Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رئيس المنافذ الحدودية في العراق: لن ينتهي التهريب إلا بالتكنولوجيا

رصد أكبر عملية هدر للمال العام بمنفذ ميناء أم قصر ولا بد من استبدال الموظفين القدامى

اللواء عمر الوائلي رئيس هيئة المنافذ الحدوية (اندبندنت عربية)

ملخص

اللواء عمر الوائلي رئيس هيئة المنافذ الحدودية في العراق يرجح وجود نافذين وراء عمليات التهريب الضخمة التي تشهدها المنافذ بالبلاد

خريطة ثلاثية واسعة تشكل منافذ الدخول والخروج من العراق، منها 11 منفذاً برياً، وستة أخرى بحرية، وأربعة جوية، تشمل مطارات بغداد والنجف والبصرة والناصرية، أما إقليم كردستان فيضم أربعة منافذ حدودية لا يصل إيرادها إلى خزانة الدولة الاتحادية.

يفرض العمل الرقابي لهيئة المنافذ الحدودية التعامل مع هيئات متعددة موجودة داخل الحرم الجمركي، فالعمل يضم تحديات يومية تتصدرها محاولات البحث عن أي منفذ للتهريب والهدر في المال العام من قبل الفاسدين، وبين محاولات الهيئة لابتكار وسائل فاعلة للحد من عمليات الإضرار بالاقتصاد العراق.

رئيس هيئة المنافذ الحدودية العراقية، اللواء عمر الوائلي، تحدث لـ"اندبندنت عربية" عن عمليات التهريب وضخامة الأموال المهدرة بسبب المخالفات في المنافذ الحدودية.

الطريق الوعر

تتنوع عمليات التهريب مشتملة على إدخال مواد غير صالحة للاستهلاك البشري وهي الأغذية والأدوية، كما تشكل ظاهرة التلاعب بالفواتير إحدى أخطر وسائل التهريب وهدر المال العام، بالتالي خسارة الاقتصاد العراقي لمبالغ ضخمة، إذ يقول اللواء الوائلي، إن هيئة المنافذ الحدودية تضبط بشكل يومي من خلال أجهزتها الموجودة في الحرم الجمركي كميات كبيرة من مواد غير صالحة للاستهلاك البشري، فضلاً عن ضبط كثير من الحبوب المخدرة.

وبلغة الأرقام، أضاف "ضبطنا ثلاثة ملايين و500 حبة مخدرة من منفذ القائم الحدودي قادمة من سوريا، هربت من طريق إخفائها بصناديق للتفاح"، علاوة على محاولات تهريب العملة وإدخال العملات المزيفة التي تعد أبرز عمليات الإضرار بالاقتصاد العراقي عبر المنافذ الحدودية.

وتابع، "تمكنت هيئة المنافذ الحدودية من ضبط عملات أجنبية مهربة عبر بطاقات الماستر كارد، خلال الستة أشهر الماضية، وصلت إلى خمسة آلاف بطاقة معدة للتهريب كل واحدة تحتوي على عشرة آلاف دولار"، وهناك شبكة كبيرة في دول الجوار مهمتها إدخال العملة العراقية المزيفة من فئة (25 ألف دينار عراقي) ليتم زجها في الأسواق العراقية، إذ تمكنا من ضبط 45 مليون دينار عراقي (34 ألف دولار) من أصل مليار دينار عراقي (763 مليوناً و358 ألف دولار) وكانت الشبكة تسعى لإدخالها إلى العراق".

إضرار المال العام

ويضم الحرم الجمركي العراقي ممثلين عن الهيئة العامة للجمارك والهيئة العامة للضرائب ومحاجر عدة (البيطري والصحي والزراعي) وأجهزة أمنية تتمثل في الاستخبارات والمديرية العامة لمكافحة المتفجرات وشرطة الجمارك ووحدتي الكلاب البوليسية والمخدرات.

وجود هذا العدد من الدوائر صعّب من مهمة هيئة المنافذ الحدودية، فجميعها تعمل تحت إشراف الهيئة، وغالباً ما تضم بعض الهيئات موظفين فاسدين متورطين بهدر المال العام، وهذا ما تعكسه آخر عملية ضبط لهدر المال العام قامت بها هيئة المنافذ الحدودية في منفذ ميناء أم قصر الشمالي، إذ يقول الوائلي "وردت معلومات بأن العاملين في الوحدة الضريبة للمنفذ يصدرون وصولات بالمبلغ الحقيقي ويتم إيداع مبلغ آخر، وتم ضبط مجموعة كبيرة من هذه الوصولات، وبعد الانتقال إلى الهيئة العامة للضرائب تم تدقيقها في منفذ ميناء أم قصر الشمالي مع الوصل نفسه ورقمة وتاريخه واسم الشركة، فتم التأكد من وجود أكبر عملية تلاعب". ولا يستبعد وقوف جهات متنفذة خلف هذه العملية تتولى التلاعب بالتعاون مع موظفي الوحدة الضريبية.

أصعب المنافذ الحدودية

وبدأ عمل هيئة المنافذ الحدودية في الموانئ البحرية في الأول من مايو (أيار) 2018، ثم في يونيو (حزيران) من العام نفسه، بدأت العمل فعلياً من قبل الهيئة في الموانئ البحرية.

وأشار اللواء عمر الوائلي إلى أن معظم عمليات ضبط التهريب التي كشفت عنها الهيئة كانت في الموانئ البحرية، ويعود سبب ذلك إلى تعقيد الحاويات التي تصل عبر المنافذ البحرية وإمكان إخفاء مواد مهربة، وكذلك كثرة أعداد الحاويات الواصلة عبر هذه المنافذ، إذ تصل إلى المنافذ البحرية يومياً أكثر من ثلاثة آلاف حاوية، وهذا ما يجعل المنافذ البحرية الأكثر استخداماً للتهريب.

وتتنوع وسائل التهريب لتدخل في تفاصيل متعددة منها تغير صنف المواد ووصفها ووزنها، ورأى الوائلي أن "هناك حاوية محملة بنوع أجهزة هاتف حديثة (آي فون)، لكن ما تتم كتابته في الأوراق التي تصل إلى المنفذ الحدودي التي تحدد صنف المادة هو حافظة لهاتف آي فون، وهذا يعني أن المستورد لهذه المادة سيدفع ضريبة للبلد تقدر بمليون دينار عراقي (763.36 دولار) على المادة الداخلة، كونها حافظات لأجهزة هاتف بدلاً من دفع 100 مليون دينار (76335 دولار) كضريبة على إدخال هواتف (آي فون) الذي يقدر سعره بأكثر من ألف دولار".

 

 

كما يعد التلاعب بوزن المادة أحد أساليب التهريب، ضارباً المثل بشحنة حديد تسليح يبلغ وزنها 50 طناً، لكن ما يكتب، أن وزن المادة الداخلة هي 10 أطنان فيتم دفع مبلغ ضريبة يجاري وزن المادة الذي شهد عملية التلاعب، وهذه أيضاً إحدى وسائل التهريب.

ولفت رئيس هيئة المنافذ الحدودية العراقية الانتباه إلى أن سيطرة البحث والتحري الموجودة في نهاية بوابات المنفذ الحدودي، وهي آخر محطة، تتم فيها مراجعة صنف المادة ووزنها واسم الشركة ونوع البضاعة والرسوم الضريبية مرفقة بعملية التدقيق الإلكتروني، ففي حال مطابقة المواصفات سيتم إدخال الشحنة، وفي حال تم كشف التلاعب في المواصفات فيتم منعها وتحال إلى القضاء.

الأتمتة الإلكترونية

أضاف اللواء عمر الوائلي أنه لا يمكن إيقاف عمليات التهريب والهدر في المال العام إلا بإكمال عملية الأتمتة الإلكترونية لكل المنافذ الحدودية، موضحاً أن الهيئة رأت أن التكنولوجيا هي "الحل الأمثل عبر إبعاد العامل البشري من إنجاز المعاملات لتقديم بيانات دقيقة تخلو من ظاهرة الفساد".

وتعتمد الهيئة على كثير من البرامج التي سهلت مهمتها في الكشف عن عمليات التهريب، وحددها المسؤول العراقي في "برنامج الفحص المسبق للبضائع، فكل مادة تدخل إلى العراق يجب أن تكون خاضعة للفحص المسبق الخاص بالجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية في بلد المنشأ أو في المختبرات العراقية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأعاد اعتماد هذا البرنامج إلى رصد تلاعب كبير في الوثائق الخاصة بالبضائع، إذ كشف عن أربعة آلاف وثيقة مزورة في منفذ صفوان الحدودي صادرة من شركة فاحصة بالتواطؤ مع وكلاء إخراج فاسدين، وعليه "فالبرنامج الإلكتروني للفحص المسبق سهل علينا وصول نتائج فحص المادة قبل دخولها إلى العراق، بالتالي الحد من التلاعب بتفاصيل المواد".

مراقبة الحاويات

تنتهج هيئة المنافذ الحدودية الأسلوب العلمي للحد من عمليات التهريب، فإضافة إلى برنامج الفحص المسبق للمواد، هناك برامج أخرى تهدف إلى الحد من عمليات التهريب، منها برنامج التسلسلات الحدودية الذي يظهر رقم وهوية البضاعة، وكذلك برنامج إجازات الاستيراد لمنع التجاوز على الكميات أو التلاعب بها، وبرنامج تدقيق الوصل الضريبي من أجل منع التلاعب بالرسوم وبرنامج تدقيق شهادات المنشأ.

وبدأت الهيئة، في 10سبتمبر (أيلول) الماضي، بالعمل على برنامج مراقبة الحاويات في مبنى الشحن الجوي في مطار بغداد الدولي "ضم مكتب الأمم المتحدة المعني بالجريمة ومكافحة المخدرات، وبالتعاون مع السفارة الأميركية ضم العراق إلى مجموعة 120 دولة معنية ببرنامج مراقبة الحاويات".

يعمل هذا البرنامج عبر شقين، الأول يحلل وثائق استيراد البضائع قبل 72 ساعة من وصولها إلى المنفذ الحدودي، مرفقة مع الوثائق شهادات توضح إن كان لدولة المنشأ نشاطات تتعلق بتهريب المخدرات أو الأسلحة أو المواد المشعة، فإذا كان للدولة نشاط في ذلك، يجرى تفتيش البضائع بشكل دقيق، أما الشق الثاني من البرنامج فهو إعطاء بيانات عن مستوى خطورة المواد الواصلة إلى البلاد لغرض التهيئة إلى عزلها وفصلها، ثم وحدة فحص البضائع الواردة التي تعمل أيضاً تحت برنامج مراقبة الحاويات فتخصص لفحص طبيعة المواد سواء كانت مخدرة أو مشعة.

ومن البرامج الأخرى لمنع عمليات التهريب الربط الشبكي للأشعة التلفزيونية (السونار) المرتبط بوحدة مركز البيانات المعني بمتابعة ما موجود داخل الحاويات، سواء في جميع المنافذ لتدقيق البضائع ومطابقتها بالأوراق الخاصة بها على أن يتم الاحتفاظ بكافة البيانات في المركز الوطني بالأمانة العامة لمجلس الوزراء العراقي.

إقليم كردستان

وعلى رغم إقرار الدستور العراقي في مادته (110) التي نصت بأن السياسة الجمركية ورسم السياسة الاقتصادية هو من اختصاص السلطة الاتحادية، لكن نص هذه المادة لا يتماثل مع الواقع، إذ لا ترتبط المنافذ الحدودية بكردستان العراق مع هيئة المنافذ الحدودية الاتحادية، كما أن إيرادات الإقليم في هذا الصدد لا تصل إلى خزانة بغداد، وتقسم المنافذ في إقليم كردستان إلى ثلاثة مستويات، الأول معترف بها من قبل الحكومتين (الاتحادية والإقليم) وهي مطارات أربيل والسليمانية فضلاً عن البرية، أما الثانية فتضم المنافذ غير المعترف بها من الحكومة الاتحادية ومعترف بها من حكومة الإقليم، وأخيراً النوع الأخير يضم المعابر غير الرسمية وهي غير معترف بها من قبل الحكومتين.

ولفت اللواء عمر الوائلي إلى أن المنافذ في إقليم كردستان لها تأثير سلبي في الاقتصاد العراقي، وتؤثر في عمل الهيئة بسبب غياب السياسة الجمركية الموحدة "فهناك إجراءات لحماية المنتج المحلي تتبعها المنافذ الاتحادية، في الوقت ذاته يدخل المنتج الأجنبي من منافذ الإقليم معرضاً المزارع العراقي والصناعة الوطنية للضرر بسبب قلة سعر المنتج الوافد من طريق منافذ الإقليم مقارنة بالمنتج المحلي"، ونبه إلى بوادر جادة لحل مشكلة المنافذ في كردستان العراق بعد موافقة حكومة الإقليم على تشكيل لجنة مشتركة لغلق المنافذ غير الرسمية التي تنشط فيها عمليات التهريب.

مصير الواردات

يعد عمل هيئة المنافذ الحدودية عملاً رقابياً، فلا تستحصل الهيئة المبالغ المالية التي تدخل كواردات للدولة العراقية، بل إن القضية من اختصاص دوائر وزارة المالية التي تعمل ضمن المنفذ الحدودي، وشكلت حديثاً الهيئة العامة لمراقبة الإيرادات الحكومية لمتابعة الإيرادات المتحققة من المنافذ الحدودية.

وأشار الوائلي إلى أنه لا يمكن إعطاء إحصاءات دقيقة عن إيرادات المنافذ الحدودية، فمع جائحة كورونا أغلق 80 في المئة من المنافذ الحدودية، وبعد انتهاء الأزمة وارتفاع سعر صرف الدولار الذي أدى لارتفاع الأسعار، انتهجت الحكومة العراقية سياسة تصفير الرسوم الجمركية والضريبية، فكل بضاعة تدخل للمنافذ بشكل مجاني دون رسوم، لا سيما المواد الطبية والغذائية لتسهم في رفع الأعباء عن المواطنين جراء ارتفاع الأسعار.

 

 

ومع ذلك رأى أن هناك زيادة في الإيرادات يعزوها إلى سياسة الهيئة التي حاربت عمليات التلاعب، "بلغت إيرادات منفذ ميناء أم قصر الأوسط زيادة في الإيراد الجمركي والأمانات والضريبة عند عقد مقارنة بين شهري أغسطس (آب) 2022 و2023".

مرفأ بيروت

في خضم حديثه عن الأزمات العراقية الجمركية، ألقى اللواء الوائلي نظرة على حادثة انفجار مرفأ بيروت والخوف من تكرار هذه التجربة في الموانئ البحرية العراقية التي تتكدس فيها الحاويات وتضم مواد خطرة، موضحاً أن هيئة المنافذ الحدودية أجرت إحصاء لعدد الحاويات الموجودة في الموانئ وبلغ عددها 3500 حاوية تحتوي على مواد كيماوية ومادة الكلور ومواد خطرة أخرى.

ومضى في حديثه "شرعنا بإصدار قرار مجلس رئاسة الوزراء في عام 2021، أعطى هذا القرار صلاحية لهيئة المنافذ لإجلاء كافة الحاويات من الموانئ وجمعها في منطقة نائية بعيدة من السكان، وإصدار قرار بالسماح للوزارات التي تقاعست عن إجلاء هذه الحاويات بتسلمها بتعهد، ومن ثم المراجعة لتسديد الرسوم"، وأوضح رئيس هيئة المنافذ الحدودية في العراق أن وسائل تطوير عمل المنافذ الحدودية وتحويلها إلى نموذجية يرتبط أولاً بتطوير البنى التحتية للمنافذ من مخازن ومختبرات وأجهزة.

وذهب إلى أن العامل الآخر الذي يجعل المنافذ الحدودية تعمل بطريقة احترافية هو ضرورة إكمال الهيئة العامة للضرائب عملية الأتمتة الإلكترونية كونها الدائرة الأهم والمعنية بالجباية والضرائب وإدخال الإيرادات لخزانة الدولة، فعملية الأتمتة الإلكترونية ستقضي على كل عمليات الفساد، وتمسك بضرورة تعزيز المنافذ بالكوادر البشرية من ذوي الكفاءة والنزيهة، واستبدال ما يقارب 50 في المئة من الموظفين الذي يعملون في الضرائب والجمارك والمنافذ والأجهزة الأمنية الموجودة، قائلاً "المنتسب أو الموظف الذي يعمل لسنوات طويلة في المنفذ الحدودي ذاته سينشئ شبكة علاقات، ومن الممكن أن ينجرف بالاتجاه غير الصحيح والكسب على حساب الصالح العام".

الوضع الأمني

ومنذ سنوات لم يحدث أي تجاوز على المنافذ الحدودية بحسب الوائلي، كما لم تتعرض لهجوم مسلح، وهناك استقرار للوضع الأمني صبّ لصالح دخول الوافدين أثناء إقامة بطولة الخليج 25، في البصرة، كما سارت عملية تفويج الحجاج القادمين من تركيا والموصل براً والوصول إلى السعودية عبر منفذ عرعر الحدودي بشكل ناجح، وتابع، "لم تتعرض أي قافلة للاعتداء، حتى تهريب المخدرات أصبح لا يتم عبر المنافذ الرسمية، وذلك لوجود الإجراءات الرادعة في المنافذ الحدودية، بل أصبح التهريب يتم في الغالب عبر معابر غير رسمية في مناطق رخوة ومن طريق حدود غير ممسوكة بالشكل الصحيح من قبل القوات الأمنية".

وختم اللواء الوائلي حديثه بقوله إن التجربة الناجحة لهيئة المنافذ الحدودية ودورها في الحد من عمليات التهريب وإلقاء القبض على الموظفين المتورطين بعمليات الفساد، هذه التجربة ستكون مثالاً لاستحداث دوائر حكومية تحارب الفساد وتفعل الدور الرقابي، لا سيما بعد إلغاء مكاتب المفتش العام الذي ترك أثراً وفراغاً في متابعة حالات الفساد المالي والإداري.

اقرأ المزيد

المزيد من حوارات