Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجنرال الأميركي مارك ميلي: لدينا الآن ثلاث قوى عظمى في العالم

في حوار مع رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي المنتهية ولايته يتحدث الجنرال ميلي عن كيفية تجنب حرب بين القوى العظمى

الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي، في قاعدة "رامشتاين" الجوية الأميركية، ألمانيا، أبريل 2023 (هيكو بيكر/رويترز)

ملخص

يشدد الجنرال ميلي في مقابلته على ضرورة العمل لإبعاد شبح الحرب بين الدول العظمى وحل الخلافات بينها بوسائل لا تتضمن العنف

بمناسبة اقتراب نهاية ولاية رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي الجنرال مارك ميلي (انتهب ولايته بالفعل) أجرت "فورين أفيرز" مقابلة معه حول التطورات التي شهدتها الساحة الدولية منذ الغزو الروسي لأوكرانيا ومخاطر حصول صراع عسكري بين القوى العظمى

دان كورتز فيلان

لدى الجنرال مارك ميلي مهمة صعبة. بصفته رئيساً لهيئة الأركان المشتركة، فهو يساعد في توجيه استراتيجية الولايات المتحدة في أوكرانيا.

وفي الوقت نفسه، يحاول معرفة كيف على الولايات المتحدة أن تتصرف في عالم مختلف تماماً، عالم لم تعد فيه أميركا القوة العظمى الوحيدة، عالم يتزايد فيه التوتر مع كل من روسيا والصين، وحيث أصبح من السهل للغاية تصور اندلاع حرب بين القوى العظمى للمرة الأولى منذ عقود.

حضرة الجنرال ميلي، شكراً لك على هذه المقابلة.

الجنرال مارك ميلي

مرحباً، شكراً دان، أقدر لك ذلك.

دان كورتز فيلان

إذاً، لننتقل مباشرة إلى الموضوع الذي أخذ معظم وقتك بلا شك خلال العام الماضي، وسيطغى على الأشهر الخمسة المقبلة في الفترة التي تتولى مهماتك فيها. ما الذي تتوقع أن يحققه الهجوم الأوكراني المحتمل في الأسابيع المقبلة، وكيف سيكون مسار الانتقال من هجوم ناجح إلى نتيجة تفاوضية لهذه الحرب؟

الجنرال مارك ميلي

لا أريد التكهن في شأن حصول هجوم محدد أم لا. ما سأقوله هو أنه على مدى الأشهر القليلة الماضية، طلب منا الأوكرانيون تقديم يد العون، في المجال العسكري، لمساعدتهم، وتدريبهم، وتجهيز قواتهم وتزويدهم بالعتاد، على وجه التحديد حوالى تسع كتائب من القوات المشتركة والدروع وقوات المشاة الميكانيكية. كما أن هناك أيضاً بعض وحدات المشاة الخفيفة، من فئة الجوالة، التي ساعدنا في تدريبها. وحين أستخدم صيغة المتكلم [نحن، إننا، -نا...]، فأنا أعني بذلك حلف شمال الأطلسي وجميع الشركاء الأوروبيين، واتخذنا هذه الخطوات فعلياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لذا أود أن أقول لك إن الأوكرانيين يتمتعون الآن بالقدرة على الهجوم، ويمكنهم شن عمليات هجومية، ولديهم أيضاً قدرة دفاعية تحسنت بشكل كبير عما كانت عليه قبل عام واحد فحسب في العمليات التقليدية. وبالتالي، أعتقد أن قدراتهم زادت بشكل كبير، ويمكنهم شن الهجوم أو الدفاع. أنا لا أتكلم عما إذا كانوا سيقومون بعملية هجومية في الأسابيع المقبلة أم لا، فالقرار في ذلك يعود لهم. وفي الواقع، ينتظرهم قدر كبير من التخطيط والتنسيق إذا شنوا عملية هجومية، لكنهم جاهزون للقيام بالهجوم أو الدفاع على حد سواء.

دان كورتز فيلان

وما الطريق من هناك للوصول إلى نتيجة متفاوض عليها؟ لقد أكدتم مراراً وتكراراً على ضرورة إنهاء هذه الحرب بالتفاوض، كما فعل الرئيس بايدن والرئيس زيلينسكي وكثيرون غيرهما. فكيف يمكن تحقيق ذلك في ضوء التقييمات التي قدمها كبار المسؤولين في الحكومة الأميركية ومفادها بأن بوتين ليس في مزاج يسمح له بالتفاوض في هذه المرحلة؟

الجنرال مارك ميلي

أود أن أقول بضعة أشياء. أولاً، جميع الحروب تصل إلى نهاية، عاجلاً أم آجلاً، والسؤال الحقيقي المطروح يتمحور حول طريقة إنهاء تلك الحروب. وفي هذه الحالة هنا، ما طبيعة هذه الحرب في الأساس؟ تدور الحرب حول فرض إرادتك السياسية على خصمك من خلال استخدام العنف المنظم. والحروب تندلع عندما تفشل الدبلوماسية.

ولذلك عندما قرر الروس شن الغزو، كانت لديهم أهداف استراتيجية، من بينها الإطاحة بحكومة زيلينسكي، والاستيلاء على العاصمة كييف، وتحقيق ذلك بسرعة نسبية، والتقدم من الحدود الروسية على طول الطريق إلى نهر دنيبرو، والقيام بذلك في فترة زمنية قصيرة، تتراوح ربما من أربعة إلى ستة أسابيع، ومن ثم أيضاً الحؤول دون وصول أوكرانيا إلى البحر، بحر آزوف، من خلال السيطرة على خيرسون وأوديسا. في وقت قصير جداً (بدأ الغزو في الـ24 من فبراير/شباط)، فعلياً في غضون شهر تقريباً أو نحو ذلك، فشلت روسيا في تحقيق أهدافها الاستراتيجية. ولم يتمكن الروس عسكرياً من تحقيق ما كانوا خططوا له.

ثم ما حدث في نهاية شهر مارس (آذار)، وربما بداية شهر أبريل (نيسان)، في ذلك الإطار الزمني من العام الماضي، هو أن بوتين عدل أهدافه الاستراتيجية وأعاد ضبطها. ثم قال، سأجعل أهدافي تقتصر على الحدود الجنوبية، والمقاطعات الجنوبية في أوكرانيا، وسأعمل على تعزيز نفوذي في دونباس، والسيطرة على شبه جزيرة القرم، وما إلى ذلك. وهكذا، أخذ جيشه بأكمله وتوغل به نحو الجنوب والشرق. ثم أطلق مجموعة ثانية مما يمكن أن أصفه بالأهداف العملياتية، وفشل في تحقيقها أيضاً.

فهو لم ينجح بعد في السيطرة على منطقة دونباس بشكل كامل، ولم يحقق بعد أهدافه العملياتية في تلك المنطقة. وقد يكون هناك ما يزيد على 200 ألف، وربما 250 ألفاً من الخسائر الروسية بين قتلى وجرحى، وهو عدد كبير، استبدلهم بوتين بدفعته الأولى من جنود الاحتياط، حوالى 300 ألف من هؤلاء الرجال، 200 إلى 300 ألف. إذاً لا يزال هناك نحو 200 ألف جندي روسي، يعانون سوء القيادة، وغير مدربين بشكل جيد، وغير مجهزين بشكل مناسب، ولا تصلهم إمدادات كافية في أوكرانيا التي تحتلها روسيا. لكنهم هناك.

بالنسبة إلى الجانب الأوكراني، في أغسطس (آب) تقريباً، شن الأوكرانيون هجومين متتاليين. الهجوم الأول، وهو هجوم مضاد، حصل في منطقة خاركيف، ثم تقدم عبر النهر، وأصبح يشكل الآن الخطوط الأمامية في شبه جزيرة القرم وحولها، وكان الأوكرانيون ناجحين جداً في هجومهم هذا. وبعد ذلك شنوا هجوماً مضاداً في منطقة خيرسون. وحققوا نجاحاً كبيراً فيه أيضاً. إذاً، لقد نظما هجومين مضادين ناجحين للغاية أجبروا الروس فيهما على الانسحاب وأغلقوا خطوطهم [أي أنهم حرصوا على ملء الثغرات في الدفاع والتأكد من أن الخطوط الدفاعية المخترقة أصبحت آمنة من جديد] وأعادوا بناء دفاعاتهم. ثم بدأت مرحلة مختلفة من العمليات مع حلول فصل الشتاء. وعلى رغم اندلاع معارك كثيرة خلال الفصل المذكور، اعتمد فيها أسلوب القتال في الحرب العالمية الأولى تقريباً، لم يحدث سوى تغيير طفيف جداً في السيطرة على أجزاء كبيرة من الأراضي، باستثناء باخموت ربما.

إذاً، نحن نواجه هذه الأوضاع على طول خط المواجهة الذي يمتد على مسافة توازي ربما تلك التي تفصل بين واشنطن العاصمة وأتلانتا، أو شيئاً من هذا القبيل. إنها مسافة طويلة للغاية. وهذا الخط الأمامي لم يتغير، لا بل ظل في حال جمود. ثم طلب منا الأوكرانيون المساعدة في بناء قوتهم حتى تكون لديهم القدرة على شن عمليات هجومية من خلال مناورة الأسلحة المشتركة مع القوات الثقيلة والمدرعات الآلية والمشاة. فقدمنا لهم المساعدة، ولم نر بعد ما الذي سينتج من ذلك التخطيط. لكنني لن أغوص في تفاصيل أكثر في هذا الصدد. سنرى ما سيجري.

ثم يصبح السؤال المطروح كيف ينتهي ذلك؟ دعنا نقول من باب النقاش فحسب أن هناك هجوماً سيحدث. ونحن نتعامل الآن بالاستناد إلى احتمالات وتكهنات، وهذا أمر خطر دائماً. لكنني أعتقد أنه من المنصف أن نقول إنه في حال شن هجوم، سيكون هناك احتمال حدوث مجموعة متنوعة من النتائج. ومن الواضح أن إحدى هذه النتائج يمكن أن تحقق نجاحاً كبيراً وتؤدي إلى انهيار خط المواجهة الروسي بصورة شاملة. وحصل ذلك من قبل في حروب سابقة، على غرار الحرب العالمية الأولى على سبيل المثال. إذاً هناك احتمال لحدوث ذلك. في المقابل، هناك احتمال لتحقيق نجاح جزئي، كما هناك احتمال لتحقيق نجاح محدود. وهناك احتمال عدم النجاح أيضاً. وهذه كلها نتائج معقولة إذا حصلت عملية هجومية. ومن الممكن أيضاً أن العكس صحيح، فربما ينفذ الأوكرانيون عملية دفاعية، ويواجه الروس صعوبة كبير في شن عملية هجومية. سنرى ما يخبئه المستقبل.

على رغم ذلك، أعتقد أنه سيكون من الصعب والشاق للغاية تحقيق أي من الجانبين لأهدافه السياسية، فالحرب تدور حول تحقيق أهداف سياسية من خلال استخدام الوسائل العسكرية فحسب. وبصراحة، لا أعتقد أن احتمال حدوث ذلك مرجح في هذا العام. لكنني أظن أن الروس عانوا بشكل كبير، لقد تكبدوا خسائر كثيرة، وتضرر اقتصادهم بشكل هائل، وعانت قواتهم البرية، في الأقل، بشكل كبير.

وأعتقد أن الأشخاص العقلانيين، الذين يشكلون جزءاً من عملية صنع القرار الروسي، سيستنتجون، على ما أعتقد، خلال أشهر أو عام أو عامين، أن الكلفة تتجاوز الفوائد، وأن الوقت حان لفعل شيء ما، في الأقل من الناحية التفاوضية. قد لا يكون ذلك الوقت هو الآن، فأنا لا أستطيع قراءة ما يدور في رؤوسهم. لا أعلم متى سيكون بوتين مستعداً لفعل ذلك، ولكن في مرحلة معينة، إذا كان عقلانياً، سيتعين عليه القيام بذلك. يمكنه أن يتخذ هذه الخطوة الليلة. يمكنه إنهاء الحرب الليلة. وبطبيعة الحال، فهو يواجه قيوداً سياسية داخلية في السياسة الروسية. لكن سيكون عليهم إيجاد حل لذلك لأنهم لن يفوزوا.

دان كورتز فيلان

إذا عدنا في الذاكرة عاماً إلى الوراء، فما يدهشني هو أننا كنا جميعاً نفكر كثيراً في أخطار التصعيد، بما في ذلك مخاطر التصعيد النووي. لم يعد هذا الشاغل الرئيس بالنسبة إلى معظمنا، ونحن نخدع أنفسنا ربما، ونعيش في وهم أن ذلك مستبعد الحدوث، ولكن كيف فكرت في إدارة أخطار التصعيد في هذا السياق، وكيف كان لذلك دور في تحديد شكل المساعدة أو النصائح التي نقدمها للأوكرانيين، أو نهجنا إزاء الصراع بشكل عام؟

الجنرال مارك ميلي

في الحقيقة، أعتقد أنه من مصلحة الجميع عدم التصعيد. روسيا لا تريد حرباً مع حلف شمال الأطلسي أو الولايات المتحدة، وفي المقابل هما لا يريدان حرباً مع روسيا. لذا فإن الأمر يصب في مصلحة الجميع في هذا الصدد، ومن المؤكد أن أوكرانيا لا تريد حرباً بهذا الحجم على أراضيها. لذلك من مصلحة الجميع عدم التصعيد. بيد أن احتمال التصعيد حقيقي للغاية. فالحروب تنبع بشدة من الانفعالات والعواطف. هناك درجة هائلة من الخوف، والكبرياء، والمصلحة، على حد قول ثوسيديديس [مؤرخ يوناني يعتبر واحداً من أهم مؤرخي العصور القديمة]. وكل هذه العوامل تلعب دوراً في الحرب في آن واحد، وبدرجات متفاوتة من التأثير. إذاً، فإن احتمال التصعيد قائم دائماً.

في كل يوم، في ظل أي إجراء نتخذه، أو أي إجراء نرى الروس يتخذونه، نقوم دائماً بحساب احتمالية التصعيد. لماذا؟ لأن عواقب التصعيد وخيمة للغاية، وعواقب الصراع المسلح بين الولايات المتحدة وروسيا، أو أي من دول حلف شمال الأطلسي وروسيا، ستكون مدمرة لكلا الجانبين. لذلك من مصلحة الجميع عدم حصول ذلك. نحن نحسب حساب ذلك دائماً وننتبه لأي تحرك، ونحن دائماً بالمرصاد لاحتمال التصعيد ونتعامل مع ذلك بأفضل ما نستطيع.

دان كورتز فيلان

لو كنا نتحدث عن حرب بين القوى العظمى قبل 18 شهراً، لكان تركيزنا انصب على الصين. إن الشيء الذي كان لافتاً للنظر في العام الماضي أو نحو ذلك تقريباً هو التقارب المتزايد بين روسيا والصين. ينتابني الفضول حول رأيك في تلك العلاقة، وما تقييمك لها، خصوصاً في سياق الحرب في أوكرانيا، وبالنظر إلى ما يريد شي جينبينغ تحقيقه في سياق تلك الحرب. وهل ترى أن الولايات المتحدة قادرة على فعل أي شيء لكي تمنع أن يتحول ذلك إلى سمة دائمة في المشهد الأمني الدولي؟

الجنرال مارك ميلي

خلافاً للحرب الباردة، لدينا الآن ثلاث قوى عظمى في العالم، هي الولايات المتحدة والصين وروسيا. تتمتع جميعها بإمكانات كبيرة كامنة في سكانها، واقتصادها، وبالطبع جيشها. وتمتلك الدول الثلاث ترسانات نووية كبيرة. والولايات المتحدة هي الأقوى بكل المقاييس. لكن روسيا والصين قويتان للغاية أيضاً. لذا، ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تراهما تشكلان تحالفاً عسكرياً استراتيجياً، ويتعين علينا أن نفعل ما في وسعنا للحرص على عدم حدوث ذلك.

لكن بوجود ثلاث قوى عظمى سيكون الوضع أكثر تعقيداً من وجود اثنتين. كانت العلاقة في الحرب الباردة محصورة آنذاك بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، كما تعلم، وكانت هناك قوى أخرى تدور في فلك كل من هاتين الدولتين. لكن الصراع الفعلي كان بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة. وكان العالم ثنائي القطب، على رغم أنني أقر بوجود قوى أخرى. أما اليوم، فنحن اليوم في عالم ثلاثي الأقطاب، وثلاثة أقطاب أكثر تعقيداً من اثنين، وهذه العلاقة من الصعب جداً التعامل معها.

لذا فإن ما يتعين علينا أن ندركه ونحرص عليه هو ألا ندفع الصين وروسيا إلى التقارب من بعضهما البعض على الصعيد العسكري. ستكون هناك علاقات بين الدول، والمنافسة ليست هي المشكلة هنا، بل المشكلة تكمن في الصراع والحرب. لذلك نريد التأكد من أن روسيا والصين لن تشكلا نوعاً من التحالف الجيوستراتيجي والسياسي والعسكري ضد الولايات المتحدة. وهناك بعض المؤشرات التي تشير إلى التقارب بين الصين وروسيا. وأود أن أقول إن ذلك يستدعي المراقبة عن كثب.

دان كورتز فيلان

لكن تلك العلاقة لم تصل بعد إلى هذا المستوى من التحالف الجيوستراتيجي القوي الذي نقلق من حدوثه؟

الجنرال مارك ميلي

لا أستطيع القول إنها بلغت هذا المستوى، حتى الآن، لكنها قد تتطور إلى هذا الحد. شهدنا بعض المساعدة الاقتصادية، ليست كبيرة في الشق العسكري. مهما كانت التدريبات التي تقوم بها الدولتان المذكورتان فهي صغيرة وغير مهمة نسبياً. أعني أنها ليست من دون عواقب، لكنها ليست مناورات عسكرية ضخمة مشتركة. في ما يتعلق بالحصول على الدعم العسكري والدعم الفتاك لروسيا، لا يوجد شيء مهم حقاً حتى الآن. لقد طلب الروس ذلك الدعم بالتأكيد. في الواقع، طلبوا الذخيرة وما إلى ذلك من بلدان كثيرة. لكن هناك علاقة، علاقة عسكرية، بين إيران وروسيا، على سبيل المثال، وهذا ليس بالأمر الجيد.

لكن مع الصين، كانت هذه العلاقات العسكرية متواضعة جداً. وأود أن أقول إن الرئيس شي رجل قوي جداً، وصلب، وواقعي لدرجة كبيرة. في الحقيقة، إن الحزب الشيوعي الصيني صارم جداً، لكن أعضاءه واقعيون للغاية، بمعنى أنهم يدركون تماماً الكلفة والفوائد والأخطار، وهم أيضاً لا يريدون صراعاً مسلحاً صريحاً مع واشنطن، إذ إنهم يدركون مدى قوة الولايات المتحدة. وعلى رغم ما قد يقوله الناس هنا وهناك، فإن الصينيين يدركون تماماً مدى قوة الولايات المتحدة. ولذا فإنهم لا يبحثون عن هذا النوع من الصراع المسلح أيضاً. هم يريدون تحقيق أهدافهم الوطنية، لكنهم يرغبون في تحقيق ذلك من دون صراع مسلح.

سنرى إلى أين سيصل الأمر، لكننا لم نشهد بعد تحالفاً جيوسياسياً كاملاً وراسخاً بعمق وطويل الأمد وقادراً على الصمود بين الصين وروسيا. هل يمكن أن يحدث ذلك في المستقبل؟ نعم هذا ممكن، لذا علينا أن نكون حذرين، وأن نبذل ما في وسعنا لكي نحرص على عدم حدوث ذلك.

دان كورتز فيلان

عندما تنظر إلى خطر الصراع المسلح في آسيا، فإنك تميل إلى الحديث كثيراً عن الحاجة إلى بذل مزيد من الجهد من أجل ردع الصين. وحينما تنظر إلى الحرب في أوكرانيا والدروس المستفادة منها، ما الذي يمكنك تقديمه في منطقة المحيط الهادئ وبالنسبة إلى المخاوف بشأن ردع الصين؟ وفي ضوء التكنولوجيا المتغيرة وغيرها من العوامل، أين تعتقد أننا بحاجة إلى بذل مزيد من الجهد من أجل تخطي الصعوبات التي تعرقل عملية الردع؟

الجنرال مارك ميلي

أول نقطة مهمة يجب أن نتذكرها هي أنه لا توجد حربان متشابهتان. إن غزو الصين لتايوان لن يشبه بالضرورة غزو روسيا لأوكرانيا. فالأساسيات تختلف، بمعنى العوامل الجغرافية والمناخية، وهذا أمر واضح. لديك أوكرانيا وهي دولة غير ساحلية، ولها حدود برية مع روسيا. تحضيراً للغزو، تمكنت روسيا من تعبئة ونشر حوالى 140 ألفاً إلى 150 ألف جندي في الصفوف الأمامية في مناطق التجمع ومواقع الهجوم، مع 100 ألف آخرين من جنود الاحتياط خلفهم على محاور متعددة للتقدم عبر الحدود البرية. هذا الوضع سمح لهم بإنشاء خطوط اتصال برية وما إلى ذلك.

أما المشكلة الصينية فهي مختلفة جوهرياً. من أجل مهاجمة تايوان، سيتعين على الصينيين شن غزو برمائي مشترك مع المظليين والهجوم الجوي، وطائرات المروحية، والصواريخ، وجميع النيران التحضيرية [مصطلح عسكري يشير إلى القصف المدفعي وربما قصف بحري من أجل تمهيد الطريق للهجوم البرمائي] التي قد يحتاجون إليها، ومن أجل القيام بذلك سيتعين عليهم عزل المرابط [النقاط الأولى التي يقومون فيها بإنزال قوة عسكرية على شاطئ العدو] وتأمين النقل البرمائي [القدرة على نقل القوات والمعدات والإمدادات من السفن في البحر إلى الشاطئ أثناء عملية برمائية]، وعبور 100 ميل (160 كلم) في المياه، وهو أمر يمثل تحدياً في حد ذاته. ثم يتعين عليهم التأكد من أن مياه البحر آمنة أيضاً من هجوم الغواصات. سيتعين عليهم إزالة الألغام، وتأمين الشواطئ، وسيتعين عليهم الدخول والهجوم والاستيلاء على منطقة حضرية يبلغ عدد سكانها حوالي 3 ملايين ونصف مليون نسمة، في بلد طبيعته جبلية للغاية ومواتية للدفاع.

لذا أود أن أقول لك، كن حذراً في شأن استخلاص الدروس أو الاستنتاجات المباشرة. ومع ذلك، أعتقد أن أحد الدروس التي ربما يدركها الصينيون هو أن الحرب الحقيقية على أرض الواقع تختلف كثيراً عن الحرب من ناحيتها النظرية. وعندما يموت أناس حقيقيون، وتفجر دبابات حقيقية ومركبات المشاة القتالية، وحينما تحدث مواجهة حقيقية، فإن الأمور في بعض الأحيان لا تسير تماماً وفق ما كنت تتخيله.

