Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل المساعدات العسكرية الأميركية أداة لـ"لي ذراع" القاهرة؟

تعتزم واشنطن حجب نحو 85 مليون دولار عن مصر على رغم تأكيد كبار مسؤوليها قوة العلاقة الثنائية

قدمت أميركا لمصر أكثر من 50 مليار دولار من المساعدات العسكرية و30 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية منذ عام 1978 (رويترز)

ملخص

قرر بلينكن أن من صالح واشنطن التنازل عن بعض الشروط المتعلقة بحقوق الإنسان وإرسال 235 مليون دولار إلى مصر

بعد شهر من مطالبة مجموعة من الديمقراطيين في مجلس النواب الأميركي إدارة الرئيس جو بايدن باقتطاع جزء من المساعدات الأمنية لمصر، تعتزم الولايات المتحدة حجب مساعدات عسكرية للقاهرة قدرها 85 مليون دولار، بسبب ما يوصف بـ"تقاعس" مصر عن الوفاء بشروط تتعلق بإطلاق سراح السجناء السياسيين وقضايا أخرى.

وفق مصادر من الخارجية الأميركية تحدثت لوسائل إعلام في الولايات المتحدة، الخميس الماضي، فإن الإدارة ستسمح للقاهرة بالحصول على 235 مليون دولار من إجمالي 320 مليون دولار من التمويل العسكري الأجنبي المشروط بقضايا حقوق الإنسان، بينما ستعيد واشنطن توجيه ما قيمته 55 مليون دولار إلى تايوان و30 مليون دولار إلى لبنان.

 

 

القرار المنتظر إعلانه من قبل الخارجية الأميركية بحلول 30 سبتمبر (أيلول) الجاري، اعتبره المعارضون للحكومة المصرية أداة ضغط لتحسين الوضع الحقوقي وإطلاق سراح مزيد من السجناء السياسيين، بينما نظر إليه آخرون كتدخل في الشأن المصري الداخلي بخاصة بالنظر إلى قيام واشنطن مراراً، خلال السنوات الماضية، بتجميد جزء من المساعدات لأسباب تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، ومع ذلك يختلف المراقبون الذين تحدثوا لـ"اندبندنت عربية" مع هذا الرأي.

لا يتفق مساعد وزير الخارجية المصرية الأسبق حسين هريدي مع الجدل الدائر بأن الولايات المتحدة تستخدم المساعدات العسكرية السنوية للتدخل في الشأن الداخلي المصري، كما يرفض تعبير "التلويح" بالمعونة كأداة للضغط أو التدخل، قائلاً "من الصعب أن نتحدث عن تلويح بينما يمنحوننا أكثر من مليار دولار سنوياً".

أضاف هريدي أن ما يتعلق بحجب جزء من المعونة هو بالأساس شأن أميركي يتعلق بالسياسة الداخلية بين الإدارة الأميركية والكونغرس "لا ينبغي اعتباره تدخلاً في الشأن الداخلي المصري، هم (واشنطن) يوافقون على أكثر من مليار دولار مساعدات، الأمر يتعلق بالسياسة الداخلية في أميركا، إذ ترغب الإدارة الأميركية في إرسال إشارة للداخل في شأن التزامها الدفاع عن حقوق الإنسان، الإدارة تستخدم الأمر لتسويق نفسها أمام الرأي العام الأميركي".

وأوضح نائب رئيس مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن جوناثان شانزر أن الديمقراطيين (الحزب الديمقراطي الذي تنتمي إليه الإدارة الحالية) تتركز اهتماماتهم الأساسية حول حقوق الإنسان والديمقراطية، وفي الوقت نفسه يميل الجمهوريون (الذين يشكلون غالبية في مجلس النواب الأميركي) بشكل متزايد إما إلى قطع المساعدات الخارجية وإما إلى إعادة توجيهها نحو تايوان، "التي من المرجح أن تكون نقطة الصفر في منافسة القوى العظمى بين الولايات المتحدة والصين".

قانون المساعدات الخارجية

تقدم الولايات المتحدة ملياراً و300 مليون دولار من التمويل العسكري الأجنبي لمصر، الغالبية العظمى منه غير مشروطة، وبذلك تكون مصر ثاني أكبر متلقية للمساعدات الأميركية الخارجية بعد إسرائيل. وقدمت الولايات المتحدة لمصر أكثر من 50 مليار دولار من المساعدات العسكرية و30 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية منذ عام 1978 وفي ما اتفق عليه البلدان في إطار اتفاقية "كامب ديفيد"، إذ تعتبر واشنطن القاهرة شريكة مهمة لأمن الشرق الأوسط، وركيزة للاستقرار الإقليمي، كما أنها لاعبة رئيسة في مكافحة الإرهاب.

وفق قانون المساعدات الخارجية الأميركي الصادر عام 1961 لا يتم تقديم المساعدات إلى حكومة تتورط في انتهاكات لحقوق الإنسان، وفي ما يتعلق بمصر أوضح مسؤولون أميركيون أن القانون يسمح بحجب مبلغ إضافي قدره 235 مليون دولار لأن هذا الجزء مشروط بوفاء مصر بمتطلبات الديمقراطية وحقوق الإنسان، لكن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن استخدم حقه في التنازل عن هذه الشروط.

ويخول القانون الأميركي لوزير الخارجية التنازل عن الشروط المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان إذا كان ذلك في صالح الأمن القومي الأميركي، ومن ثم فإن المبلغ المقرر حجبه العام الحالي يقل عن ذلك الذي حجبته واشنطن خلال العامين الماضيين، إذ رفضت إدارة بايدن استخدام الإعفاء خلال العامين الماضيين، وحجبت 130 مليون دولار من المساعدات عن مصر.

وكان عام 2013 هو الأكثر اضطراباً في العلاقات بين البلدين، عندما حجبت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما نحو 260 مليون دولار من المساعدات وعلقت إرسال طائرات "أف-16" وأجزاء الدبابات "أم1 أي1" ومروحيات "أباتشي" وصواريخ "هاربون" المضادة للدبابات، في أعقاب إطاحة جماعة "الإخوان المسلمين" من الحكم وعزل الرئيس محمد مرسي، مما عدته تدخلاً من المؤسسة العسكرية ضد رئيس منتخب ديمقراطياً.

ومع ذلك استأنفت إدارة أوباما المساعدات مجدداً عام 2015 "لتحسين العلاقات العسكرية بين البلدين، لتكون في وضع أفضل لمواجهة التحديات المشتركة للمصالح الأميركية والمصرية في منطقة غير مستقرة، بما يتفق مع الشراكة الاستراتيجية الطويلة الأمد بين بلدينا"، وفق ما جاء في بيان البيت الأبيض آنذاك.

تأكيد أميركي لأهمية العلاقة

وبدا من تصريحات كبار المسؤولين الأميركيين محاولة تجنب إغضاب القاهرة وتأكيد قوة العلاقة مع مصر. فتزامناً مع قرار حجب جزء من المساعدات أجرى بلينكن اتصالاً هاتفياً بنظيره المصري سامح شكري، أعرب الوزير الأميركي خلاله عن "تقدير بلاده الدور المهم الذي تضطلع به مصر في تعزيز السلم والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وأفريقيا"، وفق ما جاء في بيان الخارجية المصرية في شأن تفاصيل الاتصال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبوزيد، إن الوزيرين أكدا خلال الاتصال متانة العلاقات الأميركية - المصرية واستراتيجيتها وأهميتها لكل طرف، سواء على المستوى الثنائي، أو على المستويين الإقليمي والدولي، كما تم تأكيد خصوصية العلاقة التي جمعت بين البلدين على مدى عقود طويلة، والتي ترسخت عبر آليات وأطر تعاونية متعددة، اقتصادية وتنموية وسياسية وأمنية وعسكرية، وتطلعهما إلى تعزيز تلك الشراكة والارتقاء بها إلى آفاق أرحب خلال المرحلة المقبلة. أضاف أن الجانبين حرصا على التشاور في شأن عدد من القضايا الإقليمية المهمة، وعلى رأسها الأزمة السودانية والوضع في ليبيا.

ويعتقد هريدي أن بلينكن أراد من خلال اتصاله إخطار الحكومة المصرية بتفاصيل الأمر قبل إعلان القرار.

بحسب المصادر الأميركية فإن وزير الخارجية الأميركي قرر أنه من صالح الأمن القومي الأميركي التنازل عن بعض الشروط المتعلقة بحقوق الإنسان والسماح بإرسال مبلغ 235 مليون دولار إلى مصر، ليبلغ إجمالي التمويل العسكري لمصر 1.215 مليار دولار من ميزانية عام 2022.

ويقول شانزر إنه "لا ينبغي للولايات المتحدة أن تغفل عن حقيقة أن مصر لا تزال لاعبة مهمة في الشرق الأوسط، ولا يمكن لواشنطن السماح لمصر بالانجراف إلى فلك الصين، كما لا يمكنها أن تسمح بإضعاف السلام مع إسرائيل".

ويضيف "قد تكون عملية التقييم بين القادة في واشنطن والقاهرة أكثر أهمية الآن من أي وقت مضى"، لافتاً إلى أن مصر لديها كثير من العمل الذي يتعين عليها القيام به من أجل تعزيز موقفها لدى واشنطن بالنظر إلى التحديات التي تواجهها مصر على الصعيدين الإقليمي والداخلي.

التقارير في شأن القرار المزمع الخاص بالمساعدات تأتي في أعقاب اختتام البلدين مناورات "النجم الساطع 23" العسكرية التي استضافتها مصر بين 31 أغسطس (آب) و14 سبتمبر وهي التدريبات العسكرية الأكبر في المنطقة، ووفق موقع السفارة الأميركية في القاهرة، فإن التدريبات تسلط الضوء على الشراكة والتعاون العسكري الواسع بين البلدين.

إعفاء من أجل الأمن القومي

وأوضح مسؤول رفيع من الخارجية الأميركية لشبكة "سي أن أن"، "ما أصفه اليوم يعكس تقييمنا الحالي بأن التعاون المصري يستحق الإعفاء المتعلق بالأمن القومي للسنة المالية 2022".

وقال مسؤول آخر تحدث لموقع "بريكينغ ديفينس" إن "مصر تقدم مساهمات محددة ومستمرة لأولويات الأمن القومي الأميركي، مصر شريكة استراتيجية للولايات المتحدة ولها صوت حاسم في الجهود الرامية إلى تعزيز السلام والأمن الإقليميين، ولا يقلل هذا القرار بأي حال من الأحوال من التزامنا تعزيز حقوق الإنسان في مصر وفي جميع أنحاء العالم."

 

 

أضاف مسؤولو الخارجية الأميركية "موقفنا في شأن وضع حقوق الإنسان الجاد للغاية في مصر لم يتغير على الإطلاق، وسنواصل إثارة هذه القضايا في مصر باستمرار وعلى أعلى المستويات".

وأوضح المسؤول الذي تحدث لـ"سي أن أن" أن الشروط الخاصة بمبلغ 85 مليون دولار تتعلق بأن "مصر (ينبغي أن) تحرز تقدماً واضحاً ومستمراً في إطلاق سراح السجناء السياسيين، وتوفير الإجراءات القانونية الواجبة للمحتجزين ومنع مضايقة المواطنين الأميركيين" لا يمكن التنازل عنها.

وخلال الأسبوعين الماضيين، أصدر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عفواً عن عديد من المعتقلين المتهمين بقضايا تتعلق بالرأي والسياسة، ومن بينهم المحامي الحقوقي البارز محمد الباقر والباحث باتريك زكي والناشط السياسي أحمد دومة.

أولويات واشنطن

وتوجيه الجزء المجمد من المساعدات لتايوان يمكن تفسيره في سياق توجه الاهتمام الأميركي نحو منطقة أكثر تنافسية حيث منطقة الإندو - باسيفيك التي تواجه فيها الولايات المتحدة منافسة جيوسياسية شرسة مع الصين.

فوفق مراقبين يعكس قرار الإدارة الأميركية، وما صاحبه من تصريحات لأعضاء الكونغرس الأميركي، التحول بعيداً من الشرق الأوسط نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بخاصة جزيرة تايوان التي تمثل أرضاً للمعركة بين واشنطن وبكين.

وداخل الكونغرس ينظر إلى المبلغ المخصص لتايوان باعتباره زهيداً للغاية ولا يعكس أولوية السياسة الخارجية نحو تلك المنطقة. ووصف السيناتور روجر ويكر، وهو أكبر عضو جمهوري في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي، في بيان، إدارة بايدن بتقديم 55 مليون دولار من التمويل العسكري الأجنبي لتايوان بأنه "مبلغ زهيد" مقارنة بحاجات تايبيه الهائلة للدفاع عن النفس ضد التهديد الصيني، كما انتقد ويكر الإدارة لأخذها الأموال من "شريك أمني مختلف"، ووصفها بأنها "تؤدي إلى نتائج عكسية بشكل خاص، لأن مصر أثبتت تقبلها مخاوف هذه الإدارة في مجال حقوق الإنسان".

ومع ذلك يرى المراقبون في واشنطن أنه على رغم أن حجم المساعدات المعاد توجيهها إلى تايوان قد يبدو صغيراً نسيباً، فإنه "يحمل آثاراً رمزية واستراتيجية كبيرة"، وفق وصف محمد سليمان، مدير برنامج التقنيات الاستراتيجية والأمن السيبراني لدى معهد الشرق الأوسط، في واشنطن. ويقول سليمان "تسلط هذه الخطوة الضوء على تحول أوسع في أولويات الولايات المتحدة، مما يشير إلى تحول من الشرق الأوسط نحو منطقة المحيطين الهندي والهادئ".

وفي أواخر أغسطس الماضي أخطرت وزارة الخارجية الأميركية الكونغرس بخطط لتقديم 80 مليون دولار في شكل مساعدات وليس مبيعات من المعدات العسكرية لتايوان، وبذلك تزيد مساهمة الولايات المتحدة في القدرة العسكرية لتايوان إلى 480 مليون دولار لإنفاقها مباشرة في شراء الأسلحة، واعتبرت الصين على الفور ذلك بأنه انتهاك لاعتراف الولايات المتحدة بسياسة "الصين الواحدة" وسيادة بكين المزعومة على الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي منذ عام 1949.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير