Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نصيحة تدين بها أميركا لإسرائيل

لماذا يجب على واشنطن كبح جماح العمل العسكري في غزة والحفاظ على طريق للسلام؟

 جنود إسرائيليون قرب قطاع غزة أكتوبر 2023 (رويترز)

ملخص

لا يمكن للولايات المتحدة إجبار إسرائيل على التخلي عن غزو بري واسع النطاق أو الحد منه، لكن يجب على الأميركيين النظر إلى ما هو أبعد من الأزمة والضغط على نظرائهم الإسرائيليين لكي يقدموا إلى الفلسطينيين مساراً سلمياً قابلاً للتطبيق وصولاً إلى إقامة دولتهم

تعد رغبة إسرائيل في تدمير "حماس" بصورة حاسمة ونهائية رغبة مفهومة تماماً، فلقد أسفرت هجمات الحركة الإرهابية في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عن مقتل أكثر من 1300 إسرائيلي وجرح آلاف غيرهم، واحتجاز حوالى 150 رهينة، ومعظم القتلى أو الجرحى أو المختطفين كانوا من المدنيين.

كذلك أثارت الهجمات مسألة سبل ردع "حماس" عن تنفيذ هجمات مماثلة في المستقبل، لكن مجرد كون الهدف مفهوماً فإن هذا لا يعني حكماً أن السعي إلى تحقيقه هو المسار الأمثل أو حتى المستحسن، وتبدو استراتيجية إسرائيل الظاهرة معيبة على صعيد كل من الغايات والوسائل.

إن "حماس" شبكة وحركة وأيديولوجية أكثر منها منظمة، وقتل قيادتها أمر قد يكون ممكناً، لكن كيانها، أو شيء من هذا القبيل، فهو سيبقى.

بدأت إسرائيل تنفذ غارات جوية على غزة، وهناك قدر كبير من الأدلة على أنها تستعد لغزو بري واسع النطاق، وهذا يضع واشنطن في موقف صعب.

إدارة بايدن محقة في دعمها لحق إسرائيل في الانتقام، لكن لا يزال يتعين عليها محاولة تحديد طبيعة هذا الانتقام، ولا يمكن للولايات المتحدة إجبار إسرائيل على التخلي عن غزو بري واسع النطاق أو الحد منه مباشرة بعد شنه، لكن يمكن لواضعي السياسات الأميركيين المحاولة ويجب عليهم ذلك، ويجب عليهم أيضاً اتخاذ خطوات للحد من فرص اتساع الحرب. ويتعين عليهم أن ينظروا إلى ما هو أبعد من الأزمة وأن يضغطوا على نظرائهم الإسرائيليين لكي يقدموا إلى الفلسطينيين مساراً سلمياً قابلاً للتطبيق وصولاً إلى إقامة دولتهم.

لا تعتمد حجة مصلحة عمل الولايات المتحدة على تشكيل استجابة إسرائيل للأزمة وتداعياتها على مجرد الحقيقة القائلة بأن المشورة الجيدة وإن كانت قاسية هي ما يدين به الأصدقاء لبعضهم بعضاً، فلدى الولايات المتحدة مصالح في الشرق الأوسط وما وراءه ولن يخدمها غزو واحتلال إسرائيليان لغزة، ولا سياسات إسرائيلية بعيدة الأجل لا تقدم أي أمل إلى الفلسطينيين الذين يرفضون العنف، ومن المؤكد أن سعياً أميركياً كهذا سيؤدي إلى محادثات صعبة وعمل سياسي صعب. لكن البديل، وهو حرب أوسع واستمرار للوضع الراهن غير المستدام إلى أجل غير مسمى، سيكون أكثر صعوبة وخطورة.

الغايات والوسائل

النقطة الأولى ضد غزو واسع النطاق هي أن كلفه ستفوق بالتأكيد أي منافع، ولا توفر "حماس" أهدافاً عسكرية واضحة وجيدة لأنها رسخت بنيتها التحتية العسكرية بعمق في المناطق المدنية داخل غزة، وستتطلب محاولة تدمير هذه الأهداف هجوماً واسع النطاق في بيئة حضرية مكتظة بالسكان، الأمر الذي سيثبت أنه مكلف لإسرائيل ويؤدي إلى سقوط ضحايا مدنيين في تطور من شأنه أن يولد الدعم لـ "حماس" في صفوف الفلسطينيين، وستتكبد إسرائيل أيضاً خسائر بشرية فادحة، ويمكن اختطاف جنود إضافيين.