في الأقل على حد علمنا، لم نر الصينيين يخضعون لهذا المستوى من التدريب والتمارين التي يمكن أن يضمن شن غزو بهذا الحجم والنطاق والضخامة. فكر في نورماندي. نشرت الولايات المتحدة وبريطانيا في نورماندي نحو 120 ألف جندي على الشاطئ، وكانتا أنزلتا ثلاث فرق محمولة جواً في الليلة السابقة، ووضعتا حوالى 120 ألف جندي على الشاطئ، أعتقد في فترة قبل الظهر أو بعده، ثم جاءت قوات تعزيزية في الأيام التالية.

إن الجيش التايواني ليس "فيرماخت" [الجيش الألماني النازي] عام 1944، ولكنه ليس ضعيفاً تماماً، فهو يتمتع ببعض القدرات. ذاك الجيش الذي تمركز في نورماندي كان شن سابقاً غزو شمال أفريقيا، وغزو صقلية، وقام بالعمليات البرمائية في إيطاليا، وتعلم من الدروس المستفادة من حوالى 100 عملية برمائية في المحيط الهادئ خلال الحرب العالمية الثانية. وكان هذا الجيش تحت قيادة قادة متمرسين وذوي خبرة يشنون هجوماً على الشاطئ وما إلى ذلك.

ولكن على رغم مستوى ذلك الجيش وقدراته الجيدة في ذلك الوقت، عام 1944، لا تنس أن أيزنهاور كان كتب في الليلة السابقة خطاب استقالته في حال الفشل. وكان ذلك الهجوم يحدث في القناة الإنجليزية، التي يبلغ عرضها 30 ميلاً (45 كلم)، أو شيئاً من هذا القبيل. أما الآن، فأنت تنظر إلى مسافة 100 ميل مع جيش لم يفعل شيئاً من هذا النوع من قبل. لكن أعتقد أن القيام بذلك وتنفيذه بنجاح، حتى ضد الجيش التايواني، الذي لا يشبه "فيرماخت" مطلقاً، يعتبر مهمة صعبة للغاية، إذ إن التضاريس أصعب بكثير وأكثر تعقيداً في تايوان مما كانت عليه في نورماندي، وأعتقد أن الصينيين يعرفون ذلك.

إذاً ماذا نفعل؟ نحن بحاجة إلى ردع الصراع المسلح. كيف نردعه؟ نحن نعلم عبر التاريخ أن طريقة الردع هي أن يكون لديك جيش قوي للغاية وقادر في مجالات متعددة، وأن تضمن أن يعرف خصمك أنك تملك تلك القدرة، وأن تلك القدرة ساحقة، وأن لديك النية لاستخدامها، وجعلت ذلك واضحاً بالنسبة إليه. لذا فإن ما يتعين علينا القيام به هو التأكد من أن الجيش الأميركي ليس أفضل بقليل فقط، بل أفضل بكثير، أفضل من الجيش الصيني بأشواط، والتأكد من أن الصينيين يعرفون ذلك وأن لدينا النية في استخدام تلك القدرات العسكرية في حال حدوث أزمة.

أعتقد أن الشيء الآخر الذي يجب أن يحدث هو أن تايوان تحتاج إلى تحسين قدراتها الدفاعية بشكل كبير وسريع. وهذا يشمل بشكل أساسي ما رأيت الأوكرانيين يفعلونه، المتمثل في أمة مجندة، فالروس لا يقاتلون الجيش الأوكراني فحسب، بل يقاتلون الشعب الأوكراني بأسره. وهناك حاجة أيضاً إلى مراجعة عقيدتك الدفاعية نوعاً ما وتطوير جيشك إلى قدرة أطلق عليها عدد من الاستراتيجيين تسمية "استراتيجية النيص" porcupine strategy [تركز هذه الاستراتيجية على تعزيز دفاعات الدولة لاستغلال نقاط ضعف العدو بدلاً من مواجهة نقاط قوته]، وهي تخبر الصينيين أنهم إذا هاجموا، فمن الممكن أن يحققوا نجاحاً محدوداً، بيد أن الثمن المتكبد سيفوق الفوائد المحصودة، وستكون كلفة الهجوم للاستيلاء على تايوان باهظة للغاية. وأعتقد أن لدينا وقتاً محدوداً نسبياً لضمان أن تتوصل حسابات الرئيس شي إلى هذا الاستنتاج، وهذا هو جوهر الردع.

دان كورتز فيلان

من الملفت أنك تبدو أكثر ثقة واطمئناناً خلال إجراء هذا الحوار مقارنة بالجو العام السائد في واشنطن. هناك حجة مفادها بأننا في نقاش السياسة الأميركية أصبحنا في حال هستيرية بعض الشيء في شأن التهديد الذي تمثله الصين. هل لديك مخاوف من أننا نبالغ في رد فعلنا ونخلق نبوءات تتحقق من تلقاء ذاتها؟ في رأيك، أين وصلنا في تقييم التحدي الذي تمثله الصين، وكيف تقيم النقاش الجاري في هذا الموضوع؟

الجنرال مارك ميلي

إنني ألجأ نوعاً ما إلى القول المأثور القديم من زمن تيدي روزفلت، وهو، "تكلم بلطف، واحمل عصا غليظة" [يعني التفاوض سلمياً ولكن التمتع في الوقت نفسه بالقوة في حال تدهور الأمور]. وأعتقد أن هذا هو الوضع الذي يجب أن نكون فيه. أعتقد أننا يجب أن نطور جيشنا ونحدثه لدرجة تجعل من الواضح تماماً بالنسبة إلى الصينيين أنهم لا يستطيعون هزيمته. هذه نقطة مهمة يجب مراعاتها. كذلك، ينبغي التأكد من أننا نقوم بكل التحركات الصحيحة، دبلوماسياً واقتصادياً، وما إلى ذلك، لطمأنة أصدقائنا وحلفائنا في المنطقة بأننا سنكون هناك، وسنساعد في ردع عدوان الجيش الصيني ومنعه.

لكنني أعتقد أننا في فترة، في نقطة محورية، في لحظة مفصلية، في ما يتعلق بما وصفته سابقاً بطابع الحرب. وما أعنيه بذلك هو أن للحرب طبيعة وطابعاً. يمكن القول إن طبيعة الحرب غير قابلة للتغيير. فالحرب هي السياسة. تنطوي تلك الحرب على الخوف والاحتكاك وعدم اليقين والحظ، هذا هو عالم طبيعة الحرب. وطالما أن البشر متورطون في الحرب، فإن تلك الأساسيات المتعلقة بطبيعة الحرب ربما تكون صحيحة. لذا يمكن القول إن طبيعة الحرب لا تتغير.

في المقابل، إن طابع الحرب يتغير بشكل متكرر. وهو يشير إلى التكتيكات، والتقنيات، والإجراءات، والتنظيم، والأسلحة، وما إلى ذلك. وهو كثيراً ما يتغير، ففي كل مرة تشهد فيها تحديثاً لبرنامج ما، يتغير طابع الحرب من الناحية الفنية بطريقة أو بأخرى. لكن طابع الحرب لا يتغير بشكل جذري إلا من حين إلى آخر. فكر في مراحل تطور العجلات، وكيف أصبح لديك عربات فجأة. فكر في وضع اللجام في فم الحصان، الذي تطور ليصبح سلاح الفرسان. فكر في حفر مسار حلزوني داخل أنبوب معدني وستنتقل من بندقية المسكيت القديمة [بندقية ذات سبطانة ملساء تلقمها من الفوهة] إلى البندقية كما نعرفها اليوم. وفي ذلك السياق، إن أكبر تغيير أساسي يستشهد به تاريخياً هو ما بين الحرب العالمية الأولى والحرب الثانية، إذ ظهرت ثلاث ابتكارات تكنولوجية، هي الطائرة، والآلة الميكانيكية، أي العربات المدرعة والمجنزرة، ومن ثم الاتصالات اللاسلكية، من خلال تقنية الراديو، التي ربطتهما [ربطت الابتكارين] معاً.

أود أن أزعم أننا في عالم اليوم نشهد التغيير الأكثر جوهرية على الإطلاق في طابع الحرب عبر التاريخ الموثق، وهو مدفوع في المقام الأول بالتكنولوجيا. إذاً ما بعض تلك الابتكارات التكنولوجية؟ حسناً، أولاً وقبل كل شيء، لديك السلاح الذكي الموجه وأجهزة استشعار منتشرة في كل مكان، تخولنا توجيه ضربات وطلقات دقيقة بعيدة المدى بدقة أكبر، وعلى مسافة أكبر، من أي وقت مضى في تاريخ البشرية. ولسنا وحدنا في ذلك، بل يمكن للروس والصينيين ودول أخرى أن يفعلوا الشيء نفسه. والآن، إضافة إلى الأسلحة البعيدة المدة والدقيقة نشهد ظهور الأسلحة الفرط صوتية. إذاً، أنت تقدم في الواقع أسلحة يمكنها السفر بسرعات لا يمكن التصدي لها حتى الآن من خلال التقنيات الدفاعية الموجودة حالياً. حصلت على بعض التغييرات الأساسية في القدرة على التصويب وإطلاق النار.

لديك أيضاً تغيير أساسي في القدرة على الرؤية. إن أي شخص يرتدي ساعة "فيتبت" [جهاز إلكتروني لتتبع اللياقة البدنية] أو ساعة مزودة بنظام "جي بي أس" أو يستعمل جهاز "آيفون"، فهذه أجهزة استشعار. كما تعلم، إنها وسيلة اتصال لمعظم الناس، وبعضها يراقب حالتك الصحية على ما أعتقد. لكن بالنسبة إلى أشخاص آخرين قد تكون جهاز استشعار، أو جهاز تعقب. لذا، لدينا القدرة على الإحساس بالوسط المحيط ورؤيته، والتقاط الإشارات نظراً إلى وجود كثير من الإشارات الإلكترونية في ذاك الوسط. نحن نملك القدرة (وليس نحن فحسب، بل الروس والصينيون وغيرهم) على رؤية هذا الوسط والشعور به بشكل لم يسبق له مثيل. يمكنك زيارة موقع "غوغل إيرث" اليوم والحصول على بيانات الخرائط ورؤية صور الأقمار الاصطناعية التي كانت متاحة قبل تقريباً خمس سنوات أو 10 سنوات للجيوش الأكثر تقدماً في العالم فقط. إذاً، فإن قدرتنا على استشعار البيئة المحيطة أصبحت مذهلة.

إن القدرة على الرؤية، والقدرة على التصويب والتسديد اليوم من مسافة بعيدة بدقة لم يسبق لها مثيل، هذين العاملين الأساسيين في حد ذاتهما يبشران بتغيير في الطابع الأساسي للحرب. ولكن علاوة على ذلك، هناك تكنولوجيا الروبوتات السريعة التطور، فنحن سبق أن بدأنا نستخدم الروبوتات، والطائرات من دون طيار، على سبيل المثال. ونقوم الآن بتجربة وتطوير المركبات البحرية غير المأهولة، سواء فوق سطح المياه أو تحته. نحن نجري تجارب على طائرات مقاتلة حديثة أو قاذفات قنابل ستكون في الأساس غير مأهولة. سترى في المستقبل أن نسبة كبيرة جداً من الشاحنات والدبابات والقوات البرية ستكون مسيرة [غير مأهولة]، إذاً فإن الروبوتات تدخل بسرعة خاطفة إلى جميع الجيوش، أسرع بكثير مما قد يعتقده الناس.

أضف إلى ذلك بعض الأمور الأخرى، وأهمها القدرة على اتخاذ القرارات بسرعة وبدقة كبيرة. لذلك "من المحتمل" أن ترى أن الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية جنباً إلى جنب مع الروبوتات، سيتحولان إلى عاملين مهيمنين في الحروب. أضف إلى ذلك مجالات الإنترنت والفضاء. هناك أشياء كثيرة تحدث تحت سطح البحر، وهناك حوالى 20 تقنية أخرى لن أتطرق إليها. لكن هناك تلاحم بين التكنولوجيات يؤدي بشكل أساسي إلى تغيير كبير في المجتمع المدني، في علاقة الإنسان بالعمل، على سبيل المثال، وعلاقتنا ببعضنا بعضاً.

وليس لدى أدنى شك في أن ذلك سيكون له تأثير كبير في سير العمليات العسكرية في المستقبل. وكما كان الحال في الماضي، فإن الدولة التي تعمل على تحسين هذه التقنيات من أجل شن الحرب، ستتمتع بتفوق حاسم في الأقل في البداية، وستحظى بميزة اتخاذ الخطوات والهجمات الأولى في الحرب المقبلة. وأنا أريد أن تكون تلك الدولة هي الولايات المتحدة.

دان كورتز فيلان

وما الذي يجب تغييره في نهجنا الاستراتيجي، وفي الطريقة التي يعمل بها الجيش الأميركي، من أجل منع الصينيين من اكتساب تلك الميزة؟

الجنرال مارك ميلي

هناك أشياء كثيرة يتعين علينا القيام بها. أحد الأمور التي نفعلها هو وضع استراتيجية واضحة للقتال الحربي. لكن في الوقت نفسه، يتعين عليك أيضاً تطوير الأذرع القتالية الحربية التي من شأنها تنفيذ هذا المفهوم. بمجرد أن تجد حلاً لهذا الأمر، يجب عليك أيضاً أن تحدد التقنيات وأنظمة الأسلحة التي ستستخدمها هذه الأذرع لتنفيذ المفهوم بنجاح. ثم عليك أن تفهم الجوانب المتعلقة بالعناصر البشرية. ما نوع الأشخاص، وإدارة المواهب، والتدريب، والمهارات، والمعرفة، والصفات التي ستكون مطلوبة من أجل تحقيق النجاح في بيئة العمل تلك؟ على سبيل المثال، يمكنني أن أقول إن بيئة العمل في المستقبل ستكون أكثر فتكاً بكثير مما شهدناه في الماضي. لماذا؟ لأنك ستحظى برؤية أوضح، وتستشعر البيئة بشكل أفضل. وستتمكن من ضربها بدقة أكبر. ويمكن ضربها على الأرجح بسرعة باستخدام سلاح فرط صوتي مثلاً.   

أعتقد أنه من المحتمل جداً أن تدور الصراعات المستقبلية في الغالب في المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية. ولماذا أقول ذلك؟ نحن نعلم أنه بحلول منتصف القرن، سيصل عدد سكان العالم إلى ما يقارب 8 مليارات. نحن نعلم أن هناك حالياً ما بين 10 أو 15 مدينة كبرى تقريباً تعرف اليوم بأنها المدن التي يزيد عدد سكانها على 10 ملايين نسمة. ونحن نعلم أنه بحلول منتصف القرن، في الأقل وفق التوقعات التي اطلعت عليها، من المحتمل أن يكون لدينا ما يقرب من 50 مدينة كبرى. فكر في سيول، على سبيل المثال، باعتبارها مدينة ضخمة، يتراوح عدد سكانها من 27 إلى 30 مليون نسمة، وتمتد بشكل أساسي من المنطقة العسكرية وصولاً إلى أولسان.

وهناك أحزمة حضرية ضخمة، على غرار شمال نيوجيرسي ونيويورك وريو دي جانيرو. هذه مدن ضخمة، وهذه هي الأماكن التي سيعيش فيها الناس. ومن المرجح أن تندلع الحرب بشكل متزايد في المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية أكثر من غيرها. منذ مئات السنين، أو ربما آلاف السنين، كانت الأماكن التي وقعت الحروب فيها، وخضعت الجيوش فيها للتحسين في سبيل خوض الحروب، هي المناطق الريفية، والصحاري، والتلال المتموجة في شمال أوروبا، وأماكن من هذا القبيل. أعتقد أن القرار في الحرب في المستقبل قد يتخذ بشكل أساسي في المناطق الحضرية ذات الكثافة السكانية العالية. لقد رأينا بعض الإعلانات الترويجية للأفلام، إذا جاز التعبير، أو بعض العروض التمهيدية لذلك، في الحروب الأخيرة. الحرب ضد تنظيم "داعش" حسمت في الرقة والموصل، على سبيل المثال.

إذاً، في أية حرب جارية، ترى المؤشرات الرئيسة للتكنولوجيا المحتملة والتكتيكات والتقنيات والإجراءات، قبل بدء تلك الحرب. وبينما ننتقل إلى العقد المقبل والعقود التي ستأتي بعده، أود أن أؤكد أن نتائج الحرب ستتقرر بشكل أساسي في المناطق الحضرية. وأظن أن الجهة التي تحسن جيشها وتكيفه للقتال في المناطق الحضرية، وتستفيد على الفور من التكنولوجيا السريعة التقدم، والجهة التي تصل إلى هناك أولاً مع أكبر قوة وقدرة، وتستغل هاتين النقطتين [تكييف الجيش وتحسين التكنولوجيا المستخدمة] كما ينبغي، هي التي ستحقق النجاح.

والشيء الأخير هو أن تحقيقك للنجاح يستلزم الصمود والبقاء على قيد الحياة. ونظراً إلى أنها ستكون بيئة مميتة للغاية، فستكون مكشوفاً بالنسبة إلى العدو. ما بعض سمات قوة المستقبل؟ من المعقول جداً أن تلك القوة ستحتاج إلى كثير من الكيانات الصغيرة، والمنظمات الصغيرة التي تكون في حال حركة مستمرة من أجل الصمود في ساحة معركة شديدة الفتك. ويجب أن تكون غير مرئي، سواء من خلال التكنولوجيا أو من خلال وسائل الاحتماء والاختباء الأساسية. لكن السرعة والحجم وكونك غير مرئي تقريباً ستكون أموراً أساسية للبقاء على قيد الحياة في ساحة المعركة المستقبلية.

وسيتعين علينا تحويل جيشنا. هذا لا يعني أننا سنتخلص من الصالح والطالح معاً، في الواقع، بعد 10 سنوات من الآن، سيبقى معنا 70 في المئة من قواتنا البحرية، و70 في المئة من القوات الجوية، و70 في المئة من الجيش. لكننا سنحتاج إلى إخضاع ما يقرب من ثلث هذه القوة إلى تحويل جذري حتى نتمكن من الاستمرار في تخطي أية صعوبة تسببها لنا روسيا أو الصين.

دان كورتز فيلان

اسمح لي أن أنهي كلامي بالرجوع إلى أبعد من ذلك. من المنظور التاريخي، أنت طالب في التاريخ، وتعلم أنه من النادر جداً أن تمر فترة طويلة تمتد لعقود من الزمن من دون حرب بين القوى العظمى. بيد أننا نجحنا في تحدي المتوقع [أي أننا بقينا فترة طويلة من دون حروب بين القوى العظمى]، ومع مرور كل عام، يبدو أن احتمالات نشوب حرب ترتفع بشكل من المفترض أن يخيف شخصاً في منصبك.

الجنرال مارك ميلي

أعتقد أنك على حق. إن جيل الحرب العالمية الثانية، آخر مجموعة من الأشخاص الذين خاضوا حرباً حقيقية بين القوى العظمى، يضمحل بسرعة كبيرة. لقد ذهبت إلى نورماندي قبل بضع سنوات، عندما كنت رئيساً لهيئة الأركان الأميركية، ورأيت رجلاً كان مظلياً من الفرقة 82 المحمولة جواً 82nd Airborne Division. كان على كرسي مدولب، وهو رجل كبير في السن. وانحنيت نحوه وتحدثت معه، وقلت، أخبرني أيها الرقيب، ما الدرس الذي تريد أن تخبر رئيس هيئة أركان الجيش به، ما الدرس الذي تعلمته من الحرب العالمية الثانية؟ واعتقدت أنه سيخبرني شيئاً عن التكتيكات أو التقدم التكتيكي السريع بأقل من ثلاث ثوان [مفهوم عسكري يرتبط بتكتيكات المشاة والوحدات الصغيرة ويشير إلى أسلوب حركة محدد يستخدم أثناء القتال من أجل تقليل التعرض لنيران العدو أثناء التقدم في ساحة المعركة]، أو عن كيفية إطلاق النار من سلاح ما أو أي شيء آخر. وامتلأت عيناه بالدموع، ونظر إلي وقال: يا جنرال، لا تسمح بحدوث ذلك مرة أخرى على الإطلاق. لا تسمح بحدوثه مجدداً.

وكان والدي يفكر بالشكل نفسه تقريباً. كان 7 آلاف جندي من مشاة البحرية لقوا حتفهم خلال 19 يوماً في جزيرة إيو جيما، حيث هبط والدي في "بلو بيتش" [شاطئ مخصص لإنزال القوات الأميركية آنذاك]. أصيب 34 ألف شخص في 19 يوماً في معركة غابة أرغون من أكتوبر (تشرين الأول) إلى نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1918، وقتل 26 ألف أميركي في المعارك بدءاً من شواطئ نورماندي [عملية "إنزال النورماندي"] وصولاً إلى ضواحي باريس. لقد قتل 26 ألف أميركي في فترة قصيرة من الزمن، وذلك حتى من دون احتساب 40 مليون مواطن سوفياتي، والمواطنين الروس الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية، و30 مليون صيني، و20 مليون ياباني، وغيرهم. أعني أنه أمر مروع. أمر لا يصدق.

لقد اندثرت تلك الذكريات من حياتنا اليومية. لم يشهد أحد يرتدي الزي العسكري في أي جيش في العالم حرباً بين القوى العظمى. وبحسب علمي، لا يوجد سياسيون في مناصبهم حالياً لديهم تجربة شخصية في هذا المجال. ويجدر بنا أن نتذكر مدى فظاعة الأمر، وضرورة أن نعيد التزامنا جميعاً بمنع مثل هذه الكارثة المروعة، وأن نحاول حل الخلافات بوسائل أخرى غير استعمال مستويات العنف المستخدمة في حرب القوى العظمى. ونحن بحاجة إلى أن نتذكر مرة أخرى الأساليب التي نجحت في الماضي، على غرار الردع، والجيوش العظيمة، والجيوش القادرة، والجيوش القوية، وجعل خصمك يشعر بقوة عزمك وإرادتك. هذه هي الأشياء التي نجحت في الماضي ومن المرجح أن تنجح في المستقبل بغض النظر عن نظام الأسلحة والتحديث.

ولكننا إذا لم نرق، نحن الولايات المتحدة، إلى مستوى هذا التحدي، فسنواجه أياماً مظلمة وستصبح الأمور صعبة للغاية في المستقبل غير البعيد. أعتقد أننا أهل لهذا التحدي. وأعتقد أن بلادنا قادرة على ذلك. وأنا واثق من أن جيشنا جاهز ويتمتع بالقدرة اللازمة، نحن الآن قديرون جداً وأقوياء ومستعدون. ولكن يتعين علينا إجراء بعض التغييرات الأساسية في ما نمضي قدماً.

دان كورتز فيلان

هذه نقطة جيدة لنختم بها. حضرة الجنرال ميلي، شكراً جزيلاً لك على هذه المقابلة.

الجنرال مارك ميلي

شكرا دان. أقدر لك ذلك.

 

مترجم عن مقابلة منشورة في "فورين أفيرز" بتاريخ 2 مايو 2023

المزيد من حوارات