Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

منتدى أصيلة يبحث في علاقة الرواية بالبعد البصري

روائيون ونقاد عرب يناقشون الروابط بين السرد والسينما والتشكيل والفنون المشهدية

محمد بنعيسى في مهرجان أصيلة 2023 (موقع المهرجان)

عاد منتدى أصيلة الدولي في دورته الخامسة والأربعين إلى الرواية، بعد أن خصص الندوة الثقافية الكبرى في الدورة السابقة للشعر في بلدان الجنوب. وعزا رئيس المنتدى محمد بنعيسى هذا الخيار إلى كون الرواية هي الخطاب الأدبي الأكثر حضورا في حياتنا الراهنة. وأشار أيضا إلى أن الاهتمام بالرواية اليوم راجع إلى قلة الشعر، وإن كان هذا المنطلق يطرح الكثير من الأسئلة الإشكالية. فربما يرى كثيرون أن هذه القلة إن كانت بالفعل واردة، فهي تحتاج بالمقابل إلى المزيد من الاهتمام بهذا الجنس الأدبي، لا غضّ الطرف عنه في التظاهرات الثقافية الكبرى. وإن كانت ندوة أصيلة قد فتحت نقاشاً عميقاً العام الماضي حول راهن الشعر في بلدان الجنوب، سواء في العالم العربي أو أفريقيا أو أميركا الجنوبية، ودعت إليه أسماء بارزة من الشعراء والنقاد في هذه البلدان، فإن مثل هذا الحدث الثقافي صار نادراً في حياتنا العربية. فاللافت أن النقاش حول الشعر قد تراجع كثيراً في العالم العربي، بعد أن كان محتدماً مع الأجيال الأولى للحداثة بدءاً من الخمسينيات إلى نهاية القرن الماضي.

اختار منتدى أصيلة أن يفتح النقاش في دورته الجديدة (من 6 إلى 26 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري) حول علاقة الرواية بالخطاب البصري، وخصص لهذا الموضوع أربع جلسات نقدية وقرائية، على مدار يومي الجمعة والسبت الأخيرين، شارك فيها نخبة من الروائيين والنقّاد في العالم العربي: محمد الأشعري، إنعام كجه جي، حبيب عبد الرب سروري، سعيد يقطين، رشيد الضعيف، حسونة المصباحي، مي التلمساني، علوية صبح، محمد الهرادي، فواز حداد، ليانة بدر، طارق الطيب، مبارك ربيع، إيمان يحيى سيد إسماعيل، كاتيا غصن، حسن بحراوي، رشيد الخيون، أماني فؤاد عبد الحكيم جاد الله، طارق الطيب ومعجب سعيد العدواني.

افتتح الناقد المغربي شرف الدين ماجدولين الندوة، بصفته منسقاً لها، بفكرة مفادها أن كل نص روائي لديه اشتغال بصري ما، وأن الروائيين غالباً ما يفكرون في ما بعد خطابهم اللفظي، من أجل تحويله إلى عمل فني مرئي، سواء أمام الكاميرا أو على خشبة المسرح. وانطلق بنعيسى من تجربته في أميركا ليؤكد أن الخطاب الروائي المعاصر في الغرب يعتمد بشكل كبير على المادة البصرية، وعلى التصوير بمختلف تقنياته وزواياه من أجل نقل التفاصيل والأحداث للقارئ.

العلاقة بين الأدب والفن البصري

وتساءل الروائي والشاعر محمد الأشعري إن كانت اللغة والبناء والرؤية تتفاعل وتتأثر بالنظام البصري المحيط بها، مؤكداً أن تلقي المنجز البصري في العالم العربي، كان في لحظات نادرة، محط نقاش وتأمل وتحليل وتفكير وحوار مشترك. وعاد الأشعري إلى التراث المحلي متعقباً حضور الثقافة البصرية، عبر المعمار والزخرف والنسيج والطرز والحلي والوشم والكاليغرافيا. وتوقف عند تجربة مجلة "الإشارة" التي أسسها كتّاب وتشيكيليون، وكان رهانها هو تقريب المسافة بين الكتابة الأدبية والتشكيل. وكان يقف وراءها الروائي والناقد محمد برادة والرسام محمد المليحي فضلاً عن محمد الأشعري. واللافت أن هذه التجربة تزامنت مع أزمة هوية للأعمال المغربية في ميدان التشكيل. وكان السؤال الجوهري في تلك المرحلة هو إن كانت هذه الأعمال الفنية الحديثة التي تُنجز بأدوات وتقنيات غربية قادرة على ترسيخ جذورها في مجتمع عربي.  

