Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أفلام "الخيال العلمي" سينما تصنعها التقنية

تحرص مؤسسات الإنتاج الأميركية على دعمها والإكثار منها على حساب أنواع أخرى لما تحققه من إيرادات

لعب أدب الخيال العلمي منذ بدايات القرن الـ19 دوراً كبيراً في شحذ وجدان السينما الأميركية (أ ف ب)

ملخص

نادراً ما يطالعنا فيلم سينمائي له علاقة بما يحدث اليوم داخل أميركا بينما تحرص مؤسسات الإنتاج على دعم أفلام الخيال العلمي والإكثار لما تحققه من إيرادات

تحظى أفلام الخيال العلمي باهتمام كبير داخل هوليوود لدرجة تجعل المرء يدهش من مدى متابعة الجماهير لهذا النوع من الأفلام، إذ على رغم سيطرة أفلام الحركة والحروب والسير الذاتية، فإن تلك النوعية من الأفلام لها جمهورها الخاص، ويتأكد ذلك من خلال متابعة إيرادات التذاكر التي تسجل ارتفاعاً مهولاً يعكس نزوع السينما الأميركية المعاصرة إلى الترفيه والاستهلاك، وتراجع طريقة النظر إلى السينما من كونها عبارة عن آلة فكرية تنتقد الواقع وتفككه، إلى كونها وسيطاً بصرياً ترفيهياً.

ويبدو ما تنتهجه السينما الهوليوودية هو نفسه ما دعت إلى نقده مدرسة فرانكفورت مع رائدها أدورنو، إذ تنفتح على الاستوديوهات أكثر من عنايتها بتحولات البشر اليوم، بل تبدو الأفلام الأميركية الجديدة وكأنها بعيدة من التحولات السياسية والاجتماعية التي تطاول الواقع، إذ نادراً ما يطالعنا فيلم سينمائي له علاقة بما يحدث اليوم داخل أميركا، بينما تحرص مؤسسات الإنتاج على دعم أفلام الخيال العلمي والإكثار منها على أساس ما تحققه من قفزة على مستوى مداخيل السينما.

حين صدر فيلم "ذا ماتريكس" (1999) للأختين لانا وليلي تشاوسكي، بدت السينما الأميركية وكأنها تنزع عنها عباءة الواقعية التي طالما جذبت المشاهدين عبر العالم، لتدخل ضمن عالم من الميتافيزيقا البصرية، باتت معها الكتابة محض خرافة وهباء، حيث دشن هذا الفيلم بصوره وجمالياته مسار الفيلم الأميركي، وجعله ينتقل من باب سينما الحركة والحروب والرومانسية والاجتماعية، إلى نمط آخر من السينما التي تتحول فيها الصورة إلى مختبر بصري لاستشراف المستقبل. حقق الفيلم مداخيل كبيرة وصلت عالمياً إلى 467.223 مليون دولار أميركي ونحو 172.077 مليون في الولايات المتحدة الأميركية وحدها فقط. وفتح الفيلم مجالاً للتفكير في موضوع علاقة السينما بالتقنية، حتى أصبحنا نعاين سنوياً عدداً كبيراً من الأفلام التي تصنع وتطبخ داخل استوديوهات هوليوود.

سينما التفكير

لكن بقدر ما استطاع "ذا ماتريكس" فهم المستقبل من خلال مبرمج حاسوب، حرصت مؤسسات إنتاجية عالمية على تحويل فيلم "سبايدرمان" إلى صور استهلاكية مفبركة غايتها نشر الابتذال. وعلى رغم ما حققه الفيلم من الناحية التجارية، فإنه قد وجه إليه نقداً لاذعاً بسبب أبعاده الترفيهية، في حين لا يزال فيلم "ذا ماتريكس" يشاهد ويكتب عنه مقالات عالمية ويتم التفكير فيه فلسفياً في علاقة الإنسان والجسد بالتقنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فتح الفيلم قارة شبه مجهولة داخل السينما العالمية وكشف عن أشياء مذهلة من الممكن أن تحدث في المستقبل وذات أثر في علاقة الذكاء الاصطناعي بالفن السابع، فالسينما كما قدمها "ذا ماتريكس" هي عبارة عن رؤية فلسفية تتبلور من خلال الصورة، بل تزيد الصورة من الوعي بأهميتها الفلسفية، على خلفية الدلالات الفكرية التي تختزنها الصورة نفسها.

بهذه الطريقة نفسها يتحول الفيلم إلى مختبر لبلورة هذا النوع من التفكير الفلسفي الذي يستشرف المستقبل، عاملاً على إخراج السينما من ثقافة المسلسلات وغيرها. يقول الباحث عبدالعلي معزوز إن "كل الموضوعات قابلة للتفكير الفلسفي والتأمل النقدي بما فيها الصورة، فقد انتهى الزمن الأفلاطوني المناوئ للصورة بما هي أيدولون [Eidolon] وشبيه ونسخة مكرورة [Simulacre] أو ظل يدعو إلى التوجس والشك". ويضيف، "بحسب دولوز ثمة مفاهيم فلسفية في السينما، لكنها مفاهيم تبنى ولا توجد جاهزة، فالصورة السينمائية هي نفسها تتحرك نحو الفكر ولا تحتاج إلى أن يتحرك الفكر نحوها".

الأدب وقود السينما

لعب أدب الخيال العلمي منذ بدايات القرن الـ19 دوراً كبيراً في شحذ وجدان السينما الأميركية الحديثة بمجموعة من المفاهيم والرؤى والأفكار التي لم تعد مطروقة من الناحية الميتافيزيقية، إذ بدا هذا النوع من الأدب وكأنه يقدم جديداً يعول عليه من الناحية التخييلية. هكذا جذب بعض القصص والحكايات صناع الفن السابع، فباشروا إلى الاشتغال على نصوص أدبية تعنى بالخيال العلمي، وتحاول عبر ذلك أن تفتح نافذة بصرية جديدة على عالم لا مرئي، لكن انطلاقاً من الواقع.

تعتمد أفلام الخيال العلمي على مقاربة فلسفية تنظر إلى الحياة بطريقة خيالية كمحاولة لإضفاء بعض من العبثية عليها، بل إنها تستبدل بالواقع الخيال وتزج بالشخصيات في عالم من الفانتازيا الساحرة التي بقدر ما تبتعد عن الواقع، فإنها تبقى مدينة له على مستوى المعنى والدلالة.

لقد كشفت بعض الأفلام الجديدة لاحقاً أن هذا الأدب أسهم بشكل خفي في تطوير السينما الأميركية وجعلها مفتوحة ومشرعة على اللاممكن، في حين ظل الأدب الواقعي يقف نداً لأدب الخيال العلمي الذي استطاع في سنوات قليلة التأثير في خصوصيات الأدب العالمي، لكن ما أعطى لهذا الأدب قيمة هو حينما حول روايات تطرق باب الخيال العلمي وتعتمد في رؤيتها للسينما على مقاربة بصرية تنتقد الواقع وتدين التاريخ وفداحته.

يقول الكاتب عمر بقبوق، "حاز هذا النوع من الأدب جماهيرية واسعة حينها، لكنه لم يرق لذائقة النقاد والنخبة، الذين فضلوا الأدب الواقعي عليه. وبسبب شعبية هذا النمط الأدبي، انتقل سريعاً إلى سائر أنواع الأدب والفنون، ووجد في السينما المناخ الأكثر ملاءمة له، ففي عام 1902، أخرج جورج ميلس أول فيلم خيال علمي، وكان فيلماً صامتاً، مدته 16 دقيقة، وصور العالم كما تخيله ميلس على سطح القمر، من خلال معارك بين سكان القمر والمهاجرين من الأرض".

وأضاف بقبوق، "حققت أفلام الخيال العلمي، عبر تاريخها، نجاحاً باهراً، وتزداد شعبية هذا النمط السينمائي يوماً بعد يوم، في الوطن العربي والعالم، ويتراوح ما تنتجه السينما الأميركية سنوياً، ما بين ستة إلى عشرة أفلام، وهو تقريباً نفس عدد أفلام الخيال العلمي الذي أنتجه الوطن العربي عبر تاريخه".

وبقدر ما تحضر هذه الأفلام بقوة داخل السينما الغربية، تغيب عن العالم العربي. والسبب كامن في كون المؤسسات الإنتاجية، لا تقوى على إنتاج أفلام حول الفضاء والكوارث الطبيعية وما يرتبط بها من خيال علمي، وذلك لضعف إمكاناتها التي لا تساير تحولات السينما العالمية وصورها.

المزيد من سينما