Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نسيان وضبابية.. عن دماغ المرأة ما بعد انقطاع الطمث

"يعود الفضل للممثلة سارة لانكاشير في معرفة النساء ممن بلغن منتصف العمر مثلي أننا لا نعاني وحدنا تشوشاً في التركيز"

المؤلفة لوسي دان: "إذا لم تدرك أن الأمر يتعلق فقط بالهرمونات، فقد يجعلك ذلك تشعرين وكأنك مصابة بالجنون" (لوسي دان)

ملخص

يعود الفضل للممثلة سارة لانكاشير في معرفة النساء ممن بلغن منتصف العمر مثلي أننا لا نعاني وحدنا تشوشاً في التركيز

عزيزتي سارة لانكاشير، هل يمكننا أن نكن لك حباً أعظم مما في قلوبنا للتو؟ نجمة مسلسل "الوادي السعيد" Happy Valley الذي أكسبها جائزة بافتا عن دورها الرئيس فيه، تحولت أخيراً إلى بطلة في منتصف العمر من الواقع عندما اعترفت في حفلة توزيع جوائز التلفزيون الوطني الأسبوع الماضي بأنها تعاني تشوشاً رهيباً في التركيز. وصفت تجربتها لما توجهت إلى أحد متاجر "سينزبيريز" للتسوق وفجأة شل تفكيرها تماماً ولم تتذكر ما الشيء الذي أرادت شراءه، تقول: "تباغتك الحالة فجأة. كما أنني لا أستطيع تذكر أشياء حدثت قبل 30 عاماً".

الطبيعة العادية للحالة - المتمثلة في رحلة اعتيادية إلى السوبرماركت - والطريقة الواقعية التي وصفت بها الأمر، جعلتا الموقف يلامس مشاعر كثيرات. تقول آن أونيل، المؤسسة المشاركة في تطبيق أدورا للصحة الرقمية الجديد الذي يساعد في تقديم دعم في مكان العمل للنساء ممن هن في مرحلة انقطاع الطمث: "يؤثر تشوش التركيز في النساء سلباً بشكل كبير. هذا هو العرض الذي يسبب أكبر إزعاج لهن".

كما أنه أحد الأعراض الأكثر شيوعاً – إذ تشير دراسات إلى أنه قد يؤثر في حوالى ثلثي النساء اللاتي يمررن بمرحلة انقطاع الطمث. تحدث الحالة عندما تبدأ مستويات اثنين من الهرمونات الأنثوية الرئيسة، الأستروجين والتستوستيرون، في الانخفاض خلال فترة ما قبل انقطاع الطمث وانقطاعه. يلعب هذان الهرمونان دوراً مهماً في الإدراك، وقد يؤدي تراجع نسبهما إلى مشكلات في الذاكرة والتركيز والانتباه.

تظهر المشكلة الحقيقية لتشوش التركيز في العمل. أنت تذهبين لحضور اجتماعات وتنسين الغرض منها، وتعانين صعوبة في تذكر الأسماء والأرقام والحقائق، بينما يقاطعك الموظفون الأصغر سناً (والأقل صبراً) إذا كنت بطيئة في استعراض سلسلة أفكارك. ثم ينتابك شعور بالرغبة في أن تنشق الأرض وتبتلعك عندما تنسين ما كنت تتحدثين عنه وأنت في منتصف الجملة (أو الأسوأ من ذلك، في منتصف عرض تقديمي).

يمكن لتشوش التركيز أن يدمر مهنتك: أنت ما زلت قادرة على القيام بعملك وتجيدينه - لكن عقلك يستمر في وضع عثرات أمامك ويجعلك تبدين وكأنك غير مؤهلة. في بعض الأحيان يكون تركيزك حاداً كسابق عهدك، وفي أحيان أخرى تشعرين ببطء شديد وكأنك تحاولين المشي في الطين. لا بأس في حدوث ذلك مع الصديقات اللاتي يخضن التجربة نفسها ويمكنك الحديث مطولاً معهن عن "ذاك الشيء وتلك الأشياء، أتفهمين قصدي"، لكن هذا ليس مفهوماً تماماً للجميع في مكان العمل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واحدة من أكثر لحظات تشوش التركيز إحراجاً التي مررت بها كانت في شركة إلكترونية ناشئة قبل بضع سنوات. كنا فريقاً صغيراً جداً ومتماسكاً للغاية مكوناً بشكل أساسي من أبناء الألفية والجيل زد. كلما كان الأعضاء الأكبر سناً الآخرون في مهمات ميدانية لجمع الأموال، كنت أنا الوحيدة التي تكبر بقية الفريق بـ20 عاماً في الأقل. عادة ما نتفاعل معاً بشكل جيد، إذ أستطيع مجاراتهم في الحديث عن الملابس التي نشتريها من متجر إزوس الإلكتروني للموضة السريعة والدردشة التافهة عن أغاني بيونسيه وأعرف التحليلات التي يقوم بها "غوغل" من خلال الإعلانات التي تستهدفني على الإنترنت مثلي مثل أي شخص ينتمي إلى جيل الألفية البارع في التكنولوجيا. لكنني خذلت نفسي في يوم من الأيام.

"هل يمكنك أن ترسلي لي رابطاً إلكترونياً؟" وجهت طلبي إلى منتجة الفيديو الجالسة في الطرف الآخر من المكتب. لم ترفع رأسها لتنظر نحوي، لكن 20 موظفاً آخر فعلوا ذلك نظراً إلى كوننا في غرفة صغيرة يتردد فيها الصوت بسهولة إلى حد ما. كانت هذه إشارتهم إلى أنه ينبغي علي قول اسمها، لكن عقلي تجمد فجأة ولم أتذكر. كان يجب أن أتوقف عند هذا الحد، وأحترم نفسي، لكن بدلاً من ذلك قلت بحماقة: "أنا آسفة جداً، لكنني نسيت اسمك!".

نظر جميع من في المكتب إلي بذهول. كانت المنتجة شخصاً عملت معه على مدار الساعة لمدة ثلاث سنوات! هل كانت عديمة القيمة بالنسبة إلي لهذه الدرجة؟ وإذا كنت لا أكلف نفسي عبء حفظ اسمها، فماذا عن بقية الموظفين؟

كانت هذه الحادثة الأولى من بين عدد قليل من الحوادث التي كان يجب، عندما أفكر بالماضي الآن، أن أعزوها إلى انقطاع الطمث. ولكن إذا كنت لا تدركين أن السبب هو هرموناتك فقط، قد يجعلك الأمر تشعرين وكأنك تصابين بالجنون أو تجاوزت تاريخ صلاحيتك، بخاصة عندما تعملين مع مجموعة من جيل الألفية فائقي الذكاء. في حين أن العلاج التعويضي بالهرمونات والأساليب مثل العلاج المعرفي السلوكي يمكن أن يساعد، فأنت بحاجة أولاً إلى إدراك أن ما تواجهينه هو أحد أعراض انقطاع الطمث. لم أكن مدركة لذلك ورحت أطور مهاراتي في إخفاء الأعراض عن طريق تدوين الملاحظات بكثافة واللجوء إلى هاتفي خلسة تحت الطاولة خلال الاجتماعات للبحث عن معلومات على محرك "غوغل". كنت أشعر بأنني بطيئة، وفي الحقيقة أحسست بأنني عجوز.

في حين أن نسيان اسم شخص ما لم يكن موقفاً جيداً، لكن ربما يجب أن أعتبر نفسي محظوظة لأنني لم أفعل ما هو أسوأ: تعترف إحدى صديقاتي بأنها نادت أحد الموظفين الجدد بـ يا بني "تداركت الموقف من خلال التظاهر بأنه لم يحدث أبداً، وهو الشيء الوحيد الذي يمكنك فعله في مثل هذه الحالة"، بينما مرت صديقة أخرى بأيام كان التركيز فيها مستحيلاً: عند انتهاء الدوام كانت تجد عشرات من الصفحات المفتوحة على جهاز الكمبيوتر ورسائل البريد الإلكتروني غير المرسلة في مجلد المسودات: مهمات بدأتها ولكن انتباهها تشتت ولم تكملها.

تتذكر أونيل، التي شغلت مناصب مرموقة في شركات إعلامية كبيرة، لحظة مهينة عندما ذهبت لإجراء مقابلة عمل تم خلالها استجوابها حول ما ذكرته في سيرتها الذاتية.  تقول: "اختلط علي تاريخي الوظيفي وبدا الأمر وكأنني اختلقت كل ما كان مكتوباً. كنت أعرف التواريخ، لكن عقلي ببساطة لم يتمكن من استحضارها في تلك اللحظة بالذات. ثم أصبت بهبة ساخنة، وليزداد رعبي، بدأ البخار يتكثف فوق نظارتي. كانت فرصتي الوحيدة لترك انطباع جيد، لكن تفكيري كان منحصراً في ما إذا كان الشخص الذي يجري المقابلة معي (وهو أصغر سناً) لاحظ ما يحدث".

بدأنا الآن فقط بالحديث بشكل صادق عن طبيعة المرور بانقطاع الطمث في وسط العمل. لم تفكر الشركات أبداً في الأمر، وكانت النساء يخفين أعراضهن - قلقات من أنه قد ينظر إلى تشوش التركيز على أنه نقيصة. تحدثت أونيل إلى مئات النساء، من المعلمات اللاتي كن قلقات من خذلان تلاميذهن إلى المحاميات اللاتي طلبن من آخرين التحقق من عملهن في نهاية كل يوم، خائفات جداً من فقدان فرصهن. أخبرتها كثيرات بأنهن ذهبن إلى أطبائهن معتقدات بأنهن مصابات بألزهايمر.

تضيف: "غالباً ما تقع هذه الحوادث في العلن، وإذا لم تقدم الشركات دعماً للنساء، فإنهن يفقدن الثقة في أنفسهن ويقللن من ساعات عملهن وثم يستقلن". تستشهد أونيل بدراسة -أجرتها جمعية فوسيت الخيرية الساعية إلى تحقيق المساواة بين الجنسين وحقوق النساء في العمل والمنزل والحياة العامة، بالتعاون مع قناة "تشانل 4" التلفزيونية في عام 2022- توصلت إلى نتيجة صادمة مفادها بأن واحدة من بين كل 10 نساء تركن العمل بسبب أعراض سن انقطاع الطمث.

إذاً ما الذي يجب القيام به لوقف هذا الرحيل الجماعي؟ كتبت الدكتورة لوسي ريان كتاباً جديداً بعنوان "نساء متمردات" حول سبب مغادرة أعداد كبيرة من النساء الأكبر سناً أماكن العمل. تقول إن الشركات والمجتمع بحاجة إلى أن يكونوا أكثر فهماً لانقطاع الطمث وأعراضه - وليس مجرد القيام ببعض الإجراءات الروتينية وتعليق بضعة ملصقات في الحمامات، ولكن من خلال تشجيع الحوار الصريح والشامل مع جميع موظفيها. إذا استطعنا تشجيع الجميع على أن يكونوا أكثر تقبلاً وصبراً، وأن يأخذوا بمرح نسيان أسمائهم موقتاً من رئيساتهم ممن هن في منتصف العمر، كلما تمكنا من تمهيد الطريق للأجيال المقبلة كي لا تعاني في صمت. وتختتم قائلة: "ما نحتاج إليه هو توسيع نطاق المناقشة لتشمل مزيداً من الموظفين والنساء الأصغر سناً والرجال".

وفقا لأونيل، فالخطوة الأهم هي أن تتذكر النساء أن انقطاع الطمث مرحلة موقتة: "سيتحسن الوضع وسينقشع الضباب في النهاية".

مع تحول لحظات تشوش تركيزي في تلك الشركة الناشئة إلى ذكريات من الماضي الآن، أدرك أن أونيل محقة وأن هناك ضوءاً في نهاية النفق. وفي حين أنني ما زلت أمر بمواقف، مثل لانكاشير، أتوجه فيها إلى متجر "سينزبيريز" وأغادر من دون شراء الشيء الذي ذهبت من أجله، فأنا الآن أعي أعراضي أكثر ولم أعد أسمح لها بالسيطرة علي. إذا تعلمت درساً من تجربة انقطاع الطمث فهو أن الحياة قصيرة جداً.

© The Independent

المزيد من صحة