عاد الأشعري إلى مرحلة السبعينيات والثمانينيات، حين كان هناك نقاش حام حول العلاقة بين الأدب والتشكيل، تراجع في مطلع التسعينيات مع صعود ما سماه "الفقاعة التجارية" في عالم الرسم، وحصل بين الحقلين انفصام شبهه الروائي المغربي بالانفصام الحاصل الآن بين الروائيين والسينمائيين. فالسينمائيون في الغالب لا يقرأون الرواية، والروائيون بالمقابل لا يذهبون إلى السينما. يخلص الأشعري إلى أن هذا الانفصام أسهم في تراكم نصوص روائية فقيرة بصرياً.

انطلق الروائي اللبناني رشيد الضعيف من تجربته الشخصية، فقد طلب منه عدد من المخرجين كتابة سيناريوهات لأفلامهم، خصوصا أنهم يرون أن أعمالهم الروائية غنية بالمادة البصرية، ومؤهلة إلى أن تتحول إلى أعمال سينمائية. كان الضعيف يقابل هذه المطالب بالرفض، مما يضطر المخرجين، حسب مداخلته، إلى تكليف كتّاب سيناريو بتحويل رواياته إلى مادة قابلة للتشخيص.

وعاد الضعيف إلى روايته "فسحة مستهدفة بين النعاس والنوم" التي صدرت في الثمانينيات، وتمت ترجمتها إلى الفرنسية، قبل أن يعمل مخرج سويسري على تحويلها إلى فيلم تلفزيوني، بعد أن كلّف من يكتب لها سيناريو، بعد رفض الضعيف القيام بهذه المهمة. واعترف، في ندوة أصيلة، بأن موقفه يستند إلى نصيحة قدمها له المخرج الراحل يعقوب الشدراوي الذي كان يقول له: "أنت قمت بعملك، اترك الآخرين يقومون بعملهم". وعبّر الضعيف عن تقديره لكل مخرج يستطيع أن يصيب عصب أوعمق العمل الأدبي، ويصل إلى النواة التي تشكل منها.

وتوقف الروائي اللبناني عند تجربته مع المخرج بهيج حجيج الذي اشتغل على روايته الأولى "المستبد" التي تناولت موضوعة الحرب في لبنان، وتجربته مع المخرجة رندة الشهال التي استثمر ملاحظاتها وتصوراتها ونقاشاتهما المشتركة في كتابة روايته "تقنيات البؤس"، لكونه لم يوظف في هذا العمل الأدبي أي فعل أو جملة غير قابلة للتصوير. بالتالي كانت المساحات البصرية شاسعة في هذه الرواية، فضلا عن اعتماد تقنية الحوار من أجل التعبير عن المشاعر. سرد الضعيف أيضا تجربة تحويل أحد نصوصه المسرحية إلى عمل سينمائي، وما واكب ذلك من صعوبات نقل النص الأدبي إلى خشبة المسرح، ثم إنزاله ووضعه أمام كاميرا المخرج.

 السينما وقارئ الرواية

ناقشت الروائية والناقدة المصرية مي التلمساني مسألة اقتباس السينما من الأدب، وما تفرضه تراتبية إعداد فيلم بعد كتابة نص أدبي. وحاولت أن تشرح مفهوم العلاقة بين الأدب والفنون البصرية. وتوقفت عند أعمال أدبية قديمة لا يمكن قراءتها بعيداً عن امتداداتها البصرية اليوم. واستشهدت على ذلك بنص "هاملت" لشكسبير الذي لا يمكن قراءته اليوم بمعزل عن أداء الممثل لورنس أوليفييه في الفيلم الذي أنتج عام 1948، و"بؤساء" فيكتور هوغو التي يصعب أثناء قراءتها التخلص من ملامح الممثل جان غابان في الفيلم الفرنسي الذي صدر سنة 1957، و"ثلاثية" نجيب محفوظ من دون استحضار وجه يحيى شاهين في دور سي السيد. وحاولت بذلك أن تبرهن على ما تفرضه العلاقة بين الأدب والسينما لدى المتلقي من تلاقح وتفاعل.

وعادت التلمساني إلى عدد من نصوصها الروائية والقصصية، للتمثيل على وعيها بطبيعة العلاقة المفترضة بين الأدب والخطابات البصرية الأخرى، مؤكدة أنها علاقة حوار لا صراع بالضرورة، وأنها ليست علاقة ثنائية الأطراف، بل تتشكل من شبكة من الخيوط، تتجاوز النص الأدبي وتنفتح على خطابات جمالية مختلفة.

توقف الروائي اليمني حبيب عبد الرب سروري عند حاسة البصر لدى الروائي، وما تقتضيه منه من يقظة وتعدد العدسات من أجل التقاط المشاعر الدفينة لدى الشخصيات. وأكد  أهمية المشاهد البصرية في الرواية الحديثة. وخصص سروري مداخلته لما سماه "المشهد البصري الميتافيزيقي"، أي الذي لا يتوقف عن نقل تفصيل مرئي معين، بل يدعو إلى قراءة ما وراءه. وهذا حسب سروري، يتطلب الكثير من الإبداع والاشتغال، لأنه يروم التأثير في المتلقي، بل قلب سلوكه كليّة، أو ما سماه "الربط بين البصر والبصيرة". ومن أجل تقديم نماذج على هذا النوع من المشاهد البصرية عاد سروري إلى مقاطع من روايتين له، هما "وحي" الصادرة قبل خمس سنوات و"نزوح" التي ستصدر قريبا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واختارت الروائية العراقية إنعام كجه جي أن تعود إلى عملها الأول، الذي كان عبارة عن سيرة روائية للرسامة البريطانية لورنا هيلز زوجة التشكيلي العراقي جواد سليم، صاحب نصب "الحرية" في ساحة التحرير ببغداد. وتوخت من هذه العودة البرهنة على كيفية احتفاء النص الأدبي بالثقافة البصرية، انطلاقاً من مرويات ومرئيات للفنانة التشكيلية لورنا هيلز. وتحدثت إنعام عن صورة غلاف روايتها "النبيذة" وامتداد هذه الصورة في الرواية. فقد اختارت أن يكون الغلاف لصورة فنية حقيقية لامرأة شبه عارية كانت ترأس تحرير إحدى المجلات خلال الأربعينيات في العراق، واستثمرت سيرة هذه المرأة في عملها الروائي. توقفت إنعام كجه جي أيضا عند حضور الثقافة البصرية العراقية في رواياتها، عبر نقل تجارب حياتية واقعية لفنانين تشكيليين عراقيين وتوظيفها في رواياتها، بعد مزج الواقع بالمتخيل.

يشار إلى أن جائزة محمد زفزاف للرواية، التي يمنحها منتدى أصيلة كل دورة لاسم عربي راكم حضوراً واشتغل على تجربته لفترة طويلة، كانت هذه السنة من نصيب الروائي اللبناني رشيد الضعيف. واستلم صاحب "عودة الألماني إلى رشده" تذكار الجائزة من محمد بنعيسى رئيس المنتدى، عقب ندوة احتفائية خصصت للحديث عن تجربته.

وقد فاز بجائزة محمد زفزاف للرواية في الدورة الأولى السوادني الطيب صالح، وعادت في دورات لاحقة إلى ابراهيم الكوني ومبارك ربيع وحنا مينة وسحر خليفة وحسونة المصباحي وأحمد المديني.

 

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة