Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الفعاليات الفنية في زمن الحرب بين المنع والإتاحة

نقاد يؤكدون أهمية إلغائها لمواكبة المزاج العام وآخرون يشددون على إقامتها لدعم الوعي المجتمعي

المهرجانات المصرية تؤجل إلى مواعيد لاحقة قبل أن تتخذ إداراتها تباعاً قرار التأجيل إلى أجل غير مسمى (مواقع التواصل)

ملخص

لماذا تتاثر الفنون بالحروب؟

ما إن بدأت الحرب في غزة حتى سارع عدد من الدول العربية إلى إلغاء الفعاليات الفنية من مهرجانات سينمائية وحفلات غنائية.

كانت الكويت سباقة فألغت كل الفعاليات الفنية، أما في مصر فكانت المهرجانات تؤجل إلى مواعيد لاحقة، قبل أن تتخذ إداراتها تباعاً قرار التأجيل إلى أجل غير مسمى، وهو الوجه الآخر للإلغاء.

وفي دبي، كان إلغاء الحفلات فردياً، إما من الجهات المنظمة أو من الفنانين أنفسهم، وكذلك في الأردن وسلطنة عمان ألغيت فعاليات فنية، بينما لبنان تم تأجيل كل المسرحيات التي كان مقرر عرضها في الفترة الماضية.

مجزرة المستشفى المعمداني كانت الحد الفاصل الذي دفع القائمون على الفعاليات الفنية إلى إلغائها، مع مزاجٍ شعبي حانق يتألم، ومع مشهد عامٍ قاتم لما ستكون عليه الأحداث في غزة، وفي المنطقة عموماً.

إلغاء الحفلات

يعتقد البعض أن الحفلات في زمن الحروب أشبه بالرقص على جثث الموتى، بينما يعتبرها البعض الآخر فعل حياة وتحدٍ لآلة الموت، خصوصاً في حروب الاستنزاف، عندما تصبح أخبار المعارك تفاصيل يومية والضحايا مجرد أرقام.

فنانون فضلوا تأجيل حفلاتهم، وآخرون فرض عليهم التأجيل، أما البعض فلم يتمكن من تحرير نفسه من بنود جزائية ففضل الغناء محرجاً في زمن الحرب والدماء لا تزال تسيل، والبعض لم يحرجه مشهد الغناء على أصوات المدافع، مبرراً الأمر بأن الغناء صنعته وحرفته وأن أياً منا لم يترك مهنته.

فأين الخطأ والصواب؟ وهل ثمة خطأ وصواب أصلاً؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه وجهات نظرٍ تختلف وتلتقي؟

مزاج عام

الإعلامية والناقدة اللبنانية إيمان إبراهيم تقول إن "الفن في معظم أشكاله نوع من أنواع الرفاهية، يتأثر حتماً بالمزاج العام الذي هو اليوم في مكانٍ آخر، حيث لا صوت يعلو على صوت أنين الأطفال في غزة".

وتتابع إبراهيم "في لبنان نعيش اليوم أجواء حربٍ إقليمية ربما تندلع أو لا، لكن الخوف والقلق كبيران، وعندما يسيطران يصبح الفن رفاهية يسُتغنى عنها في زمن يبحث فيه الناس عن تأمين أبسط مستلزماتهم قبل حرب محتملة".

وعن الفنانين الذين يحيون حفلاتهم في هذه الأجواء تقول الناقدة الفنية "لنسلم جدلاً أن الفنان مرتبط بعقود وبنود جزائية، وهو مرغم على الالتزام بالغناء في حفل تم الإعداد له منذ أشهر، ماذا عن الجمهور؟ أين مزاج الناس؟ هل سيكون الناس على استعداد للاحتفال على أرض تهتز وبركان على وشك الانفجار؟".

وعن الحفلات التي تقام في بلاد الاغتراب البعيدة من أجواء التشنج تقول إبراهيم "لا نعرف كيف يفكر الناس هناك وما إذا كانوا يعيشون تفاصيل المأساة مثلنا، لكن بالتأكيد هم بعيدون من مناطق التوتر، وبعضهم اشترى تذاكر الحفلات منذ أسابيع، يشعرهم الفنان القادم من أرض الوطن بأنهم عادوا إليه، الوضع هناك مختلف، وهذا ما لمسناه من حفل إليسا في ألمانيا، حيث بيعت كل التذاكر قبل أسابيع، وكان الجمهور سعيداً بها، على رغم أنها هوجمت بشدة لغنائها في هذه الظروف".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعما إذا كان الأجدى بالمطربين إلغاء حفلاتهم في هذه الظروف تقول إيمان "الفنان ملتزم بعقود وبنود جزائية هذا أمر معروف، لذا إذا لم يكن ثمة اتفاق مع الجهة المنظمة، يصبح اتخاذ القرار من قبل الفنان نفسه في غاية الصعوبة، وهذا ما حصل في مهرجان الغناء بالفصحى الذي أقيم قبل أيام في الرياض، ففي حفلة واحدة شارك الفنان محمد ثروت الذي تبرع بأجره لأهل غزة، والفنان وائل كفوري الذي التزم الصمت، قد يكون تبرع بأجره وأكثر لا نعرف، لكن ما نعرفه أنه لم يعلق على الأحداث الجارية الأمر الذي عرضه لهجوم شديد".

حكم النوايا

وعما إذا كان الفنانون مرتبطين فعلاً بالقضية أم أنهم يتاجرون بها لكسب تعاطف الجمهور أضافت الإعلامية اللبنانية "الحكم على النوايا جائر، لكن من المؤكد أن الكثير من الفنانين اليوم غير مرتبطين بأي قضية، يعيشون في أبراجٍ عاجية، يصعب معها تصديق أنهم يتابعون ما يجري حولهم، باستثناء الظروف العصيبة مثل هذه التي نعيشها اليوم، مهما كان الفنان منفصلاً عن الواقع، لا يمكن لهذه المأساة إلا أن تهزه في الصميم".

وعن تأثير الحرب على المزاج العام أوضحت إبراهيم "عندما تطول الحرب وتتحول إلى استنزاف، يعود الناس إلى ممارسة حياتهم الطبيعية باستثناء الواقعين تحت خط النار، هكذا تجري الأمور دائماً، غداً عندما تنتهي الحرب سيلبس أهل الضحايا السواد، أما الناس البعيدين من مرمى النيران فسيقبلون بنهم على الحفلات والمسلسلات والأغاني كنوعٍ من التعويض النفسي لمدى الأذى الذي ألم بهم جراء مشاهد القتل"، لافتة إلى أن "بعض مظاهر الرقص علاج وبعض الغناء شفاء لكن بالطبع ليس في زمن المجازر وإن كان لكل شخص طريقته في التعبير".

نظرة سطحية

الناقد الفني المصري أحمد السماحي له رأي مختلف حيث يرى أن سبب تأجيل الحفلات والمهرجانات الفنية يرجع إلى نظرة المسؤولين السطحية لدور الفنون وتأثيره في الشعوب، وأنه عبارة عن ترفيه وأزياء وماكياج صارخ وتسريحة شعر حديثة ليس أكثر، مشيراً إلى أنهم يعتبرون المهرجانات والحفلات عورة لا بد أن تختبئ وقت المحن حتى لا يراها أحد.

وقال السماحي إن ما ساعد ذلك أن معظم النجوم الحاليين محدودي الثقافة وليس لدى أغلبهم وعي أو رسالة ولا حتى إيمان بأهمية الفن، بل ينظرون إليه من ناحية المردود المادي لتوفير احتياجاتهم، وانتقلت هذه النظرة إلى الجمهور، ولهذا بدأ مهاجمة أي مطرب يحيي الحفلات أو يشارك في فعالية فنية.

وأضاف الناقد الفني "ما يحدث حالياً من إلغاء الفعاليات يدل على عدم وعي المعنيين والنجوم بأهمية دور الفن في مثل هذه الظروف الصعبة عكس ما كان يحدث في الماضي، إذ كان الفن يلعب دوراً هاماً من خلال نجومه الذين كانوا يحييون الحفلات ويضعون أنفسهم في خدمة الوطن مثل الدور الذي لعبته أم كلثوم بعد نكسة يونيو (حزيران) 1967 من خلال تقديم حفلات غنائية لمساعدة الجيش المصري، وحينها بادرت إلى تكوين هيئة التجمع الوطني للمرأة المصرية التي كان من بين أعضائها نجوم مثل تحية كاريوكا ونادية لطفي وفايدة كامل وسعاد حسني وغيرهن، وهي الهيئة التي تراوح نشاطها ما بين زيارة الجنود المصابين في المستشفيات والترفيه عنهم وجمع التبرعات والدعوة إلى ترشيد الاستهلاك ومحاربة الإشاعات وأخيراً التواصل على المستوى العربي والدولي بغرض شرح القضية المصرية وتوضيح خطورة إسرائيل على الأمن والسلم الدوليين، وكذلك دور عبدالحليم حافظ وكثير من النجوم، ولم يتهمهم أحد ببيع القضية الفلسطنية أو شنوا عليهم هجوماً كما يحدث هذه الأيام".

مظاهر مبالغة

الصحافي المصري أيمن نور الدين يرى أن المبالغة في المظاهر الاحتفالية المصاحبة للمهرجانات السينمائية تحديداً ما يجري على السجادة الحمراء من عرض للأزياء وتسريحات الشعر هو ما جعل الحكومات العربية والمصرية تفكر في إلغاء أو تأجيل تلك الأحداث الفنية فور اشتعال  الأحداث في غزة وتفاقم الأوضاع بوجود مآسٍ تجسدت بقتل الشعب الفلسطيني العربي الأعزل من خلال آلة الحرب الإسرائيلية.

وتابع نور الدين "تأجيل الفعاليات والأنشطة الفنية بناء على المظاهر الاحتفالية التي توجد في هذه المهرجانات لا يتوافق مع رسالة الفن وقيمتها التي تفيد المجتمعات وتزيد الوعي عند الناس، لأن الفن ليس مظاهر احتفالية فقط"، لافتاً في الوقت ذاته إلى أن المأساة هذه المرة  أكبر من أي شيء آخر فهناك أولويات بالحياة.

بدوره يرى المتعهد اللبناني عماد قانصو الذي اعتاد تعهد عدد كبير من الحفلات أن المجهول يسيطر على قطاع إنتاج الحفلات والمهرجانات في لبنان بسبب الحرب في غزة، مؤكداً أن مثل هذه الاحتفاليات ستتأثر سلباً لأن المزاج العام عند الناس والمطربين بعيد عن الفرح، متوقعاً أن يتم إلغاء الفعاليات إذا استمر الوضع لأسابيع مقبلة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة