Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اقتصاد الصين تحت ضغوط سلطة الحزب والتحولات

المسؤولون في بكين أصبحوا أكثر قلقاً في شأن النمو لكنهم لا يستطيعون التصرف من دون موافقة القائد الأعلى

أدى اعتماد شي لمركزية السلطة إلى أسوأ تباطؤ اقتصادي تشهده الصين منذ سنوات (أ ف ب)

ملخص

قلق متنام من أن بكين حولت أولويتها الشاملة بعيداً من النمو الاقتصادي نحو أهداف أخرى مثل مسائل الأمن القومي

وضع الرئيس الصيني شي جينبينغ الحزب الشيوعي ونفسه في قيادة أكبر للاقتصاد الصيني على مدى العقد الماضي، واليوم يؤدي اعتماد مركزيته للسلطة إلى أسوأ تباطؤ اقتصادي تشهده البلاد منذ سنوات.

وقال أشخاص مطلعون لصحيفة "وول ستريت جورنال"، إن المسؤولين عن الشؤون الاقتصادية عقدوا اجتماعات عاجلة بشكل متزايد في الأشهر الأخيرة لمناقشة سبل معالجة التوقعات المتدهورة، وعلى رغم نصيحة كبار الاقتصاديين الصينيين باتخاذ إجراءات أكثر جرأة، فإن كبار المسؤولين الصينيين لم يتمكنوا من طرح حوافز كبيرة أو إجراء تغييرات كبيرة في السياسة لأنهم لا يملكون السلطة الكافية للقيام بذلك، مع تزايد عملية صنع القرار الاقتصادي التي يسيطر عليها شي نفسه.

وذكرت الصحيفة، إن الزعيم الأعلى أظهر القليل من علامات القلق في شأن التوقعات على رغم الكآبة المتراكمة، ولم يبدُ مهتماً بدعم مزيد من التحفيز، وفقاً للتصريحات المعلنة لشي.

وفي الأسابيع الأخيرة، مع اقتراب إحدى أكبر شركات التطوير العقاري في الصين من حافة التخلف عن السداد، مما يعرض مليارات الدولارات من القروض والديون الأخرى للخطر، قامت الحكومة بتوسيع الإجراءات لإنعاش شراء المنازل، وتأتي هذه الخطوات في أعقاب تدابير تدريجية أخرى اتخذت على مدى الأشهر القليلة الماضية، مثل التخفيضات المتواضعة في أسعار الفائدة. 

ويرى الاقتصاديون، أن هذه الخطوات من المرجح أن تساعد إلى حد ما، وقد يتبعها مزيد من التحفيز، ولكنها لا تزال أقل مما يقول خبراء إنه ضروري لتحقيق الاستقرار الاقتصادي بشكل كامل. 

ومن دون تفويض أكثر وضوحاً من شي جينبينغ لإنعاش النمو، يخشى المسؤولون الحكوميون المحليون من احتمال محاسبتهم على الأخطاء السياسية، في حين يقف كثيرون مكتوفي الأيدي، مما يزيد من التأخير في معالجة التباطؤ، وفقاً للمحللين الاقتصاديين. 

وكتب الزميل البارز في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، لوغان رايت، إن "مركزية النظام السياسي في الصين أضعفت صدقية أي شخص آخر خلافاً لشي جينبينغ في إيصال رسائل بناء الثقة التي تنوي القيادة تغيير مسارها".

في الاجتماعات الخاصة "قلق" في شأن الاقتصاد 

ويواجه ثاني أكبر اقتصاد في العالم صعوبات منذ أن أفسح التعافي القصير بعد "كوفيد-19" في وقت مبكر من العام الطريق أمام تباطؤ حاد، كما انكمش نشاط المصانع، وتباطأ الاستثمار، وكانت معنويات المستهلكين ضعيفة، فيما تعيش سوق العقارات التي كانت مزدهرة ذات يوم محنة راهنة. 

وفي وقت مبكر من يونيو (حزيران) الماضي، كان الشعور بالإلحاح يتزايد بين كبار المسؤولين الصينيين الذين كانوا يعولون على انتعاش أقوى بعد نهاية سياسة "القضاء التام على كوفيد" التي انتهجها شي، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، كما عقدت مختلف أذرع الحكومة، من أعلى وكالة للتخطيط الاقتصادي إلى المسؤولين عن التمويل والإسكان، ما لا يقل عن 12 مناقشة مغلقة مع الاقتصاديين لطلب مشورتهم. 

وقال أحد الاقتصاديين الذين شاركوا في اثنتين من الجلسات في يونيو الماضي، "يمكنك أن تشعر بالقلق في الغرفة. كان الإجماع بين الخبراء المدعوين هو أن الحكومة يجب أن تتحرك بقوة لتحفيز النمو". 

وعلى رغم مرور أسابيع من الاجتماعات فإنه لم يحدث سوى القليل، فالجهاز الحكومي الذي يرأسه مجلس الدولة، والذي يتحمل المسؤولية اليومية عن الاقتصاد، يحتاج إلى موافقة شي على أي خطوة سياسية مهمة، في تغيير عن السنوات السابقة عندما كان مجلس الدولة ورئيس الوزراء الصيني، المسؤول الثاني في المجلس، يتولى مهامه، إذ كان هناك مزيد من الحرية في تحديد السياسة الاقتصادية. 

وحتى مع تحول سوق العقارات إلى أكبر عائق أمام النمو، واصلت الحكومة اتباع مسار حذر نحو تخفيف السياسات التي تبناها شي جينبينغ على مدى السنوات القليلة الماضية لكبح جماح شراء المنازل ومعاقبة المطورين الذين توسعوا بسرعة كبيرة. 

ويقول عديد من الاقتصاديين، إن الصين تحتاج، في جوهرها، إلى إنقاذ السوق، من خلال اتخاذ مزيد من الخطوات لمساعدة المطورين على إعادة هيكلة ديونهم واستكمال المشاريع غير المكتملة، مع تعزيز ثقة مشتري المنازل من خلال الدعم المباشر. 

أخطار حكم الرجل الواحد 

وتقول الصحيفة، إن إحجام الزعيم الأعلى الواضح عن تبني مثل هذه التحركات، التي يقول أشخاص مطلعون على الأمر إنها متجذرة جزئياً في تفضيله الأيديولوجي للتقشف، يثير قلق الجمهور الذي كان يشعر بالقلق بالفعل من أن بكين ربما حولت أولويتها الشاملة بعيداً من النمو الاقتصادي نحو أهداف أخرى مثل مسائل مثل الأمن القومي. 

ويشير بعض المحللين إلى الكيفية التي شددت بها بكين القيود على الشركات الأجنبية، إضافة إلى حملة قمع طويلة الأمد ضد شركات التكنولوجيا الخاصة، مما أدى إلى ضعف النمو. 

وقال الأستاذ في كلية كليرمونت ماكينا ورئيس تحرير المجلة الفصلية "تشاينا ليدرشيب مونيتور"، مينكسين بي، إن "مركزية شي للسلطة تسببت في أزمة ثقة في الاقتصاد الصيني لم نشهدها منذ عام 1978"، بعد وفاة مؤسس الصين ماو تسي تونغ، كما لم يمنح الرئيس الصيني مزيداً من المسؤولية لإنعاش الدينامية الاقتصادية للبلاد. 

وقال بي، "لجعل الناس يشعرون بالأمل مرة أخرى في شأن آفاق الصين، سيحتاج إلى تمكين أولئك الذين يفهمون الاقتصاد من وضع السياسة، كما فعل أسلافه منذ دنغ شياو بينج".

كانت سياسة بينج "الإصلاحية والانفتاحية" هي التي أطلقت الازدهار الذي دام عقوداً من الزمن في الصين، إذ قدم نظام القيادة الجماعية للحماية من حكم الرجل الواحد، وأعطى القوى الرأسمالية مجالاً أوسع للازدهار، وجعل الحزب الشيوعي يتنازل عن بعض السيطرة للبيروقراطية الحكومية في الأمور مثل الاقتصاد، وعلى النقيض من ذلك، عمل شي على ترسيخ حكم الرجل الواحد، وكبح جماح الشركات الخاصة، وشدد على زعامة الحزب لكل جوانب الحكم. 

في حين يعتقد بعض المستثمرين ورجال الأعمال أن بكين يمكن أن تتحول نحو نهج أكثر تأييداً للأعمال التجارية والنمو عندما تولى رئيس الوزراء الذي اختاره شي، لي تشيانغ، منصبه في وقت سابق من هذا العام، ويعرف عن رئيس حزب شنغهاي السابق بين المستثمرين بأنه براغماتي.

بكين ترسل رسائل مختلطة 

وبحلول يونيو الماضي، كانت البيانات الاقتصادية السيئة تتراكم، وبدأت بعض الأصوات البارزة في الدوائر الاقتصادية الصينية تتحدث علناً عن الحاجة إلى اتخاذ إجراءات أكثر حزماً. 

وقال المستشار الاقتصادي الكبير السابق للقيادة يين يانلين، في منتدى عام إن "الاقتصاد يضعف بشكل كبير، وإنه ينبغي اتباع سياسات أكثر قوة من دون تردد"، كما حذر يين من استخدام "السياسات المجزأة كما لو كان الشخص يعصر معجون الأسنان"، على حد وصفه. 

من جانبه حذر المتخصص في الشأن الاقتصادي الصيني البارز، ليو يوان تشون، الذي يقدم المشورة للحكومة، في تقرير نشره مركز أبحاث بجامعة رنمين الصينية من أن معدل البطالة المرتفع بين الشباب في الصين قد يشكل مشكلات خطرة، داعياً وزملاؤه إلى تقديم إعانات نقدية للأسر واتخاذ خطوات لتنشيط القطاع الخاص. 

ومع تصاعد المخاوف الاقتصادية، ترأس شي جينبينغ اجتماعاً في نهاية يونيو الماضي، للهيئة القيادية للمكتب السياسي في الصين، ولكن يبدو أن الاجتماع لم يركز على قضايا الاقتصاد الكلي، الأمر الذي أثار إحباط بعض الاقتصاديين الصينيين الذين كانوا يقدمون المشورة للحكومة. 

وسلط الحساب الرسمي للاجتماع الذي نشرته وكالة الأنباء الصينية الرسمية "شينخوا"، الضوء على التدابير السياسية لدعم خطة شي لتحويل منطقة جنوب بكين، والمعروفة باسم منطقة شيونغان الجديدة، إلى مركز صديق للبيئة عالي التقنية. ووصف شي خطة شيونغان، التي أعلن عنها لأول مرة في عام 2017، بأنها "مشروع الألف عام" للصين. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبعد بضعة أسابيع، حضر شي اجتماعاً مع مجموعة من أنصار الحزب البارزين، وحثهم على "تعزيز التوجيه الأيديولوجي والسياسي" لأصحاب المشاريع الخاصة، وهو ما تم تفسيره علناً على أنه إشارة إلى رغبته في فرض قيود مشددة على القطاع الخاص، وبينما أقر بأن الاقتصاد يواجه مشكلات، أكد الإيجابيات. وقال "إن معدل التعافي الاقتصادي في الصين يتصدر بين الاقتصادات العالمية الكبرى"، إذ بلغ معدل النمو في الصين 5.5 في المئة خلال النصف الأول من العام مقارنة بالعام السابق، على رغم أن هذه النتيجة كانت مدعومة بالنشاط القوي في الجزء الأول من عام 2023.

وفي 24 يوليو (تموز) الماضي، استضاف شي اجتماعاً للمكتب السياسي لمناقشة الاقتصاد، ولكن بدلاً من الإعلان عن تحفيزات كبيرة، أشار البيان الرسمي الصادر عن الاجتماع إلى الاستمرارية الشاملة للسياسة وإلى استخدام تدابير أكثر استهدافاً لدعم النمو، ولكن كان هناك تغيير واحد ملحوظ، فلم يكرر بيان المكتب السياسي شعار شي "الإسكان للعيش، وليس للمضاربة"، الذي تم استخدامه للإشارة إلى رغبة بكين في كبح جماح سلوك المضاربة من خلال الإبقاء على قواعد شراء المساكن صارمة، وأتاح هذا الإغفال المجال للمسؤولين على المستوى الأدنى والمحليات لتخفيف السياسات لتشجيع مزيد من شراء المنازل، لكنهم ظلوا حذرين في شأن تغيير المسار بشكل جذري. 

وتضمنت الخطوات الأخيرة التي اتخذها البنك المركزي الصيني والحكومات المحلية خفض أسعار الفائدة على الرهن العقاري وخفض الحد الأدنى لنسب الدفعة الأولى لتحفيز شراء المنازل، في حين لا تزال هناك عديد من القيود المفروضة على شراء المنازل، مثل القيود المفروضة على عدد العقارات التي يمكن للعائلات شراؤها في أكبر مدن الصين.

وقال كبير الاقتصاديين الصينيين في بنك "نومورا"، ليو يوان تشون، للصحيفة، إن "هناك حاجة إلى تحركات أكثر جرأة، مثل إنقاذ المطورين الرئيسين، لضمان التعافي".

وقال كبير الاقتصاديين الصينيين في مجموعة "ماكواري"، لاري هو، إن "السؤال المطروح الآن هو كيفية تعزيز قطاع العقارات من دون تغذية فقاعة أصول أخرى"، بعدما حذر مقال نشرته صحيفة "إيكونوميك ديلي" المملوكة للدولة في 23 أغسطس (آب) الماضي، من إعادة تضخيم فقاعة الإسكان، مما أثار جدلاً جديداً حول التزام بكين إنقاذ سوق العقارات. 

وذكر المقال، أن مبدأ السكن "للعيش وليس للمضاربة" يجب الالتزام به على المدى الطويل، مضيفاً أن "الصين لا يمكنها المضي في المسار القديم المتمثل في الاعتماد على القطاع العقاري والسماح لأسعار المنازل بالارتفاع السريع أيضاً".

اقرأ المزيد