وإذا كان من تشبيه تاريخي فهو أقرب إلى تجربة الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق منه إلى ما أنجزته إسرائيل في حربي عامي 1967 و1973، ومن شأن استخدام القوة الهائلة ضد غزة (بدلاً من العمل الأكثر استهدافاً الموجه ضد "حماس") أن يثير أيضاً احتجاجاً دولياً، وسيتوقف التطبيع الإضافي مع الحكومات العربية وفي مقدمها حكومة السعودية، وستعلق علاقات إسرائيل الحالية مع جيرانها العرب أو ربما ستلغى حتى.

كذلك يمكن للقيام بمهمة عسكرية كبيرة وبعيدة الأجل أن يؤدي إلى حرب إقليمية أوسع نطاقاً، تندلع إما بسبب قرار مدروس من حزب الله (بتحريض من إيران) بإطلاق صواريخ على إسرائيل، أو بسبب اندلاع أعمال عنف عفوية في الضفة الغربية تستهدف الإسرائيليين أو الحكومات العربية (ولا سيما حكومتي الأردن ومصر) التي تعيش في سلام منذ وقت طويل مع إسرائيل.

وحتى لو سحقت إسرائيل "حماس"، فماذا سيتبع ذلك؟

لا توجد سلطة بديلة متاحة لتحل محلها، وتفتقر السلطة الفلسطينية التي تشرف على الضفة الغربية إلى الشرعية والقدرة والمكانة في غزة، وما من حكومة عربية مستعدة للتدخل وتحمل مسؤولية غزة، وسرعان ما ستظهر "حماس" أو نسخة طبق الأصل عنها، كما حدث بعد انسحاب إسرائيل من غزة عام 2005.

 يتعين على إدارة بايدن محاولة تشكيل كيفية تكشف الانتقام الإسرائيلي.

 

لا شيء من هذا يعني أن إسرائيل يجب ألا تقوم بعمل ضد "حماس"، وعلى العكس يجب عليها أن تفعل.

ومثل أي بلد تتمتع إسرائيل بالحق في الدفاع عن النفس، والذي يخولها ضرب الإرهابيين الذين هاجموها أو يستعدون لمهاجمتها أينما كانوا، إضافة إلى ذلك يجب على إسرائيل أن تظهر الثمن الذي سيدفعه أولئك الذين يشنون هجمات مروعة كهذه، ومع ذلك تعد كيفية الرد على هجمات "حماس" مسألة منفصلة. ثمة خيار مختلف يتمثل في تجنب غزو واحتلال واسعي النطاق لغزة والقيام بدلاً من ذلك بضربات موجهة ضد قادة "حماس" ومقاتليها، وستتدهور إمكانات "حماس" العسكرية، وستبقى الخسائر العسكرية الإسرائيلية والمدنية الفلسطينية على حد سواء عند الحد الأدنى.

ويجب على إسرائيل أيضاً إعادة تأسيس قدراتها العسكرية على طول حدودها مع غزة، وهو ما من شأنه أن يساعد في استعادة الردع وجعل الهجمات الإرهابية المستقبلية أقل احتمالاً.

لقد حظيت إدارة بايدن بتأييد ودعم كبيرين من كل من الحكومة الإسرائيلية والشعب الإسرائيلي عقب الخطاب الاستثنائي الذي ألقاه الرئيس جو بايدن في الـ 10 من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري وزيارة وزير الخارجية أنتوني بلينكن إلى إسرائيل الأسبوع الماضي وقرار تزويد إسرائيل بما تحتاج إليه عسكرياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ماريو كومو الذي شغل منصب حاكم نيويورك لاحظ قائلاً ذات مرة أن السياسي ينفذ حملة بالشعر لكنه يحكم بالنثر [أي أن السياسيين غالباً ما يستخدمون لغة بليغة ومثالية خلال حملاتهم الانتخابية وهو هنا ’ الشعر’ لكن وبمجرد وصولهم إلى مناصبهم يتعين عليهم استخدام أساليب أكثر وضوحاً وواقعية وهو هنا ’النثر’].

كان خطاب بايدن شعراً، لكن الوقت قد حان للنثر ومن الأفضل تقديمه سراً، ويجب على الولايات المتحدة وإسرائيل معاً أن تسعيا إلى تجنب نتيجة تنطوي على الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار وسط إدانة واسعة إقليمياً وعالمياً، ويمكن للحكومات العربية، بما في ذلك حكومة المملكة العربية السعودية، أن تعزز هذه الرسالة وكذلك أن تساعد في تسهيل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وإرسال إشارة إلى إسرائيل بأن التطبيع يمكن أن يستمر بعد انتهاء الحرب إذا اعتبرت تصرفات إسرائيل مسؤولة.

احتواء الحرب

ويجب أن يكون الهدف الأميركي الثاني هو عدم التشجيع على أي توسيع للحرب، والخطر الأكبر هو "حزب الله" الذي يمتلك حوالى 150 ألف صاروخ يمكن أن تضرب إسرائيل إذا ما دخل المعركة، ومرة أخرى تتلخص أفضل طريقة لتحقيق ذلك في إقناع إسرائيل بالامتناع من القيام بعمل كبير سيعتبر على نطاق واسع عشوائياً، لأن عملاً كهذا يمكن أن يولد ضغطاً وذريعة لـ "حزب الله" للتحرك.

ولا تملك الولايات المتحدة سوى قدرة محدودة على إبعاد "حزب الله"، وكذلك إسرائيل، كما يرينا التاريخ، لا تملك خيارات جيدة في لبنان، لكن واشنطن يمكن أن تساعد في هذا المجال من خلال إبلاغ إيران بأنها ستحاسب على أفعال "حزب الله"، وسيتطلب ذلك أن تشير الولايات المتحدة إلى أنها مستعدة لإلحاق الأذى بإيران إذا ما هاجم "حزب الله" إسرائيل، مثلاً، من خلال خفض صادرات النفط الإيرانية (تبلغ الآن حوالى مليوني برميل يومياً)، وبما أن كثيراً من هذا النفط ينتهي في الصين فيجب على واضعي السياسات الأميركيين النظر في إفهام نظرائهم الصينيين أن واشنطن مستعدة لوقف كثير من هذه التجارة من خلال فرض عقوبات على أولئك الذين يستوردون النفط الإيراني أو إذا لزم الأمر من طريق مهاجمة منشآت إنتاج أو تكرير إيرانية مختارة، وقد تكون بكين مستعدة لاستخدام نفوذها مع إيران، لأن آخر ما يحتاج إليه الاقتصاد الصيني المضطرب هو ارتفاع كلف الطاقة، ويجب على واشنطن أيضاً تعليق أي تخفيف إضافي للعقوبات إلى أجل غير مسمى، وإعادة التأكيد على حدود تسامحها عندما يتعلق الأمر ببرنامج إيران النووي.

وتشير التقارير حتى الآن إلى أن إيران قدمت دعماً استراتيجياً وليس تكتيكياً إلى "حماس"، أي أنها دربت "حماس" وموّلتها وسلحتها على مر الأعوام، لكن لا توجد حتى الآن معلومات استخبارية تشير إلى أنها صممت هذه العملية أو أمرت بها، وعلى مدى عقود لم تشمل سياسات الولايات المتحدة على التمييز بين الإرهابيين وأولئك الذين يدعمونهم بالملاذ أو الأسلحة أو المال، وإذا ثبت أن إيران كانت طرفاً نشطاً في هجمات "حماس" فسيتعين على واشنطن النظر في اتخاذ مزيد من الإجراءات الاقتصادية أو حتى العسكرية ضد إيران.

انعدام حل الدولة الواحدة

إذا ما انقشع الغبار وحينها فقط ستكون هناك حاجة إلى دبلوماسية أميركية مستدامة بهدف إحياء حل الدولتين، ويجب على واضعي السياسات الأميركيين توجيه نظرائهم الإسرائيليين إلى دروس إيرلندا الشمالية، إذ كان للاستراتيجية البريطانية في تسعينيات القرن الـ 20 مسارين، على أحدهما، ركزت السياسات البريطانية على إقامة وجود أمني كبير واعتقال أفراد من الجيش الجمهوري الأيرلندي الموقت وغيره من الجماعات شبه العسكرية أو قتلهم، كان الهدف البريطاني هو الإشارة إلى أن العنف سيفشل وأن الجيش الجمهوري الأيرلندي لا يمكنه شق طريقه إلى السلطة بالعنف.

لكن المسار الثاني كان المسار المسؤول عن النجاح النهائي للسياسات البريطانية، وهو بلغ ذروته في "اتفاق الجمعة العظيمة" أو "اتفاق بلفاست" عام 1998 الذي أنهى فعلياً ثلاثة عقود من العنف المعروف باسم "الاضطرابات".

وأعطى هذا المسار قادة الجيش الجمهوري الإيرلندي الفرصة للمشاركة في مفاوضات جادة وعدت بجلب بعض ما سعوا إليه إذا تجنبوا العنف، وأوضحت السياسات البريطانية لهم أنهم سيحققون على طاولة المفاوضات أكثر مما سيحققونه في ساحة المعركة.

وليس المقصود من هذا التشبيه الإيحاء بأن العودة للمفاوضات الجادة لإنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني ممكنة الآن أو حتى قريباً، ذلك أن الظروف اللازمة لجعل الوضع ناضجاً للدبلوماسية غائبة في شكل صارخ، ولقد جعلت "حماس" من نفسها طرفاً غير مقبول في أية عملية سياسية، ولا يملك أي كيان فلسطيني آخر النفوذ السياسي اللازم للتفاوض، وهذا للمفارقة ما تملكه "حماس" وإن كان ذلك في غياب أي استعداد لاستخدامه.

 حتى لو سحقت إسرائيل "حماس" ماذا سيتبع ذلك؟

 

وتعد السلطة الفلسطينية ضعيفة للغاية ولا تحظى بشعبية حتى قادة السلطة الفلسطينية الأقوى، مثل ياسر عرفات، ترددوا أمام فرصة السلام عندما كان المعروض عليهم أكثر بكثير مقارنة بالآن، ولا يظهر قادة إسرائيل استعداداً للتفاوض بجدية.

قبل هجمات "حماس" تبنت حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو سياسات قوضت فرصة التفاوض بحسن نية وحكومة الوحدة الوطنية الجديدة بقيادته موجودة لشن الحرب، وليس للتفاوض على السلام، وستكون هناك حاجة إلى حكومة جديدة بتفويض جديد للتفاوض على السلام، ومع ذلك إذا قيّض لمحاولة التفاوض في الأجل القريب أن تكون غير مجدية أو أسوأ من ذلك فلا يزال يتعين على الدبلوماسية الأميركية أن تبدأ العمل على بناء سياق للتفاوض.

ولا يزال من الضروري وجود مسار سياسي يشمل إسرائيل والفلسطينيين، فمن دونه سيكون من الصعب إجراء مزيد من التطبيع بين إسرائيل وجيرانها العرب، لأن السعودية من المرجح الآن أكثر من ذي قبل أن تشترط للتطبيع سياسات إسرائيلية موجهة إلى الفلسطينيين، والأهم من ذلك أنه لا يمكن لإسرائيل أن تظل دولة آمنة ومزدهرة وديمقراطية ويهودية ما لم تكن هناك قبل مرور فترة أطول مما ينبغي دولة فلسطينية إلى جانبها، ذلك أن استمرار الوضع الراهن إلى أجل غير مسمى ما يمكن تسميته اللاحل للدولة الواحدة يهدد هذه السمات كلها.

ويجب على الولايات المتحدة أن تحض إسرائيل أولاً في السر، ثم في العلن إذا لزم الأمر، على توجيه سياساتها حول بناء السياق لظهور شريك فلسطيني موثوق مع مرور الوقت، وعلى النقيض من ذلك بدت السياسات الإسرائيلية خلال الأعوام الأخيرة عازمة على تقويض السلطة الفلسطينية حتى تتمكن من القول بعدم وجود شريك للسلام، ويجب أن يكون الهدف هو إثبات أن ما تقدمه "حماس" لن يقود إلا إلى طريق مسدود، لكن أيضاً، وبالقدر نفسه من الأهمية، أن هناك بديلاً أفضل لأولئك الذين يرغبون في رفض العنف وقبول إسرائيل، وهذا يعني وضع قيود صارمة على النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية وصياغة مبادئ الوضع النهائي التي من شأنها أن تشمل دولة فلسطينية، وتحديد شروط صارمة لكن مع ذلك معقولة يمكن للفلسطينيين الوفاء بها لتحقيق هذا الهدف.

وسيتطلب الوصول إلى هناك استعداداً من جانب واشنطن للقيام بدور نشط في العملية والتعبير عن وجهات النظر الأميركية علناً، حتى لو كان ذلك يعني إبعاد الولايات المتحدة من السياسات الإسرائيلية، وسيحتاج المسؤولون الأميركيون إلى التحدث مباشرة وبصدق إلى نظرائهم الإسرائيليين، ومن الغريب أن إدارة بايدن كانت أكثر قوة في الرد على الإصلاح القضائي الإسرائيلي ومسائل العمل السياسي الداخلي من رد فعلها على نهج إسرائيل تجاه المسألة الفلسطينية، لكنها تحتاج إلى إجراء نوع من المحادثات مع إسرائيل لا يمكن أن تجريها سوى الولايات المتحدة، أقرب شريك لإسرائيل.

وبقدر ما كان الإصلاح  [التعديل[ القضائي المقترح ولا يزال تهديداً كبيراً للديمقراطية في إسرائيل، كشفت أحداث الأسبوع الماضي أن المسألة الفلسطينية التي لم تحل بعد تشكل تهديداً أكبر بكثير.

* ريتشارد هاس هو الرئيس الفخري لمجلس العلاقات الخارجية

مترجم عن "فورين أفيرز" 15 أكتوبر (تشرين أول) 2023

المزيد من آراء