Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مسرحيات فارس يواكيم عناوين لنهضة الكوميديا اللبنانية

أعمال مؤلفة وأخرى مقتبسة عن نصوص عالمية كان الممثل شوشو أحد أبرز نجومها

الممثل الكبير شوشو في مسرحية لفارس يواكيم (أرشيف يواكيم)

ملخص

أعمال مؤلفة وأخرى مقتبسة عن نصوص عالمية كان الممثل شوشو أحد أبرز نجومها

فارس يواكيم الكاتب المسرحي والمؤرخ الثقافي والمترجم اللبناني المقيم في ألمانيا، أصدر كتاباً بعنوان "مسرحيات، آخ يا بلدنا وأخواتها" عن دار الفرات نشر فيه سبع مسرحيات من تأليفه كان لها أثرها وحضورها البارز في المجال الثقافي والاجتماعي والسياسي لبيروت، أوائل السبعينيات من القرن الـ20، حتى العشرية الأولى من الـ21.

وأحسب أن الكاتب يواكيم شاء أن يرفع الغطاء عن أرشيفه المسرحي ليكون في تصرف عامة القراء والدارسين له، ولا سيما أنه يشكل جزءاً لا يتجزأ من تراث بيروت الفكري والفني الذي بلغ إحدى ذراه في المسرح اللبناني، قبيل الحرب الأهلية وبعدها. ولئن كان المؤلف لا يتوسع في هذا الشأن، أي في تسويغ إصدار نصوص المسرحيات السبع، التي يأتي ذكرها لاحقاً، فإنه يكتفي بوضع المدونة المسرحية بين أيدي القراء في ما يمكن اعتباره الأثر الكلامي لأعمال أنجزها اقتباساً واستئناساً بأعمال أخرى وتأليفاً، وكانت لا تزال أصداء القهقهات الصادرة عن كل منها، عبر مسرح البيكاديللي وغيره، تعتمل في نفوس مشاهديها، الأحياء منهم والأموات، وترسم لوحة لإنسان ومدينة كانا لا يزالان يجربان اللهو بآلامهما، ليخلصا، أو ليفرحا ليس إلا.

تصنيف المسرحيات

يقول يواكيم في مقدمة الكتاب إنه في مسيرته المهنية كتب نصوصاً في ألوان مسرحية مختلفة منها الكوميدية ومسرحيات للأطفال ومسرحيات غنائية (أوبريات)، وإن خص المسرح الكوميدي بـ14 مسرحية، منها 12 مسرحية لشوشو، حسن علاء الدين (1939 - 1975) وحده، نجم المسرح الكوميدي اللبناني في عز صعوده. ويتابع المؤلف، في معرض كلامه على تصنيفه نصوص المسرحيات، أنه صنفها بحسب مبلغ الجهد الذي بذله فيها، أي في صوغها، فمنها ما كان اقتباساً كاملاً عن مسرحيات أجنبية، ومنها ما كان إعداداً، أي بالاعتماد على حبكة مسرحية معروفة، وصوغها كاملاً مع إضافة الشخصيات من اختلاقه. ومنها ما كان كتابة، بالاعتماد على فكرة مستلة من مسرحية أجنبية، وكتابتها بما يتناسب مع الواقع اللبناني، على سبيل المثال، مسرحية "آخ يل بلدنا"، و"الشلمسطي".

أما التأليف فكان يقصد به أن يتولى الكاتب كتابة المسرحيات وإبداعها بالكامل، على حد تعريفه، وأمثلته على ذلك ثلاث مسرحيات، هي "فوق وتحت" و"خيمة كراكوز" و"الدنيا دولاب".

"جوا وبرا"

المسرحية الأولى على توالي ظهورها في الكتاب يقول يواكيم إنها اقتباس من مسرحية "مقالب سكابان" لموليير، والذي كان قد اقتبسها بدوره من نص للكاتب اللاتيني تيرانس، وبطله هو نفسه يدعى سكابينو، متبعاً في هذه الشخصية منهج الكوميديا ديللارتي (فن مسرحي كوميدي ظهر في القرن الـ15 في أوروبا، وأساسه الارتجال، والإكثار من الحركات والإيماءات وخفة الحركة على خشبة المسرح، والمقالب المضحكة. أنشأه أنجيلو بيولكو على حد قول داريو فو الحاصل على نوبل). إذاً، يبتدع الكاتب يواكيم شخصياته، موازية لشخصيات المسرحية المقتبس عنها، فيجعلها في إطار مديني حول مرفأ بيروت، ويطلق على شخصياتها أسماء مثل سندوس ومنصر ورشاد ووفيق وإلهام وشوشو وزيزي وكيكي، وغيرهم. وتقوم الحبكة على فكرة محورية مفادها، أن ما يحدث من غش داخل (جوا) المرفأ، حاصل أيضاً خارجه (برا) في المدينة والبلاد. وعلى هذا، يتم التعامل مع الآخرين الذين يمرون بالمرافئ مرور الكرام، فيكونون عرضة للغش. وفي المسرحية جعلت شخصية شوشو تفضح أمور غش الزبون، والكشف عن أجواء الفساد والتهريب، وغيرهما.

"فوق وتحت"

كتب فارس يواكيم هذه المسرحية عام 1972، وكان زمن انتخابات نيابية، إذ جعل من الشخصية الرئيسة فيها تاجر أسلحة أمياً، يرشح نفسه ليصير نائباً للأمة. وعندما يفشل، يجمع بعض المنافقين المستفيدين مالياً منه، في دكانه، ويحضهم على الثأر له ممن سبب خسارته المذلة. وقد استوحى الكاتب أحداثها من الوقائع التي جرت في تلك السنة، ولا سيما الاشتباكات التي جرت بين الطلاب في تظاهراتهم الضخمة، وبين وزير التربية، في حينه، نجيب أبو حيدر، وسواها من الوقائع التي كان قد شهدها الجمهور اللبناني.

 

"آخ يا بلدنا"

يمكن القول إن مسرحية "آخ يا بلدنا" هي المسرحية التي حظيت بالمكانة الأولى، من حيث ترسيخها شهرة شوشو، وإكساب فارس يواكيم شهرة واسعة في لبنان والبلاد العربية، ووقوعها في زمن سياسي ونهضة مسرحية وفنية وأدبية قل نظيرها في تاريخ البلد. يقول الكاتب عن هذه المسرحية أنه استوحى موضوعها الأساس من مسرحيتين غربيتين، متباعدتين في الزمن، "أوبرا المتسول" لمؤلفها الإنجليزي جون غاي عام 1728، والذي بنى أحداث مسرحيته على وقائع مستمدة من حياة مدينته لندن، حيث تختلط مشاهد الفساد والرشوة والدعارة، وحيث يحيا المتسولون جماعات متنافرة متناحرة. كذلك استوحى الكاتب من صيغة الكاتب الألماني بريشت لمسرحية "أوبرا القروش الثلاثة"، القائمة على فكرة المسرحية الأولى لجون غاي، في ما خص الشخصيات والأجواء المستوحاة من المسرحية الأولى. غير أن واكيم عمل على تحويل نمط المسرحية إلى الفودفيل الضاحك، بل المقهقه، مع سيد الكوميديا شوشو، بعد أن كانت أميل إلى النمط الدرامي أصلاً. وقد أضاف إليها الكاتب كثيراً من السلبيات من الواقع بحيث يتضاعف تفاعل الجمهور اللبناني معها، بدليل أن عروض المسرحية استمرت طوال ما يقرب السبعة أشهر من ديسمبر (كانون الأول) عام 1973 حتى منتصف يونيو (حزيران) من عام 1974. وقد نالت أغنية "شحادين يا بلدنا" من كلمات ميشال طعمة وألحان إلياس الرحباني، شهرة منقطعة النظير.

"خيمة كراكوز"

كتب المؤلف فارس يواكيم هذه المسرحية في صيف عام 1974، وأعد إخراجها وموسيقاها في أجواء صيفية حارة، وخريفية عاصفة، إذ فرضت السلطة رقابة، بل منعاً على أغنية المسرحية، من كلمات يواكيم وألحان بول مطر. وصادرت قوى الرقابة الرسمية أسطوانات أغنية "شحادين يا بلدنا" المشار إليها سالفاً، وسمحت بأغنية "أخ يا بلدنا". عندئذٍ رفض المخرج روجيه عساف الرضوخ للإنذار، واقترح أن تعرض المسرحية في الشارع إذا نفذت السلطات إنذارها بتعطيل العروض، ولكن ما آلم شوشو، وهو منتج المسرحية، أن يخضع لتهديد الدولة ويسحب الأغنية، ويعرض أغنية بديلة من كلمات ميشال طعمة وألحان إلياس الرحباني، وهي "علي بابا نزل عالمدينة". وموجز حبكة هذه المسرحية أن سيركاً يعلن عن رغبته في عمال، وإن هي ألا لمحات حتى تتكشف الحوارات عن تناقضات صارخة، ومفارقات مضحكة، وصراعات بين الأفراد وفقاً لتوزعهم بين الإدارة والكومبارس.

"الدنيا دولاب"

استوحى الكاتب فكرة هذه المسرحية من مسرحية "كرايتون الرائع" للكاتب جيمس باري، وهي ملهاة. ومفادها أن عائلة أرستقراطية إنجليزية كانت تنعم بثرائها الموروث، وكان لديها خادم متفانٍ يدعى كرايتون، ويحدث أن يغرق اليخت الذي كان يقل العائلة في رحلة بحرية، فتلجأ إلى جزيرة، ويتحول كرايتون إلى سيد لكونه المنتج الوحيد بينهم، ولكن العلاقات تعود إلى سابق عهدها، حالما تنجو العائلة وتعود إلى منزلها، ويعود الخادم خادماً، والسيد سيداً.

في النسخة التي أعدها يواكيم، يعاود كتابة الحوارات فيها بالكامل، بناءً على أن العائلة المعنية هي من "أثرياء الحرب"، وأن أفرادها لطالما كانوا ينادون خادمهم "يا زفت"، ولما صاروا في الجزيرة راحوا ينادونه "مولانا". وحين رجعوا إلى منزلهم عبر السفينة، عاودوا مناداته "يا زفت".

في الكتاب، أيضاً وأيضاً، نصوص لمسرحيتين كوميديتين، هما "كرمبول"، والشلمصطي، أدعهما لنباهة القارئ العربي، ولمن شاء أن يتتبع مسار الكتابة المسرحية لحقبة من زمن المسرح اللبناني، قد تكون الأغزر على الإطلاق، والأكثر دلالة على ماهية النهضة المسرحية.

وقد يكون من الأهمية بمكان أن تدرس النصوص المسرحية التي أحدثت جلبة وأصداء في نفوس جمهورها، لبنانيين وعرباً، وتعدت آثارها الإعجاب والتقدير العاليين، إلى تبدل في القناعات، وفي المواقف السياسية والاجتماعية، مما عملت السلطات على قمعها والحد منها، دراسة اجتماعية وأخرى تداولية، من منظور الجمهور ومدى تفاعله مع هذه النصوص لمؤلفين كبار منهم فارس يواكيم ويعقوب شدراوي وجلال خوري وروجيه عساف وريمون جبارة ومنير أبو دبس، وغيرهم، ومع كبار الممثلين الكوميديين أمثال شوشو (حسن علاء الدين)، وأنطوان كرباج، ونبيه أبو الحسن، وغيرهم، كما يمكن للمعنيين بفهم خصائص المسرح اللبناني لزمن السبعينيات حتى التسعينيات، أن يتخذوا من المدونة المسرحية (أي مجموع نصوص المسرحيات المعروضة)، وكتاب المؤلف فارس يواكيم بعض منها، مادة لدروس في ما لا يحصى من المجالات المرتبطة بالمسرح اللبناني، سواء على صعيد الخطاب السياسي أو الاجتماعي والاقتصادي أو القيم أو الجندر، أو غيرها، مما اتسع له المسرح اللبناني، قبيل انهيار الهيكل الاقتصادي - الاجتماعي وعودة المسرح إلى الكهف، ولو إلى حين.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة