Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التوثيق في المغرب... ذاكرة منقوصة ومفهوم غائب

لا يزال مجالاً بكراً يحتاج إلى كثير من الوقت والنضج ومطالبات بتوفير مقار للأرشيف محمية من أخطار الكوارث الطبيعية

المركز الوطني للتوثيق في المغرب (مواقع التواصل)

ملخص

هناك مخطوطات قيمة وقديمة تباع بأبخس الأثمان، ومنتجات وصناعة تكاد تنقرض وتحتاج إلى توثيق، وهناك وقائع سياسية واجتماعية سيكون حفظها مفيداً للأجيال القادمة.

على رغم وجود وزارات ومؤسسات حكومية في المغرب تهتم بمجال التوثيق، من خلال إحداث مراكز خاصة تتولى مهمة توثيق مختلف الأحداث والأنشطة ذات الصلة، فإن التوثيق لا يزال "فئوياً" وقطاعياً يراوح مكانه، ولا يغطي كل ما هو سياسي أو تاريخ سياسي أو تاريخ اقتصادي أيضاً.

ولا يزال التوثيق في مجالات السياسة والتاريخ والاقتصاد في المغرب مجالاً بكراً يحتاج إلى كثير من الوقت والنضج، لكن أيضاً إلى التنسيق بين مختلف المهتمين والباحثين في حقول معرفية مختلفة، حيث لا يزال عديد من مواضيع التوثيق مفرقة ومشتتة تستوجب الجمع والفرز والدراسة.

فن وعلم التوثيق

في المغرب توجد مهنة الموثق، لكن التوثيق في هذه المهنة يكتفي فقط بالمعاملات المالية وبيع وشراء العقارات والممتلكات وصيانة العقود، وهي مهنة حرة تخضع لقوانين منظمة، لكن لا علاقة لها بالتوثيق بمفهومه العام المتعلق بالمجالات السياسية والتاريخية والاجتماعية، وغيرها.

ويمارس الموثق العصري في المغرب مهام تتحدد في رسمية العقود، وإثبات الالتزامات، وتوثيق الممتلكات، والتوثيق بهذا المفهوم يرمي إلى "ضمـان السلامـة والحماية القانونيـة للمـعـامـلات الخـاصـة"، من ثم يسهم بشكل أو بآخر في تحقيق السلم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية.

ويرى متخصصون أن التوثيق بمفهومه الواسع يعد فناً وعلماً، ويمكن أن يندرج في إطار المعارف والعلوم، وتحديداً علوم المكتبات وما يدور في فلكها، وصار بدوره رقمياً بفضل التقنيات التكنولوجية الحديثة التي جعلته رقمياً أكثر منه ورقياً بفضل البرامج الإلكترونية الجديدة المتخصصة في المجال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي المغرب يوجد مركز رئيس للتوثيق، يدعى المركز الوطني للتوثيق، وهو يتبع إدارياً للمندوبية السامية للتخطيط (مؤسسة حكومية تعنى بالإحصاءات الرقمية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية)، وتوجد أيضاً مراكز توثيقية قطاعية في عدد من الوزارات والمؤسسات البنكية.

ويسهر المركز الوطني للتوثيق، وفق منصتها الرقمية، على جمع وتجهيز ونشر الوثائق المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في المغرب مهما كان شكلها، سواء تم إنتاجها في البلاد أو بالخارج، كما تهتم بجمع وتحليل وتخزين الوثائق الورقية.

ويوفر المركز قاعدة تقوم على استخدام أحدث طرق ووسائل البحث والرصد الإلكتروني المستمر للوثائق لاختيار أجود الوثائق الإلكترونية المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للمغرب، وأيضاً المتعلقة بعلاقات المملكة بمحيطها الخارجي، وذلك ضمن قواعد بيانات نصية بمقاييس دولية تمكن من الولوج إلى النص الكامل للوثيقة، وتحميله مع احترام قوانين حقوق التأليف على شبكة الإنترنت.

دمقرطة التوثيق

وتهتم عدد من المؤسسات الحكومية ووزارات وبنوك بمسألة التوثيق، فمثلاً مركز التوثيق التابع لوزارة الإدماج الاقتصادي يروم "توثيق المعلومات والمعطيات، ومعالجتها وحفظها وتيسير الحصول والاطلاع عليها، وكذا تسهيل عملية البحث فيها".

ويضم هذا المركز التوثيقي التابع لهذه المؤسسة الوزارية ذات الطابع الاقتصادي، مراجع وكتباً تهم مواضيع عدة من بينها التشغيل، والشغل، والحماية الاجتماعية، والاقتصاد، والإحصاء، كما يضم أيضاً وثائق ذات طابع عام.

بدوره يتوفر البنك المركزي (بنك المغرب) على مركز مهم للتوثيق يضم رصيداً وثائقياً متخصصاً في المجالات البنكية والاقتصادية والمالية، ويشمل مؤلفات ودوريات متخصصة وملفات موضوعاتية وقواعد بيانات متخصصة، ويوفر عديداً من المنتجات والخدمات لتيسير الولوج إلى الموارد الوثائقية المتاحة.

من جهتها تتوفر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على مركز توثيقي يضم عديداً من الملفات التوثيقية، منها مثلاً توثيق الأحباس والأملاك الوقفية التابعة للوزارة، وأيضاً مجموعة من المخطوطات، وتأهيل وفهرسة وترميم هذه الوثائق بهدف معالجتها وعرضها للمهتمين والعموم.

وبخصوص القطاع الخاص، فهناك شركات متخصصة في التوثيق صارت في السنوات الأخيرة تبرم اتفاقات عمل مع مؤسسات رسمية من أجل الإشراف الإلكتروني على توثيق كل ما يتعلق بتخصصها ومجال عملها.

يورد في هذا السياق سعد الله شقرون، مسؤول عن التوثيق في إحدى المؤسسات العمومية، أن غالب مراكز التوثيق القطاعية هذه التي تهتم بقطاعات محددة، تكون مفتوحة للعموم من طلبة وباحثين ومتخصصين، وتكون في الغالب بالمجان.

وأكمل المتحدث ذاته بأن "فتح باب التوثيق والاطلاع عليه من طرف عموم الناس، هو نوع من دمقرطة التوثيق، إذ لا تكون حكراً على المؤسسة التي تملك حقوق هذه الوثيقة أو تلك، بل تتيح الاطلاع عليها وتوسيع قاعدة المستفيدين من المعرفة التوثيقية".

علاقة التوثيق بالمعرفة

يقول المتخصص في مجال القانون الدستوري والفكر السياسي عبدالرحيم العلام إن التوثيق يرتبط بشكل عام بالمعرفة والعلم صعوداً ونزولا، إذ يؤدي ازدياد الاهتمام بالمعرفة والوعي إلى تطور الحفظ والأرشفة، لذلك لا يستغرب أن التوثيق لا يكون جيداً أو حتى متوسطاً في المجتمعات التي تعرف تخلفاً من حيث المعرفة والعلم.

يضيف العلام، "من جهة أخرى يحتاج التوثيق إلى مستوى اقتصادي متقدم، لأنه لا يمكن أن تتوقع من المجتمعات المشغولة باليومي والآني أن توفر مساحة معينة الاهتمام بالتوثيق، إذ يشبه الأمر رجلاً لديه غرفة ضيقة، ومع ذلك يطلب منه تخصيص مساحة لحفظ الأغراض البالية أو أعداد الصحف القديمة، أو أن نطلب من إنسان لا يملك قوت يومه أن يخصص المال والوقت لالتقاط صور تذكارية، وهذا هو حال العدد من الدول الفقيرة التي يكون التوثيق آخر اهتماماتها".

ولفت المتخص في القانون الدستوري إلى أنه من شأن إطلالة قصيرة على ما تتوفر عليه الدول المهتمة بالتوثيق من أرشيفات ضخمة، أن تمنح صورة شاملة عن أهمية الذاكرة، فهذه الأرشيفات لا تضم فقط الذاكرة المحلية، بل تحوي أيضاً ما أنتجته باقي الحضارات من أفكار وأشياء مرتبطة بكل المجالات (الزراعة والصناعة والفولكلور والفكر والطبخ والطب... إلخ).

وفي المقابل، يكمل العلام أن "عديداً من الدول تفتقد أرشيفات توثق أحداثها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بل تفتقد حتى إلى ما يذكر الأجيال القادمة بتاريخ مقاومة الاستعمار مثلاً، وبتاريخ التعامل مع الأوبئة والكوارث والأحداث الكبرى على العموم".

حفظ الذاكرة

ويبدو أن هذا التوصيف الأخير ينطبق على المغرب بشكل كبير. يقول العلام في هذا السياق إن "مقارنة بسيطة على سبيل المثال لا الحصر، بين أرشيف الكونغرس الأميركي وأرشيف البرلمان المغربي، تعطي فكرة واضحة عن حجم اهتمام المغرب بالتوثيق".

وأردف العلام، "حجم الوثائق والأشياء الموجودة في الأرشيفات الأجنبية، والتي تعود ملكيتها في الأصل إلى المغرب، تدلل بشكل كبير على عدم العناية بالأرشيف، بل إن عديداً من صور المدن ومقاطع الفيديو مصدرها هو التوثيق الأجنبي وليس الوطني"، مسجلاً غياب مقار للأرشيف محمية بشكل كبير من أخطار الكوارث الطبيعية والحروب، "لذلك تمحى ذاكرة المناطق التي تتعرض للكوارث بسرعة، وتصبح من دون ماضٍ"، متسائلاً عن توثيقات وأرشيف مدينة أغادير قبل الزلزال الذي ضربها في بداية الستينيات من القرن الماضي.

واستدرك المتحدث بأن "هناك محاولات متواضعة للاهتمام بالذاكرة، وجلها مبادرات فردية، تحتاج إلى تطوير وتوسيع مثل بعض المتاحف، لكنها تبقى محاولات خجولة مقارنة مع ما ينبغي القيام به"، مبرزاً أن "هناك نقوشاً على صخور تعود إلى 10 آلاف سنة قبل الميلاد متروكة من دون حماية في عديد من مناطق المغرب". واسترسل، "هناك مخطوطات قيمة وقديمة تباع بأبخس الأثمان، ومنتجات وصناعة تكاد تنقرض وتحتاج إلى توثيق، وهناك وقائع سياسية واجتماعية سيكون حفظها مفيداً للأجيال القادمة، حتى تستلهم منها العبر والدروس"، لافتاً إلى أنه "لا توجد إرادة سياسية لحفظ الذاكرة، فضلاً عن الوعي بأهمية التوثيق والأرشفة".

وأنهى العلام حديثه بمثالين، الأول "المكتبة الوطنية الفرنسية التي طلبت خلال أزمة كورونا من كل المواطنين أن يرسلوا لها كل ما يتعلق بالمرحلة من وثائق ونكت وفيديوهات وكتابات... إلخ، بهدف توثيق هذه المرحلة، والمثال الثاني إقدام الحكومة البوسنية قبل سنوات ببناء متحف ضخم تحت الأرض مقاوم للكوارث وللأسلحة النووية، من أجل حفظ كل شيء له علاقة بالثقافة والذاكرة البوسنية، خشية أن يأتي يوم وتنسى هذه الذاكرة لسبب ما".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير