Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الوفد الثلاثيني الأحوازي في طهران "مقاربة لوثيقة تاريخية"

عرضوا خطة من 12 بنداً للتعايش السلمي تحت لواء الجمهورية الإسلامية لكنها لم تر النور

الوفد الثلاثيني الممثل للشعب العربي الأحوازي خلال رحلته إلى طهران بعد الثورة الإسلامية (مواقع التواصل)

ملخص

وثيقة تاريخية تكشف عن أسرار زيارة وفد ثلاثيني أحوازي إلى طهران وعرض خطة للتعايش تحت لواء الجمهورية الإسلامية

انطلاقة رمزية مثلها تشكيل الوفد الثلاثيني من الزعيم الروحي والسياسي للشعب العربي الأحوازي الشيخ محمد طاهر شبير الخاقاني، بعد قيام الثورة الإيرانية، وإيفاده من المحمرة إلى طهران للتفاوض مع الحكومة الموقتة في نهاية أبريل (نيسان) 1979، بدأ معها انطلاقة لتشكيل خطاب ترمز إليه خطة مكونة من 12 مادة عرضت على الحكومة الموقتة برئاسة الراحل مهدي بازرغان.

آنذاك عرف الوفد الأحوازي نفسه لحكومة مهدي بازرغان - أول وزارة في إيران بعد سقوط الشاه - بأنه ممثل "الشعب العربي المسلم في إيران"، فيما يضم الشعب الأحوازي أدياناً أخرى كالصابئة والمسيحيين واليهود والبهائيين، لكن بما أن الخطاب الثوري الديني التابع لروح الله الخميني كان يحاول، قبيل قيام الثورة وبعدها، أن يضفي صفة الإسلامية على كل شيء، بما فيه اسم الشعب الإيراني وكذلك الشعوب القاطنة في إيران، استخدم هذا المصطلح في النص.

ويمكن اعتبار تلك التسمية "الشعب العربي المسلم" خطوة للتقارب بين خطاب أحوازي فرعي مقموع ومهمش يحاول أن يدخل النص ويتقرب للخطاب الثوري السائد في البلاد لردم الهوة وإظهار حسن النية.

ولا تزال الأقليات الدينية المندائية (الصابئة) والمسيحية تقطن إقليم عربستان على رغم التمييز الذي تعرضت له من السلطة الدينية في إيران، بخاصة خلال السنوات العشر الأولى من الثورة مما أدى إلى هجرة عديد من أبنائها إلى الولايات المتحدة وأستراليا.

لم يكتف الوفد الثلاثيني بلقاء عباس أمير انتظام مساعد رئيس الحكومة الموقتة وقتها، بل التقى بشخصيات دينية مؤثرة آنذاك كروح الله الخميني ومحمود الطالقاني وهما الرجلان الأول والثاني في قيادة الثورة، والمرجع الشيعي محمد رضا الكلبايكاني، كما التقى عناصر من الوفد بأحزاب ومنظمات المعارضة - ما عدا الشوفينية (التعصب) منها - كمنظمة فدائيي الشعب ومنظمة مجاهدي خلق وحزب تودة، وعقد مؤتمراً صحافياً للتعريف بالقضية الأحوازية شارك فيه مراسلون إيرانيون وعرب وأجانب، منها صحف كيهان واطلاعات وأيندغان وبيغام امروز وكار وإذاعة "مونت كارلو" وإذاعة "بي بي سي" الفارسية والعربية.

كان اللقاء الأول بعد مرور أكثر من نصف قرن، بين ممثلي شعب مهمش ومقموع مع سلطة إيرانية لا تعرف كثيراً عن شعوبها، والأسوأ من ذلك يتصف بعض عناصرها كعباس أمير انتظام بـ"شوفينية" مقززة ضيع علينا نحو 10 دقائق أو أكثر مؤكداً فيها "أنكم لستم عرباً بل عربيو اللسان، وهذا ما أثارنا لكننا رددنا عليه بهدوء ودلائل بأننا عرب أقحاح".

الحكم الذاتي

تقول مقدمة الخطة الأحوازية إن الوفد الثلاثيني يتمتع بدعم جميع فئات وطبقات الشعب العربي الأحوازي الذي تجلى في تظاهرات كبيرة في مدن إقليم عربستان وقراها، وإن الخطة تحظى بدعم الشيخ الخاقاني وتشمل الحقوق المشروعة للشعب الأحوازي، وأبرز هذه الحقوق هو "الحكم الذاتي في إطار الجمهورية الإسلامية، بما فيها صيانة وحدة التراب الإيراني".

وتضيف المقدمة توضيحاً لمفهوم الحكم الذاتي بقولها إن "شعبنا يؤكد أن الشؤون الخاصة بالجيش من أجل الدفاع عن حدود البلاد، والخطط الاقتصادية طويلة الأمد والسياسة الخارجية والشؤون المالية وإبرام العقود الدولية تعد من واجبات وصلاحيات الحكومة المركزية".

كانت هذه أمور معروفة في الدول التي تتخذ من اللامركزية ومنح الحكم الذاتي لشعوبها نهجاً في حكمها، وتعني تقسيم الصلاحيات بين المركز من جهة ومنطقة أو مناطق الحكم الذاتي من جهة أخرى.

وتفيد المقدمة أیضاً بأن "شعبنا يدين أية مؤامرة انفصالية وتفتيتية في كل أنحاء إيران، ويندد بالإمبريالية والصهيونية والعنصرية والرجعية ويعلن دعمه لسياسات عدم الانحياز ويرفض المعاهدات والاتفاقات الاستعمارية التي تضر بالاستقلال الوطني الإيراني."

وتوضح هذه الفقرة أن أعضاء الوفد أو معظمهم كانوا يعارضون تلك الاتفاقات التي عقدها الشاه مع الدول الغربية، ومنها ما أضرت به مباشرة مثل الاتفاقات التي عقدتها مع شركات أميركية حول إنشاء شركات زراعية صناعية شبه استعمارية بالقرب من مدينة السوس إثر مصادرة أراضي العرب، من دون الأخذ في الاعتبار مصالح السكان الأصليين العرب في شمال إقليم عربستان.

العبارة الأولى من الفقرة تشير أيضاً إلى أن الشعب العربي الأحوازي، لم يعد يفكر في الاستقلال بعد سقوط الشاه ويريد أن يعيش جنباً إلى جنب مع الشعوب الإيرانية الأخرى مع الحفاظ على حقوقه القومية.

أما معاداة الإمبريالية والصهيونية فكانت موضة العصر، لكن العنصرية ومعاداة العرب التي وسمت النظام الشاهنشاهي (نسبة إلى الشاه في الدولة البهلوية)، وأشير إليها في هذا النص، لا تزال تقض مضاجع أبناء الشعب الأحوازي أو بالأحرى أن مدوني هذه الوثيقة كانوا يتكهنون استمرار العنصرية - ووجهها القبيح المعادي للعرب- حتى في عهد الجمهورية الإسلامية وهذا ما نشاهده بعد مرور 44 عاماً من صياغتها.

ولا ننسى أن جميع الاتجاهات السياسية الأحوازية، بما فيها تلك التي جاءت من الخارج التي كانت تطالب باستقلال عربستان قبل الثورة، وكذلك الشخصيات الناشطة في الداخل أجمعت على المطالبة بالحكم الذاتي وتجلى ذلك في هذه الوثيقة.

كان ذكر كلمة عربستان، على رغم أنها فارسية، يثير حنق المسؤولين والمعارضة الإيرانية على حد سواء، التي لم تعرف كثيراً عن تاريخ العرب في إيران وتقرأ في الاسم أموراً أخرى لم يحملها، إذ نعرف أن الشاه طهماسب الأول، ابن الشاه إسماعيل الأول الصفوي، هو الذي أطلق هذا الاسم على إمارة المشعشعين التي سرعان ما تحولت إلى مملكة عربستان، تتأرجح بين الاستقلال والتحالف مع الصفويين.

وفي الحقيقة نحن أعضاء الوفد الذي حمل هذه الطلبات إلى الحكومة الإيرانية في طهران اختلفنا حول استخدام مفردة عربستان في النص، إذ بعضنا كان يؤكد عدم استخدامها بسبب الحساسية التي تثيرها بين الفرس والحكومة، ويرجح استخدام مفردة خوزستان المفروضة في عهد الشاه رضا البهلوي، والبعض الآخر كان يطالب باستخدامها لتحدي القوميين الفرس والمنع الذي دام 53 عاماً، وفي النهاية ساد هذا الرأي.

ويستند النص على تاريخية اسم عربستان وجغرافيته التي تضم الشعب العربي الأحوازي ويطالب بمنح الحكم الذاتي لإقليم عربستان، الذي كان أساساً يتمتع باستقلال داخلي قبل احتلال أرضه من الشاه رضا البهلوي.

مواد الوثيقة

تلي مقدمة الخطة الأحوازية، المطالب الـ12، بدءاً من "الاعتراف بقومية الشعب العربي ووضع ذلك في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية."

لم تعترف رسمياً الجمهورية الإسلامية بالشعب العربي الأحوازي ولا أي شعب غير فارسي آخر يقطن في إيران في دستورها، ما عدا ما نسمعه من تصريحات لمسؤولين هنا وهناك حول وجود عرب في البلاد، وذلك من أجل أهداف سياسية عابرة منها كسب أصوات العرب في الانتخابات المختلفة، ولا يزال هذا المطلب قائماً وينبغي أخذه في الاعتبار في أي دستور مستقبلي.

ثم جاءت الإشارة إلى "تشكيل مجلس محلي في منطقة الحكم الذاتي، تكون مهمته وضع القوانين المحلية والإشراف على تنفيذها، ومشاركة الشعب العربي في إيران في المجلس التأسيسي والمجلس الوطني، وكذلك مشاركته في هيئة الوزراء للدولة المركزية بنسبة تعداد السكان."

تأتي هذه المادة والمواد التي تتبعها لتشريح محتوى الحكم الذاتي المذكور في المقدمة، وتعني بالمجلس المحلي، المجلس الوطني للشعب العربي الأحوازي. وغير الخميني رأيه في شأن إنشاء مجلس تأسيسي وأصدر أوامره بتشكيل مجلس خبراء خاص بالدستور الذي كان معظم أعضائه من رجال الدين.

وأدى قمع العرب في مدينة المحمرة ونفي الشيخ شبير الخاقاني إلى قم ووضعه تحت الإقامة الجبرية إلى حرمانه من الترشح لمجلس الخبراء ليكون ممثلاً حقيقياً للشعب العربي، بل الأنكى في الأمر أن الشيخ محمد الكرمي، رجل الدين الأحوازي المناوئ للشيخ الخاقاني ولطموحات الشعب العربي الأحوازي والمساند للجنرال أحمد مدني، دخل المجلس من محافظة خوزستان (عربستان) بـ22.7 في المئة فقط من مجموع الأصوات، هذا إذا قارنا مع انتخاب آية الله أسد الله مدني من محافظة همدان بـ94.2 في المئة، وآية الله محمود الطالقاني من محافظة طهران بـ79.3 في المئة.

كما أدت الأحداث الدامية في المحمرة ونفي الشيخ الخاقاني وحرمانه من المشاركة في الانتخابات إلى انتخاب ثلاثة آخرين غير عرب إلى مجلس الخبراء، وهم محمد رشيديان ومحمد كياوش وموسوي الجزائري، وهذا لا يلائم ونسبة العرب في المحافظة التي تصل إلى نحو 74 في المئة.

صحيح أن المشاركة في المجلس الوطني الذي تحول إلى مجلس الشورى الإسلامي بأمر من الخميني تحسنت نوعاً ما لصالح العرب قياساً لعهد الشاه، لكن فقدان حرية الأحزاب في الانتخابات المتتالية أدت إلى تزايد عزوف الناس عن المشاركة فيها دورة تلو الأخرى.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما المشاركة في المجالس الوزارية وبنسبة تعداد السكان العرب لم تتم، مع بعض الاستثناءات، إذا اعتبرنا علي شمخاني عربياً وهو الذي أصبح وزيراً في بعض الحكومات إثر ضلوعه في قمع الأحوازيين وفي كل مخططات النظام المناوئة لهم، وأسفر حرمان العرب من المشاركة في المجالس الوزارية في عهد الجمهورية الإسلامية عن أضرار باهظة في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية والبيئية، إذ تكالبت القوى المهيمنة في الحكومات كالأصفهانيين واليزديين والكرمانيين إلى نهب مياه الأنهر الأحوازية وثرواتها النفطية من دون إنصاف السكان العرب الأصليين.

ثم جاء تشكيل محاكم عربية من أجل حل مشكلات الشعب العربي في إيران مطابقة لقوانين الجمهورية الإسلامية، لكن هذه المادة لم تتم من الخطة المقدمة إلى الحكومة الموقتة، واستمرت المحاكم في الإقليم على روتينها الملكي السابق ومحاكمة العرب، الذين لم يتقن معظمهم اللغة الفارسية، وترفض هذه المحاكم حتى استخدام مترجمين من العربية إلى الفارسية.

وفي النقطة الرابعة "تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية في منطقة الحكم الذاتي، مع التأكيد بأن اللغة الفارسية هي اللغة الرسمية أيضاً لعموم إيران."

كانت المطالبة بنظام قائم على الحكم الذاتي لمناطق الشعوب غير الفارسية مطلب كل هذه الشعوب بعد قيام الثورة، وهذا ما تجلى في ندوة نظمها اتحاد الحقوقيين الإيرانيين ودامت يومين في جامعة طهران في يوليو (تموز) 1979، شاركت فيها أحزاب وشخصيات تمثل الشعوب غير الفارسية في إيران، ومنها كاتب هذه السطور، غير أن الدستور المقترح من هذه الندوة عدل من قبل الخميني، وبدل من مبدأ الحكم الذاتي أدخلوا فيه مبدأ ولاية الفقيه، وبعض المواد البسيطة بالحقوق الثقافية للشعوب التي هي أيضاً بدورها لم تنفذ حتى اللحظة.

وخامساً "يتم التعليم باللغة العربية في المدارس الابتدائية، كما أن تعليم اللغة الفارسية مضموناً في منطقة الحكم الذاتي"، كان هذا أيضاً يقع في إطار صلاحيات الحكم الذاتي ولم ينفذ أبداً حتى اللحظة وذلك على رغم وجود مادة في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية تنص على تعليم اللغات غير الفارسية بالمدارس للشعوب القاطنة في إيران.

وفي النقطة السادسة نصت على "إنشاء جامعة باللغة العربية في المنطقة، من أجل رفع حاجات الشعب العربي في إيران، وإيجاد مدارس ومؤسسات تعليمية في جميع المدن والأرياف، وكذلك استفادة شباب الشعب العربي من البعثات الدراسية إلى خارج البلاد"، لكن لم تؤسس أية جامعات أو مدارس أو مؤسسات تعليمية باللغة العربية في المدن والأرياف بإقليم عربستان، بل أخذت الأجهزة الأمنية تحارب حتى صفوف تعليم القرآن واللغة العربية التي تقام عادة بمبادرات شخصية في البيوت أو من مجموعات غير حكومية، وهذا انتهاك صارخ حتى لدستور الجمهورية الإسلامية، أي أن السلطة تحول من دون تنفيذ المادة 15 من دستورها الذي ينص على ذلك.

وفي شأن البعثات الدراسية التي تبعث للخارج فهي بيد الحكومات، بخاصة وزارة التعليم العالي التي يسيطر عليها "المركز الفارسي" ولم ينفذ هذا الجزء من المادة السادسة إلا إذا كان حدث بالصدفة.

وبمتابعة النقطة السابعة بمقدمة الخطة الأحوازية فتتركز على "تأكيد حرية التعبير والنشر وطبع الكتب وإصدار الجرائد، وإيجاد البرامج الإذاعية والتلفزيونية باللغة العربية المستقلة عن الشبكة العامة، وفي هذا المجال نرفض أي نوع من الرقابة"، بدا واضحاً أن الجمهورية الإسلامية أنشأت جرائد وإذاعات وقنوات تلفزيونية عربية عديدة في طهران غير أن جميعها "أولاً حكومية وغير مستقلة، وثانياً موجهة للخارج وللعالم العربي وللدعاية لصالح الأيديولوجية القومية الدينية الحاكمة في إيران وسياساتها التوسعية في الدول العربية".

وأنشأ النظام الناشئ في إيران بعض القنوات العربية في الأحواز غير أنها أيضاً حكومية وتنشر - غالباً - الخطاب الديني الحاكم، وفي مجال الصحافة الوضع أسوأ، إذ لم يسمحوا بنشر أية صحيفة عربية إلا في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي التي توقفت الصحف الثلاث الصادرة آنذاك عن النشر لأسباب مختلفة بل وضايقوا المواقع الأدبية والثقافية والعربية في الأحواز وحظروا معظمها.

وحالياً لا توجد للعرب، وهم الغالبية في عربستان، سوى أقل من خمسة في المئة من الصحافة المطبوعة، بينما تصول الرقابة وتجول ليس في الأحواز فقط بل وفي كل أنحاء إيران بما فيها العاصمة طهران.

ضغوط أخرى

وفي متابعة المطلب الثامن من مقدمة الخطة الأحوازية، وتحديداً ما يتعلق بـ"أولويات التوظيف في القطاعين العام والخاص للشعب العربي في منطقة الحكم الذاتي (عربستان) وفي المرحلة الأخرى تأتي الأقليات القومية المتولدة والساكنة في هذه المنطقة"، كانت هذه المادة رداً على حرمان أبناء الشعب العربي الأحوازي من المشاركة في القطاعين الخاص والعام في عهد الشاه إلا بشكل ضئيل أو للعرب الذين يستحيلون في القومية الفارسية، إذ أوضحت دراسة لي أن الأقلية غير العربية كانت تسيطر على غرف التجارة في الأحواز والمحمرة وعبادان حتى قيام الثورة.

وتاسعاً "تخصيص قدر كاف من عائدات البترول من أجل تعمير المنطقة العربية وازدهار الصناعة والزراعة فيها"، لم يتم ذلك خلال السنوات الـ44 من عمر الجمهورية الإسلامية على رغم طرحه مرات ومرات من بعض نواب الأحواز في دورات مختلفة للبرلمان الإيراني.

وتنص القوانين الدولية على تخصيص نسبة مئوية من إيرادات النفط والثروات الأخرى للمناطق التي يستخرج منها، لكن إيران لم تستجب له.

عاشراً "إعادة تسمية جميع المدن والقرى والأرياف والمناطق بأسمائها التاريخية العربية، الذي عمد النظام الفاشي البهلوي إلى تغييرها"، نحن نعرف أن النظام الملكي البهلوي حول معظم الأسماء العربية التي كانت رائجة تاريخياً في المنطقة - بدءاً باسم الإقليم عربستان ومروراً بأسماء المدن والقرى والشوارع والحارات وختام بالأماكن الطبيعية والجغرافية.

لكن نظام الجمهورية الإسلامية لم يكتف بعدم إعادة الأسماء العربية، بل غير أيضاً أسماء المدن والقرى والمستنقعات والأماكن التي لم يقترب منها نظام الشاه وحولها إلى اللغة الفارسية، ويصل عدد هذه الأسماء التي تم "تفريسها" إلى أكثر من 200 اسم.

وعن النقطة الـ11 المتعلقة بـ"مشاركة أبناء الشعب العربي في الجيش وقوات الأمن المحلية في إطار الحكم الذاتي وإمكان تبوؤ المناصب الرفيعة العسكرية التي حرموا من الوصول إليها سابقاً"، فإنه وكما تشير هذه المادة إلى أن نظام الشاه قيد توظيف العرب وفق قواعد غير معلنة، ولم يسمح بتوظيف العرب في الجيش وقوات الأمن إلا إلى حد معين، وفي الجيش حتى رتبة ملازم كحد أقصى، وفي قوات الأمن والاستخبارات (السافاك) كان الأمر أشد قسوة، وكانوا في كثير من الأحيان يكتفون بوجودهم كمخبرين أو كتاب تقارير (گزارش نویس). وفي القوات الجوية للجيش الشاهنشاهي وتوظيف الطيارين، كانت الصرامة في ما يتعلق بتجنيد العرب أكثر شدة.

وفتحت الثورة الأبواب على مصراعيها لدخول العرب الأحوازيين الجيش الجديد، وأعني قوات الحرس الثوري وكذلك قوات الأمن والاستخبارات، ليس تنفيذاً لهذه الخطة المعروضة إلى الحكومة الموقتة بل بسبب التقارب الديني والمذهبي الشيعي بين الشعب والحكام الجدد وحاجة النظام الإسلامي الوليد إلى تصدير ثورته إلى البلاد العربية وخططه التوسعية.

لذا نرى اليوم معظم الكوادر القيادية في فيلق القدس، ما عدا قائد الفيلق إسماعيل قاآني وبعض معاونيه من الأحوازيين، وكذلك يهيمن العرب على قيادة قوات الحرس واستخباراته في الأحواز ويتقاسمون النفوذ مع "اللوریة البختيارية" في إدارة دائرة استخبارات الإقليم. غير أنه وأثر التحولات التي شهدتها الساحة الإيرانية واستفحال النظرة القومية الفارسية في المجتمع ومنها بين الأوساط الحكومية والعسكرية، حاول النظام الإيراني أن يحد من نفوذ العرب في أجهزته الأمنية والعسكرية لكنه لم يستطع أن يستغني عن كوادره الأحوازية القديمة ولن يستغني عنها ما دام يتبع سياساته التوسعية في الدول العربية.

وأخيراً (12) "إعادة النظر في قانون الإصلاح الزراعي وتقسيم الأراضي على الفلاحين، استناداً إلى قوانين الجمهورية الإسلامية، مع رعاية المقولة التي تقول إن الأرض لمن يزرعها"، ففي الختام طلب الوفد من حكومة بازرجان أن تمتنع من المفاوضات مع العناصر الرجعية والانتهازية حول المسائل المتعلقة بالشعب العربي.

في الحقيقة لم يكن هناك إقطاعيون وملاك أراض كبار في منطقة عربستان كما الحال في مناطق أخرى من إيران، ولم تشمل الإصلاحات الزراعية في عهد الشاه سوى جزء صغير من الأراضي الزراعية في عربستان، وكان القطاع الصناعي والعمالي متفوقاً نوعاً ما على القطاع الزراعي، وجزء كبير من الزراعة كانت ميكانيكية وصناعية.

وبعد الثورة حاولت حركة اليسار الإسلامي بقيادة آية الله المنظري تحريض الفلاحين ضد صغار الملاك وأصحاب الآلات (المكائن)، ومعظمهم من الشيوخ، وسبب كتابة هذه المادة يعود أساساً لتلك الأجواء الثورية السائدة في كل إيران.

صاحب المبادرة

لم تر هذه المبادرة النور ولم يوفد الوفد إلى طهران لولا جهود الشيخ محمد طاهر شبير الخاقاني، وتم ذلك بعد التنسيق بينه وبين مهدي بازرغان رئيس وزراء أول حكومة بعد قيام الثورة الإيرانية، إذ كان الراحل رجل دين ومرجع تقليد للشيعة ليس في عربستان فحسب بل في العراق والكويت والسعودية، لكنه يختلف مع أقرانه كالخميني ومحمد الكرمي في اتجاهاته القومية الليبرالية وانفتاحه على كل الاتجاهات السياسية بمن فيهم اليساريون والشيوعيون.

وعلى رغم نهجه المسالم وعلاقاته السابقة مع الخميني تعرض للإهانة والعدوان من أعوان الخميني ونفي وعائلته إلى قم، إلى أن وافته المنية في عام 1986 ليس لسبب إلا ودفاعه المستميت من حقوق الشعب العربي الأحوازي وسائر الشعوب المضطهدة في إيران ومعارضته لأدلجة الدين وإقحام الأخير في شؤون الدولة.

وتعد خطوة إيفاد الوفد الأحوازي إلى طهران فريدة من نوعها بعد سقوط الحاكم العربي الأخير في عربستان الأمير خزعل بن جابر، وتؤكد للإيرانيين والعالم نية الأحوازيين في العيش المشترك مع سائر الشعوب في إيران، لكنها باءت بالفشل إثر العجرفة الخمينية ورسوبات الشوفينية الفارسية العدوانية وتكررت المجازر ضد العرب خلال السنوات الـ44 الماضية، فلم يقتصر القمع على العرب فقط بل شمل الكرد والبلوش والتركمان والترك الأذريين والحبل على الجرار.

السلطة الإيرانية الجديدة وقبل أن تستخدم القمع وتقتل مئات من العرب المطالبين بحقوقهم القومية في المحمرة، استغلت عامل الفرقة بين الشخصيات الدينية - السياسية المؤثرة آنذاك، وقامت بتأليب رجال دين موالين لها في الأحواز وعبادان والمحمرة ضد الشيخ محمد طاهر شبير الخاقاني، واستخدم سابقاً الشاه رضا بهلوي السياسة نفسها في تعامله مع رؤساء بعض القبائل وتأليبهم ضد الأمير خزعل.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل