعة في مصر برسوب الطالب المستمر وعدم البحث في الأسباب، فغالباً ما يدفع الصغير للتسرب والالتحاق بسوق العمل باكراً، ويأتي تضاؤل دور القانون والرقابة وعدم تفعيل التشريعات الخاصة بالتعليم الإلزامي، وكذلك محو الأمية ليفاقم حجم المشكلة.

أما العامل السكاني، وتحديداً ثقافة الإنجاب، فيسهم بقدر كبير في تفاقم نسب الأمية، فعدد كبير من الأطفال في ظل فقر شديد وتدني قيمة التعليم يجعل من الأمية مشكلة صغرى وأحياناً سمة عادية من سمات الحياة، وتبقى المدرسة كقوة طاردة للصغار والتغاضي عن الكلفة الخفية للتعليم من دروس خصوصية وزي مدرسي وباص وسندوتشات عوامل مسكوتاً عنها في محاربة الأمية.

"حياة كريمة بلا أمية" أحدث مبادرة جرى إطلاقها لمساعدة 1.8 مليون مصري ومصرية للخروج من نفق الأمية الأبجدية، أما بداية النفق حيث المرشحين للدخول أو في الأقل الحصول على لقب متعلم على رغم كونه أمياً، فتحتاج عناية فائقة، فهل ينال المتعلم شبه الأمي نصيباً من التطور الرقمي؟

تعليم الكبار في السعودية

تطور واضح شهدته السعودية على صعيد محو الأمية الأبجدية لا الرقمية بدأ عام 1972، ففي ذلك العام أقرت الحكومة السعودية مشروع نظام تعليم الكبار ومحو الأمية، وكانت نسبة الأمية حينئذ 60 في المئة، واليوم وبعد خمسة عقود تبلغ النسبة 3.7 في المئة، بحسب إحصاءات وزارة التعليم.

البداية الرسمية لتعليم كبار السن القراءة والكتابة كانت بعد إنشاء وزارة التعليم التي كانت تعرف باسم "وزارة المعارف"، إذ تم تأسيس إدارة خاصة بهذه الفئة أطلق عليها إدارة الثقافة الشعبية، وجرى تغيير اسمها إلى "الإدارة العامة لتعليم الكبار ومحو الأمية" عام 1979 ليتناسب مع طبيعة عملها وأنشطتها، وتغير الاسم مجدداً عام 1985 ليصبح "الأمانة العامة لتعليم الكبار ومحو الأمية".

وقبل استحداث الإدارة المعنية بتعليم كبار السن بذلت جهود فردية لنشر أسس التعلم خلال العقود الأولى من القرن الـ 19، وكان أبرزها حلقات التعليم في المساجد وحجرة أو بيت المعلم والتي كان يتم فيها تعليم مجموعة من الصغار والكبار أسس القراءة والكتابة، ومع الوقت تطورت تلك الجهود وأخذت طابعاً أكثر تنظيماً، وبدأت بعض المدارس تفتتح فصولاً ليلية لمحو أمية كبار السن، منها مدرسة النجاح الليلية في مكة التي تأسست عام 1950 لإتاحة الفرصة لمن حرموا التعليم النهاري لظروف خاصة بهم، وكانت تسير وفق منهج المدرسة الابتدائية الحكومية في تلك الفترة.

وتحتفل السعودية باليوم العالمي لمحو الأمية بعد ما حققت نتائج إيجابية، لا سيما مع التوسع في أعداد المدارس المتخصصة في تعليم كبار السن من الجنسين، من خلال التوسع في افتتاح مدارس تعليم الكبار في المدن والقرى والهجر، إذ بلغ عدد المنضمين في مختلف أرجاء البلاد بحسب الإحصاءات الأخيرة لصفوف الدراسة في مدارس التعليم المستمر الابتدائية 8995 طالباً، و23840 طالبة، وفي المرحلة المتوسطة بلغت أعدادهم 10899 طالباً، وفي المرحلة الثانوية 28649 طالباً.

 

وعلى رغم انخفاض نسبة الأمية في السعودية فإن خطة التنمية المستدامة لعام 2030 أكدت أهمية القضاء على الأمية في البلاد والوصول بمعدلها للصفر من خلال برامج تعزز مفهوم التعلم المستمر والتعلم مدى الحياة الذي تشدد عليه خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وتتركز خطة وزارة التعليم للقضاء على الأمية على برنامج الحملات الصيفية للتوعية ومحو الأمية والذي ينفذ كل عام في الصيف لمحو الأمية الأبجدية والحضارية وتعزيز الوعي البيئي والثقافي والاجتماعي والصحي لدى من يعانون الأمية في المناطق النائية، كما تنفذ البرامج التدريبية عن بعد في مراكز الحي المتعلم التي تبلغ 305 برامج موزعة في جميع مناطق ومحافظات البلاد خلال جائحة كورونا عام 2020، كما جرى تصميم البرامج المتنوعة الخاصة بمحو الأمية وتعليم الكبار وجرى تنفيذ الدورات التي تناسب خصائص وتوجهات الكبار والإسهام في تحقيق مجتمع حيوي كأحد أبرز محاور "رؤية 2030."

ولم تتوقف برامج التعليم عن بعد لكبار السن خلال فترة كورونا وما ترتب عليها من حجر منزلي، بل أسهمت تلك الفترة في التحول السريع للتعليم عن بعد بما يخص جميع الفئات العمرية في مختلف المراحل التعليمية، بمن فيهم كبار السن من خلال قناة "عين" التعليمية الخاصة بالمرحلة الابتدائية في التعليم المستمر، وقنوات "عين" للمرحلتين المتوسطة والثانوية، ومنصة "مدرستي" للبث المباشر، والمبادرات الفعالة التي تدشنها إدارات وأقسام التعليم المستمر في إدارات التعليم المختلفة.

يذكر أن وزارة التعليم اعتمدت عدداً من المبادرات التي تهدف للتوسع في تعليم الكبار ومحو الأمية وتهدف إلى محو الأمية بين الكبار من عمر 15 سنة فما فوق، وتمكين الشباب من الجنسين في الفئة العمرية من 15 إلى 60 سنة من خارج سلك التعليم ممن يحملون مؤهلات علمية متدنية من المهارات الحياتية والمهنية بتوفير فرص التعليم والتدريب المنوعة لهم من خلال تأهيلهم لدخول سوق العمل.

وتستهدف مبادرة الوزارة خفض نسبة الأمية بين الجنسين وزيادة نسبة التوسع الكمي لمراكز الأحياء المتعلمة وزيادة نسبة البرامج التدريبية المهنية التي تمكن المرأة من دخول سوق العمل، وزيادة نسبة الالتحاق ببرنامج الحي المتعلم من الجنسين وخفض نسبة الأمية بين الكبار من عمر 10 أعوام وأكثر التي تبلغ في الوقت الحالي 3.7 في المئة، وزيادة معدل الملتحقين بالبرامج المهنية وبرامج المهارات الحياتية.

كما جرى تدشين مبادرة لحصر أعداد الأميين بغرض بناء الاستراتيجية الوطنية للتعلم مدى الحياة في السعودية، لا سيما أن التطور الرقمي الذي تشهده السعودية يقف على طرف نقيض من الأمية الأبجدية.

أمية وتطور رقمي في العراق

وعلى النقيض في العراق الذي يشهد التطور الرقمي فيه تقدماً ملحوظاً وملموساً، لكن تستمر أيضاً آفة الأمية على رغم جهود مواجهتها، فقد كثف جهوده على مدى أعوام لمحو الأمية التي تقدر بـ 12.3 في المئة، بحسب وزارة التخطيط العراقية، والآمال معقودة على انخفاض هذه النسبة عام 2030.

وعلى رغم التطور الرقمي الذي يشهده التعليم في العراق فإن مشكلة الأمية مستمرة، فهي وثيقة الصلة بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية التي تمنع بعض الأسر من استكمال الأبناء دراستهم الأولية.

ويشار إلى أن البرلمان العراقي شرع قانون محو الأمية رقم (23) لعام 2011، وجرى تشكيل هيئة عليا لمحو الأمية وجهاز تنفيذ ضمن وزارة التربية للإشراف على تطبيق القانون من خلال مدارس محو الأمية التي تستقبل الفئات العمرية لمن هم في سن 15 سنة وأكثر.

ويقول المتحدث باسم وزارة التخطيط عبدالزهرة الهنداوي إنه "وفقاً لأحدث مسح أجرته الوزارة عام 2022 بلغت معدلات الأمية 12.3 في المئة، وهي بذلك سجلت انخفاضاً عما كانت عليه عام 2012 إذا كانت تبلغ 20.5 في المئة".

وبحسب الهنداوي فإن معدلات الأمية ترتفع بين الإناث إلى نحو 28 في المئة، وتبلغ نحو 13 في المئة بين الذكور، وتتصدر محافظة المثنى قائمة المحافظات الأكثر معاناة من الأمية بنسبة 22 في المئة تليها دهوك بـ 18 في المئة.

ويقول متحدث وزارة التربية كريم السيد إن الأمية بدأت تتناقص عقب الإجراءات التي نفذها الجهاز التنفيذي لمحو الأمية، ومنها استيعاب أعداد أكبر من الراغبين في محو الأمية، ويرى أن أسباب الأمية كثيرة وأبرزها الحروب والصراعات والنزوح المتكرر والجوانب الاقتصادية، وجميعها يؤثر سلباً في الوعي بأهمية التعليم للصغار.

وتابع أن الوزارة تسعى مع الجهات المعنية في معظم المدن إلى تسجيل الطلاب في سن باكرة، واستيعاب أعداد أكبر لتعليم الكبار بالنسبة إلى الرجال، أما النساء فيتم تنفيذ برامج لا تقتصر على محو الأمية بل تتضمن تدريباً لتعلم مهنة، مثل الحياكة أو الطهي أو الصناعات اليدوية.

 

ويشير السيد إلى أن التشريعات القانونية التي يجري العمل عليها من أجل ضمان شمول أوسع لأعداد من يلتحقون ببرامج محو الأمية مع متابعتهم حتى إلحاقهم بالجامعات، ويشار إلى أن الملتحق بهذه البرامج يحصل على مكافآت مالية تشجيعية لضمان استمراره فيها، وهذا من شأنه تقليل نسبة الأمية.

لكن للمعلمة التربوية ميسون الربيعي رأياً مخالفاً، إذ ترى أن معدلات الأمية ومؤشراتها وسماتها لا تدعو إلى التفاؤل أبداً، فارتفاع نسبة الأمية إضافة إلى انعدام المهارات الرقمية بين النساء، لا سيما في الفئات العمرية بين 10 و49 سنة تعني أن النساء لا يحصلن على حقهن في التعليم.

وتنتقد الربيعي كذلك عدم وجود بيئة تربوية وتعليمية مناسبة للأجيال الناشئة وهي تدخل سوق العمل، "إذ يبدو أن عدم التحكم في معدلات الإنجاب في البيئات الفقيرة وعدم تناسب خطط توسعة أو بناء مدارس جديدة مع ضمان وجود كوادر كفء له الدور الأكبر في هذا الإخفاق".

وتقول الربيعي إن وزارة التخطيط العراقية غير قادرة على التحكم في معدلات الإنجاب المرتفعة وعاجزة عن رسم خريطة طريق للخروج من مستنقع الجهل والفقر والمرض، ناهيك بتقديم المشورة للدولة للخروج من أسلوب الحكومة الورقية إلى الحكومة الرقمية.

وترى أن التطور المطرد للذكاء الاصطناعي في العالم سيزيد الفجوة بين المتعلمين وغير المتعلمين، مشيرة إلى أن الزيادة المستمرة في عدد مؤسسات التعليم العالي لن تحل مشكلة ما سمته بـ "جهل السواد الأعظم من السكان الذي هو من أسباب عدم الاستقرار المجتمعي وبمثابة قنبلة موقوتة".

وتدعو الربيعي إلى تضافر الجهود لتخصيص موازنات كبيرة لمؤسسات التربية والتعليم للأطفال والمراهقين حتى سن 18 سنة ضمن التمويل العام، وترك التعليم العالي للاستثمار الخاص، "لأن المشروع الأول (التعليم المدرسي) هو صمام الأمان لتطور الإنسان العراقي نفسياً وعقلياً وبدنياً بما يؤهله لعصر الذكاء الاصطناعي".

خمسة في المئة في الأردن

التأهيل لعصر الذكاء الاصطناعي لا يستوي من دون تعليم، والتعليم لا يكتمل إلا بالقضاء على الأمية، والأردن واحد من الدول العربية التي قطعت شوطاً كبيراً وحقيقياً في مكافحة الأمية التي لا تزيد حالياً على خمسة في المئة فقط، وتقوم فلسفة محو الأمية في الأردن على تقدير المصلحة العامة للمجتمع حيث ضرورة العمل على تطبيق العدل الاجتماعي وتكافؤ الفرص ومحاربة البطالة، لكن هذا لا ينفي وجود تحديات عدة أبرزها مالية وأخرى اجتماعية تتعلق بإحجام بعض الدارسين عن الالتحاق ببرنامج محو الأمية، وكذلك تسرب بعض الدارسين الملتحقين بهذه المراكز.

وأمام تركز الأمية في المناطق الريفية والبادية يبرز تحدي الخجل الاجتماعي وموروثات قديمة يجسدها المثل الشعبي (بعد ما شاب راح الكتّاب) كأحد أهم أسباب هذه المعضلة بعد 100 عام من التعليم في الأردن، إذ تطورت الحال من كتاتيب متناثرة إلى أكثر من 7 آلاف مدرسة و32 جامعة.

وبدأت محاربة الأمية في الأردن عام 1953، لا سيما في الفرق والوحدات العسكرية، ثم انتقل الأمر إلى السماح باستخدام أبنية المدارس الحكومية في أوقات فراغها وعبر حصص ليلية.

وتخصص اليوم وزارة التربية والتعليم الأردنية وعبر 144 مركزاً برنامجاً لتعليم الكبار عبر مرحلتين، الأولى تسمى مرحلة المبتدئين ومدة الدراسة فيها 16 شهراً أو عامين دراسيين يمنح المتخرج فيها شهادة دراسية تعادل شهادة الصف الرابع الأساس، والثانية تسمى مرحلة المتابعين ومدة الدراسة فيها 16 شهراً أو عامين دراسيين يمنح المتخرج فيها شهادة تعادل شهادة الصف السادس الأساس.

 

وللأردنيين ذاكرة قديمة مع محو الأمية ارتبطت منذ الثمانينيات من القرن الماضي بمسلسل محلي يدعى "العلم نور" وفيه تدور الأحداث حول دور المجتمع في مكافحة الأمية، فيدعى كبار السن للانتظام في المدرسة والتعلم من جديد ومحو أميتهم من دون النظر إلى أعمارهم.

وتقول وزارة التربية والتعليم إنها تبذل الجهود لتعالج مشكلة الأمية لما تفرزه من انعكاسات سلبية على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، فضلاً عن العقبات التي تشكلها أمام برامج التنمية المستدامة. ويدعو مراقبون إلى إغلاق الرافد الذي يغذي الأمية وهو تسرب طلاب المدارس قبل امتلاكهم المهارات الأساس في القراءة والكتابة والحساب، لأسباب كثيرة من بينها عمالة الأطفال أو الزواج المبكر.

لكن الحكومة الأردنية تعتبر أن نسب التسرب قليلة ولا تتجاوز ثلاثة لكل 1000 طالب بين الذكور وأربع لكل 1000 طالبة من الإناث. وفقاً لدائرة الإحصاءات العامة فقد انخفضت نسبة الأمية في الأردن من 88 في المئة عام 1952 إلى خمسة في المئة عام 2020 في سعي حثيث للوصول إلى محو كامل للأمية في البلاد.

وتشير أرقام المجلس الأعلى للسكان إلى أن نسبة الأمية عند الإناث بلغت 7.5 في المئة مقارنة بـ 2.7 في المئة عند الذكور، ومن بين التحديات التي يذكرها المجلس رفض بعض النساء الالتحاق بمراكز محو الأمية بسبب عدم تمكنهن من ترك أطفالهن في المنزل بمفردهم، إضافة إلى ثقافة مجتمعية قوامها خجل كبار السن من التعلم.

قصص نجاح

وثمة كثير من قصص النجاح التي ترتبط بمحو الأمية في الأردن ومن بينها قصة الطالبة ثم المعلمة نهلة الزعبي التي التحقت قبل نحو 30 سنة بصف محو الأمية في مدينة الرمثا شمال البلاد، رافضة النظرة الاجتماعية والمعوقات التي واجهتها حتى اجتازت الثانوية العامة وشهادة الدبلوم في التربية لتصبح معلمة لاحقاً في بلدتها.

ويؤكد المتحدث الإعلامي لوزارة التربية والتعليم أحمد مساعفة أن الأردن من الدول المتقدمة في محاربة الأمية عربياً وعالمياً بسبب إجراءات وقائية وعلاجية من بينها الزامية التعليم حتى الصف الـ 10 ومتابعة التسرب وتجفيف منابع الأمية.

ويعرف المساعفة الشخص الأمي بأنه من بلغ 15 سنة ولا يقرأ أو يكتب، ويقول إن "ثمة 1700 شخص يدرسون في مراكز محو الأمية مجاناً مع تأمين القرطاسية واللوازم للمستفيدين، وتقدم لهم دروس في اللغة العربية والثقافة العامة والثقافة الإسلامية والحاسوب واللغة الإنجليزية".

 

ومن بين المفارقات الغريبة عن الأمية في الأردن وجود فئات من العاملين في السياحة من السكان المحليين في مدن مثل البتراء والعقبة يتقنون لغات أجنبية عدة مثل الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، لكنهم في الوقت ذاته أميون لم يرتادوا المدارس أو لم يكملوا تعليمهم، مثل أعضاء عشيرة البدول ويعمل غالبيتهم أدلاء سياحيين في وادي موسى والبتراء.

ويعتقد متخصصون ومراقبون أن القدرة على القراءة والكتابة والتواصل أصبحت مهمة أكثر من أي وقت مضى في عصر الذكاء الاصطناعي، إذ تتطلب كثير من الوظائف الجديدة مهارات كثيرة تتجاوز مهارة القراءة والكتابة.

وتتحدث مدير إدارة التعليم في وزارة التربية وفاء العبدالات عن هدف أردني وهو الوصول إلى نسبة صفر أمية عام 2025، مشيرة إلى أن معايير تعريف الأمّية اختلفت اليوم في عصر الذكاء الاصطناعي والتقدم التقني، فلم يعد الأمي الشخص الذي يعجز عن القراءة والكتابة فقط، بل من يفتقر إلى اللغات الأجنبية ومهارات ومبادئ الحاسوب.

ويشار إلى أن نسبة الالتحاق بالتعليم الأساس تبلغ 97.9 في المئة، وفي المرحلة الثانوية 77.5 في المئة، كما يبلغ معدل الالتحاق في مرحلة التعليم العالي 34 في المئة.

وفي الأردن اليوم نحو نصف مليون أميّ، أضيف اليهم آخرون بسبب اللجوء السوري وعدم التحاق كثير من أبناء اللاجئين بالتعليم بحثاً عن العمل أو تحت وطأة لظاهرة الزواج الباكر للفتيات.

حساب الدفتر في سوريا

أما السوريون الذين بقوا في سوريا فمنهم من يتذكر الجهود التي بذلت بصورة مكثفة لمكافحة الأمية في أواخر الستينيات، وتشير الإحصاءات إلى انخفاض نسبة الأمية إلى 14 في المئة عام 2007، وقد احتفلت محافظات سورية مثل السويداء وطرطوس والقنيطرة بكونها محافظات خالية من الأمية بصورة كاملة وذلك في عام 2008 وفق خطط استراتيجية وضعتها وزارة الثقافة، إضافة إلى إنشاء دوائر معنية بمحاربة الأمية بالتعاون مع جهات ومؤسسات علمية وتربوية تتبع وزارة التربية والشؤون الاجتماعية وغيرها من الوزارات.

وكان المخطط الاستراتيجي لدائرة تعليم الكبار، وفق ما ذكر مدير الدائرة عبدالفتاح العبيد، أنه وبحلول عام 2016 كان يمكن إعلان سوريا خالية بصورة كاملة من الأمية في ضوء جملة من الإحصاءات والمؤشرات التي تعكس التقدم الكبير في ذلك الوقت، لكن كما يقول المثل الشعبي السوري "حساب الدفتر لم يتطابق مع حساب البيدر"، إذ قضت الحرب على كل هذه الجهود التي توقفت مع اندلاع أشرس المعارك عام 2011، وارتفعت وتيرتها مع دمار البنى التحتية للمدارس أو تحويلها إلى مراكز إيواء للنازحين، وزاد الأمر تعاسة ما ترافق من تسرب مدرسي للطلاب على مدى عقد كامل، لا سيما في المناطق النائية أو المحافظات الشرقية والشمالية التي شهدت حروباً ومعارك شرسة.

وتشير المعلومات الأولية إلى معدلات تسرب مرتفعة في مدن كان يسيطر عليها "داعش" وتنظيم "القاعدة" على مدى أعوام، لا سيما في الشمال والشمال الشرقي، حيث جرى اتباع سياسة ومنهجية دينية عبر المناهج وأغفلت عموماً تعليم الصغار وبالذات الإناث، وأسست التنظيمات مدارس خاصة لها، فأسس "داعش" ما أاصطلح على تسميته "أشبال الخلافة"، وهي منظمة خاصة للتنظيم تعلم الأطفال قواعد الحرب مما زاد معدلات الأمية.

وخيمت ظلمات الأمية على المدن والقرى خلال الحرب، أما المدارس في مناطق سيطرة السلطة فقد اضطرت إلى إغلاق أبوابها مرات عدة لأسباب كثيرة، مثل اندلاع الاشتباكات في المدن، ولم تسلم المدارس من قذائف صاروخية أودت بحياة طلاب على مقاعد الدراسة.

 

وهناك أسباب كثيرة لارتفاع الأمية في سوريا ومنها النزوح وتسرب الأطفال من مدارسهم مرغمين، وأخرى اقتصادية في ظل نسب الفقر والعوز المرتفعة التي تعيشها العائلات، مما دفع كثيراً من الآباء إلى الزج بأطفالهم في سوق العمل لكسب الرزق، إذ إن الأحوال المعيشية أصبحت بالغة الصعوبة وكلفة الدراسة مرتفعة وكثير من الأهل لم يعد قادراً على تحمل كليهما.

ويقول الطفل وسيم (10 أعوام) ويعمل في بيع الخبر على قارعة الطريق، "لم أعرف المدرسة سوى أيام وأرغمت على تركها وأعمل على إعالة أخوتي الصغار بعد وفاة والدي ووالدتي في الحرب"، متابعاً أن الحياة لا ترحم، ولولا مساعدة عمه الذي اصطحبهم للسكن معه لكانت الأوضاع أكثر صعوبة.

في غضون ذلك لا يحلم السوريون اليوم بعد كل ما ألم بهم إلا بحد أدنى من التعليم للصغار، فمع غلاء القرطاسية وأقساط المدارس الخاصة وتردي مستوى التعليم العام المجاني يبتعد كثيرون عن التفكير في المستقبل وبما هو قادم من تطورات علمية ومعرفية وبالتعليم الذكي والذكاء الاصطناعي والروبوت وغيرها من المعارف، ويقول أحد أولياء الأمور "كيف لنا ذلك والكهرباء لا تأتي سوى ساعتين أو ثلاث في اليوم؟".

وفي المقابل هناك فسحة أمل وبصيص نور بعد تجارب فردية وخاصة، ففي عدد من المدارس السورية التي تعي أهمية الذكاء الاصطناعي يجري تدريب الطلاب على أساليب الفكر الحديث في التعليم مع الذكاء الاصطناعي، وإحدى المدارس خصصت ساعات إضافية لتعليم أسس الروبوت الآلي، وهي واحدة من أربع مدارس في التعليم الأساس تتبع طائفة الأرمن وتحاول إلحاق طلابها بالعصر الجديد وإكسابهم المهارات اللازمة.

وتروي مديرة المعرض التعليمي في مجال الروبوت سونيال غزال، "نعمل على تطوير كفاءات الطلاب عبر تدريبهم وإلا سنستيقظ ونجد أن الأبناء والأجيال القادمة في حاجة إلى من يمحو الأمية في عهد ستهمين فيه التقنيات الذكية والعلم الحديث".

نصف اليمنيين لا يقرأون

كانت الأمية تمثل العائق الأكبر للتنمية المستدامة في اليمن مما دفع الحكومات المتتالية إلى مكافحتها، لكن تلك الجهود الرسمية توقفت مع أعوام الحرب وتحطمت أحلام كثير من الطامحين إلى تعلم القراءة والكتابة.

وتشير تقارير صادرة عن جهاز محو الأمية وتعليم الكبار في اليمن إلى أن نسبة الأمية تبلغ نحو 45 في المئة، بينما تشير تقارير أممية صادرة عن منظمتي "يونيسكو" و"يونيسف" إلى ما يدعو إلى قلق كبير، فالحرب فاقمت نسب الأمية وبلغت نحو 70 في المئة في الريف و40 في المئة داخل المدن.

وكشفت دراسة صادرة عن "منظمة سياج لحماية الطفل" بالتعاون مع وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" أن 96 في المئة من الأمهات و56 في المئة من الآباء يعانون الأمية في بعض القرى والمناطق النائية في اليمن.

وعلى رغم إعلان المخطط العام (1990 - 2020) الصادر عن الحكومة اليمنية للقضاء على الأمية، فإن النسب مرتفعة وآخذة في التفاقم في معظم مناطقه، كما أن الفتيات لم يحصلن على حقهن في التعليم الأساس أو تعليم الكبار.

ويشير أحدث إحصاء صادر عن "مركز الدراسات وأبحاث النوع الاجتماعي والتنمية" في جامعة صنعاء إلى أن إجمال عدد الدارسين في فصول محو الأمية في المرحلة الأساس والمتابعة 8646 دارسة فقط، يدرسن في 3533 فصلاً في 1787 مركز محو أمية موزعة على 21 محافظة يمنية.

وتقول أستاذ المحاسبة والموارد البشرية وعضو مركز الدراسات وأبحاث النوع الاجتماعي والتنمية في جامعة صنعاء إلهام محمد لـ "اندبندنت عربية" إن "اليمن شأنه شأن دول عربية كثيرة قطع شوطاً كبيراً لتقليص الفجوة بين الجنسين على رغم تعامل هذه الدول بجدية مع الأهداف الإنمائية لإلغاء التفاوت بين الجنسين في التعليم الأساس والثانوي بما يسهم في تكريس المساواة في قطاع التعليم، إلا أن معدل الالتحاق بالتعليم لا يزال منخفضاً في اليمن مقارنة بالمعدلات الدولية وحتى العربية، إذ تجاوزت النسبة الـ 90 في المئة مقتربة من 100 في المئة".

 

ووصل معدل الالتحاق الصافي للأطفال الذكور بين ستة و14 سنة عام 2014 إلى 78 في المئة، مقارنة بـ 70 في المئة عام 2004 (بحسب بيانات تعداد 2004). أما معدل الالتحاق للأطفال الإناث بين ستة و 14 سنة عام 2014 فارتفع إلى 69 في المئة مقارنة بـ 53.7 في المئة عام 2004، كما شهد هذا المعدل انخفاضاً خلال الأعوام اللاحقة لـ 2014.

وعزت محمد ذلك إلى عدم وجود إحصاءات دقيقة وموثقة حديثاً عن هذا المؤشر يمكن الاستدلال بها، مرجحة أن يكون تراجع هذا المؤشر ناتجاً من تأثر المؤسسات التعليمية بالحرب والأوضاع الاقتصادية.

وينص قانون الأمية في اليمن رقم (28) لسنة 1998 على القضاء على الأمية من بين صفوف المواطنين اليمنيين من الجنسين، وربط برامج ونشاطات وبرامج تعليم الكبار بمفهوم التعليم المستمر، وتزويد الدارسين بالمهارات والخبرات المهنية والحرفية بما يمكنهم من الاستفادة من فرص العمل المتاحة.

وعزت إلهام محمد انتشار ظاهرة الأمية الأبجدية إلى أسباب مباشرة مدعومة من قبل الحرب والفقر والجهل والكلفة المالية لتعليم الأبناء، أو اضطرار الأبناء الذكور إلى مساعدة ذويهم مادياً والزواج الباكر للبنات.

من جهته عزا رئيس جهاز محو الأمية السابق محمد الحاج (الحكومة الشرعية) ارتفاع تفشي الأمية في اليمن لأسباب مثل الحرب وعدم الاستقرار السياسي في البلاد منذ عام 2014، قائلاً إن الأسباب الاقتصادية أحد أبرز تلك العوامل، إذ تكون الأسرة غير قادرة على إلحاق أبنائها بالمدرسة، وبعض الأسر يجبر الأبناء على ترك الدراسة والخروج إلى سوق العمل لتوفير أبسط حاجات المعيشة في حدها الأدنى.

وعن عدم التحاق الفتيات بالمدارس يشير إلى الأسباب الاجتماعية، إذ يعتبر الأهل في الريف أن تعليم الفتاة عيب وأن مكان الفتاة هو بيتها، مضيفاً أنه "بسبب مدارس التعليم المختلط منعت بعض الأسر بناتها من التعليم، ناهيك عن الزواج الباكر والهجرة الداخلية والخارجية وجميعها أسهم في زيادة نسب الأمية بين الإناث".

الشاب اليمني أمير نعمان (22 سنة) من منطقة القفر محافظة إب وسط اليمن يعمل بائعاً متجولاً للمثلجات، ولأنه يعاني الأمية فهو يلجأ إلى التطبيق الصوتي لدى استخدام الهاتف المحمول، إذ لا سبيل للاتصال أو التواصل إلا الصوت، وهو ما يصفه بـ "الأمر المتعب جداً".

يقول، "التحقت بالمدرسة قبل 15 سنة لكني رسبت في الصف الأول مرتين فقررت أن أترك المدرسة وأعمل، ولم يكن أبي راضياً عن ذلك لكنه لم يمنعني من العمل، فقد عملت نادلاً في مطعم في مقابل ما يوازي دولاراً يومياً، ثم عاملاً في دكان لبيع المواد الغذائية وحالياً أبيع المثلجات في الشارع"، أما أسوأ ما يتعرض له فهو سخرية بعضهم من عدم قدرته على القراءة والكتابة، معرباً عن أمله في أن يتمكن من العودة لصفوف العلم.

وتتوقع أستاذة الإعلام في جامعة صنعاء بلقيس علوان استمرار نسب الأمية في الارتفاع على رغم أنف الذكاء الاصطناعي، طالما ظلت الأوضاع السياسية على ما هي عليه.

ويرى أكاديميون يمنيون أن محو الأمية الأبجدية ليس هدفاً في حد ذاته بل وسيلة لهدف أشمل وهو تحقيق التنمية المنشودة للفرد والمجتمع ومواكبة التطور وتحقيق هدف التنمية المستدامة المنشود، وعلى رغم ذلك تقف الأحوال الاقتصادية والسياسية والأمنية القاهرة حائلاً دون التنمية.

ليرة وأمية في لبنان

أحوال قاهرة أخرى تحول دون محاربة الأمية يعانيها لبنان، إذ لا يمكن فصل المشكلات التعليمية والتسرب المدرسي عن الأوضاع المعيشية بالغة الصعوبة التي يعيشها الجميع، فالأزمات والحروب تشكل أسباباً رئيسة في تفشي الأمية وفقاً لدراسة للأستاذة في الجامعة اللبنانية "كلية الآداب والعلوم الإنسانية" درية كمال فرحات، فهذه الاضطرابات تؤدي إلى خلل في حياة المجتمعات ليكون البحث عن الأمان هو الهاجس عند الأفراد مما يؤدي إلى تعطيل العملية التعليمية، ومتى طالت الأزمة أو الحروب فإن التنقل وما ينتج منه من تسرب الصغار من المدارس يكون مهرباً.

ومن جهة أخرى تؤدي الحروب والأزمات إلى تعاظم معدلات الفقر، ولذلك فإن تدني مستوى الدخل في لبنان وانهيار الليرة سيتسببان حكماً في ارتفاع نسبة الأمية الناجمة عن التسرب من المدارس، وكان البنك الدولي قد أطلق مفهوم "فقر التعلم" على شرائح من طلاب لبنان. وتؤكد إحصاءات "يونيسكو" أن معدل الأمية في لبنان للذين تقل أعمارهم عن 15 سنة بلغ ستة في المئة، أما نسبة المتعلمين من مجموع السكان الذين تزيد أعمارهم على 15 سنة فتبلغ 87.4 في المئة.

وتشير الدراسة إلى أن لبنان الذي يعاني الأمية معرض لارتفاع في نسبتها لأسباب أخرى غير اقتصادية، مثل القصور الإعلامي في التوعية من أخطار الأمية، إضافة إلى عدم وجود ضوابط لحث المتأخرين عن الالتحاق بالمدارس الابتدائية لمحو أميتهم، وعدم وجود حوافز تشجعهم على الالتحاق بصفوف محو الأمية، ويضاف إلى القائمة عدم توافر الأعداد الكافية من المؤهلين والمدربين في مجال تعليم الكبار وإدارة صفوف محو الأمية.

وعلى رغم المؤشرات التي تؤكد أن نسب الأمية إلى زيادة، لا سيما في ظل تردي الأحوال الاقتصادية والأمنية، فإن منظمة "يونيسكو" ترى أن الوضع غير مقلق في لبنان مقارنة مع الدول العربية المجاورة، وعلى رغم ذلك فإن أعداد المتسربين من التعليم في تزايد، وهناك تقديرات مقلقة عن نسب إعادة الصف والتسرب بدءاً من الصف الرابع الابتدائي، لا سيما الذكور.

وقد التزمت هيكلية التعليم الجديدة في لبنان بجعل أعوام مرحلة التعليم الأساس الابتدائي من خمس إلى ست أعوام، وذلك خوفاً من التسرب المدرسي والعودة للأمية، بينما في عمر ست أعوام يكون التلميذ قد تجاوز ذلك استناداً إلى مفاهيم علم النفس التربوي.

 

ويشار إلى أن المشكلات التعليمية التي تواجه القطاع التربوي اقتصادية مثل إضرابات المعلمين وغيرها، مما دفع بعض المدارس إلى إعلان نجاح الطلاب ونقلهم من صف إلى آخر من دون شرط اجتياز الاختبارات المطلوبة، وهذا يؤدي إلى أن جيلاً كاملاً ينتقلون من صف إلى آخر من دون معرفة القراءة والكتابة.

وتشهد المدارس كذلك خلال الأعوام الماضية وبسبب دمج اللاجئين السوريين في النظام التعليمي اللبناني نسبة عالية من التسرب المدرسي، على رغم أن التعليم الرسمي شبه مجاني، لكن بسبب وجود المدارس في مناطق بعيدة من الأرياف والمناطق الجبلية وفي ظل ارتفاع أسعار المحروقات اضطر بعض الأهالي أمام العجز عن تأمين وسائل نقل إلى إبقاء أولادهم في البيوت، علماً أن "يونيسف" تدعم أكثر من 192 ألف تلميذ غير لبناني في المدارس الحكومية، واللافت أنه يصعب العثور على شخص يُشهر أُميته. سعيد (46 سنة) يعمل في مصنع للمواقد ولا يعتبر نفسه أمياً، ويقول "إنني أفك الحرف"، أي يقرأ بصعوبة، وعن أسباب عدم التحاقه بالمدرسة يقول إن والده توفي وكان صغيراً مما اضطره إلى ترك المدرسة وولوج سوق العمل باكراً ليساعد والدته في مصاريف الأسرة.

ويضيف أنه يبحث في هاتفه الذكي عن بعض الصور للمواقد التي يصنعها ويبيعها مع الزبائن خارج لبنان متواصلاً معهم من دون مشكلة حيث الرسائل الصوتية تقوم بالمهمة وأكثر، قائلاً "لا حاجة للكتابة وأنا رجل لا يعيبني شيء طالما أصرف على عائلتي".

وعلى رغم ذلك يؤكد أنه سيبذل الغالي والنفيس كي يعلم أولاده (فتاتان وصبي)، كي لا ينظر إليهم نظرة دونية في المجتمع، ويردف قائلاً "مع أنني لم أحتج إلى التعليم في مهنتي إلا أن العلم سلاح".

سلاح الحرب والأمية في السودان

سلاح من نوع آخر يتم رفعه في السودان، وهو سلاح الحرب الذي بدأ يلقي بظلال وخيمة على التعليم ويهدد بارتفاع في نسبة الأمية المرتفعة حتى في زمن ما قبل الحرب، فالسودان بلد متعدد الأعراق ومترامي الأطراف، وبسبب اختلاف الثقافات والعادات والتقاليد، إضافة إلى قيم القبيلة التي يكون ولاء أفرادها أحياناً إلى كبيرها أكثر من الحكومات، يتصدر السودان على مدى أعوام قائمة الدول الأكثر ارتفاعاً في معدلات الأمية.

وجاء السودان في المركز الرابع بعد اليمن بمعدل 24 في المئة من الدول التي تعاني الأمية لمن هم أقل من 15 سنة، ووفق تقرير المجلس القومي السوداني لمحو الأمية فقد بلغ عدد من يعانون الأمية في السودان 9.6 مليون شخص بنسبة 31 في المئة من العدد الكلي للسكان، وذلك في أحدث إحصاء للجهاز المركزي للإحصاء يعود لعام 2008.

ووفقاً لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) فإن نسبة الأمية في السودان تبلغ 50 في المئة بين النساء، و31 في المئة بين الرجال، ويوجد نحو 3 ملايين طفل في سن الدراسة لا يذهبون إلى المدارس من أصل 7 ملايين طفل بلغوا هذه المرحلة.

وتقول الباحثة الاجتماعية سلمى الصادق إن الدراسات والبحوث التي أجريت للكشف عن أسباب ارتفاع نسب الأمية في السودان أشارت بصورة واضحة إلى عوامل مختلفة تمر بها البلاد، أبرزها زواج القاصرات اللواتي يمنعن من مواصلة تعليمهن أو يمنعن منعاً تاماً من التعليم لاعتقادات مجتمعية مرتبطة بالعادات والتقاليد والشرف، وتنتشر هذه الظاهرة في قرى السودان المختلفة وولايات السودان التي تعاني الحروب والنزاعات.

وعن إسهام الحروب والنزاعات في ارتفاع نسب الأمية في السودان تقول الصادق إن "مناطق كثيرة في السودان عانت لعشرات الأعوام الحروب والنزاعات قبل اندلاع الحرب الضارية الحالية، وأبرزها إقليم دارفور الذي لم يشهد أية عملية تنمية، وبالتالي لا توجد مدارس، وإن وجدت فتكون محدودة لا تلبي حاجة الأعداد الكبيرة، ومع نزوح غالبية الأسر بسبب النزاعات إلى مناطق حدودية تفتقر إلى مقومات الحياة ناهيك عن وجود مدارس".

 

ولا يشكل التعليم في بعض مناطق السودان للمرأة قيمة كبيرة على رغم تقلدها مناصب مهمة على مستوى أفريقيا والعالم العربي، إذ إن هناك مناطق كبيرة تأثرت بالعادات والتقاليد التي ترى أن التعليم غير ضروري.

وتتابع الصادق أن "بعض الأسر السودانية في فترة من الفترات كانت ترى في تعليم بناتهن عيباً كبيراً، وارتبطت المرأة في السودان بأدوار لا تخرج عن إطار المطبخ والزراعة وجلب الماء والزواج والإنجاب، وظل التعليم شبحاً يخيف كثيراً من العائلات، وهذا الخوف لا ينجم فقط عن التعليم الجامعي الذي يمكن المرأة، بل يمتد إلى التعليم الابتدائي خوفاً من أن تنفتح عقليتها وتندمج في المجتمع مما يؤدي إلى تمردها".

ولم تكن المعتقدات السائدة والحروب والنزاعات وحدها سبب انتشار الأمية، بل شكل الفقر عائقاً كبيراً منع الآلاف من حق التعليم لعدم استطاعتهن تلبية متطلبات العملية التعليمية، وفي هذا السياق تقول الصادق إن "الفقر شكل عائقاً كبيراً في وجه الملايين الذين لم يستطيعوا إرسال أبنائهم إلى الدراسة في المناطق التي توجد فيها مدارس مؤهلة، ولذلك جرت الاستعانة بالهواتف المحمولة لتحفيظ القرآن لهم بدلاً من الدراسة في المدارس، ولذلك فهناك كثيرون يحفظون القرآن لكن لا يستطيعون القراءة أو الكتابة، كما أن الفقر يدفع بعض الطلاب إلى الهرب من المدارس".

وفي الوقت الذي أنشأت فيه الدولة مرافق تعليمية مهمة وكبيرة ومدارس حكومية في مناطق مختلفة، فإن توزيع هذه المرافق جغرافياً لم يكن عادلاً وكان الاهتمام منصباً على العاصمة الخرطوم مع انعدام تام للمدارس في القرى، ويقول الأمين العام للمجلس القومي لمحو الأمية وتعليم الكبار سابقاً حمد عثمان إن الدولة قدمت برامج وأنشطة تعليمية كثيرة ووضعت مناهج قوية وأنشأت المدارس، لكن التحديات كانت أكبر من استطاعة الدولة وهي كثيرة، وأبرزها مساحة السودان الكبيرة وعدد السكان مقارنة بوضع البلد العام الذي يعانى النزاعات والانقسامات.

وعن الخطط الحالية لخفض نسب الأمية في البلاد تقول إن الحرب الحالية أثرت في عدد من الخطط التي كان الهدف منها خفض نسب الأمية وتوفير بيئة دراسية لكبار السن الأميين، مع خطط تنموية لخفض معدلات الفقر وإرسال الأطفال من أسر غير مستطيعة إلى المدارس على نفقة الدولة وغيرها.

وعلى رغم دخول الكوكب عصر الذكاء الاصطناعي فإن الدولة أهملت هذا الجانب مما أثر في المتعلمين أيضاً وليس الأميين فقط، وقال متخصص تكنولوجيا المعلومات صهيب محمد إن "الحكومة أهملت الجانب التكنولوجي لعدم توقعها أن تؤثر هذه التكنولوجيا في العالم بهذه السرعة الكبيرة، فبدأت بإدخال أبسط الدراسات المتعلقة بها متأخراً حتى الكمبيوتر، إذ جرى إدخاله كمادة أساس للأطفال بعد عام 2010، وقد أثر ذلك في الأجيال التي نشأت بعيداً من التكنولوجيا والتطور الذي حدث في كل العالم، ولجأ بعضهم إلى اكتساب المهارات باجتهادات شخصية، وآخرون لا يزالون يعانون عدم القدرة على المواكبة وحصيلة ذلك مرشحة أن تكون كارثية".

حصيلة كارثية في تونس

وفي تونس ارتفع أعداد من يعانون الأمية إلى مليوني شخص في ما يصفه خبراء بـ"الحصيلة الكارثية"، ووفق إحصاءات نشرتها وزارة الشؤون الاجتماعية فإن نسبة الأمية في تونس تقارب 20 في المئة، وهناك 300 طالب منقطع يومياً عن الدراسة، و23 في المئة من النساء التونسيات أميات و30 في المئة من سكان الأرياف أميين و65 في المئة من النساء الريفيات أميات.

ويرجح مراقبون أن تكون هذه الأرقام المتفاقمة نتيجة للوضع السياسي المتأزم على مدى العقد الماضي وما تشهده المنظومة التعليمية في تونس من تراجع، إضافة إلى تفاقم معدلات الفقر في كثير من المناطق.

وفي ضوء الإحصاءات الرسمية يصعب الخوض في ملف الأمية من دون التطرق إلى معضلة التسرب المدرسي المغذي الرئيس للأمية، ويقول عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية منير بن حسين أنه وعلى رغم جهود الدولة منذ الاستقلال للقضاء على الأمية فإن استمرار زيادة أعداد المتسربين من المدارس، لا سيما الابتدائية والإعدادية، تضمن استمرار وزيادة الأمية.

ووفق إحصاءات رسمية لوزارة التربية فإن نحو 100 ألف طالب ينقطعون عن الدراسة سنوياً، والنصيب الأكبر لطلاب المرحلة الابتدائية.

وتحتل المناطق الداخلية المهمشة صدارة مناطق التسرب، وتؤكد معلومات المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن معظم المتسربين هم من الشرائح الأكثر فقراً.

 

ويشير بن حسين إلى أن التسرب من المدارس في تونس هو المغذي الرئيس للأمية ويتفاقم في أعوام الانتقال من مرحلة تعليمية إلى أخرى، وهو ظاهرة ذكورية بامتياز، لا سيما في المناطق الداخلية التي تفتقر إلى بنى تحتية ومدارس مجهزة قادرة على جذب الطلاب وإبقائهم في صفوف العلم.

ولمحاربة هذه الظاهرة أطلقت الدولة مشروع "التعلّم مدى الحياة" من أجل القضاء على الأمية، ويقول المستشار المكلف بهذا الملف في وزارة الشؤون الاجتماعية خليل عباس في تصريح إلى "اندبندنت عربية" إن التوجه العام لمكافحة هذه الظاهرة يركز على التحول من تعليم الكبار إلى التعلم مدى الحياة، مضيفاً "انطلق البرنامج قبل أشهر، وهو عبارة عن مراجعة شاملة لكل البرامج السابقة، ويبلغ عدد المسجلين في المركز حالياً 20 ألف شخص، وهو عدد ضئيل جداً مقارنة بالسابق حين كان يبلغ العدد نحو 200 ألف منتفع من برنامج محو الأمية قبل عام 2011".

وقال إن الحكومات المتعاقبة بعد أحداث عام 2011 ضحت ببرامج عدة منها برنامج تعليم الكبار من خلال تقليص الموازنة إلى الثلث، وواصل أنه "قبل الثورة كان لدينا نحو مليون أمي غالبيتهم من كبار السن، لكن خلال العقد الماضي التحق وافدون جدد بصفوف الأمية، وهم المنقطعون عن الدراسة، وفي كل عام يتوقف نحو 120 ألف طالب عن الدراسة ونسبة النجاح في استقطابهم من جديد ضئيلة جداً".

وأوضح أن الهدف هو الوصول من 20 ألف ملتحق ببرنامج محو الأمية إلى 100 ألف شخص خلال عام، ولو نجح في ذلك فإن نسبة الأمية مرشحة للانخفاض خلال خمسة أعوام إلى أقل من 10 في المئة، والنسبة مرشحة للزيادة حال توافر قدر أكبر من الدعم والتعاون بين الوزارات المعنية.

ويفيد خليل عباس أنه يوجد تعاون أيضاً مع المجتمع المدني والدولي، بخاصة مع المنظمات الأممية لمكافحة انتشار الأمية.

نتائج لا تخفي نقائص في الجزائر

مكافحة يبدو للوهلة الأولى أنها آتت ثمارها لوقف زحف الأمية في الجزائر، فقد سجل ملف محو الأمية تقدماً بحسب إعلان وزارة التربية عن انخفاض نسبة الأمية في البلاد إلى 7.4 في المئة، وعلى رغم أن النسبة ضمن الأفضل في منطقة شمال أفريقيا إلا أنها لا تزال دون المأمول، وكانت الآمال معقودة على مزيد من التقدم بعد إطلاق منصة رقمية تعليمية لفائدة الدارسين في أقسام محو الأمية.

ولم تخف النسبة "المنخفضة" المعلنة نقائص عدة، فأجور المعلمين الزهيدة التي تتسبب في إضرابات متكررة تبقى من أهم المشكلات التي تهدد تحقيق هدف القضاء النهائي على الأمية وفق برنامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030.

ومنذ الشروع في تنفيذ استراتيجية محو الأمية عام 2008 حين كانت تقدر بـ 22 في المئة، بحسب الديوان الوطني للإحصاء، وجرى تجنيد 12 ألف شخص من أجل إنجاحها، انخفضت إلى 7.96 في المئة عام 2021 ثم 7.40 في المئة عام 2022، كما أن أكثر من 67 في المئة من مجموع المسجلين في أقسام محو الأمية منذ انطلاق الاستراتيجية وحتى عام 2022 نالوا شهادات تخرج وجرى دمج 986 شخصاً من أقسام محو الأمية في التعليم عن بعد، و204 أشخاص آخرين في التكوين المهني.

وبلغ عدد المسجلين في السنة الدراسة 2021 - 2022 نحو 326 ألف دارس، 26 ألفاً منهم ذكور و300 ألف من الإناث يشرف على تعليمهم أكثر من 14 ألف معلم، فيما بلغ عدد المسجلين في فصول محو الأمية منذ انطلاق الاستراتيجية نحو 4.7 مليون دارس 87.25 في المئة منهم إناث، موضحاً أنه جرى تخريج 3.4 مليون دارس بينهم 3 ملايين أنثى بنسبة 88.84 في المئة.

وعرف المجتمع الجزائري غداة الاستقلال عام 1962 واقعاً مريراً تمثل في نسبة مرتفعة جداً من الأميين قدرت بـ 80 في المئة من السكان البالغ عددهم وقتها أكثر من 9 ملايين جزائري، أي نحو 5.6 مليون أمي، ووقتها لم يتجاوز عدد الدارسين 20 في المئة بسبب سياسة التجهيل التي انتهجها الاستعمار الفرنسي، وهو الوضع الذي أفرز مشكلات كثيرة في قطاع التعليم أولها نقص المعلمين وقلة الهياكل القاعدية، مما دفع الحكومة إلى الإعلان عن حملة وطنية ضد الجهل والأمية تحت شعار "الحرب على الجهل أتحرر" عام 1963.

 

ويقول أستاذ علم النفس بوجمعة وردالي لـ "اندبندنت عربية" إن محو الأمية في الجزائر لم يكن حكراً على وزارة التربية ومؤسساتها، بل جعلتها الدولة قضية الجميع من هيئات رسمية ومجتمع مدني، لا سيما الجمعيات التي تعتبر شريكاً استراتيجياً.

وأوضح أن الأمية ظاهرة اجتماعية تعوق تقدم الأفراد والمجتمعات وتحتاج إلى اتخاذ عمل جماعي منظم بغية مواجهتها والتحرر من آثارها الهدامة، واصفاً الاستعانة بالحاصلين على شهادات جامعية من أجل امتصاص البطالة ومحو الأمية بـ "الفكرة الممتازة لكن يجب أن تتبعها تحفيزات مثل تقنين التدريس في هذا القطاع والحفاظ على الحقوق".

ويضيف أنه بقدر الأولوية التي تمنحها الجهات المسؤولة لهذا الملف غير أن هناك بعض المشكلات التي لا يجب إهمالها وأولها ضعف الاهتمام بالمعلمين والمهنيين، موضحاً أن تدني الأجور يجعل التحول إلى محو الأمية الرقمية مغامرة موعودة بالفشل، كما أن تأخر صرف الرواتب، عكس العاملين في باقي القطاعات، يعتبر إجحافاً في حق هؤلاء.

وأشار إلى ضرورة مسايرة التطور التكنولوجي الحاصل في العالم من أجل دعم جهود محاربة الأمية بعيداً من السياسات التقليدية، كما انتقد "الميل العربي للاكتفاء بلغة الأرقام في ملف الإنجازات، وكأن ما يتم تحقيقه في بناء المؤسسات التعليمية أو غيرها هو غاية المنى، أما الاهتمام بجوهر العملية الاجتماعية الرامية إلى النمو الحضاري للمجتمع فيظل مفقوداً أو في الأقل دون المستوى".

مدير الديوان الوطني لمحو الأمية وتعليم الكبار كمال خربوش أعلن في أبريل (نيسان) الماضي إطلاق منصة رقمية تعليمية لمصلحة الدارسين في أقسام محو الأمية، وقال خربوش وقتها إن المنصة ضمن التدابير المتخذة في برامج محو الأمية عبر وسائل حديثة بإدراج تكنولوجيات الإعلام والاتصال في عمليتي التعليم والتعلم، مضيفاً أن المنصة الرقمية آلية مرافقة من بعد لتعزيز الدروس الحضورية المعتمدة في برنامج الديوان، ومشدداً على أهمية وكفاءة الوسائل الجديدة في برامج محو الأمية من خلال دروس تتعلق بالمعرفة المعلوماتية في مجالات تتماشى مع مقتضيات الحياة اليومية وأخرى حول المعرفة الثقافية.

جهود مغربية

وفي المغرب أيضاً جهود تتأرجح بين أرقام تعني النجاح في مواجهة الأمية وأسئلة مشروعة حول مدة كفاية وكفاءة ما تحقق، فعلى رغم الجهود الحكومية المبذولة لمحو الأمية عبر كثير من المخططات والمبادرات إلا أن آفة الأمية لا تزال تضرب أطنابها وسط ملايين المغاربة، ويعود أحدث إحصاء رسمي حول نسب الأمية لعام 2014 وقت كانت نسبتها في القرى نحو 47.5 في المئة وفي المدن 22.6 في المئة، وهو ما يمثل انخفاضاً مقارنة بعام 2004 حين بلغت في القرى أكثر من 60 في المئة و29 في المئة في المدن، وللنساء نصيب الأسد إذ تتفشى الأمية بينهن بنسبة 42.1 في المئة مقارنة بـ22.2 في المئة للرجال عام 2014.

وتقلصت نسب الأمية بفضل كثير من البرامج والمخططات الحكومية حتى إنه جرى استحداث مؤسسة رسمية تعنى بمحاربة هذه الآفة الاجتماعية وهي "الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية".

ويقول المتخصص التربوي رشيد شاكري إن الأمية الأبجدية ظلت تشكل عائقاً عنيداً أمام طموحات المغرب لتحقيق تطور نوعي في مجال التنمية البشرية، إذ ما زالت هذه الفئة من المجتمع تعاني صعوبة الإدماج السيسيواقتصادي، وتتدنى قدرتها على المشاركة الفعالة في تدبير الشأن العام علاوة على تكريس التبعية والاعتماد على الآخرين لتأدية مهمات الحياة اليومية.

ولفت شاكري إلى أنه على رغم البرامج الحكومية المتتالية في هذا المجال وتدشين الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، فإن ربح الرهان للقضاء على هذه الآفة يظل تحدياً مجتمعياً مما يجعل التدخل الحكومي يصطدم بإكراهات تجعله يخلف الوعود والمحطات النهائية للقضاء على هذه الآفة، ومنها ما التزم به الميثاق الوطني للتربية والتكوين، فمثلاً وضع المغرب هدف تقليص النسبة العامة للأمية إلى أقل من 20 في المئة مع حلول عام 2010، على أن تحقق البلاد هدف المحو شبه التام لهذه الآفة عام 2015، وهو ما لم يتحقق.

 

وعلى رغم تقلص معدلات الأمية في المغرب لكنها تظل مرتفعة بالنظر إلى السياق العالمي والحديث عن الأمية الرقمية لا الأبجدية، فضلاً عن توافر ترسانة من القوانين والمبادرات لاجتثاث الأمية، ويعزو شاكري استمرار ارتفاع نسبة الأمية الأبجدية في المغرب إلى عوامل عدة، أولها تنامي أمية الصغار إذ لا تزال تتغذى من الانقطاع عن الدراسة وعدم التمدرس، وخلال العام الدراسي 2021 - 2022 انقطع عن الدراسة 334664 تلميذاً وتلميذة، مما يجعل الأمية تنتعش سنوياً على رغم المبادرات لإعادة بعضهم إلى المدرسة في إطار مخطط "الفرصة الثانية" أو "التكوين المهني".

والعامل الثاني في رأيه هو ضعف التعبئة المجتمعية والتواصل بين القطاعات المتدخلة في مجال محو الأمية، علاوة على محدودية انخراط الفاعلين المحليين وبعض القطاعات المعنية، بما في ذلك المؤسسات الاقتصادية مثل الشركات والمعامل والمقاولات.

أما العامل الثالث فيتمثل في التحديات الاجتماعية والثقافية مثل تفضيل بعض الأسر تعليم الذكور على الإناث، أو توجيه الأطفال للعمل في سن باكرة، وكذا تقبل فكرة التعلم في سن متأخرة والإيمان بجدوى التعليم أحياناً، وجميعها تؤدي إلى ضعف الالتحاق ببرامج محو الأمية.

والعامل الرابع هو الرهان على المجتمع المدني على رغم المصاعب التي يعانيها، بما في ذلك ضعف إعداد وتأهيل المدربين وضعف المكافآت التي يتقاضونها، إضافة إلى صعوبة المواكبة والتتبع والمراقبة، لا سيما في ما يتعلق بالبرامج المطبقة وقلة انتظام الملتحقين والتسرب من فصول محو الأمية.

والشخص الأمي سواء كان صغير السن أو كبيراً في مجتمع متحول متطور يسبب له شعوراً بالنقص، وتقول رحيمو، وهي سيدة في العقد السادس من العمر، إنها تعاني الأمية إذ لم تلتحق بالمدرسة أصلاً بسبب عادات سكان البلدة التي ولدت فيها في جبال الأطلس، حيث التعليم للأولاد لا البنات.

وتقول إنها شعرت دائماً بالنقص بسبب أميتها الأبجدية مما حال بينها وبين قيامها بمسؤولياتها العادية، لا سيما بعد وفاة زوجها الذي كانت تعتمد عليه كثيراً في تحرير الأوراق الرسمية والبنكية وغيرها، وشجعها ذلك على خوض تجربة دروس محو الأمية في مسجد قريب منها.

أما محسن (16 سنة) فقط ولد في قرية وتمكن من الاستمرار في المدرسة حتى الصف الخامس الابتدائي، ثم عجز عن متابعة دراسته بسبب بعد المدرسة من القرية، وبمرور الأعوام نسي ما تعلمه من قراءة وكتابة، لا سيما أنه اضطر إلى الانخراط في سوق العمل باكراً لمساعدة والده على تحمل كلف الحياة، وبعد أعوام قليلة نزح كغيره من شباب البادية إلى المدينة بغرض تحسين ظروف معيشته، وهناك اصطدم بالواقع الرقمي الذي عمق الهوة بينه وأميته من جهة، وبين سوق العمل وشروط العصر الرقمي من جهة أخرى.

وزارة للأمية في موريتانيا

وبعيداً من شروط العصر الرقمي تحاول "أم الفضل" التغلب على واقعها وتقطع المسافة بين بيتها وقاعة تعليم الكبار في مقاطعة الميناء في العاصمة الموريتانية نواكشوط بصعوبة بالغة، إذ تتكئ على عكازها لمواصلة السير فصحتها لم تعد تساعدها في الحركة كثيراً.

وعلى رغم كل تحديات العمر ونظرة المجتمع تصر أم الفضل على تعلم الكتابة والقراءة، كما تتمنى أن تخرج من دائرة ثلث الموريتانيين الذين يعانون الأمية، وتلخص أسباب أميتها في بيئتها الفقيرة التي نشأت بها في الداخل الموريتاني والطبيعة البدوية التي كانت تحكم حياة أهلها، وتضيف "كانت تحديات العيش تفرض على أهلنا الانتقال الدائم بحثاً عن الماء والكلأ لماشيتهم التي يعيشون من ريعها، وعدم الاستقرار هو ما حرمني التعلم في الصغر".

وكان التوجه الرسمي في موريتانيا منذ منتصف التسعينيات منصباً على القضاء على الأمية، إذ استحدث نظام الرئيس الموريتاني الأسبق معاوية الطائع وزارة مكلفة بالقضاء على الأمية.

إلا أن هذا التوجه لم يأت أكله بحسب عبدالله القتح المهتم بقضايا تعليم الكبار، إذ يرى أن "تسييس ملف محو الأمية خربته الدعاية الحزبية وأصبح سلماً للارتقاء الوظيفي عند بعض المسؤولين الذين يوهمون الحكومة بأنهم فتحوا مراكز لمحو الأمية في الداخل الموريتاني، بينما الحقيقة أن الأمية لا تزال تعشعش في الأرياف ومدن الداخل والأحياء الفقيرة في العاصمة".

وترى رئيسة مصلحة البرامج والمواد التعليمية في إدارة محو الأمية بوزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي الموريتانية لغوية الرابي في ردها على أسئلة "اندبندنت عربية" أنه خلال فترات سابقة كان هناك اهتمام بمحو الأمية في موريتانيا، لكنه لم يستغل في القيام بعمل مؤسس يمكنه أن يطور وإنما كان عملاً سياسياً، ويتضح ذلك من خلال النواقص التي لا تزال مطروحة حتى الآن.

وتضيف الرابي أن من أهم أسباب انتشار الأمية بين الموريتانيين "كون البلد يسجل أعلى نسبة تسرب عن التعليم في العالم العربي، أي ما بين 45 و50 في المئة، ويعتبر التقري الفوضوي وضعف تأهيل الكادر البشري ونقص البنيات التحية ومحدودية مساهمة الأهالي وفقرهم وعدم مواءمة المنظومة حاجات السوق أسباباً تؤثر سلبا في أداء التعليم".

 

وتؤصل لغوية لهذا المأزق التنموي والاجتماعي بقولها إن "الفقر يؤدي ببعض الأسر إلى الامتناع من تدريس أبنائها لحاجتهم إلى ريع عملهم اليومي، كما أن بعض العقليات المتعلقة بتعليم المرأة تسهم في هذا الواقع"، وتخلص المسؤولة الموريتانية إلى "ندرة وجود المقاربات الجادة لدى ممتهني وممارسي محو الأمية".

ويرى مسؤول تصور وإعداد التكوينات في رابطة التنمية وترقية حقوق الإنسان خاليدو با أن "انتشار الأمية في موريتانيا مرتبط غالباً بمشكلات هيكلية أكثر عمقاً من قبيل الفقر والحرمان من التعليم، ولا يمكن لبرامج محو الأمية وحدها أن تحل هذه المشكلات بطريقة مستديمة"، معترفاً

بأن "مشكلة الأمية في موريتانيا معقدة وتعود لعوامل عدة مثل ضعف نسب الوصول للتعليم والحواجز اللغوية وانعدام المساواة الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى التحديات المرتبطة بالتنمية".

ويهتم رئيس جمعية التوعية لدعم التنمية الناشطة بتعليم اليافعين وكبار السن الإمام امبيريك ويراكم تجربة عقد من الزمن في هذا المجال، مقراً بأن "حاملي الشهادات المتوسطة من بين الفئات المهددة بالأمية لضعف تكوينهم الأساس والتساهل في التجاوز الى الأقسام العليا، كما أن توقف تعليمهم الذي اكتسبوه في سن باكرة يتبخر بسرعة حين تقودهم أقدارهم الى العمل الباكر بسبب حاجة أهلهم إلى المال".

وتقدم الجمعية التي يترأسها الإمام دروساً لأكثر من 100 سيدة أمية، ويأمل في أن تنجح مجهودات جمعيته في القضاء على أمية هؤلاء السيدات.

وإذا ابتعدنا من التعريف الأولي للأمية في موريتانيا فسنجد أنواعاً كثيرة من الأمية تنخر صفوف فئات عمرية تلقت التعليم الأساس وحتى الثانوي، ويرى الناشط في قضايا الشباب إسحاق اللمتوني أن "الأمية الرقمية تكتسح فئات عمرية كثيرة منها من هم في مراحل جامعية وحتى موظفين"،

وتقول أم الخير محمد، وهي شابة أمية تواصل تعليمها في فصل دراسي بالعاصمة، "نعاني الأمية في التعرف على حقوقنا كمواطنين، وهذا ما دفعني إلى الالتحاق بهذه الدورة التعليمية".

وبحسب بيانات إدارة محو الأمية في موريتانيا فإن نسبة الأمية بين النساء الموريتانيات بلغت عام 2021 حوالى 39 في المئة، بينما تبلغ نسبة الأميين الرجال 29 في المئة، وتحتل كيدي ماغة صدارة المحافظات من حيث نسب الأمية حيث تبلغ أزيد من 58 في المائة على عموم المحافظة.

خفتت الجهود

وقد خبا نجم الحديث عن الأمية في الأوساط الرسمية في موريتانيا وتحولت إلى إدارة في وزارة وصية على القطاع، إلا أن القيمين على ملفها يعددون البرامج التي يعملون عليها للقضاء على هذا المعضل التنموي، وتذكر لغوية الرابي جهود قطاعها في هذا المجال بقولها "ننظم سنوبا تظاهرات ثقافية لأيام محو الأمية على المستوى الوطني والعربي والدولي، كما نقوم بتشخيص أولي لتحديد مناطق ونقاط التدخل وانتقاء الشركاء مع منظمات مجتمع مدني وفاعلين ميدانيين، ونحرص سنوياً على تسجيل وتدريس حوالى واحد في المئة من مخزون الأميين بالوطن، كما أننا نتعاقد مع المدرسين والمشرفين الميدانيين ونقوم بتكوينهم ونوفر لهم الدعامات التربوية.

وتضيف المسؤولة الموريتانية، "نفتتح سنوياً فصولاً دراسية على شكل مراكز تعلم مجتمعي أو نقاطاً أو فصولاً عادية ومراكز للتعلم المجتمعي تشرف عليها منظمات مجتمع مدني ويدرس فيها 100 دارس في أربع مجموعات متساوية، والنقطة الواحدة فيها 50 دارساً في مجموعتين متساويتي العدد، أما الفصل فيدرس فيه 25 دارساً".

وتقوم إدارة محو الأمية بالاطلاع الميداني على سير التنفيذ من قبل المصالح المركزية ثلاث مرات خلال فترة الدراسة البالغة ستة أشهر، وتعترض توجهات الحكومة الرامية الى القضاء على الأمية بمعوقات يذكر منها خاليدو با "ضعف نسب الوصول للتعليم والحواجز اللغوية وانعدام المساواة الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى التحديات المرتبطة بالتنمية".

ويضيف خاليدو با أن منظمة "يونيسكو" تمول في موريتانيا استراتيجية وطنية لمحو الأمية ما بين عامي 2015 و2024، وخلال العقود الأخيرة تم تنفيذ عدد من برامج محو الأمية بعضها موجه لفئات محددة مثل النساء والشباب وسكان الأرياف.

وقد حققت بعض هذه البرامج نجاحاً متوسطاً في تقليص أعداد الأميين، ومع ذلك فهناك تحديات قلصت فعالية هذه البرامج، مثل نقص الموارد المالية وضعف المتابعة على المدى البعيد وصعوبة ضمان مشاركة المستفيدين.

وخلال الأعوام الأخيرة افتتح في موريتانيا 479 فصلاً تعليمياً لمحو الأمية، يواصل فيه أزيد من 12025 رجلاً وسيدة تعليمهم، وقد استطاع أكثر من 7584 شخصاً التحرر من ظلام الأمية، بحسب إدارة محو الأمية في موريتانيا.

ويجب على الاحتفاء العربي بـ "اليوم الدولي لمحو الأمية" أن يتوخى الحذر، فحتى الدول التي شهدت انخفاضاً في أعداد من يعانون الأمية عليها أن تتذكر أن انخفاض معدلات الأمية الأبجدية لم يعد بالإنجاز الكبير في عصر الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي الذي لن يتوقف كثيراً لينتظر محو الأمية الرقمية، فما بالك بالأبجدية، كما أن أبجديات محو الأمية تحتم النظر إلى الصراعات والحروب التي تدفع ملايين البشر إلى النزوح والهجرة واللجوء، ومن ثم توقف أو تخلخل العملية التعليمية للصغار لا بعين الاعتبار، بل باعتبارها جائحة مميتة، ولعلها فرصة أن العالم هذا العام يرفع شعار "إرساء الأسس لمجتمعات مستدامة وسلمية" عنواناً لجهود محو الأمية في المرحلة الحالية.

ويحق للدول العربية أن تزهو بجهودها وإنجازاتها لتقليص أعداد الأميين، لكن تظل حزمة العادات والتقاليد التي لا تزال تحول دون تعلم الفتيات وجودة التعليم المتدنية التي تخرج أشباه أميين، وأجواء المدارس الطاردة للمتعلمين والاكتفاء بلغة الأرقام لسرد الإنجازات لا تكذب لكنها تتجمل، وتخريج حاملي شهادات محو الأمية منزوعة المضمون، واعتبار من يستخدم الهاتف المحمول متعلماً ومن يفك الخط بالكاد مثقفاً تجعل من غاية "صفر أمية" أضغاث أحلام عربية في اليوم الدولي لمحو الأمية.

المزيد من تحقيقات ومطولات